وقلبي معك يا صافيناز كاظم….

فوزي الاتروشي  *

 

بين سيل من الاقلام العربية التي اما سكتت او انحازت باستحياء وخوف او تشفّت او تسمّرت في منتصف الطريق في مواجهة الاعتداء التركي الاخير في كوردستان العراق اعلنت الكاتبة (صافيناز كاظم) مع نخبة قليلة من الكتاب العرب انحيازها الكامل والمطلق مع الحق ومع الشعب الكوردي.
ففي مقال لها  بعنوان (قلبي مع الاكراد) في الشرق الاوسط يوم 1/3/2008 صرخت باعلى صوتها (اهطلي يا ثلوج وامنعي هذا الزحف غير المقدس، فانت دفاع الله سبحانه وتعالى عن هذا الشعب المغبون) ولم تبخل على قلبها ان يمضي مع الاكراد ويتجول في جبالهم القصية المكللة بالثلوج والدماء التي لم ينقطع سيلها على مر التاريخ، وحين تكتب هذه الاقلام ندرك اننا لسنا وحيدين منعزلين نلعق جراحنا وننعم بصداقة جبالنا، وندرك ان الدنيا مازالت بخير.

 ان حدود كوردستان العراق غير محصنةالا بارادة شعب اختار الحرية وبثقة وامال اطفال ونساء وشيوخ ورجال يبذلون اجزل العطاء لتعويض سنين القهر والقمع والحزن المزمن،بشيْ من الازدهار السياسي والثقافي والاقتصادي لردم الهوة بين الاقليم الذي كان الاكثر بؤسا في العالم وبين شعوب الارض وبرغبة جامحة للبناء والتنمية بعد عقود من الحرب والتدمير والابادة العنصرية ،والشاهد على ذلك علي كيمياوي الذي اعلن في المحكمة اته لوعاد لسابق عهده لكرر المأساة مجددا .

والاقليم الكوردي  اصلا رغم كل النتوءات التي علقت به او ما يعتريه من ثقوب هنا أوهناك يبقى ملاذا وبيتا تحت الشمس لشعب ظل على مر التاريخ واقفا في العراء يقتعد الارض ويلتحف السماء وحين تواجهه العواصف يبقى واقفًِا لا يسقط لان مقاومته المستديمة علمته ان السيول تمر بالاشجار المتجذرة في الارض فيمضي السيل وتعمّر الشجرة.

فلماذا لا يتضامن الاقربون مع هكذا ملاذ ولماذا يتجاوزون على اركانه واوتاده وكانهم يحسدون شعباِ يتمتع  بمنطقة امنة منذ عام 1991 بعد ان كاد الدكتاتوريجهز عليه ويلغيه من الخارطة،ولم يعينه انذاك سوى تحوله الى صورة عالمية متلفزة الهبت في  الضمير العالمي نزعة التضامن التي تجسدت في القرار 688.

ان كوردستان العراق لاتستحق الشك والحسد والكره من جيرانها الذين يستولون  على اضعاف مساحتها واضعاف اضعاف ثروتها وقوتها، وهم اساسا يفترض انهم اخوة بالدين وشركاء في اشاعة السلام والتنمية في منطقة الشرق الاوسط، ارض الانبياء الحبلى بالتفجيرات السياسية التي لا ينقطع سيلها .

ان الكورد في بحثهم عن الحرية انما يريدونها للجميع ، ولانهم ضحايا التاريخ والجغرافيا فلا يمكن الا ان يفرحوا اذا انتزع شعب حريته في كل اقاصي الدنيا، ولذلك صفقت الاقلام الكوردية والاصوات السياسية والقيادات الكوردية لاستقلال (كوسوفو) وشعبها الشقيق في الماساة وحرب التطهير والجينو سايد التي فرضها الصرب ، مثلما فرضها الدكتاتور السابق على شعب كوردستان، وبالمقابل فان الحزن يجتاح الكتاب الكرد اذا اندحرت قضية شعب ما او انتكست اماله ، لانهم يتوجسون الخوف المشروع على قضيتهم وعلى اركان بيتهم الامن.

هذا السلوك في الكتابات الكوردية نتمنى ان يعمّ على الكتاب والاعلاميين العرب تطبيقاً لمبدأ نبيل هو ان الحرية قي العالم لاتتجزأ وان من يدافع عن وجوده وينكر وجود الاخرين يدق المسمار الاول في نعشه قبل ان يستطيع الاستعداد لتشييع الاخرين.

(صافيناز كاظم) و(عدنان حسين) و (عبد الرحمن الراشد) و(كاظم حبيب) و(خالد القشطيني) و اخرون قد يضيق بذكرهم المجال هم اقلام ارتأت لنفسها ان تتواصل مع الحق حيثما كان وضد الظلم حيثما كان وتلك فضبلة صعبة المنال هذه الايام حيث تزدحم الساحة بكتابات عديمة اللون كريهة الرائحة تجعل الضحية قاتلاً وتدعي الحق وهي تجهل معنى الحق او تتجاهله.

ان مقاومة الشعب الكوردي من اجل الوجود والبقاء والحرية في حاجة ماسة الى نخب مبدعة في الدول التي يعيش فيها لتكون له عوناً اضافياً وخشبة اخرى يتكئ عليها ، ولذلك فهو يفرح لكل من يمنحه التضامن ويسعفه ولو بالكلمة الطيبة .

لو ان اي كاتب عربي هرع الى الارشيف لوجد اكواماً من الكتابات الكردية التي تناصر القضايا العربية وتدفع بالراي العام الكردي للتخندق معها وليس ضدها ،ورغم ذلك يتعامى عليها بعض الاعلاميين العرب حين يقع الشعب الكردي فريسة العدوان .

 

تحية من القلب الى (صافيناز كاظم) واقول لها وقلبي معك ايها الصوت المشبع نرجسا وحبا.

——

* وكيل وزارة الثقافة في العراق

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس كوردستان ليست خريطة معلقة على الجدار، ولا نشيدًا قوميًّا يُتلى في المناسبات، ولا لهجة تُنطق في وادٍ دون وادٍ آخر، كوردستان هي وحدة الوجع، وحدة الدم، وحدة الجبل الذي احتضن الثائر، ووحدة الأم التي ودّعت أبناءها في جميع جهاتها الأربع دون أن تسأل، من أي جزء أنتم؟ لكنّ المأساة الكبرى لم تكن فقط في احتلال…

جليل إبراهيم المندلاوي   في خبر عاجل، لا يختلف كثيرا عن حلقة جديدة من مسلسل تركي طويل وممل، ظهرت علينا نشرات الأخبار من طهران بنغمة هادئة ونبرة مطمئنة، تخبرنا بأن مفاوضات جديدة ستعقد بين إيران وواشنطن، هذه المرة في “أجواء بناءة وهادئة”… نعم، هادئة، وكأنها نُزهة دبلوماسية على ضفاف الخليج، يتبادل فيها الطرفان القهوة المرة والنظرات الحادة والابتسامات المشدودة. الاجتماع…

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…