كاميران حاجو
اللهفة للتأكيد على خصوصية شعب له لغته وثقافته وعاداته الخاصة به وللتأكيد على المطالب العادلة لشعب غبن تاريخيا ولا زال والخوف من المعلوم المجهول ومن المزيد من القرابين البشرية على مذبح الحرية والإستقلال ولسان حاله يقول أما آن لهذا الدم المراق والمآسي والليل الطويل والظلم أن ينتهي..
بالأمس كان نوروز في القامشلي وحدث ما كان الكردي يخافه وعمد العيد والفرح الكردي المسالم بالدم, وكأن آلهة الجبل لا تهنأ إلا بالدم الكردي المسترخص محليا ودوليا .
إلا أنه أثبت مرة أخرى على خصوصيته من خلال إصراره على نوروزه كرمز قومي لا يتعارض مع إيمانه العميق بالمساواة التامة مع القوميات الأخرى وإحترامه الشديد أيضا لخصوصيات هذه القوميات على عكس القومية التي ينادي بها البعث والتي تضع نفسها فوق القوميات الأخرى في إصطفاف مقيت عفى عليه الزمن بعد أن أعطت البشرية ثمنا باهظا جدا لهذه الأفكار المتطرفة والبالية.
ومن خلال هذا الإصرارعلى وجوده في أرضه التاريخية بخصوصياته الثقافية أثبت الكردي مرة أخرى على أنه لن يستكين حتى يحصل على حقوقه المشروعة وأن يعيش كبقية خلق الله حرا آمنا مسالما.
ويبقى السؤال الملح: ما هي مصلحة النظام السوري في إستفزاز الشعب الكردي وتوتير الداخل السوري ؟ وخاصة في هذه الظروف التي تعاني فيها سوريا النظام من عزلة دولية , إقليمية وعربية غير مسبوقة وحيث الملفات الأكثر سخونة وأهمية لسوريا (لبنان, العراق, فلسطين) معقدة ومتشابكة بشكل شديد, وتبدو المنطقة وكأنها على شفى حرب إقليمية لتحريك الوضع السياسي المسدود, وحيث الوضع الإقتصادي والمعيشي للمواطن السوري في تدهور مستمر كما أن الوضع السياسي الداخلي أيضا في أسوأ حالاته حيث الإعتقالات المستمرة بحق شرفاء ومناضلي هذا الشعب وسياسة القمع وتكميم الأفواه سائرة على قدم وساق ويبقى السؤال الطبيعي في هذا السياق :
من هو أو من هم هؤلاء العباقرة الذين يديرون سياسة سوريا الداخلية والخارجية ؟
هل الغاية هي تعقيد الأوضاع الداخلية بشكل أكبر ؟
من غير الممكن قراءة أفكار المتعصبين قوميا بشكل سليم فردود أفعالهم لا تتسم بالمنطق والحقد يعمي أبصارهم ويجدون في القتل والإضطهاد والقمع حلولا لكافة المشاكل التي تواجههم.
إن كان من التكرار إلا أنه من المفيد التذكير بأن سياسة النظام السوري تجاه الشعب الكردي تغيرت بعد سقوط النظام التوأم في العراق وظهور جار جديد وحصول الكرد هناك على مكاسب سياسية هامة أثر بشكل إيجابي على الكرد السوريين, فكان لا بد من توجيه رسالة للجار الجديد ولكردستان العراق ولأكراد (ها) فكانت مجزرة الثاني عشر من آذار عام 2004 للترهيب وبسبب قراءته الخاطئة للوضعين الداخلي والأقليمي و للتأكيد على أن ما أعتقد آنذاك من أن النظام السوري آيل للسقوط وأن الأمريكان قد وضعوهم على رأس لائحة الأنظمة المستهدفة, إنما هو محض سراب وأنه لا زال يملك الكثير من القوة التي تمكنه من الإستمرار, ووجد في الشعب الكردي الأعزل ضحيته للتأكيد على توجهه القومي الشوفيني ولتطمين القوى القوموجية بأنه أصبح حامي الحمى.
ويبدو النظام اليوم وكأنه يعيد التأكيد على ما سبق و أعتقده آنذاك , بالإضافة الى أنه يبدو وكأنه بات على يقين من أن الداخل السوري لن يبقى على حاله وأن الحراك آت لا محالة, إن كان على شكل تحرك خارجي يحرك الداخل لاحقا أو من الداخل نفسه, وبما أن القناعة لديه هي أن المعارضة الكردية هي الأقوى ضمن صفوف المعارضة السورية والأكثر تنظيما وإستعدادا للتضحية بسبب السياسات الشوفينية المطبقة بحق الشعب الكردي وإنكار كافة حقوقه ووجوده, وبسبب الوضع المتميز والمتطور والملهم لكردستان العراق وعلاقاته الدولية المتطورة بإستمرار وخاصة الدعم الذي تلاقيه من أمريكا وأوروبا (لا شك أن تزامن زيارة نائب الرئيس الأمريكي الأخيرة لكردستان مع التصعيد السوري ضد –أكرادها ! ليس بصدفة) , فإن الأكراد في سوريا هم الأكثر ترشيحا للقيام بالدور الأساسي في التغيير المرتقب في الداخل السوري مستقبلا ولذلك لا بد من إنتهاج سياسة الضربة الإستباقية (ولا بأس من الإستفادة من تجربة أمريكا)..! ولا يفوتنا هنا القول بأن أي إنجاز كردي وعلى أي صعيد كان إنما كفر في المنطق البعثي الشوفيني ولذلك نرى أن فشل الحملة التركية ضد كردستان العراق و مقاتلي حزب العمال الكردستاني وبالتالي نجاح التضامن والتنسيق الكردستاني وإرتفاع معنويات الشعب الكردي في أجزائه الأربعة أدى بالنظام السوري القيام بالدور المطلوب وتعويض الفشل التركي بقتل العزل والأبرياء من الكرد (المتمردين) نظرا للتنسيق المتميز وتوزيع الأدوار بين أعداء الكرد لضرب كل ما من شأنه دفع طموحات الشعب الكردي بإتجاه التحقيق وكل خطوة إيجابية في مسيرته نحو الحرية.
