للتاريخ وللحقيقة نقول ولا نخشى أحداً ولا نجامل مخلوقا لقاء مع اللجنة الوطنية المحكم

  صوت  الكورد*
في جولة ميدانية في ريف الدرباسية و رأس العين و تل تمر في 25122007 وفي إحدى قرى ريف الدرباسية , التقينا – في جلسة غير مخطط لها- مع رئيس و بعض أعضاء اللجنة الوطنية المحكمة لتوحيد البارتي , و قد دار الحديث حول اللقاءات العديدة التي تمت بين اللجنة و طرفي البارتي خلال أشهر متواصلة انتهت إلى البيان التاريخي بتوحيد طرفي البارتي في 2842006 , و الخرق المكشوف الذي قام به الطرف الآخر , و قد وصف رئيس اللجنة محاولة هذا الطرف بالالتفاف و التنكر لكل اتفاق و أنه ( أي رئيس اللجنة ) دعي إلى القامشلي – بعد عودة الأستاذ محمد نذير من الإمارات – ليعرض عليه الدكتور حكيم بشار بالحرف الواحد ضرورة إنكار تصريحه الذي أدلى به و نشر في الانترنيت , مما أثار دهشته و غضبه مستنكراً أي استعداد له للتراجع عن موقفه قائلاً :

 

( لقد خرقتم كل ما اتفقنا عليه , رغم أنَّ طرف الأستاذ عبد الرحمن تعرض من قبلنا لضغوط شديدة , بغية إنجاز الوحدة , و أن أحد أعضاء اللجنة ( أبو هوزان ) اعترض على هذا الضغط لأن الطرف الآخر غير جاد في سعيه إلى الوحدة , فعارضت كلامه بقوة و بحضور كل أعضاء اللجنة و قلت حينها : ( نحن نضغط على هذا الطرف لكونه وطنياً , و لكونه جاداً في عملية الوحدة , ولولا معرفتنا بجدية و برزانية الأستاذ عبد الرحمن لما طرقنا بابه , و لا تحملنا كل هذا الجهد و الوقت للوصول إلى صيغة توحيدية , ولو على حساب طرفه … ) لقد كانت دعوتنا إلى القامشلي بناء على رغبة الطرف الآخر و بخاصة الدكتور حكيم الذي طلب إليّ العودة عن تصريح , بتصريح مخالف له , و بحضور أحد الأطباء المعروفين من مدينة الدرباسية , و لكن – كما أسلفت – كان ردّي غاضبا و عنيفا مما أثار ردة فعل من قبل أحد الحضور  ليقول بالحرف الواحد : ( يقال بأنكم مكلفون من جهات مشبوهة ..

) فرددت عليه : ( إذا كان من شأن هذا التكليف أن يخدم أشرف عملية و أكثرها وطنية و هي وحدة البارتي , فالمكلف أشرف بكثير ممن يخرّب عملية الوحدة) مما حدا بعضو في اللجنة, وكان حاضراً الجلسة إلى القول : ( لقد اتهمونا بالخيانة و العمالة بعد كل هذه الجهود , علماً أنهم لن يستطيعوا تقديم أية وثيقة سلوك لنا أو لغيرنا … ) .

وقد أعقب أحد المساهمين من الوطنيين مع اللجنة , وكان قد حضر الجلسة التي تم فيها توقيع محضر التوحيد , و هو وطني معروف من ريف الدرباسية : ( لقد أكّدت لهم أن أي تراجع عن هذا العمل المبارك يعد إهانة كبيرة لنا ولعشائرنا و عوائلنا , و الوطنيين المساهمين فيه , و ذلك بعد أن رأيت علائم غير طبيعية , و إشارات و تحركات غير مفهومة في الجلسة التي حضرناها … ) و كان قد حضر هذه الجلسة كل أعضاء اللجنة و المساهمون في إنجاح المساعي المطلوبة , ومن بين هؤلاء الدكتور أبو برزان الذي أفاد بعد الجلسة الأخيرة : تأكيده المطلق على مسؤولية الطرف الآخر عن كل خرق و تجاوز .
و قد وصف أحد الحضور ( وهو عضو في اللجنة المنطقية للطرف الآخر , و قد التحق بالمؤتمر العاشر , و أوضح أمام المؤتمرين كل تفاصيل المؤامرة التي سبق نشرها ) وصف هذا العضو  وضع المشاركين في صياغة الاتفاق بأنه كان غير مريح و أن ( سعود ) قال حرفياً : ( لا بارك الله في عملكم هذا ) , مما أثار حفيظة الذين حضروا , ليؤكد رئيس اللجنة أنه خرج إليهم منبّهاً ( في ذلك الحين ) إلى ضرورة صيانة هذا الجهد , و إلا فإن المسؤولية سوف تكون على عاتقكم في كل عمل غير جاد و صحيح .
و قد سألنا رئيس اللجنة عن موقف العضو الآخر في اللجنة ( أبو مسعود ) فقال : ( لم يختلف موقفه مطلقاً عن موقفنا , و هو موقف ينسجم تماما مع بقية أعضاء اللجنة, في تحميل الطرف الآخر المسؤولية الكاملة عن فشل الوحدة و خرق اتفاقها , و الإضرار بالعملية كلها , نقول ذلك للحقيقة و التاريخ , ولا نخشى أحداً و لا نجامل مخلوقاً .
——
* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكردي – سوريا

فيما يلي أهم مقالات العدد الجديد:

