الجيش التركي عاد خائبا ؟

بافي رامان 

       في ليلة الامس انسحبت القوات التركية  اراضي كردستان العراق و عادت الى ادراجها في الاراضي التركية ، بعد تاكيد جميع المسؤوليين الاتراك ان الانسحاب غير خاضع للجدول الزمني و مرتبط بانتهاء مهمامها بشكل تام ، و ذلك قبل ساعات من الانسحاب و اثناء المؤتمر الصحفي بين وزير الدفاع الامريكي و نظيره التركي ، على الرغم ان وزير الدفاع الامريكي اكد مرارا و تكرارا على الانسحاب باسرع وقت ، و كذلك اكد على ذلك الرئيس الامريكي جورج بوش ، و لكن و على وسائل الاعلام كان المسؤوليين الاتراك يؤكدون انهم لا يخضعون للضغوط الدولية ؟ و لكن كيف تم سحب القوات بعد ساعات قليلة من التصريحات النارية لزعماء الاتراك ؟
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل التوغل العسكري كان انتصارا للجيش ام للشعب الكردي ؟ ان التوغل و الانسحاب كان لمصلحة الشعب الكردي في جانبين من جهة فان المجتمع الدولي و خاصة الولايات المتحدة الامريكية اكدت لدول الجوار ان كردستان العراق لايمكن المساس به ولايمكن ان يسمح لاية دولة في زعزعة الاستقرار و الامن فيه ، لان كردستان العراق اصبح عين لابد السهر عليه من اي عدوان كان لان هذه البقعة تعتبر عند الكثيرين سويسرا الشرق الاوسط ، و ان هناك المليارات من الدولارات للشركات و الدول العالمية و لايمكن ان تسمح لاي دولة في تدمير مكتسباتهم الاقتصادية هذا من جهة و من جهة اخرى فان توحيد الموقف الكردي في كردستان العراق من خلال البرلمان و الحكومة و الرئاسة جعل من موقفهم سند قوي في محاربة اي محاولة في تدمير البنى التحتية و المكتسبات السياسية و الدستورية والقانونية التي حققوها خلال مسيرتهم النضالية الطويلة من التضحيات ، اما على الجانب الكردي في كردستان تركيا فان الشعب الكردي تحرك بشكل قوي ضد التوغل التركي من خلال المظاهرات و الاعتصامات المنددة لهذا التدخل ونادوا بالسلام و الحوار الديمقراطي لحل القضية الكردية في تركيا و هذا ما اكد عليه وزير الدفاع الامريكي انه لابد لتركيا من حل القضية الكردية في الداخل و لايمكن حلها خارج الحدود.

ولكن حتى الان فان الدول التي تضطهد الشعب الكردي في باقي الاجزاء يفكرون تفكير الستينات و السبعينات و يعتقدون انه يمكن ان يلعبوا بالقضية الكردية وان القضية الكردية ليست مهمة للمجتمع الدولي و يمكن لهم ان يعملوا ما يشاؤون دون التدخل الدولي ؟ لان عقلية زعماء هذه الدول لم تتغير حسب المتغيرات الدولية التي حصلت بعد سقوط بغداد و القضاء على النظام الفاشي البائد في العراق وان هناك ترتيبات للمنطقة ليست لمصلحة الانظمة الشمولية و الاستبدادية .

