الحدث الآذاري

  المقال الافتتاحي لصوت الأكراد *

لا نعتقد أن أي منصف ومتابع لمسألة تعامل السلطة السورية مع الشعب الكردي في سوريا ، إلا أن يؤكد أنه هناك تغيراً نوعياً في سياستها باتجاه المزيد من القمع والتنكيل وحتى القتل ، حيث بدا ذلك واضحاً في آذار 2004 وخريف 2007 وليلة عيد النوروز 2008 ، وكل المعطيات والدلائل تشير – رغم تسويق الأجهزة الأمنية لعدة روايات – أنه كان هناك تخطيط مسبق ومحكم لتنفيذ عملية القتل هذه، والتي راح ضحيتها ثلاثة شبان أكراد وأربعة جرحى ، وعدد من المعتقلين .

 

ونعتقد أن هناك عدة دوافع سياسية وراء ارتكاب هذه المجزرة وسابقاتها أهمها :

 

1- الأزمة الخانقة التي وصلت إليها سوريا بسبب سياسات السلطة ، سواء لجهة عزلتها المتزايدة دولياً وعربياً ، أو بسبب التدهور الشديد في الأوضاع الداخلية من سياسية وإدارية واقتصادية ومعاشية وازدياد حجم المعارضة واتساعها،ورفضها المتصاعد لسياسات السلطة ، خاصة بعد أن أوصلت السياسة الاقتصادية للسلطة القسم الأكبر من الشعب السوري إلى حافة الجوع .

إن الاحتقان الداخلي العام ، والرفض الواسع لسياسات السلطة ، في ظل رفض السلطة لمراجعة أي من سياساتها أو التخلي عنها أو عدم قدرتها على مراجعتها لأسبابها الخاصة .

باتت الحاجة ماسة بالنسبة للسلطة لتحويل جهة الصراع (حيث الصراع الدائر بين عامة الشعب السوري والسلطة) إلى صراع داخلي بين مكونات الشعب السوري ، والعمل على خلق أعداء وهميين في الداخل بغية إدارة دفة الصراع لتحويل الأنظار عن سياستها الداخلية والخارجية ، وقد وقع اختيارها على الشعب الكردي لتحويله إلى عدو وهمي ، والسعي لفتح صراع عربي كردي بغية تفجير أزمتها الداخلية باتجاه الشعب الكردي بدلاً من صراع كافة الشعب مع السلطة ورفض سياساتها وبغية تنفيذ أجندتها هذه فكان لا بد من اصطياد بعض الأخطاء أو حتى افتعالها هي بنفسها بغية تأليب الرأي العام السوري ضد الشعب الكردي بعد أن نجح هذا الشعب عبر إعلان دمشق في إفشال سياسات السلطة ، ومد جسور الثقة بين الشعبين العربي والكردي ، وتستغل السلطة رفع بعض الرايات والصور والأعلام في أزمانها وأمكنتها غير المناسبة وتوظيفها لأجندتها الخاصة ، وبغض النظر ، ومهما كانت دوافع رافعي تلك الصور والأعلام شريفة ووطنية ونضالية ، فإنها بالمحصلة تخدم أهداف السلطة ، وتساعد في تحقيق برامجها واستثمارها لدى الشارع العربي.

2- إن المكون الكردي يمتلك من الحيوية والفعالية ، وباتت نشاطات الحركة الكردية ضمن الإطار الوطني العام وعلى الساحة الأوربية مقلقاً للسلطات رغم أن جميع نشاطاتها تتم تحت سقف الوطن وبأساليب ديمقراطية وحضارية ومتطورة ، وبات هذا المكون ليس محركاً لذاته أي للشعب الكردي وحده ، بل رافعاً لتصعيد النضال الوطني الديمقراطي العام ، وحافزاً له نتيجة استعداد هذا الشعب للتضحية والدفاع عن النفس وعن الحقوق القومية المشروعة والديمقراطية العامة ، وسعيه إلى تحقيق أفضل صيغ التواصل مع المكون الآخر ، (الشعب العربي) وباقي مكونات الشعب السوري ، بات هذا التحرك بحد ذاته مقلقاً للسلطات خاصة وإن الرفض لسياسات الاضطهاد الوطني العام والقومي الخاص بات شاملاً لدى الشعب الكردي ، ومن هنا فإن السلطة سوف تسعى إلى توجيه ضربة استباقية لهذا الشعب بغية إخماد حيويته وديناميكيته وكسر إرادته وإخضاعه لسياسات السلطة ، ونزع روح المبادرة منه ، وفك عرى التعاون والتواصل بينه وبين الشعب العربي ، ولجم انتقال حيوية هذا الشعب ، وقدرته على التحرك إلى الشارع العربي ، لذلك فإن هذا الشعب سيبقى مستهدفاً من قبل السلطة طالما حافظ على ذاته بهذا الشكل وهذا النمط من النضال والتفاعل والحيوية .

ولكننا نقولها وبكل صراحة وشفافية ، وبكل جرأة ، إن خيار القمع والتنكيل والقتل الذي تمارسه السلطة ضد ابناء شعبنا لن يحقق أهدافها ، فالشعب الكردي – وعبر حركته الوطنية – سيواصل النضال الديمقراطي السلمي بكافة أشكاله وأساليبه ، ولن تثنيه كل أشكال القمع والترهيب عن مواصلة النضال وتصعيده ، وسيستمر في التواصل وتحقيق أفضل صيغ التعاون والتنسيق مع القوى الوطنية والديمقراطية السورية بغية تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي المنشود في سوريا ، وإنه مهما ازداد القمع والقتل فإن إرادة شعبنا الكردي ستزداد صلابة وقدرة على الدفاع عن النفس ، وتصميماً على التصدي لجميع السياسات الشوفينية العنصرية المطبقة بحق شعبنا وصولاً إلى تحقيق أهدافه الوطنية والقومية المشروعة ، وإن أفضل الخيارات هو خيار الحوار مع الحركة الوطنية الكردية على قاعدة الشراكة التامة في الوطن ، ومن منطلق إلغاء كافة السياسات والمشاريع الشوفينية ، ومعالجة آثارها وتداعياتها ، والإقرار الدستوري بوجود الشعب الكردي الذي يشكل ثاني قومية في البلاد ، وأي خيار آخر تسلكه السلطة لن يكتب له النجاح وسيزيد من معارضة الشعب الكردي له.

—–

* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العدد 400 آذار 2008



لمتابعة العدد انقر هنا    deng400

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…