افتتاحية العدد
نحو رؤية منهجية وسياسية متطورة متوازنة في سوريا

قبل التطرق إلى واقع وحقيقة أي نظام سياسي ، لابد من دراسة تحليلية لهذا الواقع ولظروف وصول هذا النظام إلى السلطة ، وشكل ممارسته، وطريقة أدائه، وما مدى مبررات هذا الأداء ، والأساليب المعتمدة تخطيطا و إدارة وتنفيذا ؟! وما حجم النجاحات والإخفاقات ؟! كما أن البرنامج السياسي المعتمد ، والقدرة على الوصول إلى تحقيق مصلحة الشعب العليا ، وقيمه ومعاييره وما يمكن أن يحقق من الخطط والأهداف ، التي توفر للوطن قدراً كبيرا من التقدم والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، والارتقاء بالواقع الثقافي ، كل ذلك يتعلق بحجم الأداء و نوعه ومدى تلبيته لمستلزمات الوحدة الوطنية والبلوغ بها حدا من التوافق والانسجام واحترام القانون،وترتيب المكونات الوطنية، بما تتلاءم مع قيم العدل والتكافؤ والمساواة ومقاومة الفساد وضرب مقوماته وأركانه .
إن ذلك يتطلب منا أن نراجع سياسات النظام وانبثاقه الأول ، ووصوله إلى السلطة في الثامن من آذار 1963 إثر انقلاب مباشر، واحتكام إلى الأحكام العرفية ، واعتبار ذلك منذ تاريخه حاجة ملحة ، تعطي للسلطات والأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة ، كما تعطي لها الحق بموجب الأمر العسكري رقم 2 الصادر عن مجلس قيادة الثورة آنذاك بممارسة كل الأساليب التي تتيح لها حكم البلاد بلا منازع ، وقد جاءت القرارات التالية بكون حكم البلاد يختص بحزب البعث في قيادة الدولة والمجتمع ، والتي لاتزال سارية المفعول في كل إدارات وهيئات ومجالس الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، بحيث بات العرف الأحادي العربي البحت الخاصية السائدة ، والفكر الشمولي الذي ينبغي أن يسود الحياة العامة والخاصة ، الاجتماعية والثقافية والتراثية ، وما تلا ذلك من قرارات وقوانين ومشاريع استثنائية ، تمييزية بحق الشعب الكوردي ، الذي تعرض ـ بشكل كامل ـ للإلغاء والشطب وإنكار الوجود الحياتي والدستوري وما تبع ذلك من عدم اعتراف بتميزه اللغوي والثقافي والأثني ، وسائر أطياف ومكونات الشعب السوري .

