بياندور قيد البحث

خالد عيسى

تعتبر معركة بياندور من الأدلة القاطعة على مشاركة الأكراد في تشكيل الدولة السورية منذ بداياتها.

وتأكد الوثائق العسكرية والدبلوماسية المتوفرة بأنه لولا الوجود الكردي المسلح , لما بقي الجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة ضمن حدود الدولة السورية.

ولولا الأكراد لكان هذا الإقليم قد دخل في حدود الدولة التركية, ولكانت آبار البترول السورية (نصف ميزانية سورية) ملكاً للدولة التركية.

ويملي عليّ الواجب الوطني التذكير بهذه الحقائق لكل السوريين.

وخاصة في وقت يعاني فيه الكرد من الاضطهاد والحرمان والقمع والتخوين.

ففي الوقت الذي تنازل ويتنازل البعض عن أراض ومصالح سورية, تمسك ويتمسك الشعب الكردي بأرضه, وعندما يدافع عن وجوده وحقوقه, يتعرض للقمع والتخوين.
ولكن لانجد على حد علمنا دراسة تاريخية موثقة لكل الأحداث التي جرت في فترة الاحتلال الفرنسي للمناطق الكردية.

فالكوادر الكردية مهمشة في سورية, و يبدو أن الأوساط الشوفينية لا تجد فائدة في  نشر حقائق هذه الفترة.
أول مقال تطرق إلى معركة بياندور, بحدود علمنا المتواضع, كان المقال الذي كتبه الشيوعي الكردي رمى شيخو الفرحه, في مجلة دراسات اشتراكية, العدد 50, لعام 1985, وتم إعادة نشره في جريدة حزب الشعب الذي كان يقوده المرحوم سامي عبد الرحمن.

وعندما كتبنا عام 1986بحثاً عاماً عن أكراد سورية بالفرنسية استفدنا كثيراً مما جاء في المقال المذكور بخصوص بياندور, فضلاً عن بعض المراجع الأخرى , مثل ما كتبه كريس كوتشير بالفرنسية.

وفي عام 2003 تم ترجمة قسم من هذا البحث في كتاب الأكراد وتشكل الدولة السورية.
وما كتبناه عام 1989 في هذا الخصوص, في تقديم كتاب ثورة جبل الأكراد ضد الاستعمار الفرنسي في سورية, لم يخرج عن إطار العموميات.

وعدنا إلى التطرق إلى الموضوع في مقالين عام 1995, في عددي 19 و 20 من مجلة صوت كردستان.
وبالقدر المستطاع, نحاول الاطلاع عما كتب ويكتب عن بلادنا بشكل عام, وعن الأكراد بشكل خاص.

ولكن تبقى جهودنا الفردية قاصرة, و قلّ ما يمكن الفرد القيام بمهام كبيرة من خارج المؤسسات.
حالياً,  توجد كمية هائلة من الوثائق المتعلقة بموضوع الاحتلال الفرنسي للمناطق الكردية في سورية.

وأخذنا على أنفسنا, مهمة العمل على دراسة هذه الوثائق, قدر المستطاع, وعرضها على القراء في الوقت المناسب.

وبينما كنا نبحث عن تلك الوثائق, وجدنا بحثاَ حول الهجانة( وحدات راكبي الجمال) في سورية.

وقد خصص الكاتب فقرة هامة حول بياندور.

وهذا البحث هو منشور في مجلة الجيوش, العدد 223, لعام   2003, وهذه  المجلة من المجلات المتخصصة .

كما اطلعنا على بحث  فيشه تاشجيات, وهو بحث علمي جيد , منشور بعنوان فرنسة في كيليكية وموزوبوتاميا العليا.
رأينا التذكير بملحمة بياندور, في مقال ذات طابع سياسي عنوانه بياندور: الوسام الوطني الكردي, ريثما نتمكن من انجاز بحث تاريخي موسع.

وفن المقالة له ضروراته التي تختلف عن غيره من الكتابة.

فقرأنا هذا الحدث الماضي لشرح الحاضر.

وورد في هذا المقال:
“لم تتوقف قوات العشائر الكردية من مهاجمة القوات الفرنسية .

فتكررت هذه الهجمات، وخاصة تلك التي قادها حاجو أغا، في الثامن عشر، وفي العشرين، وفي الواحد و العشرين, و في السادس و العشرين من شهر تموز.”
وردتنا رسائل كتابية وهاتفية عديدة بخصوص هذا المقال.