فان الذين يحكمون الدولة التركية منذ تاسيس الدولة العلمانية كما يدعون هم زعماء (( الدولة العميقة )) او (( الدولة المتجذرة )) او (( الدولة الخفية )) ويدرون سياستها الداخلية و الخارجية وهي عبارة عن شبكة كبيرة من الافراد و المنظمات التي تعمل تحت الارض بعيدا عن الاضواء دون ان يتجرأ احد الى التطرق اليها او الحديث عنها و مهمتها (( حماية الجمهورية التركية من الاعداء في الداخل و الخارج )) حسبما تدعي ؟ ولكن هل يمكن الاستمرارية في علم الدولة بنى ورفع بالدم و النار ؟ فان جميع الحكومات السابقة كانت خاضعة لاوامر الجيش و العسكر و الجنرالات ، و لكن عندما فاز حزب العدالة و التنمية بالاغلبية في البرلمان حصلت توترات بين هذا الحزب و الجنرالات الجيش في السنة الماضية بسبب برنامج حزب العدالة و التنمية الاصلاحية و ذلك من خلال تغير الدستور و ابعاد المؤسسة العسكرية عن السيطرة على العديد من مؤسسات الدولة و خاصة بعد فوز عبدالله غول بمنصب رئيس الجمهورية ، ولكن هذا الحزب لتجنب الانقلاب العسكري تراجع عن الوعود الذي قطع على نفسه للشعب الكردي و من خلال حل القضية الكردية بالطرق السلمية و الديمقرطية و هذا ما جعل اغلب الشعب الكردي يصوت لهذا الحزب اثناء الانتخابات البرلمانية ، فان زعيم حزب العدالة و التنمية السيد طيب اردوغان اتفق مع الجيش من خلال طريقة التعاطي مع ملف حزب العمال الكردستاني في الداخل و الخارج ؟ وهذه الاتفاقية كانت واضحة عندما صوت البرلمان ذات الغالبية من حزب العدالة و التنمية على العملية العسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل اراضي اقليم كردستان ، ولكن هل هدف الحملة العسكرية التركية فعلا حزب العمال الكردستاني ؟ واذا كانت هدفها ذلك ، هل تمكنت الجنرالات والحكومات السابقة المتعاقبة على السلطة في تركيا من القضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني منذ ربع القرن ؟ وهل جبال كردستان تركيا خالية من هؤلاء المقاتلين ؟ ام ان الحكومة التركية متناقضة مع نفسها ؟ فان طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي ، قال (( ان عدد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق بضع مئات ، ام الغالبية العظمى موجودين داخل الاراضي التركية )) ؟ ام انه كانت لهذه الحملة اهداف و اجندة اخرى مختلفة تماما بما هي كانت معلنة ؟ و لماذا لم تعتمد الحكومة التركية الى لغة الحوار و السلام حسب وعود الانتخابات بدلا من العنف و الحرب ؟ ولكن فان هدف التوغل المعلن كما قلنا كان القضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني على الرغم ان جميع عمليات العسكرية من قبل الجيش التركي حوالي ربع قرن لم تقضي على هؤلاء المقاتليين داخل الاراضي التركية ؟ لذلك فان الهدف الاساسي كانت من العملية العسكرية هي كبح جماح حكومة كردستان و تدمير البنى التحتية في كردستان و افشال التجربة الديمقراطية الفيدرالية و كذلك ضم مدينة كركوك الى اقليم كردستان حسب المادة 140 من الدستور العراقي ، و ضرب الشعب الكردي بعد ما تمكن الاكراد من ممارسة دور فعال في العراق و تمكنوا من فرض الشرعية السياسية و الدستورية على تجربتهم الفيدرالية ، و هو ما تخشى تركيا و سوريا و ايران حدوثه على اراضيهم ، لان التجربة الكردية في العراق قد تصبح نموذجا يحتذى به الشعب الكردي في تركيا وسوريا و ايران .

اذن فان اجندة النظام و الدولة الخفية التركية اسخف بكثير ممكن  للحملة العسكرية ان تدمر تركيا و كل المنطقة على ان تحافظ على الكمالية المزيفة و التي طوت صفحتها منذ زمن بعيد من التاريخ ، فالدولة الخفية تتباكى ليلا و نهارا على العلمانية و الكمالية و من جهة اخرى تتمسك بافكار العثمانية عندما تفكر ان لواء الموصل جزء من الامبراطورية العثمانية التي دمرت و انهارت منذ حوالي قرن على يد الكماليين واعلن وقتذاك كمال اتاتوترك انه تخلص من الافكار الرجعية و الاسلامية ؟ لبناء الدولة العلمانية ؟ والعلمانية تعني بالدرجة الاولى الديمقراطية و احترام الراي و الراي الاخر وحل المشاكل بالطرق الديمقراطية و الحوار ، وليست ان تجعل من قضية الحجاب كانها قضية وطنية و قومية ؟ فالعلمانية تعني الرفاهية و الاقتصاد المتطور و الحر ، و ليست ان تعيش الشعوب التركية في الفقر و الازمات الاقتصادية ، فالجنرالات يستغلون القضية الكردية و مقاتلي حزب العمال الكردستاني من جهة و من جهة اخرى لافشال التجربة الديمقراطية في كردستان العراق للتغطية على النهب و السرقات التي تتم من قبلهم داخل الدولة التركية و بالاتفاق مع الشركات العالمية لاستعمال الاسلحة التي قربت انتهاء مفعولها ،فكل قنبلة تطلق على الجبال الوعرة و الخالية من مقاتلي و عناصر حزب العمال الكردستاني وحتى من الحيوانات تكفي ثمنها عشرات و مئات العوائل الفقيرة و ممكن بناء معامل و مصانع لاشغال مئات من ايدي العاملة العاطلة عن العمل ؟
ردود الافعال على الحملة العسكرية التركية في كردستان العراق :

 موقف الحكومة العراقية :