، وما  استلزم ذلك بالضرورة من تعريب شامل للمنهاج والمعارف والعلوم والثقافة والإعلام وسائر ميادين الحياة ، بما في ذلك من تعريب المناطق والأماكن والمسميات في المدن والقرى والأرياف والمعالم والشوارع والأزقة ، وقمع واعتقال المناضلين ، وفصل الكورد من الوظائف والجامعات والمعاهد والمدارس …
وقد ظهر في الممارسة الإدارية والمالية فساد كبير ، وإضرار عميق بالقطاع العام ، وهدر واضح للمال العام ، إلى جانب انتشار واسع للبطالة الحقيقية والمقنعة ووصول بالمجتمع السوري إلى خط الفقر ، مما يمكن رصده وتحليله ، وضرورة معالجته جذرياً ، خدمة لأبناء هذا الوطن ، وإخراجه من أزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، بضرورة إقرار حقيقي للتعددية الأثنية والسياسية ، والأنماط الاجتماعية المتعلقة بهما ، بما يثري المجتمع ، ويدفعه إلى مزيد من الاستقرار والتقدم والاقتصاد الموجه والمخطط ، وعدم تعطيل أو تأجيل المشاريع الإنمائية والخدمية ، لانتشال الشعب السوري من التخلف والركود الاقتصادي ، والتدهور المعاشي تحت حجة المواجهة مع العدو الإسرائيلي ، والذي يتطلب بالدرجة الأولى رص الصفوف ، وبناء الحالة الوطنية ، وإنعاش الاقتصاد وتنميته ، والإيمان بالآخرين والاستعانة بهم ، في الخروج من حالة الحكر السياسي والثقافي والاجتماعي للسلطة ، وهو ما يمكن اعتباره في المقدمة لأي إصلاح إداري وتشريعي وإنمائي ، كما تتطلب المواجهة  الحقيقية إعداداً للبرامج الاقتصادية والعلمية وحسن التخطيط ، ووضع الكفاءات والقدرات والطاقات في مكانها المناسب ، وزجها في معركة البناء والبقاء لتحسن التعبير عن إمكاناتها في ظل منهج ديمقراطي ، يعتمد العدل والكفاءة والمساواة والتعبير الحر ، وكسر حالة الجمود والركود والتراجع .
كما أن مستلزمات بناء حياة مجتمعية مدنية مزدهرة ومتطورة ، تتطلب محاربة فعلية لكل مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية المنتشرة في إدارات الدولة ومؤسساتها ، وضرب بؤر التهريب والنهب والإيذاء ووسائل وأدوات الإثراء غير المشروع ، ومقاومة بروز وتضخم رأس المال الطفيلي المتنامي من خلال تنامي طبقة مستفيدة من كل الأخطاء والعثرات التي تحول دون استثمار فاعل للمنتج والمبدع والمتطور من القوى الفاعلة الساهرة على بناء وطني مبدع ومثمر باعتماد منهج إصلاح شامل يرقى بالمجتمع والدولة إلى القيم الوطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وتشجيع القدرات الكامنة ، واعتماد مبدأ المحاسبة لوقف التطفل على حساب قوت الشعب ولقمة عيشه ، وما يتبع ذلك من هجرة مزرية في الداخل إلى المدن الكبيرة ، والخارج التماساً لفرص العمل في المهجر بما يحقق المعيشة المناسبة ، مما يفرغ الوطن من طاقاته الشابة والمبدعة مهنياً وفكرياً …
إن واقع الممارسة في الإدارة والتوجيه والإعداد والتخطيط تقود إلى حالة التردي والتراجع والانكفاء ، وهو يتطلب منا التنبيه إلى مخاطر انفراط العقد ، واهتزاز الوحدة الوطنية وتعطيل للعديد من المشاريع الاستثمارية والخدمية والمعامل ومؤسسات الدولة ، وتراجع فعلي للناتج القومي من أثر ذلك ، الأمر الذي يؤدي إلى هروب الأموال إلى خارج الوطن في حالة نزيف اقتصادي متواصل في ظل غياب واضح للرقابة والمحاسبة ، هذا الغياب المحكوم بظاهرة الإدارة المستندة إلى عوامل آنفة الذكر ، مما أضعف عنصر المسائلة وما تستحق من عقاب رادع يقي من كل الأخطاء والمنزلقات والأزمات وانعكاساتها الباهظة على السوية المعاشية والقدرة الشرائية والطاقة الإنتاجية المبدعة .
و تبرز المعاناة المضاعفة التي يتعرض لها الشعب الكوردي في سوريا وطنياً في ظاهرة الاضطهاد القومي التي أتينا عليها والمتجلاة في سياسة الإنكار والإلغاء والقوانين والمشاريع العنصرية المطبقة بحقه ، والإجراءات الاستثنائية غير العادلة من حزام وإحصاء وملاحقة واعتقال ، لتفاقم الحالة المعاشية والاجتماعية للكورد إلى جانب اغتراب روحي وما يتبع ذلك من حالات الحرمان والتمييز والفقر والجوع والهجرة ، مما يؤثر سلباً على الحالة الوطنية العامة بتغييب قوى واسعة كثاني قومية في سورية ، وإبعادها عن الانخراط في مجمل العملية السياسية .
إن مراجعة متأنية وطنية وجادة تستدعي ملاحظة كل أسباب وعوامل رفع السوية الثقافية والتوجيهية والتربوية والاقتصادية من جديد ، وعلى مستوى الأداء الإداري والتخطيط و المنهجية والبرامجية المقننة ، بما يشكل نقطة انطلاق واسعة نحو التجذر في التغيير والتطوير وإعادة التشكل والنظر في الحكر والاستئثار للوصول إلى حياة سياسية جامعة ومستنيرة توظف القوى المجتمعية والفاعليات ، وألوان وأطياف المجتمع السوري بكافة قومياته ومذاهبه ومعتقداته وأفكاره ، في ظل توجه عادل وبناء ، ورؤية اقتصادية وطنية تضرب مواقع الفساد والرشوة والتسيب وتضع الدولة في مسار قانون عصري ، تلغي الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية ، وتسعى إلى إدارة ورسم سياسة ضريبية عادلة ، كما ترقى إلى إقرار دستوري بوجود الشعب الكوردي في سورية ، وما يستلزم ذلك من استحقاقات تشريعية وقضائية كثاني أكبر قومية في البلاد ، وضرورة إشراكه في القرار السياسي ، وإطلاق حالة حوار شاملة وبناءة ، من خلال سياسة متوازنة وعادلة ، تحقق قيم ومستلزمات الوحدة الوطنية المثمرة التي تنتهج توزيعاً عادلاً للثروة الوطنية ، وزجاً بكل المعطيات والإمكانات والموارد والبنى والطاقات في بناء حالة شاملة ، صحية ، ومعافاة ، للوصول إلى مجتمع كامل ، متفاهم حواري ، واضح التعددية ، متهيئ للإنتاج والإبداع والتطور.
———
القضية الكوردية في التطبيق الميداني
إن الرؤية التطبيقية والواقع الميداني ، يتطلبان منهجة القضية وربطها بالواقع ، بطرح الوسائل والسبل المتاحة لبلورة الاتجاهات النظرية ، وإخراجها من دائرة التنظير إلى حيز الواقع والتنفيذ ، بما يتيح الفرصة للطاقات والإبداعات وإمكانات شعوب المنطقة لتعبر عن نفسها ، وعن تواصلها بشكل يتفاعل فيه العمل مع النظر ، والرؤية مع الممارسة بحيث تغدو السياسة ميدان عمل منظم ومبرمج ، ينتقل من الرؤى إلى فعل يمارس في الواقع ترجمة حية لجملة مفاهيم ومقومات ، تشكل الجدار النظري لمجتمع ينشد العدل والإخاء ، ويسمو إلى فكر نير .