الأمر الآخر الذي تعمل عليه السلطة ومنذ سقوط النظام التوأم في بغداد هو دق إسفين في علاقات مختلف التكوينات العرقية والدينية وخاصة بين الكرد والعرب عن طريق تصوير الكرد كأعداء للوطن وكموالين لأمريكا وكطابور خامس يعمل لصالح أعداء (الأمة)!؟ ولهذا فمن الضروري ضرب هذا العدو الداخلي بكل قوة للدفاع عن البوابة (مابعد الشرقية) للوطن العربي حيث أن الحامي السابق المقبور للبوابة قد فتحها على مصراعيها للقوة العالمية الأولى في العالم وبما أن ضرب هذه القوة غير ممكن ( وسوف يختار النظام الزمان والمكان المناسبين لذلك..!) فلا ضير إذا من ضرب (الحليف المفترض) بما يشفي غليل أغبياء و جبناء النظام وما أكثرهم .
وهنا يبرز دور المخلصين من أبناء هذا الوطن بكافة تكويناته لفضح هذه السياسة القذرة والخطيرة للنظام وتوعية الجماهير للتصدي لهذه اللعبة التي لا تخدم سوى النظام القمعي والتي على الأغلب سوف تكون كمن يلعب بالنار.
وتقع المسؤلية بشكل خاص على أطراف المعارضة السورية لفضح النظام وللتضامن الفعلي مع الشعب الكردي عن طريق القيام بالمسيرات التضامنية في العاصمة والمدن السورية الأخرى لإفهام النظام بأن السوريون متحدون فعليا ولتعزيز بناء الثقة بين التكوينات المختلفة للشعب السوري وأن لا تكتفي المعارضة بكتابة البيانات التنديدية , وأن تؤكد بالعمل الفعال بأن الدم الكردي غال على قلوب السوريين كافة , وإلا فإن المنطقة الكردية ستشعر بعزلتها ولن تقوم بواجبها مستقبلا إن حصل شيء مشابه (لا سمح الله) في مناطق أخرى من سوريا.
إن النظام الأمني الحاكم في دمشق مسؤول بشكل كامل عن ماجرى وليس جزء من النظام كما يحاول البعض أن يسوقه وذلك لسبب واضح وبسيط هو تقاعس السلطة عن محاسبة هذا (الجزء المسؤول) بل على العكس يتم ترقية المجرمين وقتلة الشعب كما حصل مع محافظ الحسكة السابق في أحداث الثاني عشر في آذار 2004.
والدلائل تشير على أن السياسة المتبعة تجاه الكرد تأتي من أعلى المستويات وإلا فإن محاسبة المسؤولين هي من أهون الأمور في الأنظمة الدكتاتورية حيث لا قيمة لأي مسؤول في هذه الأنظمة .
إذا كان النظام القمعي يظن بأن توتير الداخل يساعده على البقاء طويلا في الحكم فهو واهم حيث أن زمن اللعب على التناقضات قد ولى بسبب تغير السياسة الدولية وبالتالي غياب الضامن الدولي لهذا النظام والذي كان الإتحاد السوفياتي السابق يقوم بهذا الدور ولذلك فإن قواعد اللعبة قد تغيرت والداخل السوري المقموع والجائع والمضطهد والتواق للإنعتاق وللحرية لا يتحمل هذه التصرفات الغبية وهو كبرميل بارود يحتاج الى شرارة فقط, هذه الشرارة التي يوفرها النظام نفسه بحساباته الخاطئة…… وعلى المعارضة السورية أن تستعد لأيام آتية صعبة جدا ومصير المنطقة سيتحدد في الأشهر القادمة حيث أن إنسداد أفق الحل السياسي في جميع الملفات في المنطقة بسبب سياسة النظام السوري سوف تستدعي عملا يزحزح هذا الوضع وقد يكون النظام ثمنا لذلك.
ولا شك أن تغير لهجة الإدارة الأمريكية تجاه النظام السوري وعدم إستخدامها لتعبير (تغيير سلوك النظام) منذ فترة , إنما يدل على ما سبق وأشرنا إليه وعلى نفاذ صبرها وعلى أن المستقبل القريب يخبئ الكثير للمنطقة ..