    الجيش العراقي و القوات الامنية دخلت في حالة التأهب القصوى بسبب اربعينية الامام حسين للحفاظ على  ارواح الابرياء و هذا من حقهم ، و لكن على ما يبدو فان الشعب الكردي لايعتبر من الشعب العراقي فلم يتحرك الجيش العراقي و القوات الامنية العراقية باتجاه كردستان للدفاع عن حدود دولتهم ؟فهل هناك اتفاقيات سرية بين بعض القيادات العراقية الشيعية و السنية في الحكومة المركزية و الدولة التركية لافشال التجربة الديمقراطية الفيدرالية وعدم انجاز المادة 140 من الدستور العراقي بالنسبة لمدينة كركوك و باقي المناطق ؟ بعد فشل التوغل الاستخباراتي الايراني السوري في اشعال الفتنة الطائفية وصولا الى حرب اهلية ؟ وباعتبار كردستان العراق من اكثر المناطق العراقية استقرارا و امنا فعلى ما يبدو فان افشال التجربة الكردستانية الديمقراطية اصبحت من مهام الدولة التركية حسب توزيع الادوار بين الدول التي تتحكم بمصير الشعب الكردي في جميع اجزاء كردستان ، فمباركة بشار الاسد للحكومة التركية و تاكيد دعمه الكامل لاي عملية عسكرية داخل اراضي كردستان الا تاكيد على توزيع الادوار و المهام و كذلك تحشد القوات الايرانية على الحدود الادليل واضح على نية هذه الدول ، والموقف الخجول للحكومة العراقية الا دليل واضح على اللامبالاة ، و ان الشعب الكردي لا تهم هذه الحكومة ، فهل كردستان فعلا اراضي عراقية كما تدعي الحكومة المركزية ؟ ام ان اغلب المسؤولين العراقيين يريدون اضطهاد الشعب الكردي كما كانت تفعل الحكومات السابقة المتعاقبة على سدة الحكم في العراق منذ تأسيس الدولة و لكن بطرق اخرى و عن طريق دول الجوار ؟ و ان اول موقف رسمي صدر من السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي و يمكن لانه كردي فقال (( ان العراق لم يقر هذه العملية ، مطالبا بانهائها في اسرع وقت ممكن و داعيا انقرة الى احترام سيادة العراق )) .

اما السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي فقد غادر العراق متوجها الى لندن لاجراء فحوصات طبية روتينية على الرغم ان الاراضي العراقية كانت تتعرض للقصف الجوي والتدخل العسكري البري من قبل القوات التركية وان الحدود على بؤر من التوتر بين القوات التركية و القوات البيشمركة ، اما عبدالله غول رئيس التركي اجل زيارته المقررة الى افريقيا بسبب العمليات العسكرية التركية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني ؟ وان الحكومة المركزية ترك الشعب الكردي تقرر مصيره بنفسه ، لذلك فقد حذر وزير الخارجية العراقي تركيا من ان اي تصعيد اضافي لعملياتها العسكرية ضد المقاتلين الاكراد في كردستان العراق قد يؤدي الى زعزعة استقرار المنطقة .


اما السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان حذر الدولة التركية وقال (( ان حكومة كردستان لن تقف مكتوفة الايدي اذا هاجم الاتراك المدنيين و اكد ان حكومة كردستان الفيدرالية ، لن تكون جزءا من النزاع بين الحكومة التركية و مقاتلي حزب العمال الكردستاني .

و في نفس الوقت شدد على انه اذا استهدف الجيش التركي المواطنيين الاكراد او اي منشأة مدنية او ضرب البنى التحتية فاننا سندعو الى مقاومة واسعة النطاق .)) .

ومن جهة اخرى فان المتحدث باسم البرلمان طارق جوهر ، دعا الولايات المتحدة الامريكية و الحكومة المركزية الى التدخل لوقف العمليات التركية .

 وعقدت مجلس الوطني الكردستاني جلسة استثنائية ، و خول قوات البيشمركة للتصدي للقوات التركية ، و الحكومة و جميع المسؤولين الاكراد في كردستان دخلوا في غرف العمليات واعلنوا الاستنفار العام في الاقليم ، بينما البرلمان العراقي كان في اجازة ، و اغلب اعضاء البرلمان خارج العراق للاستراحة النفسية و الترفهة ؟ و رئيس الوزراء نوري المالكي في لندن لاجراء التحاليل الطبية الروتينية و عاد من اجل الاشتراك في احياء اربعينية الامام حسين ؟ وان اغلب دول العالم ادانوا و استنكروا العملية العسكرية من الاتحاد الاوربي و استراليا و باقي الدول و موقف اغلب الدول كانت اقوى من موقف الحكومة العراقية باستثناء بعض الاحزاب الوطنية العربية و بعض العشائر العربية التي دعمت موقف الحكومة الكردية ؟ فان البيت الابيض بعث بالوزير الدفاع الى انقرة ، و قال السيد غيتس ان على القوات التركية مغادرة الاراضي العراقية فورا ، كما اكد السيد جورج بوش ان على القوات التركية الانسحاب باسرع وقت ممكن ،
  واخيرا انسحبت القوات التركية اراضي كردستان العراق و انتصرت  ارادة الشعب الكردي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…