وفي الوقوف على الواقع ، ودراسة إمكان نقله إلى الجدية في العمل، مع الإيمان بعدالة قضايا الشعوب ومنها قضية الشعب الكوردي ، والسعي من أجل تثبيت دعائم فكر نظري يستند إلى واقع تطبيقي ، يستلزم كل ذلك أن نبتعد عن المجاملات ، والخطب الرسمية ، في سعي إلى معالجة كم هائل من التردي والانكفاء أمام ضغط الرأي العام ، والتراث التربوي ، وما أثير حوله من برامج وخطط وأسس عملت على توجيه الطاقات والأفكار والقوى والمفاهيم لحشدها في بناء منظومة فكرية شمولية تسعى إلى تثبيت دعائم فكر أصولي أحادي يأخذ طابعاً قومياً متطرفاً ، ورؤيةً بدائية متشددة ، تسعى بكل ما أوتيت من قوة القرار لترسيخ دعائم هذا الفكر وتوطيد أركانه ، ونشر مفاهيمه وبرمجة ذلك من خلال قواعد وأسس تربوية في مختلف مناهج وحلقات التربية والتعليم والتوجيه والثقافة ، مما يشكل حاجزاً صفيقاً يحول دون اختراق هذا الرأي العام المؤسس والمستند إلى كم هائل وعقود متطاولة من الجهود والسنين ، بما يجعل من إعادة النظر فيه أمراً غير سهل ولا ميسر ، بقدر ما يلزم من جهود مضاعفة لتليين هذا الجانب ومده بطاقات من المبدعين والمفكرين وأعلام الرؤية الحرة ، والفكر المتوازن من أبناء شعوب هذه المنطقة العريقة من العالم .
ومن أجل هذا التليين ، وذلك الجهد الكبير ، كان لابد من طرح ضوابط وأصول وقواعد عامة للتحرك والتأثير في الجماهير والنخبة من أبناء شعوب المنطقة ، عرباً وفرساً وتركاً ، مما يجعل البادرة الكوردية العربية تصلح نموذجاً لهذا التحرك الممنهج والمدروس والقائم على تلك الضوابط والأصول التي يمكن أن نقترحها وفق التالي :
1_ اعتماد منهج حيوي متكامل وميداني ، متفاعل في المقاربة والمقارنة ، في منطق حواري ، يتخير الأحرار من المفكرين والمثقفين والقادة ممن استطاعوا أن يلجوا بعمق ميدان المقاربة والتوازن واحترام الضوابط العليا ، التي من شأنها أن تجمع وتوحد ، وتخصب الموقف وتثريه وهو يصلح في هذا الميدان مع ما تحقق وتكامل من مؤتمرات الحوار العربي _ الكوردي والذي كان آخره في القاهرة ، لعمق الآصرة التاريخية أولاً ، ولتداخل الجانب الاستعرابي التاريخي وتأثيره ثانياً ، وللرابطة الروحية الجامعة والإرث الكفاحي ثالثاً ، مما يؤكد على الضرورة والحيوية للتواصل الحواري ، للوقوف على تطورات الفكر القومي والإنساني والتراثي .
2_ وضع الضوابط والأسس القائمة على :
آ_ احترام متبادل ، بما يحقق الإيمان بالمسألة وتشعباتها وجوانبها ، بشكل ينفصل عن المصالح القريبة .
ب_ الإيمان بعدالة القضية وبعدها الدستوري والحياتي .
جـ_ تقدير الآصرة التاريخية ، وتوقير الحامل الاستراتيجي الجامع ، والمؤسس لعلاقة مبدئية قائمة على تضحيات مشتركة عبر التاريخ والأجيال .
د_ عدم ربط ذلك بظرف موضوعي أو ذاتي ، بقدر ما يرتبط بالمصير والتاريخ والجغرافية ، والمصلحة القومية والإنسانية الجامعة ، والتي تهب هذا الحوار عمقه ودقة تناوله .
3_ فتح الملفات والقضايا الساخنة والعالقة ، برؤية متوازنة وعادلة ، وترجيح الرؤية المستقبلية المستشرفة والمؤسسة لعلاقة وطنية إستراتيجية ، تعطي للمسألة بعدها المتكامل ، وتشكل نقطة انطلاق لقضايا المنطقة ككل في الديمقراطية والسلم والازدهار والرخاء والعيش المشترك .
4_ تحديد المواضيع والأفكار المثارة وإنارتها من خلال لقاءات وبرامج ودراسات ومواثيق ، في منهج علمي يعتمد الرصانة ودقة الاختيار والوثائقية ، وتوفير مستلزمات جادة ومجدية ، من شأنها أن تقدم المادة العلمية مبرمجة وواضحة الخط الفكري
5_ البحث من منابر فكرية وإعلامية وثقافية جديدة ، تجسد الروح الديمقراطية ، وتنشد السلامة ، وتسعى لبناء صرح مدني مؤسساتي قائم على قواعد جديدة ، في التعاطي مع التراث العلمي والتقني ، وتوجهات الفكر العالمي ، وبثه وإغنائه والتعريف به ، والاستناد في ذلك إلى جملة طاقات وإبداعات وإمكانات متوفرة ، يرشح لها كبار المفكرين والمثقفين والساسة الأحرار ، ممن تزخر بهم المنابر الإعلامية والصحف والمعاهد والجامعات ، وتشهد بهم النوادي العلمية والقوى والأطراف السياسية المتنورة والساعية إلى بناء حالة جدية ومعاصرة ، تستند إلى التراث المعرفي والإنساني الجامع ، وتستفيد من جملة منجزات العلوم والمعارف والرؤى والأفكار النيرة .
6_ البحث عن أدوات ووسائل المقارنة والمقاربة أدباً وفكراً وثقافة ، لتكوين ثقافة وفكر إنسانيين ، يرسمان رؤية استراتيجية مقبلة تخطط لدراسات أكاديمية ومناهج تطبيقية أعمق وأقدر على حل القضايا الكبرى ، ومنها القضية المركزية للأمة الكوردية ، والقضية الفلسطينية ، وقضايا العنف المسلح ، والإرهاب المنظم ، والملاحقة والتعذيب ، وأساليب القهر النفسي والإذلال الروحي .
7_ قهر كل أسباب الكبت والتلكؤ والتراجع في سيكولوجية الإنسان المقهور ، والمتمثلة في ضرب القضايا التحررية وآثارها المدمرة ، ومظاهرها في التمييز والاضطهاد وسحق التطلعات ، وممارسة كل أشكال وصيغ القوانين الاستثنائية البعيدة عن الحضارة والتمدن ، بإشاعة جو علمي متوازن ، وخصوبة تتيح تألق الفكر وتداخله وتواصل الحضارات وتلاقيها ، والقيم والأعراف والمثل الكبرى ، بما يهيأ لانتعاش ثقافة حرة ، لا تقتصر على لغة أو مذهب أو فكر أو عقيدة محددة ، بقدر ما تتيح حرية العمل والفكر والإبداع .
8_ ومن أجل ذلك كان لا بد من إطلاق الفردية والجماعية ، للانفتاح والحوار والتواصل .
9_ إشاعة جو من الثقة والاطمئنان بالخروج من الأبحاث واللقاءات والندوات إلى صفحات النقد والتقويم في مختلف وسائل الإعلام ومنابره وميادينه .
بذلك نكون قد وضعنا أسس وقواعد تخطط لفكر ميداني وإنساني حر ومزدهر .
————
حول ضرورة الإصــــــــــلاح  ( البــارتي نموذجا )  ـ الحلقة الثالثة
المبادرة  : تتكثف المبادرة ـ وهي عبارة عن آراء  لفتح السجال أو اعتبارها اللبنة الأولى لورشة تساهم في التحريض على التفكير لإيجاد الحلول المناسبة لتفعيل البارتي ، قبل الولوج إلى المبادرة لابد لنا أن نسلط الضوء :                                                                            ـ أولا :على عناصر القوة في البارتي ، كعتبة بناء للمبادرة ، والذي يتجلى بالنهج تحديدا كما ذكرناه  سابقا ، كلبنة أولى والدعامة الرئيسية والأساسية إن لم نتفهمها من الصعب أن نتفهم خصوصية المبادرة التي تعتمد أصلا على هذه الخصوصية
ـ ثانيا : على ما في برنامج البارتي من مقومات مهمة إنما غير فاعلة سنوردها في المتن من خلال تبنيها في المبادرة ، إنما و الأهم من ذلك : كيف لنا  أن نتعاطي مع مقومات هذا النهج في هذه المرحلة ، انطلاقا من سؤال جوهري لابد من طرحه .
1-    هل مازال في هذا النهج المقومات التي يمكن المراهنة عليها في هذه المرحلة ونقصد لدى الشعب الكوردي في سوريا ؟
إن كان الجواب بنعم ردا على هذا السؤال ( وهذا لاختلاف حوله من حيث المبدأ ) ومن يشك في ذلك عليه أن يعود بالذاكرة إلى زيارة الرئيس مسعود البارزاني من دمشق إلى قامشلو ..

