لا حُكُــم عليـه عربـي و آخــر كـوردي

 ديـــار ســـليمان
 
 إذا سـبق لك و إن تقدمـت لوظيفـة ما فإن من ضمـن الشـروط المطلـوبة لقبـول طلبك شـكلآ إبـراز وثيقـة سـجل عدلـي (لا حُكُـم عليه)، و هذا لا يعنـي إنك سـتعين في تلك الوظيفة بمجرد تقديمك مثل هذه الوثيقة أو تلك التي تؤكـد و لو خـلافآ للواقع بأنك أيها الكـوردي ع.

س.-هكذا يكتب موظف السجل عبارة عربي سوري- منذ أكـثر من خمـس سـنوات، أي إنك تخليت عن قوميتك طوعآ منذ ذلك التاريخ و إسـتعربت وإرتضيت لك العـروبة دينــا مثلك مثـل بقيـة الأقـوام الذين بـدؤوا يدخلـون فيها أفواجـا، فبالأضافـة الى ما صـار معروفـآ من شروط مطلوبة للقبول في مثل هذه الوظيفة فهنـاك أسـئلة توجـه لبعض المتقدمـين لشغلها في بعض (الولايات المتحـدة السورية) يمكـن أن لا توجـه في ولاياتٍ أُخـرى،
و كمثـال على ذلك مسابقة تعـيين المعلمـين في الحسكة العام الماضي حيث وجـه السؤال التالي من قبل اللجنـة الفاحصـة لمئـات المتقدمـين للوظيفـة: كيف تتصــرف كمعلـم إذا حـدثت (خنـاقـة) بين طالبيـين أحدهمـا عربي و الآخـر كوردي؟ (فعـلآ سـؤال محـيّر،هل يمكنـكم الـرد عليه)، و لأن اللجنـة كانت تفتـقد الى نزاهـة جورج قـرداحي حيث حـُرم البعض من وسـائل المساعدة، فقد تـم تعـيين خمسة عشر مناضـلآ من سـلالة الرفيقـين عدنـان و قحطـان كونهـم إنتصـروا للطالـب العربي بالضـربة القاضيـة بعد حصولهم على وسـيلة مساعدة مجدية هي عبـارة عن إتصـال بالصـديق واو.
أما بالنسبة للمواطـنين الكورد فاسـتخراج سجل ما بحالة الشخص أمـر في غاية السهولة ، فحتى لو كان ماضي هذا الشخص يحوي من الفضائل أو حتى من الموبقات ما تعجز عن تدوينه مديرية لوحدها، أو كان من الذين يعيشـون على الهامش فلا صعوبة في ذلك طالما أن التاريخ الشخصي حتى اللحظة شفوي بعيد عن التـدوين، و لذلك أصبح من السهولة بمكـان أن يجد أحد (و لنقل) المناضلين نفسه في ليلة سـوداء يتبادل المـكان و المـكانة مع أحد (و لنقل) الهامـشيين الذي يحجـز لنفسه مـكانآ في قلب الصفحة بحيث يصبح المبتـدأ و الخـبر مـعآ.


و حتى لا يُحمـل هذا الكلام أكثر ممـا يُحتمل فاني أشير و كما يُقـال الى أن أي تشابه بين كلماتي هذه و وقائـع معينة بذاتها ليست سـوى من باب الصدفة المحضـة.
 أما الوسيلـة المستخدمة في تقديم سـجل عدلي، سياسي، إجتماعي أو اقتصادي نظيف لاحد الاشخاص، او تشويه هذا السجل لاحدهم  فهو يكـون إما على شـكل روايات ملفقة يؤلفها الشخص أو خصـومه (ايجابآ و في الحالة الثانية سلبآ)حول تاريخه تنطلي على البسطاء من الناس، و في هذا الشأن شهدت أحدهم يتحـدث عن نفسه في احد المجالس بما لا يمكن ان يصدقه ذو عقل سليم و عندما شـكك بعض الحضـور بالرواية راح كبير الجمع ينهيهم قائلآ بان المتحـدث قد كان دومـآ محل ثقـه المناضل الكبير فـلان و جليسه و حتى مستشاره الدائم بالتلفون اليـدوي في حال الغياب، مع العلم انه في الفترة المقصودة لم يكن هناك تلفـون (يـدوي) .
 أما الشكل الثاني فهي الصـور التي يلتقطها الشخص مع شـخصيات وطنيـة هي محـل إحـترام الجميـع، فيتحـول الى صائـد صـور مُـصاب بهستيريا الفـلاشات فيستغل مـثلآ أن القيـادات الكوردية مفتـوحّ بابهـا للجميـع و ترضي رغبة جميع الكورد في اللقاء و الاستماع الى همومهم و أخذ الصور التذكارية لمثل هكذا لقاء، هذه الصـورالتي تجد طريقها للنشـر بدلآ من الالبوم الشخصي فتتحـول الى ما يشبه (الطابع المالي) الذي يتم إلصاقه على بـراءة الذمـة لتسويق الشخص الذي يجـد نفسه مُحاطـآ بمجمـوعة من الكتبـة الذين يتفـوقون على دافنشي نفسـه حيث تتحـول الأقـلام و ربما المباضـع في أيديهم الى ريــش (فـوتـوشــوب) يعالجـون بها الصـورة بحيث تتحـول بعد إزالة كل البقع الموجـودة عليها الى أجمل من المونـاليزا و بهذه الوسائل يحاولون تركـيز إنتباهنـا عليها و تحميلها اكثر مما تحتمل فنكـاد ننسـى خلفية الصـورة و إن لها مسـودة اذا أُعيـد انتاجها بشكل محايد لظهـرت ربما على غير ما تظهـر علبه الآن.
هـناك صـورة واحدة لن تتشـوه، و سـجل واحد لن يُزيف إنها صـورة قامشلوكا أفينـه… كم تشتاق رئتي في عيد الحـُب هذا الى نسماتها، و لكن يبـدو قدر أبناءها أن تكـون قديسة، بحيث كلما أحست مـدى عشقنا لها كلما أغلقت أبواب صومعتها دوننا.


 عيد الحـُب 2008 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…

كلستان بشير الرسول شهدت مدينة قامشلو، في السادس والعشرين من نيسان 2025، حدثا تاريخيا هاما، وهو انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي الذي انتظره الشعب الكوردي بفارغ الصبر، والذي كان يرى فيه “سفينة النجاة” التي سترسو به إلى برّ الأمان. إن هذا الشعب شعبٌ مضحٍّ ومتفانٍ من أجل قضيته الكردية، وقد عانى من أجلها، ولعقود من الزمن، الكثير الكثير من أصناف الظلم…

إبراهيم اليوسف ما إن بدأ وهج الثورة السورية يخفت، بل ما إن بدأت هذه الثورة تُحرَف، وتُسرق، وتُستخدم أداة لسرقة وطن، حتى تكشّف الخيط الرفيع بين الحلم والانكسار، بين نشيد الكرامة ورصاص التناحر. إذ لم يُجهَض مشروع الدولة فحسب، بل تم وأده تحت ركام الفصائل والرايات المتعددة، التي استبدلت مفردة “الوطن” بـ”الحيّ”، و”الهوية الوطنية” بـ”الطائفة”، و”الشعب” بـ”المكوّن”. لقد تحولت الطائفة…