ماذا بعد الهجوم التركي على قنديل؟

جان كورد
27.02.2008

ظلت السياسة التركية العاجزة عن تحقيق الاستقرارالوطني في تركيا تخفي ضعفها وفشلها على كل الأصعدة ، وراء ذريعة “تواجد قوات إرهابية في جبال قنديل بشمال العراق تتسلل إلى الداخل التركي وتهدد الأمن والاستقرار!” ، وكانت على الدوام تظهرهذه الذريعة كمانع للقيام بحل ديموقراطي عادل للقضية الكوردية المستفحلة والتي يسبب بقاؤها بدون حل مشاكل كبيرة للبلاد بلا شك.
ولقد عملت السياسة التركية على ” توحيش العدو الكوردي!” مستفيدة من خلخلة الجبهة الداخلية الكوردية وقلة حيلة الكورد في مجال الإعلام العالمي والديبلوماسية العالمية ، ووقوع بعض فصائلهم في أخطاء سياسية شبه قاتلة، لا مجال للتطرق إليها هنا الآن، وتمكنت تركيا خلال سنوات قلائل من اقناع العالم الحر الديموقراطي بأنها الحمل الوديع والكورد ذئاب مفترسة، مع أن التاريخ يثبت العكس من هذا، بل الترك يفتخرون بأنهم أولاد ذئب أغبر مفترس، سواء في الحرب أو في السلم… وهم يتبجحون بشعارات مثل “تركيا للأتراك“، ” تركي واحد يساوي العالم” ، ” إنه شرف عظيم لمن يقول بأنه تركي“، و”اللغة التركية شمس وكل اللغات الأخرى نجوم صغيرة حولها...”

إن أمريكا المنزعجة تماما من التصرف التركي حيالها في عام 2003، حيث منعت قواتها من عبور الأراضي التركية لفتح جبهة شمالية على نظام  صدام حسين، لم تكتف بغمض العين عن هذا الهجوم التركي، بل تقديمها الخبرات الاستخبارية المفيدة جدا للقوات التركية، وكذلك مشاركتها في العمليات بطريقة أو بأخرى على حد قول قيادة حزب العمال الكوردستاني الذي تزعم تركيا أنها تستهدفه دون غيره من القوى والحركات الكوردية…أما الاتحاد الأوربي الذي يبحث عن كل الحجج والذرائع المناسبة لترك الباب مغلقا في وجه انضمام تركيا إليه، فقد اكتفى بتوجيه النداءات الباهتة والرقيقة في لغتها إلى درجة يتساءل عندها المرء عما إذا كان الاتحاد الأوربي ضد هذا الهجوم حقا!!!

وعلى صعيد المنطقة ، أي الشرق الأوسط، فهاهم العرب منشغلون عن الوضع في كوردستان العراق، وكأن احتلال تركيا لأراضي يؤكدون على عراقيتها أمر لايهم “الجامعة العربية” أو سواها مما يجمع العرب في ظله، وبقية الدول الإسلامية ومنظمتها “الإسلامية!” صامتة أيضا، وإن كان هناك بيان احتجاج عربي أو إسلامي ، فانما هو من باب رفع التعب كما يقال… ولقد اعتبر الناطق الرسمي باسم حكومة اقليم كوردستان العراق الموقف الذي اتخذته حكومة المالكي بأنه موقف خجول ولايتناسب البتة مع حجم الجريمة التي ترتكبها تركيا اليوم على أراضي كوردستان العراق، وهذا مؤشرعلى نجاح تركيا إلى حد ما في اجتذاب المؤيدين لسياستها وتوسيع دائرة الساكتين عن غزوها العسكري الذي يشكل انتهاكا صريحا للسيادة الوطنية العراقية.

لقد أوجدت تركيا أرضية سياسية ملائمة وبنت جسورا قوية مع جيرانها وعلى الصعيد الدولي قبل البدء بعملياتها الاحتلالية والتي قد تكون خطوة أولى على طريق ابتلاع “لواء الموصل” وضمه إلى “الوطن الأم تركيا!” إن لم يتحرك أحد لصدها ومواجهتها، وبخاصة إذا ما شعرت تركيا بأن الكورد مرتعدون ولايدرون ما يفعلونه..