والتبصر إلى روحية انتفاضة قامشلو وحلب ودمشق واستنطاق المزاج العام لدى الكورد في سوريا … أعتقد بأنها تعطي المؤشرات الواضحة لمقومات هذا النهج وتحدد مكانتها الحقيقية داخل الساحة إنما هذا لايعني أبدا أن  لا نستوضح هذا النهج ، ولا نعطيه ما يستحق من التمعن لعناصره ومكامن قوته ، لتجييرها بأخذ كامل صلاحياتها التعبوية والإستقطابية  في ساحتنا ، انطلاقا من توضيح ركائز هذا النهج .
صحيح بأن هذا النهج قد فرض ظلاله من خلال رمز بعينه ، انما الأدق ، بأن هذا الرمز ومن خلال فهمه لخصوصية مجتمعة استبدل أداة الحزب من تنظيم لفئة محددة وضيقة ، إلى حالة وطنية أشمل ( وهذا ما لم يتفهمه المنشقون عن البارتي آنذاك  واتهموه بالإقطاعية ) اعتمادا على ركيزتين استشفا من خلال فهم عميق للمجتمع ، وحدد من خلالها الإطار القومي لنضالات شعبه ، وهما : ـ الكوردايتي ..ومن خلالها استطاع أن يعبئ ويستوعب كل الطاقات الفئوية والشرائحية والمذهبية والقومية ، وأن يصقلها ضمن بوتقة تنظيمية واحدة ويجيرها لصالح قضيته بعيدا عن الأيديولوجيات أو الشعارات الطنانة التي كانت تغزو المنطقة في تلك المرحلة .