ونشكر كل من اهتم بالأمر.

ونخصهم الأخ الدكتور برجس الشويش, الذي نشر تعليقه على بعض المواقع الالكترونية بعنوان: تنويه بخصوص مقال السيد خالد عيسى ( بياندور: الوسام الوطني الكردي).

ونرفق النص الكامل لهذا التنويه.

تنويه بخصوص مقال السيد خالد عيسى (بياندور: الوسام الوطني الكردي)

الدكتور برجس الشويش

للأمانة العلمية والدقة التاريخية نرى من الجدير هنا، أن ننوه باحثنا الجليل، الأستاذ خالد عيسى، بتصحيح واقعة بيناندور؛ وذلك بذكر قادتها الحقيقيين.

لأن الخلط فيها يقلل من أهميته العلمية ويطعن في دقة سرده للوقائع التاريخية.


حيث حاجو آغا ومن بعده أنجاله، لهم نضالهم البارز من أجل القضية الكردية.

ويعلم هذا القاصي والداني.

في حين آنئذ لم يكن حاجو آغا قد غادر الكردستان الشمالية إلى الكردستان الغربية.
لقد حصلت المعركة بين عشائر الكرد والقوات الفرنسية في ذلك التاريخ المذكور بقيادة رجال من آل عباس رؤساء عشيرة دوركان.
فيما مضى فرضت هذه العشيرة ومعها حلفاؤها معاهدات سلام مع العرب القادمين من الحجاز والجنوب العراقي إلى المناطق الكردية الواقعة ضمن أراضي الكردستان الغربية.


قبلها أي قبل هذه الواقعة كانت زعامة هذه العشيرة على اتصال مع الشيخ سعيد بيران من أجل الثورة الكردية الكبرى في الشمال.

بعد أن علمت الحكومة التركية عن نشاط زعامة العشيرة في الاستعداد والتهيئة بكل عشائر آشيتان وآليان للمشاركة في الثورة الكردية بقيادة الشيخ بيران ضغطت على الحكومة الفرنسية من أجل منع الكرد في هذا الجزء من المشاركة في الثورة.


كانت النتيجة أن حاولت القوات الفرنسية المتمركزة في بياندور استدراج الزعامة إلى مقرها من أجل القضاء عليهم؛ حتى يصار إلى إخماد المحرك الأساسي من أجل المساهمة في تحرير كردستان شمالا وغربا.

وقد كانت الزعامة على اطلاع بالنوايا الفرنسية فلم تقبل الإذعان لطلباتها المتكررة.


بعد أن يئست قيادة القوات الفرنسية من عدم جدوى دعواتها لجأت إلى الخديعة.

وقد نجحت عندما أوفدت العشيرة أحد رجالاتها للقاء بالقيادة الفرنسية هناك.

ولم يمض وقت طويل على اللقاء؛ حتى تم اعتقالهم وقتل الموفد مع مرافقيه بأسلوب وحشي مناف كليا مع ما كانت تدعيه فرنسا آنذاك من مدنية وحضارة وإنسانية.
عندها أدركت زعامة العشيرة أنه لا بد من إبعاد الفرنسيين من مناطقهم ومناطق حلفائهم من العشائر القاطنة هناك آنذاك.

فاضطرت أن تغير مجرى الأمور، من الانشغال والاستعداد للمساهمة في الثورة الكردية الكبرى، إلى درء خطر الفرنسيين عنهم.
بعد اتصالات وتحضيرات استعدت العشائر الكردية هناك في خوض المعركة ضد القوات الفرنسية.

فخاضت عشائر آشيتان وآليان، بقيادة زعامة عشيرة دوركان، المعركة ببسالة وقضت على الحامية الفرنسية في بياندور.

وكان ذلك عام 1923م.
العودة مرة أخرى إلى ما ذكره باحثنا القدير، الذي نجله ونقدر بحوثه في المسالة الكردية، ومواقفه من قضيتنا الكلية.

أن حاجو آغا وعائلته قد غادروا الكردستان الشمالية إلى الكردستان الغربية عام 1926م أي بعد الواقعة بثلاث سنوات.
ونحن على يقين تام أن باحثا في مستوى الأستاذ خالد عيسى، لن يقبل أن تكون بحوثه موضع الشك والريبة، راهنا ومستقبلا، من قبل القراء والباحثين معا.