فهي واثقة من أن أي جيش عربي ليس مستعدا للزحف صوب العراق لوقف هجومها العسكري، فكوردستان العراق في نظر الكثير من العرب غير لبنان وفلسطين، والمسألة لاتستحق في نظرهم اهتماما زائدا… وهذا يذكرنا بلواء الاسكندرون الذي ربما لايعرف كثيرون من ساسة العرب عنه شيئا اليوم، سوى أنه كان سوريا فأصبح تركيا…

والغريب أن تركيا تمكنت من التوصل إلى “اتفاق غير معلن !” بصدد الهجوم على اقليم كوردستان العراق مع ايران التي تتهما بالجارالمسيء لتحالفها مع “اسرائيل” التي تعتبر في نظر ايران دولة غير شرعية يجب مسحها من الوجود… وايران تعترف بشكل رسمي بحكومة اقليم كوردستان ولها بعثة دبلوماسية في الاقليم…

وها هي تركيا تشن أعنف الهجمات البرية على مناطق واسعة في اقليم كوردستان العراق، وتوغلت لما يقارب ال 25 كم جنوبا في أراضيه، وذلك بعد أن شنت طائراتها ومدافعها ودباباتها لمدة تزيد عن الشهرغاراتها وأسقطت قنابلها على المناطق الكوردية العراقية ودمرت العديد من الجسور التي تعتبر ضرورية للغاية من أجل المواطنين، دون أن يرف جفن للعالم العربي، وكأن العراق الذي يتعرض إلى انتهاك أجوائه وسيادته ليس عضوا دائما في “الجامعة العربية“… وقد كشفت تركيا عن وجهها القبيح وانكشفت أكاذيبها إلى درجة أن السيد وزيرالخارجية العراقية هوشيار زيباري اتهم تركيا أمام الصحافة البريطانية مؤخرا بأنها “كاذبة ومضللة ولم تف بوعودها“، أي “عدم الاضرار بالبنية التحتية والسكان المدنيين في المنطقة.”

وهنا يطرح سؤال هام نفسه علينا:
–  ماذا بعد الهجوم على قنديل؟

الاجابة عن هذا السؤال ضرورية لنتعرف على أفضل السبل التي يجب اتباعها من قبلنا نحن الكورد مستقبلا، إلا أن هذه الاجابة مرتبطة بما يلي:
–         مدى احراز الجيش التركي المهاجم انتصاراته على “الساحة النفسية!”، حيث أن الانتصار على حركة كفاح مسلح تتبع أسلوب حرب العصابات يكاد يكون مستحيلا
–         مدى استمرار سكوت أو غض نظر العالم الحر الديموقراطي والعالم العربي، وبخاصة الشعب العراقي عما يحدث من “احتلال بكل معنى الكلمة”…
–         مدى استمرار حكومة وبيشمركة كوردستان العراق في سياسة “ضبط النفس” حيال الهجوم الوحشي التركي…
–         مدى تصاعد الاحتجاج الشعبي والغليان الداخلي التركي بصدد سياسة العدوان التركية تجاه شعب كوردستان.
–         وأخيرا مدى سكوت الرأي العام العالمي ومحبي السلام في العالم عن هذا القرار التركي الذي يكشف عن حقيقة عنصرية فاضحة تجاه الحق القومي العادل للأمة الكوردية.

بالتأكيد إن استئصال التواجد الحركي لحزب العمال الكوردستاني في اقليم كوردستان العراق لن يكون مجرد “نزهة عسكرية” والجيش التركي سيريق سيلا من الدماء حتى يصل إلى بعض أهدافه، وهذا سيثير غضب الجماهير الكوردية والرأي العام العالمي وشرائح واسعة في العالم الحر الديموقراطي، مما سيعود بنتيجة سلبية على حكومة رجب طيب أردوغان..