من هذه الخصوصية وتأسيسا لهذه الرؤية ، نستطيع أن نتفهم النهج ونؤكد بأنه متناسب مع واقعنا الكوردي في سوريا انطلاقا من دراسة هذا الواقع ، وسنوضح ذلك لاحقا .
بيد أن هذا لايعفينا من طرح بعض الأسئلة المتممة للإيضاح لتساعدنا على الاستبصار لكل ما هو ممكن في مبادرتنا هذه ، وتحاشيا للوقوع في مطبات قد تؤدي بالمبادرة إلى عواقب غير محسوبة .
ـ هل هناك ضرورة وطنية كي يتحول البارتي في سوريا من حزب فئوي إلى حالة وطنية أعم وأشمل متمثلا بالنهج؟ !!
ـ هل الظرف السياسي والأمني يسمح لنا بذلك ؟!
ـ وفي حال هذا التحول هل يستطيع البارتي أن يعود باسمه إلى فترة ولادته الأولى ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني ـ سوريا ) كمؤطر وطني شامل ، أم سيستنبط اسما آخر أكثر تناسبا من هذا الاسم ؟
قبل ذاك إذا تحول البارتي إلى حالة وطنية ( أعم وأشمل من مفهوم الحزب ) ..

هل ستكون هذه الخطوة متوافقة مع خصوصية مجتمعنا الكوردي في سوريا ؟ حيث لا لبس فيها للأسئلة المطروحة آنفا.
بكل المفاهيم والمقاييس ومن خلال دراسة التجارب العيانية ( الجبهة ، التحالف ،لجنة التنسيق، واللجان الوطنية التي تشكلت ..

الخ) كل هذه المحاولات بقيت في إطار المحاولات غير الفاعلة وتصنفت ضمن إطار المحايلات السياسية والمشاغبات التسويفية لعدم تجاوبها وتوافقها مع خصوصية مجتمعها ـ ولهذا السبب تم عدم تقبلها بالرغم من كل محاولات الإنعاش لها ، كونها لم تتخطى حدود غايتها التي تشكلت للملمة التكتلات الحزبية فقط ، وثانيا وهذا الأكثر حقيقيا لم تكن نابعة من دراسة ومعرفة دقيقة لخصوصية وتركيبة المجتمع الكوردي في سوريا طبقيا ، الذي يمتاز وهو في أحسن الأحوال بمجتمع آسيوي ومستعمر ، لم يحظى الا بالتدمير الممنهج للطبقة الأصلية التي كانت تعتمد الزراعة وتفتيت للطبقة الوسطى التي تفعل المجتمع ..

هذه السياسة ميزت المجتمع الكوردي في سوريا بخاصيتين أساسيتين :
1-    الخاصية الأولى : عدم التمايز لا بل التداخل بين محيط العائلة والعمل .
2-    الخاصية الثانية  : عدم التمايز في أطر العمل
مما حدا بالمجتمع إلى حالة من التعويم لغاية شل حركته .

وتقليص نطاق إفرازاته الشرائحية والفئوية شبيهة كل الشبه بالأحزاب الكوردية في سوريا ، لا فرق فيما بينها ، لا برنامجيا و لا منهجيا و لا فكريا  ( وهذه ليست صدفة إنما هي حالة انعكاس عن واقع حقيقي ـ وهذا ما كان المطلوب ، وقد تحقق ذلك ) .وللتأكيد أكثر أحب أن أذكر ..بكل المحاولات التي ولدت وهي تدعي بأنها تمتاز بخصوصية فئوية مجتمعية وشكلت تنظيمات تحمل اسم اليسار أو العمال أو اليمين …الخ ، قد باءت كلها إلى الفشل لعدم استجابة الواقع مع كل المسميات والبرامج أي بمعنى أدق وباختصار ما نود توضيحه ..

أن المجتمع الكوردي في سوريا قد تم تدميره كي لايتهيأ للفرز الطبقي ولا حتى الفئوي ، القادر على تحديد معالم أدواته التنظيمية لتلبية مطالبه الذاتية ..

