رسالة سرية للغاية للرئيس مسعود البرزاني

  هيبت بافي حلبجة

دولة الرئيس .

 

ما أصعب على المرء أن يخوض غمار معترك جدل يتصاعد منه ( أريج ) إيلام وشجن ، تتفاقم منه إشكاليات حدية تمزق الكفن وتبدد الوجود وتبعثر المعنى ، وتنجم عنه تأويلات خاوية تهرع إلى تدمير الذات والأخر.

 ما أصعب على المرء أن يكبت شعوراً يخالجه كنبض الحياة كالهدوء ، يقمع إحساساً يتقطر أسىً وألماً .

ما أقسى على المرء أن يتصفح موضوعاً هو الخاسر الأكبر (والوحيد) فيه وليس يمقدوره أن يلجم نفسه أو أن يتراجع أو أن يحجم عنه.

ما أفظع أن أدون على جسدي وذاكرتي وأتربة طفولتي خطوطاً سوداء ، صفراء وأخرى حمراء وثالثة تحبو في وجدانيات زمن يهوى.

سعادة الرئيس.

ما أصعب على المرء أن يختزل جملة معادلات مستعصية تكسح الآفاق تستبد بالأعماق والجذور في بضع كليمات مهجورة متروكة لذاتها تتغرب في سراديب وأخاديد هي الأخرى تشكو من القفر والجدب وتعاني من الوحدة.

ما أقسى على المرء ألا يعبر عما يجيش في أساريره أو ما يعتمل في خلجانه أو ما يختلج به فؤاده .

تلكم هي بالذات لب وكنه الإشكالية ، ومسألة ما بعدها مسألة .

 تلكم هي عقدة هذه الأحداث الأليمة ( الأجتياح الوحشي والهمجي للجندرمة التركية لأراضي أقليم كوردستان لأجتثاث مقوماته الفريدة والخاصة والتاريخية تحت ذريعة مصطنعة ألا وهي مطاردة عناصر حزب العمال الكوردستاني) التي – أي تلك الأحداث – تتربص بذهنية الدمقرطة السائدة في أقليم كوردستان يكل ضغينة وشنآن.

وإذا كانت المعادلة الطبيعية لدى أي مواطن كوردي (بئس الأجتياح ، نعم المقاومة) وهي لدي فعلاً وحقيقة على تلك الشاكلة ، بل أكثر ، إلا أنني استشف من هذه الخطوة (الأجتياح الذي لن يؤدي إلى أي نتيجة على الصعيد العسكري) ومن خلال الربط ما بين الأحداث السياسية المحضة الأخيرة المتعلقة ب (الولايات المتحدة الأمريكية ، حكومة أقليم كوردستان ، الدولة التركية ، الحكومة العراقية) مسوغاً باطنياً مستتراً له ، وكأنه (أي الأجتياح) رسالة مفتوحة وقصيرة ومختصرة لسيادتكم ، رسالة من دبلوماسية الولايات المتحدة الأمريكية لشخصكم الكريم .

سيادة الرئيس .

لا أعتقد أن أحداً ينازع أو يجادل في مضمون فحوى عدة أمور أمست واضحة للقاصي والداني ، بل هي بطبيعتها كذلك ، أي لاتحتاج إلى استقراء ولا إلى أستنباط  ولا إلى تحليل ديالكتيكي .

الأمر الأول .

بالنسبة إلى حزب العمال الكردستاني .

ينبغي ولامناص من ذلك وهذا حق طبيعي أن نحتسبه حزباً كوردستانياً مرتبطاً بصورة جدلية بقضية عادلة ، بقضية تاريخية لها بعدان ( الأرض والشعب) ، (الجغرافية والنسمة) ، بل هو المشتق الوحيد لها ( كوردستان تركيا ) حتى هذه اللحظة ، وذلك مهما كانت درجة إختلافنا ونقاط خلافنا معه ، ومهما كانت حدية المعادلة الرياضية في هذا الشأن ، ورغم أننا نمايز ما بين ( وضعية حزب ما ) و ( عمق المسألة ) على نفس الصعيد .

