الاعتقالات لن تقلب الحقائق، ولن توقف إرادة التغيير.!

افتتاحية جريدة الوحدة (YEKÎTÎ)*

  بالاعتقالات الأخيرة لكوادر إعلان دمشق، وإحالة أحد عشر منهم للقضاء، تكون السلطة قد أكّدت مرة أخرى، ليس فقط طبيعتها القمعية، بل كذلك إصرارها على تحدي الإرادة الوطنية والدولية الداعية إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق، لان تلك الاعتقالات تسد الأبواب أمام أي رأي آخر في الوقت الذي تقر فيه كل الشرائع أن من حق المواطنين أن يختلفوا مع بعضهم البعض، ومع السلطة الحاكمة، وإن من حقهم التعبير عن هذا الاختلاف بأساليب ديمقراطية سلمية، خاصة وان هذا الاختلاف مع السلطة يستند إلى عجزها عن الإصلاح المطلوب لمعالجة مختلف جوانب الأزمة التي تحيط بالمواطن السوري

 

ذلك الإصلاح الذي لا تريد السلطة أن تفهم منه سوى انتزاع الحكم، ولهذا فهي تطلق أحكامها على مختلف المعتقلين السياسيين، وتستعين في ذلك بالمادة 305 من قانون العقوبات الخاصة بمحاولة تغيير كيان الدولة، وهي نفس التهمة التي وجهت لمعتقلي الإعلان من قبل القضاء المدني، الذي تم توريطه مرة أخرى بقضايا سياسية، إمعاناً منها في مواصلة الاعتداء على استقلاليته، في الوقت الذي تعرف فيه السلطة أن قوى الإعلان تتبنى في نضالها مهمة التغيير الديمقراطي السلمي الذي يعني تغيير الآليات المطلوبة لاختيار المؤسّسات التشريعية والتنفيذية، وإلغاء احتكار حزب واحد، مهما كانت طبيعته واسمه، لقيادة الدولة والمجتمع، لتقودها نتائج صناديق انتخابات حرة ونزيهة، تضمن حرية المواطنين وحقهم في المشاركة الفعالة لاختيار ممثليهم، كما أن تلك القوى لم تراهن يوماً على التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري، بخلاف ادعاءات السلطة وأبواقها الإعلامية الساعية إلى توزيع اتهامات الخيانة بحق العديد من رموز الإعلان في محاولة منها لإثارة المشاعر الوطنية، بل بالعكس فإن الإعلان جاء أصلاً على خلفية تلاشي آمال الإصلاح من جانب السلطة من جهة، وعدم قدرتها على التصدي للضغوطات الخارجية من جهة أخرى، وقد أثبتت تجربة السنتين الماضيتين من عمر الإعلان صحة خياره الوطني، وبرهنت على أنه لم يكن مجرد رد فعل على القمع، مثلما لم يكن انعكاساً لإرادة خارجية، بل جاءت انطلاقته من عمق معاناة مكوّناته وعبّرت عن حاجة وطنية سورية ملحة لإيجاد أداة نضالية تملك كل المواصفات التي تؤهّله لرفع راية التغيير الديمقراطي السلمي.
فهو يضم في تركيبته قوى وشخصيات وفعاليّات وطنية معروفة بتاريخها النضالي، واحتضن في إطاره ممثلي مختلف مكوّنات سوريا القومية وأطيافها الاجتماعية وتوجهاتها الديمقراطية، ولم يستثن حتى أهل النظام في دعوته لمؤتمر وطني سوري عام يحقق التغيير الهادئ والمتدرج، الذي يجنّب البلاد أخطار بعض التجارب المحيطة، ويضمن إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد، ويحمي المجتمع الكردي من حالة الاغتراب، ويسهّل انخراط الحركة الوطنية الكردية في النضال الديمقراطي العام.
في ظل تلك المواصفات التي يمكن أن نضيف لها حرص الإعلان على انتزاع الاعتراف به من خلال نشاطاته وحتى اجتماعاته العلنية، بما في ذلك اجتماع مجلسه الوطني الأخير الذي انعقد في مدينة دمشق وإصراره على التعامل الديمقراطي في اتخاذ قراراته واختيار لجانه ومكاتبه، يمكن أن نتساءل: أين يمكن أن نصنف مسلسل الاعتقالات الذي تلعب فيه الأجهزة الأمنية دوراً بالغ الخطورة، حيث طالت حملتها الأخيرة العشرات، ولا تزال تسحب الحبل على جرّارها، ضاربة عرض الحائط كل الدعوات المطالبة بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين الذين خسروا حرياتهم في سبيل بناء وطن لا مكان فيه للاحتكار والشطب على وجود الآخر المختلف، سياسياً أو قومياً، وطمس إرادة التغيير الديمقراطي، الذي لن يكون إلا قدر سوريا الغد، لأنها لن تبقى لتشكّل حالة استثنائية في طريق التطورات الديمقراطية التي تلفّ العالم، ولن يكون بوسع الاعتقالات تعطيل هذا الاستحقاق القادم..