مازال هذا المجتمع في مرحلة التداخل كل ما يربطهما هو دافع الإنعتاق القومي  .
 من هذه القراءة لواقعنا ننظر إلى ضرورة التمسك بالنهج وتشكلها كحالة وطنية ، كونها الأصلح و الأنسب لهذا الواقع .
إلا أن هذه الرؤية ستكون قاصرة وغير مجدية إن لم نلفت الأنظار إلى المتكون الأساسي للمجتمع الكوردي في سوريا ، والمتعايش معه من مختلف القوميات والمذاهب والأديان ، هذه الحالة القومية والمذهبية الأصلية في المنطقة تفرض شروطها ومن الصعب تناسيها أو حتى الالتفاف عليها بحكم إنها حقيقة تستدعي الاهتمام ، والاعتراف بها  ، ومن الضرورة الوطنية العمل على إفساح المجال لها لتأخذ نصيبها من البرنامج الوطني الذي لايستثني أحداً من خلال الإطار التنظيمي الموحد والشامل .
انطلاقا من هذه الرؤية وانسجاما مع واقعنا الفعلي ، نؤكد على أنه قد آن الأوان أن نعيد النظر إلى كل قراءاتنا السابقة ، والتي انبنت أصلا على قراءة غير واقعية ، إنما كانت استجابة لحسابات قد عفا عليها الزمن ، للمباشرة بصياغة عقد اجتماعي ، يأخذ بالحسبان جميع مكونات الشعب ، وفئاتهم المتداخلة ،ويتلمس مطالبها ، كي يستشف منها برنامجه الوطني الشامل ، ويؤسس لثقافة التعايش السلمي ( حيث هي روح الكوردايتي ) لاتسويف فيه ولا إزاحة لأحد على حساب الآخر ، ولانقصان فيه للمطالب، ولا التغاضي عنها .
  يتبع في العدد القادم
————
التجذر التاريخي للأمـة الكوردية
إن المؤرخين و علماء الأجناس و الأنتروبولوجيا انتهوا إلى دراسات علمية و أثرية في الغاية من الدقة و التوثيق , تثبت عراقة الأمة الكوردية , و عمقها التاريخي الممتد إلى أحد عشر ألف عام , مما لم يعد خافياً , و أن حدود كوردستان الجغرافية كانت تشغل القوقاز الجنوبي الدافئ الواصل إلى حدود طبرستان و أذربيجان , وهو امتداد طبيعي و جغرافي واسع , و صالح لنشأة الحضارات و سكنى الإنسان , على ضفاف الأنهار الكبرى ( دجلة , الفرات , الزاب الكبير , الزاب الصغير , الخابور , هيزل … ) إلى جانب طبيعة تضاريسية متنوعة و خصبة , حيث حوى الموطن الأول للإنسان القديم ( نياندرتال , كرومانيو … ) كما يشهد على ذلك كهوف ( دودري , شانه در , حساروست … ) و هي كهوف مكتشفة في شمال سوريا ( جبال عفرين ) و جنوب كوردستان ( كوردستان العراق , شرق جمجمال ) .
كما تستدل الأبحاث و الدراسات الأثرية الموثقة على مكتشفات عظيمة الوقع في تاريخ الحضارة الإنسانية , لتشكل وقعا جديدا , و مفهوما حديثا أذهل العلماء و الدارسين , و أهم هذه المعالم و المواقع ( نيفالي تشوري , حموكر , ساراب تبه , زاوي شمسي … ) مما سوف يجيء ذكرها في تحديد المراحل الرئيسية للتاريخ الكوردي القديم , إضافة إلى ما ورد في البحث الرصين للأثري الفرنسي ( بوب) في الكشف الدقيق عن مملكة عريقة في شمال سوريا بالقرب من سد الرستن في المنطقة الوسطى بين حمص و حماة, هي مملكة ( آلالاخ ) هذا البحث الذي طبع في مطابع وزارة الثقافة السورية , و قدم له الباحث الأثري السوري فهمي الدالاتي , مدير المتحف الوطني بدمشق ,حيث ينصّ في رد الهجرات الأوروبية الأولى إلى أسلاف الكورد الشماليين (الحثيين أو الهيتيين ) , حيث اكتشف في هذه المملكة ثماني عشرة طبقة أثرية , و هي شمالية آرية محضة , لا تكاد تلتقي مع إنسان الجنوب القاطن في البادية , إلى جانب دراسة أكاديمية موثوقة قدمت إلى جامعة كمبردج , تقدم بها طالب الدكتوراة ( آ-ولسون) , حيث ذكر بالدليل العلمي هجرة الأوروبيين عبر المتوسط من شمال سوريا , في بداية الألف الثالث قبل الميلاد , من أوساط الحثيين , بخلاف الأبحاث السابقة التي كانت تركز على هجرتهم من القوقاز الشمالي , حيث ثبت علميا استقرار الإنسان الأول في مناطق كوردستان ( القوقاز الجنوبي الدافئ ) .
وقد تميزت المراحل الرئيسية للتاريخ الكوردي في العصور المتقدمة الأولى في :
1_ العصر الحجري (البلوستيسيتي) : في هذا العصر انفصل الإنسان عن المجتمع الحيواني ، قبل حوالي مائة ألف سنة قبل الميلاد ، حيث استوطن الإنسان الكهوف والمغاور ، ولجأ إلى أقنان الجبال ، وقد برزت معالم هذه المرحلة المبكرة من التاريخ في المنطقة الكوردية التي سكنها الإنسان الأول في الكهوف التالية :
_ كهف دودري : والذي يشارف المئة ألف الأولى ، وقد كشف هذا الكهف في جبل الكورد (جبال عفرين) ، شمال سورية وهي تسمية كوردية صرفة وتعني (البابين) ، وهو كهف يرقى إلى أقدم عصور التاريخ .
_ كهف شانه در : ويقع هذا الكهف في منطقة جمجمال في كوردستان الجنوبية ، وقد كشف فيه بقايا عظام طفل يعود إلى سبعين ألف سنة قبل الميلاد ويبلغ عمر هذا الطفل نحو ثمانية عشر شهراً وقد أشار الباحثون الأثريون إلى هذا الكهف ، ووثق هذا الكشف كل من دكتورة وهيبة شوكت ، والمؤرخ الكوردي عبد الرقيب يوسف ، وهو موطن يرتاده العلماء والأثريون وتقصده البعثات الأثرية المختلفة .
_ وما يعاصر هذه الكهوف كهف هزار ميرد ، هساروست ، آكري ، جودي .
هذه الكهوف بحاجة إلى تنقيب منظم ، وبحث علمي منهجي .ويعد هذا العصر من أقدم العصور التي عرفتها البشرية ، ليتميز بما خلفه الإنسان الحجري من نقوش ورقم وأوابد وصور حيث لم تكن الكتابة قد اكتشفت بعد .
_ العصر النيوليتي : والذي يبدأ بنحو عشرة آلاف سنة قبل الميلاد ، ويمتد حتى خمسة آلاف سنة قبله وقد بدأ الإنسان في هذه الفترة بالاستقرار قرب أحواض الأنهار والينابيع ، وانصرف إلى تربية الحيوان وزراعة القمح ، وبدأت معالم العمران تتوضح من خلال تشييد القرى والمستوطنات البشرية الأولى وأهمها هذه المستوطنات :
_ كوباتو (كابوتو) : حيث تقع هذه المستوطنة شمال آمد (ديار بكر الحالية) ، ويعود تاريخها إلى عشر آلاف سنة ق.م
_ حموكر : يعود تاريخ هذه المستوطنة إلى تسعة آلاف سنة قبل الميلاد وتقع في منطقة ديريك شمال سورية  وقد هز اكتشاف هذه المنطقة التاريخ الحضاري وعرفت بلغتها الكوردية الأصيلة التي يتحدث بها سكان المنطقة وهو ما أكدته البعثة الأثرية الأمريكية ، ونشرته صحيفة الكمبيوتر السورية ، وتناولته وسائل الإعلام الأخرى .
_ نوالازوري (نيفالي تشوري) : وقد كشف الغبار عن هذه المنطقة الأثرية عن طريق جامعة هايندبرغ وبعثتها الأثرية عام 1982 حيث نصت البعثة على كون هذه المستوطنة كوردية خالصة ، وهي تقع على روافد الفرات في منطقة دشتاسروجي ، مقابل كوباني في القسم المحاذي لسورية ، والذي تقطعه الحدود المرسومة ، وقد تميزت هذه المستوطنة بمظاهر تدل على تطور حضاري واضح تمثل في :
1_ فتح كوى وطاقات صغيرة من الناحية الشمالية القارسة في مخازن تحت الأرض (بخيريك ، سفك) ، مما يشكل ظاهرة التكييف الطبيعي المبكر في التاريخ حيث كانت توضع المواد المرادحفظها (من لحوم وفواكه ونحوها) في هذا الحيز المكاني الشديد البرودة،وقد انتقل هذا التراث إلىالكورد عبرالتاريخ،وأضيف إلى الحفظ مواد حافظة في ما بعد (كالملح والسكر)
2_ رصف الشوارع والطرقات بالملاط البازلتي الأسود .
3_ تربية قطعان الغزلان ، وهي ظاهرة تدل على ولع بالحيوانات الأليفة والوديعة .
_ زاوي شمسي وكريم شاهير وكري جرمو وكري شمشاران وتبه كوره ، وهي مستوطنات متعاصرة في جبال زغروس وجنوب كوردستان ، وقد أشار إليها مرشد اليوسف في كتابه (دوميز) ، في ص(10_11) تفصيلاً ، وقد تميزت الصبغة الحضارية لهذه المجموعة البشرية بإيمانهم باليوم الآخر ، وضرورة وجود حياة ثانية أفضل وأرقى وأكثر عدلاً ، وكانوا يدفنون موتاهم بأسلحة حجرية وقد اكتشف هذه المناطق وخاصة الأخيرة منها من قبل الرحالة الإنكليزي (جيمس بنكهان) عام 1816 ، وقد انحصرت تبه ساراب وتبه كوره في كوردستان الشرقية وفي منطقة شنكال اكتشف سور حجري بارتفاع متر ونصف المتر يعود إلى هذه المرحلة ، كما استدل المؤرخ الكوردي عبد الرقيب يوسف على آلاف الرقم الأثرية التي أنبأت عن حضارة عريقة لم يكشف النقاب عنها إلا في فترة متأخرة بانتظار مزيد من التنقيب والبحث والتدقيق .
_ المرحلة الثالثة : وهي متممة لسابقتها وقد تميزت هذه المرحلة بحضاراتها وتطور سمات المجتمع المدني القائم على نوع من التمايز والوضوح منذ الألف الخامسة قبل الميلاد ، ومن الشعوب الآرية البارزة في هذه المرحلة (السومريون _ الهوريون _ الميتانيون _ الكردوخ _ اللولو_ السوبارت أو سوبارو وهم قريبون من الهوريين _ الجوتييون _ الكاشيون _ الميديون _ الماديون _ المآبيون …) وهي من الأسلاف الآرية والهند أوروبية المتمازجة في جبال زاغروس ، قبل أن يهاجر إلى المنطقة الساميون بآلاف السنين كما ينص عليه ويل ديورانت في حديثه عن الشعوب الآرية الأولى حيث يقول : (أن أول رقم سطر في تاريخ البشرية هو في منطقة الشرق الأدنى والأناضول ) ويعد هذا العالم والمؤرخ السومريين من الشعوب الآرية المتقدمة التي برزت في الألف الرابعة قبل الميلاد وعرفهم بكونهم شعب شديد البأس عصبي المزاج ، وحدد موطنهم الأول في جبال كوردستان العراق لينتقلوا إلى الجنوب في أور ولكش مشيراً إلى ظاهرة الموجات البشرية الأولى التي ضجت بها المنطقة ، ليتسربوا منها إلى أنحاء مختلفة من العالم ، لتأتي الأبحاث اللاحقة مؤكدة الهجرات الهند أوروبية إلى الغرب عبر المتوسط كما أسلفنا .
——————-
البارتي بين تحدي البقاء و الاستمرار
مما لا جدال فيه أن أي تنظيم على الساحة السياسية – في أي زمان و مكان – لا بد أن يشغل الناس و أن يثير حوله الجدل ..