وما يمدنا باحثنا القدير، بين فينة وأخرى، من بحوث ثر، مغنيً بذلك معرفتنا بتراثنا وماضينا.

يؤكد لنا أنه لن يقبل أن يكون شاهد زور على الوقائع التاريخية.

فدرجته العلمية العالية، التي قلما تحلى بها كردي آخر، كافية من أن نكون متأكدين أن ما حصل هو مجرد سهو في سرد واقعة مشهورة، وعلى مستوى أبناء الجزيرة من جهة ومن طرف آخر على مستوى الكرد في الكردستان الغربية، بل وعلى مستوى الوطن السوري ككل.

ونحن متأكدون أن باحثنا الجليل سيجد طريقة لتصحيح السهو الحاصل.
نكرر الشكر والتقدير للأخ الدكتور برجس الشويش , وبخصوص ما جاء في التنويه الذي كتبه نقول بإيجاز:
1- من حيث المضمون, تبقى الرسالة السياسية للمقال الذي كتبناه صحيحة.

أي انه  قاوم الكرد المحتلين, والآن ينكر عليهم وجودهم وحقوقهم.

فالآشيتان والهفيركان والآليان والدوكان كلها عشائر كردية.
2- في كتاباتنا السابقة ذكرنا دور العشائر المذكور في معركة بياندور, وذكرنا أسماء العديد من الشهداء, وتفاصيل أخرى لم تساعد طبيعة ( المقال) موضوع النقد من إعادة سردها.
3- عند كتابة المقال, وحتى الآن, هناك شبه إجماع حول دور المرحوم حاجو أغا في معركة بياندور.

فمثلاً يمكن العودة إلى ما كتبه بالعربية.

الأساتذة برادوست ميتاني, و موسى اوسكى زاخوراني, وعبد الباقي حسيني, و بيبر فرحو, و خالص مسور, و وغيرهم من الذين نرجو منهم السماح لعدم ذكرهم.

ودوره لا ينفي ولا يقلل من قدر القادة الآخرين, أو من دورهم الوطني.

وقد نصل إلى نتيجة أخرى في المستقبل.
4- مما ورد حول الهجمات التي قادها المرحوم حاجو أغا ” في الثامن عشر، وفي العشرين، وفي الواحد و العشرين, و في السادس و العشرين من شهر تموز.” تم الاعتماد على بحث جان بيريز, و هو من الأبحاث القليلة المنشورة من قبل إدارة أرشيف الدفاع.
5- في بداية العشرينات من القرن الماضي, وعند وقوع بياندور وما بعدها لم تكن الحدود مرسومة بين تركية والفرنسيين, وتبين الوثائق العسكرية والدبلوماسية الفرنسية, بأنه كان الصراع شديداً بين القوتين حول احتلال الجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة.

وأنه كان للوجود الكردي المسلح دور كبير في ضم هذا الجزء إلى سورية.

و هذا الصراع لم يمنع الفرنسيين من السماح بنقل التعزيزات العسكرية  التركية من استخدام السكك الحديدية في آذار وأيار عام 1925, وذلك لقمع ثورة الشيخ سعيد بيران.

وهذا ما سبق أن كتبناه.

وسنعود إليه في كتابات تفصيلية أخرى.
6- نؤكد  للأخ الدكتور برجس الشويش , بأننا نحاول بجهودنا المتواضعة, أن نستفيد من المراجع المتوفرة, وأن نطور معرفتنا بالقدر المستطاع, ونحاول نشر معرفتنا المتواضعة ضمن الحدود الممكنة,  وسبق وأن ذكرنا في نهاية المقال موضوع النقد بأننا سنعود إلى بياندور.

نكرر الشكر للأخ الدكتور برجس على اهتمامه بالموضوع, ونرجو أن يدلنا على مراجع, إن توفرت, قد تساعد في توضيح الأحداث التي تمت في منطقتنا بشكل أفضل.

كلنا أمل في أن نكون عند حسن ظن الغيورين على المصلحة الوطنية, و للنقد دور أساسي في تقويم الحقائق وتطوير المعارف.

ولذا نشكر من يتقدم ألينا بأي نقد بقصد تصحيح ما قد يرد من أخطاء في كتاباتنا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…