مرة أخرى…تستبيح السلطة السورية دماء مواطنيها الأكراد!!

 *سردار بدرخان

عشية الاحتفال بالعيد القومي للشعب الكردي (نوروز) الذي يصادف الحادي والعشرين من آذار كل عام وأثناء قيام بعض الشبان الأكراد بالرقص والابتهاج بهذه المناسبة في الحي الغربي، أقدمت مجموعة حفظ النظام في مدينة القامشلي على محاولة تفريقهم بالقوة عن طريق رش المياه وإطلاق القنابل المسيلة للدموع، ولم تمض دقائق معدودة، حتى أقدمت سيارة أمنية محمولة بعناصر مدججة بالأسلحة الرشاشة، ووجهت نيرانها صوب أولئك الفتية العزل المحتفلين بمقدم عيدهم، لتنثر الموت في صفوفهم، سقط على أثرها ثلاثة شهداء هم: محمد يحيى خليل- محمد محمود حسن- محمد زكي عبدالله رمضان.

 

وأربعة جرحى هم: كرم ابراهيم اليوسف- محي الدين حج جميل فاطمي- محمد خير خلف فاطمي- رياض شيخي.

 

   نامت مدينة القامشلي ليلتها على جرحها الدامي، لتستيقظ في صباح عيدها كي تودع شهداءها وتدفنهم في تربة الوطن الطاهرة بمقبرة الهلالية برفقة حشد جماهيري كبير.

هنا، تتبادر إلى الذهن أسئلة مؤلمة، ترى، هل هناك دولة على وجه الأرض تتعامل بالرصاص الحي مع مواطنيها يوم عيدهم؟!!…وهل هناك دولة على وجه الأرض تحمل حقداً بهذا القدر لمواطنين لا يريدون سوى الإنصاف والمساواة والكفّ عن ممارسة سياسة الفصل العنصري بحقهم؟!!… ثم هل هناك دولة على وجه الأرض في عصرنا الراهن تسترخص دماء مواطنيها بهذا القدر من الإسفاف والاستهتار؟!! وكيف تذبَح البشر بهذه الصورة الوحشية دون أي مساءلة قانونية أو جزائية لمرتكبي تلك الجرائم المشينة بحق الإنسانية؟!!..بأي حق تقام المقاصل للكرد مجرد طلبهم أن يُنظر إليهم كبشر أولاً وكمواطنين ثانياً؟!!…
ماذا تريد السلطة من شعبنا بعدُ؟!..

نحن موجودون على تربة أجدادنا منذ آلاف السنين، وها أنتم لا تعترفون بوجودنا وحقنا في الحياة.

مارستم ولا زلتم تمارسون سياسة تجويعنا بغية إذلالنا من خلال اغتصاب أرضنا وحقولنا وتوزيعها لفلاحين عرب أتيتم بهم من ضفاف الفرات في سبعينات القرن الماضي، إضافة إلى غلق أبواب العمل والتوظيف أمامنا، فهجِّرنا من قرانا لنعيش في مزارعكم ونعمل في مقاهيكم ومطاعمكم السياحية أو نتسكع في شوارع المهجر لنتعرض لمختلف صنوف القهر والظلم والحنين لديارنا.

جردتم أكثر من ربع مليون كردي في الجزيرة من حق جنسية بلادهم سوريا ظلماً وتحت ذرائع واهية تخفي حقيقة مشاريعكم العنصرية، وهم لا يزالون تائهين، هائمين على وجوههم ليس لهم وجود في سجلات وطنهم!!.

غيرتم أسماء مدننا وقرانا دون وجه حق، وها أنتم اليوم تفرضون علينا أن نعتمدها في بيوتنا وشوارعنا وقرانا دون إرادتنا.

حاربتم، ولا زلتم تحاربون لغتنا ووجودنا وتمزقون تاريخنا وتشوهونها عبر أقلام مأجورة ارتضت لنفسها العمل في تشويه الحقائق وتزويرها.

ولكن، هل نسيتم يا سادة بأن الحقائق لا يمكن لها أن تظل مخفية إلى الأبد، وأننا باقون على أرضنا لن نغادرها رغم سياساتكم الظالمة، رغم سياطكم، رغم قتلكم لنا، سنظل نعيش عليها جائعين، حفاة، نقتات على أعشابها، نستظل بحجارها وأشجارها ولن نرحل..!! لأن قراها، سهولها وجبالها، أوديتها وأنهارها مرسومة في قلوبنا ووجداننا، ونحمل ذكرياتها الحلوة والمرة في أفئدتنا، ولأن مقابرها تضمّ رفاة أجدادنا الأقدمين، وأخيراً، لأننا شهود أحياء في هذه القضية الشائكة.

هل تريدون من شعبنا أن يتخلى عن انتمائه الكردي؟ هل تريدون منه أن يركع أم ماذا؟!!..

إنكم مخطئون كثيراً، فشعبنا الذي يعتز بانتمائه القومي أيما اعتزاز، ساهم إلى جانب شعوب الشرق القديمة في بناء حضارة ما بين النهرين منذ آلاف السنين، وفي رفد الحضارة الإنسانية بالعلوم والثقافة وتجارب الحياة، لا تستطيع كل سياساتكم ومشاريعكم أن تنال من عزة نفسه وشموخه وكبريائه التي يتحلى بها منذ الأزل، وأننا لواثقون بأنه سوف يأتي يوم تحاكَمون فيه أحياءً أو أمواتاً عما اقترفت أياديكم من آثام جرائم بحق شعبنا..!!

نعتقد بأن تلك الرصاصات الحاقدة التي انطلقت من فوهات بنادق تلك العناصر بأمرٍ من جهات مسؤولة عليا- وسوف نطالب بالكشف عنها وإحالتها إلى العدالة بكل ما نملك من قوة وعزم- إنما كانت تستهدف اغتيال الحرية المفقودة في البلاد ووأدِها قبل ولادتها، تستهدف النيل من إرادة أبناء سوريا الساعين إلى إجراء التغيير الديمقراطي السلمي التدريجي، تستهدف التقارب والعمل المشترك بين كافة المكونات القومية والعرقية والمذهبية بغية استدامة ظلمها للجميع واستمرار نهبها لخيرات البلاد وقوت الشعب.

فلا تستطيع هذه الرصاصات البائسة، بل كل رصاصات الكون أن تنهي أو توهن إرادة شعبنا الكردي في المطالبة بحقه في الحياة الحرة الكريمة واحترام خصوصيته القومية ونيل حقوقه الديمقراطية في إطار وحدة البلاد، وأن التجارب الإقليمية والدولية التي تؤكد عدم صلاحية وسائل القتل والدمار لحل القضايا القومية والديمقراطية أكثر من أن تعدّ أوتحصى في هذا المجال.
نتوجه إلى كل الغيورين على مستقبل بلادنا سوريا وأصحاب الضمائر الحية، إلى أصحاب الأقلام المفعمة بحب الحياة وحب الإنسان أن يهبوا للدفاع عن الحق، أن يدينوا قتل الإنسان المواطن بالرصاص الحي والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق نزيهة للنظر في هذه القضية وتقديم الجناة إلى محاكم عادلة كي لا يتكرر هذا المشهد المقزز مرة أخرى في ربوع بلادنا الحبيبة.

إلى جنان الخلد يا شهداء الوطن الأبرار، والشفاء العاجل للجرحى، وباقة ورد عطرة لشعبنا الكردي في عيده نوروز، وكل عام وشعبنا الكردي وبلادنا سوريا بألف خير.

21/03/2008

——–

 

* كاتب كردي من سوريا

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…