23.02.2008
يبدو أن المسألة أكبر بكثير من مسألة تواجد عدة آلاف من قوات حزب العمال الكوردستاني في جبال قنديل الواقعة في اقليم كوردستان العراق، إذ شن زعماء هذا الحزب قبيل قيام الجيش التركي الطوراني بهجومه البري حملاتهم الإعلامية ليس على حكومة رجب طيب أردوغان فحسب، وانما على الولايات المتحدة واسرائيل بشكل صريح، ووجهوا تهديدات واضحة إلى الاسرائيليين الذين اتهموهم بالمشاركة الفعلية إلى جانب الأتراك، فقد قال السيد مراد قه ره يلان الذي يعتبر من أهم الأصوات العالية في التركيبة الحزبية الحالية بعد زعيمه المعتقل السيد عبد الله أوجلان في 21/2/2008 بأنه سيتم الرد على اسرائيل إن استمرعداؤها للشعب الكوردي، وذلك في ذات الوقت الذي تتهم فيه أوساط هامة من الإعلام العربي القيادات الكوردية بالتعاون والتنسيق مع اسرائيل، وبخاصة في كوردستان العراق.
وقد قال السيد قه ره يلان مايلي:
ولكن لاندري هل قدم السيد قه ره يلان اثباتات عن مشاركة طيارين اسرائيليين فعلا في العمليات الجوية الاستخباراتية التي قال بأنها سببت “بعض الخسائر!” في صفوف قواته الكوردية… أم أن في ذلك تلميح لكسب الماكينة الإعلامية العربية ومحاولة لتدويل القضية وجر دول أخرى – ايران مثلا – إلى هذا الصراع الدموي…
كما توجه بالنقد الشديد للقيادات الكوردية في اقليم كوردستان العراق، متهما اياها بأنها لاتمتلك “الإرادة المستقلة!” حيث صرح بأنه:
“لا تمارس القوى الكردية في كردستان العراق سياسات شجاعة وموقفهم السياسي بعيد عن الإرادة المستقلة وهذا ما يسبب خسارة القوة كلما مر الوقت.
نعبر عن استياءنا من مواقف القيادة الكردية في كردستان العراق حيال سياسة الدولة التركية ضد الشعب الكردي، رغم أن الدولة التركية لا تعترف بهم بشكل رسمي لكنهم لا يتخذون موقفهم حيال سياساتها ، وكمثال هناك شخصية كردية أصبحت رئيساً لجمهورية العراق ورغم ذلك لم تلتقي الدولة التركية به بشكل رسمي منذ 4 سنوات.”
أما السيد جميل بايق الذي قال عنه أحد أنصار الحزب الإعلاميين في مقابلة معه في 10.02.2008 بأنه “أحد الأعضاء الخمسة في الخليَّة الأيديولوجيَّة الأولى الذين شاركوا عبدالله أوجلان، في وضع المبادئ الأوليَّة لحزب العمال الكردستاني مطلع السبعينات، وحضر المؤتمر التأسيسي للحزب عام 1978″ فقد توقع أن تركيا ستقوم باجتياح لكوردستان العراق في الربيع بتعاون أمريكي واسرائيلي، ولربما لم يكن يتوقع أن يحدث الاجتياح بهذه السرعة، حيث الأوضاع الجوية غير مساعدة لهجوم بري، وبخاصة في تلك المناطق الجبلية الوعرة… وقد رد على سؤال عن العلاقات السيئة لحزبه بالولايات المتحدة واسرائيل كالتالي:” الولايات المتحدة واسرائيل لم تكونا يوماً صديقتين للشعب الكردي عموماً، وحزب العمال الكردستاني خصوصاً.
ونهجنا ومفاهيمنا وأساليبنا النضاليَّة لم تدخلنا يوماً في مواجهة ميدانيَّة مفتوحة مع هذه الدول.
