فاروق حجي مصطفى *
فقد سبق ان جرب الأتراك هذا النوع من الحروب (24 مرة) ورجع الجيش الى ثكناته خاوي اليدين.
ولم يجن أي ثمار غير انه لاقى الانتقادات من قبل مؤسسات المجتمع المدني (الإعلام ، منظمات حقوقية) لسياسته التي تتناقض مع المصالح التركية الوطنية الحقيقية التي تكمن في بناء علاقة حسن جوار مع المحيط والحفاظ على التوازن الاجتماعي والاقتصادي في ظل الاقتصاد المأزوم بالأصل.
ولعل تجربة اسرائيل خلال حرب تموز يمكن ان تؤخذ كمثال ما زال حاضرا في التحاليل السياسية والعسكرية.
فمن يقرأ تقرير فينوغراد (الإسرائيلي) الأخير بعمق يعرف كم ان مثل هذه الدول تخطئ في التقييم.
فاذا عجزت إسرائيل عن الانتصار على إرادة لبنان مع انها مدعومة من واشنطن وغيرها من الدول الأوروبية ومع ان الانتقادات التي وجهت من الدول العربية لحزب الله أسعدتها، يبقى الاهم ان اكبر جيش جرار لا يمكنه الانتصار على المنظمات التي تتدرب وتحارب عناصرها بأسلوب حرب العصابات.
وهذا مع ان الفارق بين حزب الله وحزب العمال الكردستاني واسع، حيث ان إسرائيل هاجمت حزب الله وهو من دولة أخرى ولا يملك أي أنصار داخلها وان كان ثمة من يتعاطف معه في العمق.
المسألة تكمن في ان الحروب النوعية تحتاج الى أنصار من الداخل، وتاليا لا يمكن استغلال هذه العواطف بشكل مطلوب.
وبالنسبة لحزب العمال فهو يتواجد في المثلث الحدودي وله عمق جماهيري وأنصار وثقل الى جانب منظمات لحروب العصابات تؤمن بالانتحار والتفجيرات (كصقور كردستان، وأشبال آبو) بإمكانها ان تشعل النار وسط المدن التركية.
وثمة من يرى بأنه لولا مساعدة الأميركان لما استطاعت تركيا خوض مثل هذه المجازفة، ولا يختلف اثنان على ان ما قامت به تركيا نوع من الهروب الى الأمام.
في الحقيقة ان الهجوم البري التركي الاخير نبه العمال الكردستاني و أكراد أوروبا والفعاليات الكردية الى أهمية نقل فعالياتهم النضالية الى الداخل التركي (الساحة الحقيقية)، وذلك لأجل تغيير قواعد اللعبة وخلق موازين قوى جديدة في الساحة التركية.
ففي حال عجز العمال الكردستاني عن ان يواجه الجيش في الداخل بطريقة نوعية، وهذا ممكن لان الظروف في المدن تختلف عن الظروف في الجبال، فبإمكان حزب العمال استغلال نفوذ الأكراد الرسمي والاستفادة من المؤسسات الأهلية والمدنية واستثمارها ايجابيا لصالح الأكراد، من خلال العصيان المدني، وعند ذلك سيحقق الأكراد عدداً من الأهداف:
أولا: تبرئة أكراد العراق الذين عجزوا عن الدفاع عن «العمال» لأسباب مفهومة، من تهمة دعمهم.
ثانيا: تمرين الناس على الممارسة الديموقراطية السلمية والذي ينسجم مع مطالب الأكراد وحقوقهم.
ثالثا: في الصراع الداخلي او عند العصيان الداخلي سيكون ثمة تأثير قوي على نفوذ الحزب الحاكم «العدالة والتنمية» من داخل صفوف الاكراد.
فهذا يخلق وضعا معقدا أمام الموالين من أصول كردية للحزب.
رابعا: ان الصراع الداخلي سيكون له اثر على سلوك الأكراد السياسي والحزبي، فيدفعهم لأن يتشبثوا أكثر بخصوصيتهم الوطنية في كل جزء.
ثم انه كلما ازداد الترابط الأميركي التركي، ونتائجه بالتالي، أي الهجوم التركي على الأكراد، تقلص نفوذ الأميركان- الذين تملصوا من وعودهم أمام الأكراد.
——
* كاتب كردي