كما أن القراءة الخاطئة لمواقف بعض مكوّنات الإعلان والمراهنة على تفكيكه من الداخل، لن تعطي النتائج التي تتوخّاها السلطة، ومنها موقف الأخوة في حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي العربي الذي نعتقد بأنه لن يفرّط بسهولة بدوره المؤسّس وموقفه المبادر، وان ما بينه، وحزب العمل الشيوعي من جهة، وبقية الأطراف المشاركة من جهة أخرى هو سوء فهم سيتكفل الحوار الهادئ بمعالجته، خاصة بعد أن بات الخطر يهدّد كل العمل المعارض والاعتقالات تطال كل المعارضين، مما يستدعي ترحيل الاختلافات القائمة إلى الاجتماع القادم للمجلس الوطني المخوّل بتصحيح أخطاء قد تكون رافقت العملية الديمقراطية داخل الإعلان، وتصويب مساره إذا كان ذلك يتطلب المراجعة، التي يعني بها الجميع، بما في ذلك الأطراف التي جمّدت نشاطها، خاصة في هذه الظروف التي يحاصر فيها الإعلان بين حملة القمع من جهة، واتهامات التخوين الباطلة من جهة ثانية، لان تعزيز صمود الإعلان، بكل ما فيه من مكوّنات وما يتصدى لها من مهام، يعتبر واجباً وطنياً، لأن الإعلان، بما له وما عليه أيضاً، وبوصفه لوحة سياسية قد تكون لم تكتمل بعد، أو برنامجاً لم توضّح تفاصيله، فإنه يعتبر مكسباً لكل القوى الديمقراطية السورية، ويمكن اعتباره مشروعاً قيد التنفيذ لقطار التغيير، الذي يمكن تبديل أو تعديل بعض المفردات فيه بأخرى، لكن المهم هو المحافظة والتمسك باتجاه بوصلته الوطنية، خاصة بعد أن بدا واضحاً أن السبب في استهدافه حالياً من قبل النظام هو الخشية من تحوّله إلى قاعدة ومنطلق نضالي لجميع المناضلين السوريين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والسياسية، بما في ذلك مناضلي شعبنا الكردي وحركته الوطنية وقضيته القومية التي تستعيد الآن طبيعتها الديمقراطية من خلال إعلان دمشق، الذي أبرز المكوّن الكردي فيه هذه الطبيعة، في حين أقرت فيه المكوّنات الأخرى بأن هناك قضية كردية تحتاج لحل ديمقراطي عادل، وأن سوريا الغد ستكون للجميع، بعيداً عن استئثار هذا العنصر، أو احتكار ذاك الحزب، وان القضية الكردية هي قضية كل السوريين لأنها قضية وطنية تهم مليوني إنسان كردي سوري لا تتجزأ مصلحتهم عن مصلحة الوطن وتطورهم عن التطور الديمقراطي العام، وان السياسة الشوفينية الساعية لإبعاد هذه القضية عن الحضن الوطني ستبوء بالفشل فهي حاولت كثيراً في الماضي إيهام الرأي العام الوطني بأنها مشروع خارجي، وإن النضال الوطني الكردي تحركه مصالح أجنبية، في حين جاء الإعلان ليؤكّد على الطابع الوطني لهذه القضية، وليفتح الطريق أمام الجانب الكردي فيه لينخرط بالنضال الديمقراطي العام، بحيث لم يعد فيه الشأن الكردي يبحث فقط في المناطق الكردية – في القامشلي أو عفرين وكوباني وغيرها – بل أن هذا الشأن بدأ يهم كذلك كل جزء من سوريا ويعني كل مواطن فيها، ولم يعد نضال الكرد يقتصر على المطالبة بحقوقهم القومية، بل يشمل كذلك كل ما يعني سوريا، وطناً ومواطنين، وصيانة استقلالها ومواجهة كل الأخطار المحدقة بها في الداخل والخارج، وأن معاناتهم، كمواطنين كرد، متداخلة مع الكل السوري في مختلف قضايا الحرمان من الحرّيات العامة..

وبذلك يسجل لإعلان دمشق بأنه ربط المسار النضالي الكردي بالوطني السوري العام، وبات التمسك به وتحصينه واجب الجميع لأن الهجمة الأخيرة تمس آمال وطموحات كل الوطنيين السوريين، والتي لن تنجح في تحقيق أهدافها لأن عجلة التطور وإرادة التغيير لن تتوقف ، وأن محاولات السلطة لربط ما تجري حولنا من توترات وفوضى لإشاعة مناخ قائم على الخوف من هذا التغيير ومقايضة هذا الخيار السيئ بالوضع الحالي، بما فيه من قمع للحريات ، لن تفلح في إجبار المواطن السوري على الركون للواقع ، ولن تحيده عن مواصلة النضال من أجل بناء دولة الحق والقانون التي لا مكان  فيها للظلم والحرمان.
——-
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد(174) كانون ثاني-2008-2619ك

لقراءة مواد العدد انقر هنا  yekiti_174

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…