وإذا أخذتم الدعم السياسي والعسكري والاستخباري والتقني لتركيا ضدنا، ستعرفون بأن أميركا وإسرائيل لم تقفا يوماً مع حزب العمال الكردستاني…”
ويرى بأن أسباب وقوف العالم الحر والديموقراطي (أميركا والاتحاد الأوربي) إلى جانب تركيا ضد حزبه بأن ليس لها “رغبة في ايجاد حل للقضية الكوردية في تركيا.” ولكنه لم يفسر بشكل جيد لماذا ليس لهذه الدول رغبة في وصول الشعب الكوردي في تركيا إلى حقه العادل في الحرية…
“تتغير ملامح المرحلة السياسية بشكل سريع ، فلم يعد الشعب الكردي يقف وجهاً لوجه أمام الدولة التركية وسياساتها العدوانية وحدها ، دخل إلى المسار كل من أمريكا وإسرائيل بشكل فعلي وعملي ، باتت هاتين القوتين تقدمان الخرائط والصور وتقومان بالاستطلاع كي تتمكن الدولة التركية من قصف مقابر الأبناء الشهداء لهذا الشعب بشكل أكثر صواباً وحتى تتمكن من هدم المشافي التي تعالج جرحى الحرب بشكل كامل ، صفقات جديدة بين هذه الدول الثلاث لبيع طائرات استطلاع أو أقمار صناعية وتقديم خرائط ومجسمات الأهداف ، اعتقالات وقمع…”
وتساءل عما ستكون عليه المرحلة القادمة، قائلا: ” فأين تتوجه المرحلة الجديدة وماذا سيفعل فيها الشعب الكردي في الوقت الذي تعيش فيه كل من فلسطين ولبنان أحداث جديدة تسيء إلى شعبي هذين البلدين، ربما سيكون الشعب الكردي في خندق واحد مع أخوانهم اللبنانيين والفلسطينيين في وجه خندق واحد آخر يسمى بالخندق (الأمريكي الإسرائيلي التركي)”
ولكن هذا الذي يردده ليس بجديد البتة على اعلام حزب العمال الكوردستاني الذي وجد نفسه على الدوام، منذ تأسيسه في الخندق المعادي للتحالف (الأمريكي الاسرائيلي التركي) في المنطقة، وساهم مساهمة فعلية إلى جانب اللبنانيين والفلسطينيين، أيام كانت علاقاته متينة مع النظام الأسدي في سوريا، في القتال ضد اسرائيل…والضرب على هذا الوتر بقوة من جديد هو محاولة للفت انتباه ايران المستفيدة قبل غيرها من تحويل “الصراع التركي– الكوردي” هذا إلى صراع كوردي ايراني سوري– أمريكي اسرائيلي تركي… ويجدر بالذكر أن تركيا ستفرح جدا لوقوع الكورد في هذا الخطأ الاستراتيجي الكبير هذا، بعد كل ما حدث في العراق حتى الآن.
ومن جهته هدد القائد العام لقوات الدفاع الكوردستاني التابعة لحزب العمال الكوردستاني الدكتور باهوز أردال الأكراد المتعاونين مع الجيش التركي ومنهم “حماة القرى” الذين جندتهم الحكومات التركية على الدوام، منذ عهد رئيس تركيا الأسبق الراحل تورغوت أوزال وإلى اليوم لمحاربة هذا الحزب، فقال السيد أردال مؤخرا:” يجب أن لا يجعل أي كردي من نفسه أداةً لسياسة الدولة التركية هذه، إن تحقق اجتياح بري لكردستان العراق من قبل الجيش التركي يعني مقتل الآلاف من جنود هذا الجيش ، يجب أن يتخذ حماة القرى من ذلك مثالاً ودرساً للحافظ على أمنهم وأمن عائلاتهم والامتناع عن المشاركة في الألاعيب القذرة التي يلعبها الجيش التركي.”
وهكذا نجد أن دائرة الذين يتوقع حزب العمال الكوردستاني مجابهتهم إعلاميا وسياسيا، ولربما عسكريا أيضا، تتوسع، ولابد من السؤال عما إذا كان هذا الحزب قادرا على محاربة الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل والاتحاد الأوربي وتركيا وحماة القرى الأكراد معا، وهو مستاء في الوقت ذاته من قيادات اقليم كوردستان العراق ويهدد كل كوردي لايتفق معه في سياساته وتوجهاته الآيديولوجية، أم أنه مضطر للبحث عن حلفاء في المنطقة (كايران وسوريا وحزب الله وحماس!) ودوليين (كالصين الشعبية!) مثلا في تحقيق توازن استراتيجي يكون على مستوى الصراع الناشب حاليا؟
إنه مجرد سؤال، تستدعي الاجابة عنه بعض التأني والصبر…