الأمر الثاني .

الدولة التركية .

مهما وصمنا عقلية هذه الدولة بالهمجية والوحشية ، ومهما شجبنا واستنكرنا هذا الأجتياح وغيره ، فهي دولة نتقاسم معها الحدود وقد تضايقنا أو يتضايق بعض الآخرين منا ، فتنفذ هي خططاً مشتركة ، لذلك لامناص من الإدراك إن الجوار له ركنه وله شروطه .

الأمرالثالث .

مسألة الأحتواء .

لقد بتنا الآن في ظرف ( بعد فترة الحرب الباردة المقيتة والتي أفرزت أقذر أنواع العلاقات في التاريخ البشري) أندحر مفهوم الأحتواء بتلك الصيغة القديمة إلى الأبد ، لذا المراهنة على البعض هنا وهناك مسألة جافة .

الأمر الرابع .

عدالة المسألة الكوردية في تركيا لايعني البتته حجب حقيقة أخرى وهي أن بعد أحداث أيلول عام 2001 (ضرب برجي مركز التجارة الدولية) غدا العنف أمراً مستهجناً ، وينصب في أتجاهات قد يفضي المشكل على أثرها إلى نتائج وخيمة لايحمد عقباه .

فالمسألة الكوردية في تركيا تحتاج فقط إلى حزب سياسي سلمي ينافح في أتجاهين .

الأتجاه الأول هو البعد الديقراطي داخل تركيا ، والأتجاه الثاني هو البعد الأوربي للطموح التركي .

الأمر الخامس وهذا هو الأساسي والجوهري ( مسألة الأندفاع القومي ) من نافل القول إن الطموح و الأماني لا ينبغي أن تكون سبباً في أختراق الحاضر السياسي، أو أن تنزع الموضوعية عن معادلاته ، فكوردستان هي الآن أربعة أجزاء – شئنا أم أبينا – ولم تعد تحكمها معادلة رياضية واحدة ، لذا بأقتضاب وجيز يٌقتضى من كل جزء أن يكمل ويستدرك شرطه التاريخي وفقاً للأمر المفروض عليه كيلا يخسر هو الآخر شرط وجوده إذا ما أندفع في الشأن القومي المحض إلى اللانهاية

دولة الرئيس .

بقي الأمر السادس وهو الأخطر وهنا قد يبرز الوجه النقدي للمسألة ، ويبرز معه مبرر هذا الأجتياح العدائي الجائر ، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تهيض جناحي الصين ، اليابان ، روسيا الأتحادية ، آسيان ، أوربا الفرنسية الألمانية (تصريحات ساركوزي المؤخرة في هذا الصعيد) ناهيكم عن مواقف المملكة المتحدة ، أوستراليا ، كندا ، الأتحاد الأوربي ، الدول العربية ، جامعة الدول العربية ، السلطة الفلسطينية ، لاترضى أن ( تهان ) في عدم استقبالكم للشخصية الثانية في الإدارة الدبلوماسية ( كونداليزا رايس) .

تلك المسألة تراها الولايات المتحدة الأمريكية – لعمري – كبيرة ومنزلة ما بين منزلتين ، والذين صفقوا لسيادتكم ( سعادة الرئيس ) إنما في الحقيقة صفقوا لمثل هذا الأجتياح ، بعد أن أستبدت بهم نشوة (الأندفاع القومي ) .

ثم ألا ترى معي سيدي الرئيس إن الدبلوماسية هي الحوار حتى مع الأعداء .ثم أليست الدبلوماسية هي التي جعلت رئيس الولايات المتحدة يناديك في البيت الأبيض ب ( سعادة الرئيس ) .

دولة الرئيس .

 

لنستقبل السيدة كونداليزا رايس ولنهمس في أذنيها بأمتعاض أننا غير راضين عن هذا التصرف أو ذاك .

ودعني أهمس في أذنيك : سيادة الرئيس استمحيك عذراً إن أنا أخطأت في حقك ….

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…