و لا بد أن يترصد له الأعداء , و يلتف حوله الأنصار و الحلفاء .
و البارتي بتاريخه الحافل , و حجمه التنظيمي و الجماهيري , وتميزه بالواقعية و الموضوعية و الاعتدال خاضع لهذا القانون , فهو مثار اهتمام الحلفاء و الأصدقاء , و المناوئين و المعادين , وممن يتربصون به الدوائر و يحاولون ثنيه و إركاعه .
و هو – منذ دخوله معترك الحياة السياسية – بكل ما لهذا المعترك من تشابك و تعقيد , وجد نفسه في مواجهة مباشرة تستهدف كيانه و أهدافه , و أدواته النضالية ووسائله المشروعة في تحقيق هذه الأهداف .
فقد واجه كل المعوقات و العراقيل في المجتمع الكوردي , بتراكماته و تعقيداته و أخطائه و تطوراته أيضاً , ليخترق عبر مراحل و عقود التكوينات و التلوينات الأولية لبنية النسيج المجتمعي , متفاعلا معها حيناً , و مقولباً إياها حيناً آخر , بما حمل من ولاءات محددة ( عائلية , قبلية , مذهبية , تخلف و تشدد , و وعي و انكفاء , و ثبات و تراجع ..

) إضافة إلى عوامل موضوعية ساهمت في تعقيد و تأزيم تلك البنى و المكونات , و العقد و التراكمات , ليجد الحزب نفسه أمام هيكلية متعددة الجوانب و الأطراف , تستلزم جهداً إضافيا في التحرك و التمحور و المواجهة , و كثير من التأني و العقلانية , و الحوار الهادف لجسر  الهوة , و تحديد المنهج , و رسم الصوى و معالم الطريق , لبناء حالة نضالية تتسم بكثير من الجدية و الصبر و الحكمة و الجرأة , لزجّ التراكمات و التعقيدات في جملة خط المواجهة باتجاه التعديل و التصويب , و الإغناء و الإثراء , و بوسائل و أدوات مرنة , تختار الظرف المناسب لتوجيه و بلورة حالة الحوار النخبوي و الجماهيري , لجعل الحالة الأولى ( النخبوية ) رديفاً نضاليا , يتسم بالعمق و المسؤولية , على الرغم من خطورة و دقة المواجهة , و المسلكية النضالية المقتدرة , على الرغم من محدودية الإمكانات و الطاقات , و غياب كثير من الفعاليات المجتمعية الممانعة و المؤثرة لحالة من الركون و السكون و البعد عن المعترك النضالي , هذا في الجانب الميداني على ساحة النضال الداخلي و موجباته .
أما الشكل الثاني من المواجهة الموضوعية فقد تجلت في حالات القهر و الاغتراب و الإذلال و الاضطهاد , والتنكر لوجود الشعب الكوردي في سوريا , تاريخا و لغة و أرضا , وتراثا و تلاحما كفاحيا ,  وما تبع ذلك من محاولات الصهر و التعريب و طمس الهوية القومية , و ما يستلزم ذلك من مواجهة الأداة النضالية المرتهنة بالأهداف الكبرى و الإستراتيجية الكفاحية للبارتي و نهجه و تراثه و ثوابته , بما لها من قوة و عمق , بالضغط باتجاه التفتيت , وفرض حالة الانقسام و الاستلزام و شراء الضمائر , و الاستناد في ذلك إلى نخر هيكلي , يصل إلى تدمير النواة و تبديد الطاقات باصطناع صراعات هامشية , ومستندات و ركائز في الداخل تلعب دورا تشويهياً و تشهيريا مزرياً , و تمارس لعبة ماكرة في التصيد و إثارة الأخطاء و تضخيمها , و ليّ لجام المسيرة , و اعتساف السبيل , بما يحرف المسار , و يدفع باتجاه المتاهة , و إثارة القلاقل , و صرف الطاقات المبدعة إلى معارك جانبية تشوه إلى حد بعيد الوجه الناصع للبارتي , و هو ما أثر بجملته على الحركة الكوردية و دفعها باتجاه حالات الترهل و التراجع , و نسيان الهدف المركزي , أو الانشغال به في غمرة البحث عن المخرج , و تلمس سبيل المواجهة , الأمر الذي شكل حالة معقدة تضاف إلى العامل الداخلي في المواجهة , و تحدي معركة البقاء و الامتداد و الاستمرار .
و قد أدرك الحزب – ومن خلال كوادره و سياسييه و مثقفيه – خطورة هذين الشكلين في المواجهة  , و أدرك منذ البداية ضرورة تخطي العقبات و العراقيل , و إزالتها و تلمس السبيل أمام انتهاج خط مبدئي متوازن , يأخذ بالحسبان أبعاد كل مرحلة و صعوباتها و تعقيداتها , و الوسائل المستجدة اللازمة لجعلها أدوات يمكن تطويرها – في ضوء الإمكانات المتواضعة و التحديات الكبيرة – و يمكن اتخاذها سبيلا إلى الخروج من المأزق و الحيلولة دون الانكفاء الخطير , و الترهل المريع , بمزيد من اليقظة و المرونة و المتابعة , و اللقاءات و أدوات التطوير المطلوبة , و سد الذرائع في وجه المستفيدين و المتسلقين و الغارقين في حبائل الأنانية و مظاهرها الخادعة و الزائفة , و الوقوع في شرك الانتهازية و العقلية الإلغائية و الوصائية الهزيلة و الممقوتة , و الوصول إلى حالة من الصفاء و صدق التوجه و قوة الإقناع , و سلامة النهج , و البحث عن وسائل متطورة في النهج و الممارسة و التنظيم ترتقي إلى مصاف الفكر الإنساني الحر و قيمه و مثله الرفيعة , وتكامله الحضاري , و عمقه الفلسفي , و قوته التقنية و المعرفية العالية , في استناد عميق إلى التراث و المعاصرة , و بناء حالة تنظيمية مرنة تستطيع الانخراط في عمق الحسّ الجماهيري و وعيه الداخلي و ذاكرته الجمعية الحية , و مراجعة شاملة و دقيقة لكل أخطاء الممارسة و درجات التعقيد و التراكم لبناء أرضية عامرة و خصبة تتناسب مع خصوصية المرحلة و أهداف البارتي الكبرى في البقاء و الاستمرار و الامتداد .
—————–
كلمة ..لابد منها
 تساؤل يطرح نفسه ، في اللقاءات والندوات،وعبر حوار متواصل  ..

أين البارتي من عملية جمع الشمل الشتيت ؟
ماذا قدم البارتي ، ليضيف رقما ، أو يعيد اعتبارا كما يقول ؟! وهل تستحق العملية برمتها هذه الضجة ؟! هل هي حقيقية أم مفتعلة ؟! ..

ولماذا الإصرار على البارتي بالذات ؟! وقد أخفق الكثيرون ـ بدافع حقيقي أصيل ـ في إنجاح مسعى الوحدة ..

دون أن نحدد طرفا بعينه ؟! بل الأطراف ماثلة أمامنا ، وقد خرجت من تجارب فاشلة !! وهل هذا الدافع الأصيل المعرقل والمعيق يتمثل في صناع الانشقاقات؟! وهل يصدق هذا مع القول المتكرر والمألوف ، لن ينجز العمل الوحدوي مَن بَذَرّ الانشقاق ورعاه ؟! ..

إنها أسئلة مشروعة لابد منها ..كما لابدََّ من ردّ أجوبة حاسمة عليها ..
لقد كان البارتي ومن خلال كوادره وقيادييه ونخبة المثقفين من حوله ومؤازريه في الصف الأول من بناء اللحمة ،وجمع الشمل ،وتوحيد الصـــــــــف ، وكان ـ وخلال سنوات أربع ـ متواصلا في العمل الدائب،توحيدا،وبحثا،عن صيغه وأساليبه،وبمختلف السبل ، بل كان ـ ومع وفود وطنية مشهودة ـ وخلال عمل متواصل أيضا يرفع عقيرته بكل قوة داعيا إلى الوحدة ساعيا إليها بكل ما ملك من قوة الإقناع،بل أنجح هذا المسعى مرتين ..

الأولى في 7/3/2004 ،والثانية في 28/4/2007 وسعى لها سعيها ..

وقبل بكل مستلزماتها ،وضحى من أجلها ليحصد سرابا وخيبة، فكان لابد من جواب عملي حاسم..

وكان لابد من إعادة الاعتبار للبــارتي ، فكان لزاما جمع الشمل ، ولمَ الجمع بأسلوب أكثر قوة وحيوية و أصالة وصدقا ..

ليأتي الجواب عمليا هذه المرة ـ بعد استنفاد كل جهد في مؤتمر توحيدي حقيقي ..

هو المؤتمر العاشر ..مؤتمر إعادة البناء ..وإعادة الاعتبار ..جواب لابد منه ..

وكلمة جازمة لابد منها لرفع ثوابت البارتي ..وسد كل الذرائع والسبل أمام التلكؤ والتراجع والشطب وأشكاله ومريديه ..

أليس حقا أن يكون الجواب حاسما ..

حسما لمشروع حقيقي يشكل نواة وحدة حقيقية ..

لقيم البارتي وكوادره وثوابته ..

ونصرة مؤيديه ومؤازريه..إنها الكلمة الأصيلة،والفكر القويم ، والتصرف الحكيم،والجواب المشروع ، والكلمة الناصعة التي لابد منها .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…