وفي الحقيقة إن منشأ حزب العمال الكوردستاني ليس اقليم جنوب كوردستان وانما شمال كوردستان، وقواته المدربة تدريبا جيدا منتشرون في جبال الاقليم الشمالي الكوردي ويقاومون هجمات الجيش التركي منذ عام 1984، ولذا فإن القضاء على حركته بشكل تام في جنوب كوردستان، وهذا عسيرمن الناحية العسكرية على الأقل، لا يعني أن الحكومة التركية قد تخلصت أو هي على طريق التخلص من “المشكلة!” ، ففي الواقع فشلت كل الحكومات التركية السابقة في القضاء على هذه الحركة الكوردية المسلحة في شمال كوردستان رغم كل حملاتها الواسعة المصحوبة بمختلف أنواع السلاح، كما فشل توغلها مرات عديدة في اقليم جنوب كوردستان أيضا، فالقضية السياسية لشعب من الشعوب لاتحل بالحراب وانما بالحوار والاحترام المتبادل، وهذا الطريق لاتسلكه الحكومات التركية، وآخر دعوات الرئيس الكوردي السيد مسعود بارزاني ، وهو رجل سلام ولايريد العودة إلى أيام القتال، على أن يتم عقد اجتماع رباعي يضم (تركيا والعراق وحكومة كوردستان العراق وحزب العمال الكوردستاني) قوبل بالرفض من الجانب التركي، بحجة أن تركيا غير مستعدة للجلوس إلى حزب “ارهابي!”..

إلا أن العالم كله يدرك لماذا ترفض هذه الدعوات الداعية للحوار، فهي ستضطر إلى القبول بالواقع الكوردي الذي أنكرته الحكومات التركية السابقة منذ قيام الجمهورية الأتاتوركية في عام 1923 وإلى الآن.
 
ما ستقوم به تركيا في حال تمكنها من انشاء قواعد عسكرية لها في جبال قنديل والمناطق الحدودية من الجهة العراقية هو أنها ستعمد إلى استخدام تواجدها ذاك كورقة ضغط على كل من حكومة اقليم كوردستان وحكومة بغداد، وتحاول الاستفادة في ذلك من تجربة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان سابقا، مع أن اسرائيل لم تطالب يوما بأراضي لبنانية ، بينما تركيا تخصص ميزانية رمزية سنوية تعادل الليرة الواحدة لما يسمى ب “لواء الموصل” لأنها العنصريين الترك يحلمون بضم هذا اللواء (كل اقليم كوردستان العراق) إلى تركيا، وسائر القوى اليمينية التركية تدعم وتساند “الجبهة التركمانية” في العراق، تلك الجبهة المطالبة علنا وصراحة بتكوين دولة تركمانية في العراق تكون عاصمتها كركوك وتصل حدودها شمالا لتلامس الحدود التركية الحالية…أي ليتم الربط بين هذه “الدولة!” بحبل صرة ب”الوطن الأم تركيا!”…

تركيا ستعمل بعد مرحلة الهجوم على قنديل على اعتبار نتائج الغزو الحالي واقعا يجب قبوله كورديا وعراقيا، وتاريخ سياستها في قبرص التي احتلت شمالها عسكريا في الماضي معروف وواضح، فهي دولة لاتنكر طموحاتها الاقليمية، سواء في قبرص أو في شمال العراق، ولذا فهناك في تركيا من الأحزاب من يحمل راية تركية ليس بهلال واحد وانما بثلاثة، أي دول تركيا وقبرص التركية وكركوك التركمانية!

ولكن على الأمة الكوردية أن لاتسمح لتركيا بالاستمرار في جريمتها العدوانية هذه، وعليها أن تشد لجام أؤلئك الذين يعملون على دق اسفين بينها وبين العالم الحر الديموقراطي، إما عن جهلهم بالسياسة الدولية واما عن قصد بهدف اضعاف حكومة اقليم كوردستان والقوى الرئيسية في اقليم جنوب كوردستان التي تتمتع بعلاقات لابأس بها بهذا العالم منذ سقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري الدموي.

إن افشال المخطط التركي يبدأ أولا بعدم قبول أي نتيجة من نتائج هذا العدوان كواقع تحاول املاءه وفرضه حكومة أردوغان على أمتنا الكوردية، والمطالبة بخروج الجيش التركي من اقليم جنوب كوردستان لاتكفي، فالجيش التركي يحتل شمال كوردستان أيضا، وليس مجرد منطقة جبال قنديل...

إننا في وحدتنا الحقيقية ، على أساس ديموقراطي حر ومتكافىء، سنتمكن من اقحام تركيا على الصعيد الدولي في مأزق يعيق حركتها العدوانية هذه، إذ كيف يعترف أردوغان هذا باستقلال كوسوفو ويرفض لأكثر من 25 مليون كوردي فيما يسمى ب”تركيا” أن تكون لهم حقوق قومية عادلة حسب مبدأ “حق تقرير المصير للشعوب“؟…

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…