متعة التسامح و آلام التعصب

حواس محمود
في ظروف عالمية وإقليمية بالغة التشابك والتعقيد تدفع الأحداث بالباحث والمفكر والمثقف ( الحقيقي ) إلى النظرة الواقعية و الموضوعية والعلمية للأحداث من جوانبها وحيثياتها المختلفة على نقيض النظرة الأحادية إلى الحدث من حيث المصلحة أو المعيار أو التوجه القومي أو الديني أو العشائري أو المذهبي و إنما بأخذ الإطار العام للوحة الإنسانية واتخاذ الموقف المدروس والعلمي المدقق من جوانبه كافة ولكن في ظل تشابك التعقيدات كما أسلفنا وفي ظل سيطرة أنظمة شمولية توتا ليتارية في العالم الثالث و في أجواء ما بعد الحرب الباردة و سيطرة القطب الواحد (الولايات المتحدة الأمريكية ) على الساحة العالمية نرى مواقف وممارسات شتى تأخذ منحى خاطئا ومغلوطا و بالضد من جدل الأحداث وحركة التاريخ
فمهما كانت الصراعات و التناحرات شديدة ومتوقدة في ساحة من الساحات فان النهاية ستكون للوئام و المحبة والسلام ولكن بعد فوات الأوان فلماذا لاياخذ العقل البشري العبرة من أحداث التاريخ (و يركب رأسه كما يقولون) ويعاند ويصر على المضي في طريق إرضاء العاطفة والشعور الذي تم شحنه بشحنات سلبية ضارة وخطيرة تنذر بعواقب وخيمة وحوادث كارثية إذن التعصب لفكرة أية فكرة عملية لا تاريخية وتؤدي إلى أضرار كبيرة في البنية التحتية لأي مجتمع وفي البنية السيكولوجية العقلية للبشر لنضرب أمثلة على علاقات التعصب بين الشعوب والتي لازالت ملامحها موجودة حتى ألان ما يجري في (الشيشان ) , (كردستان ) , (مناطق متعددة من السودان ) ما جرى في (البوسنة والهرسك ) وما يجري حاليا في القامشلي وغيرها من المدن- قبل ايام أي في 20/3/2008 قتل ثلاثة وجرح أكثر من خمسة أكراد في القامشلي  عشية احتفالهم بعيد نوروز القومي –  في سورية
أما أمثلة التسامح فيمكن النظر إلى الهند بقومياتها المتعددة والمتعايشة (بغض النظر عن بعض حوادث التطرف هنا أو هناك المهم هو النظام الإداري والسياسي هناك ) وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية التي أدركت أن تجاهل الأقليات والنظرة العنصرية لن تجلب لأمريكا غير الخراب والدمار (أيضا بغض النظر عن بعض حوادث التطرف هنا أو هناك ) والأمثلة عن التسامح في الدول المتحضرة كثيرة و أكثر من أن تحصى و أريد التأكيد أن الشعوب في كثير من الأحيان لا تلام طالما إنها لم تتسلح بسلاح الوعي والثقافة فهي تقع في أخطاء وتبريرات لسياسات موجهة من أنظمة تعرف ماذا تقول وتعرف ماذا تمارس وتعرف حصيلة ما تجني مما تخطط له في عقلها الشمولي ، ولكن العتب كل العتب على المثقفين أو ممن يحسبون على فئة المثقفين الذين ينقسمون إلى ثلاث فئات :1- فئة مثقفي السلطة الذين يدورون في فلك السلطة ويعيشون على فتاتها ويبرون أخطاءها مهماكانت صغيرة أو كبيرة
2- فئة المثقفين الصامتين والانتهازيين الذين يتهربون من الحقائق ويؤثرون السلامة المزيفة على حساب تدمير المجتمعات وخرابها ووقوعها في آلام التخلف والعصبية والجاهلية

3- فئة قليلة تأبى إلا اتخاذ الموقف الموضوعي السليم من أي حدث بمعالجته موضوعياً وهي تمتلك ضمائر حية يقظة وعقول متفتحة تبشر بالخير والسلام لشعوبها ومجتمعاتهاإن ما يحدث الآن في دار فور السودان وما حدث في الأمس القريب والبعيد في جنوب السودان وما حدث في كردستان العراق وغيرها من المناطق وما قد يحدث في الجزائر ( البربر) وفي مصر( الأقباط ) انما كل ذلك بسبب التعصب ، والتعصب للقومية السائدة يولد التعصب لدى القومية أو الأقلية الموجودة في نفس المجتمع أو الدولة التي توجد فيها القومية السائدة ، ولذلك فما الداعي لاستغراب بعض المنتمين للقومية السائدة من تنامي الشعور بالانتماء القومي أو الاقلوي لأفراد القومية الصغيرة طالما أن هناك إلغاء لخصوصيتها وتجاهل لثقافتها وعاداتها وتقاليدها وتغييب لهذه الخصوصية في حقول التربية والثقافة والإعلام والسياسة … لماذا الاستغراب طالما أن إلغاء الآخر وصل إلى درجة الابادة الجماعية ( كردستان العراق – دارفورالسودان ) ولكي لا ننسى نذكر حوادث الابادة الجماعية للأرمن على يد السلطات التركية الوحشية التي قامت بمجازر بشعة يندى لها جبين البشرية وتقشعر لها الأبدان .

لماذا تسود ثقافة الكراهية بين شعوب الشرق ؟ وإذا قال بعضهم لقد تجاوزناها اذاً لماذا هذا العنف الأحمق يسود هذه المجتمعات ،العمليات التفجيرية والابادات والقتل الجماعي ؟ هل يمكن أن ينكر أي إنسان يمتلك ضميراً حياً وعقلاً متيقظاً أن رواسب التعصب لا زالت موجودة وتغذى وتشجع إعلاميا وعلى الملأ أين دور المثقفين وأصحاب العقول النيرة لماذا هذا الإعلام يسوق ويروج للقتل والدمار ؟ هل مجتمعات الغرب تخرب الآن مثلما تخرب مجتمعات الشرق ؟ هل يدرك هؤلاء أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم من شرع لهؤلاء قتل العراقيين مثلاً ؟ إذا كان ثمة رجال دين يشرعون ذلك فلماذا لا يقارعهم بالحجج الدامغة رجال دين آخرون لم يبيعوا ضمائرهم ولم يفقدوا عقولهم !
هذه الأسئلة المحرجة والمؤلمة في آن أطرحها على الضمير العربي وعلى الضمير الشرقي ليجيب عليها في محنة صعبة ومخاض أصعب ومرحلة انتقالية هامة تشهدها المنطقة فهل من مجيب ؟

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…