دهام حسن
يبقى لبنان ساحة صراع سياسي دون آفاق للحل،على الأقل في الوقت الراهن، صراع معقد ومركب ومتداخل… القوانين والدستور والمؤسسات المختلفة، عطلتها اللعبة السياسية، أوجه الإرهاب في لبنان ارتدت أقنعة متعددة، القوى المقاومة اللبنانية التي كانت في يوم من الأيام مفخرة اللبنانيين جميعهم، عندما حققت انتصارا مشهودا لها على إسرائيل، أصبحت فزاعة، وهاجس اللبنانيين يؤرقهم صباح مساء، الهجرة إلى الخارج أضحت طوق نجاة، وسنة الحياة عند الشباب اللبناني، مستوى المعيشة عند الطبقات الدنيا من اللبنانيين، آخذ في الانخفاض والتردي، فريقا الرابع عشر من آذار والثامن من آذار، يتراشقان بتهم دون حرج
يبقى لبنان ساحة صراع سياسي دون آفاق للحل،على الأقل في الوقت الراهن، صراع معقد ومركب ومتداخل… القوانين والدستور والمؤسسات المختلفة، عطلتها اللعبة السياسية، أوجه الإرهاب في لبنان ارتدت أقنعة متعددة، القوى المقاومة اللبنانية التي كانت في يوم من الأيام مفخرة اللبنانيين جميعهم، عندما حققت انتصارا مشهودا لها على إسرائيل، أصبحت فزاعة، وهاجس اللبنانيين يؤرقهم صباح مساء، الهجرة إلى الخارج أضحت طوق نجاة، وسنة الحياة عند الشباب اللبناني، مستوى المعيشة عند الطبقات الدنيا من اللبنانيين، آخذ في الانخفاض والتردي، فريقا الرابع عشر من آذار والثامن من آذار، يتراشقان بتهم دون حرج
كثيرا ما تكون بمثابة صبّ الزيت على النار، ولاء بعض الأفرقاء إلى الخارج أكثر من ولائهم إلى لبنان، الساحة اللبنانية مستباحة سياسيا، أو فلنقل مخترقة… مثل هذه الوقائع والتساؤلات تمتد طويلا دون نهاية، وعلى العموم، الخوف محدق بلبنان، وينذر بخطر أكيد، يهدد مستقبله وصيغة نظامه التوافقي..
إن المصالح هي التي كثيرا ما تقود رجال السياسة في لبنان، وتلقـّي الأوامر من الخارج هو السائد في الوقت الراهن، وكثيرا ما ترسل إلى الأمعة خريطة التحرك السياسي من خارج حدود لبنان، ولا بد حينها من الالتزام بها نصا وروحا…غياب العقل الحكيم في لبنان، فكل العقلاء انقسموا وفق مصالحهم، وفوق مصلحة الوطن، حتى لو وجد مصلحون وعقلاء فلن يصغي إليهم أحد، أي فئة، أي حزب، أية جهة سياسية في حلبة المنافسة، عندما حل التباعد والانقسام، أخذ مكانه مع هذا الفريق أو ذاك بلا روية وتبعا لمصلحة فريقهم الضيقة، حتى لو كان غير مقتنع بموقعه، ومدركا عن وعي أنه ليس على حق،
المراقب عن كثب أو عن بعد يمكن له أن يزن الأمور بموضوعية أكثر..
فالمحلل السياسي، لا يمكن له أن يكتفي باستعراض الحالة، دون أن يكون له رأي، إذ لا بد أن يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فلا يمكن للفريقين أن يكونا على درجة واحدة من المصداقية، وعلى مسافة واحدة من الحقيقة، وفي تواز مما يقولان، وما يفعلانه، إذ لا بد أن تكون هناك حقيقة مهدورة وبأيدي أحد الفريقين غالبا…
هناك أسئلة مشروعة، وتساؤلات بحاجة إلى إيضاح واستفهام..
لماذا عملية الاغتيالات طالت فريقا دون آخر.؟ فكل الذين اغتيلوا أو جرت محاولات اغتيالهم، كانوا من قوى الرابع عشر من آذار وحدها، أو من المحسوبين عليها؛ فلماذا هذا الفريق وحده هو المستهدف.؟ ثم بالتالي من هو المستفيد.؟ قلنا أن الإرهاب ارتدى أقنعة متعددة، فهو بدأ بالاغتيالات من قوى 14 آذار وحدها كما قلنا، ثم طالت التفجيرات المحال التجارية، بعدها تقصد الإرهاب الجيش اللبناني في نهر البارد كما تابعنا، ثم قوى اليونيفيل، وأخيرا، لاحق بالتفجيرات موكبا للسفارة الأمريكية على طريق المطار، ترى هل هي جهة واحدة، أم أن لبنان أصبح ملتقى لمجموعات إرهابية متعددة المشارب والمنابت والأهداف..؟
شكل فريق الرابع عشر من آذار الأكثرية في البرلمان، إثر انتخابات ديمقراطية لم يعترض عليها الفريق المعارض له, أعني قوى الثامن من آذار، لكن فريق ( آذار) هو الذي عطل البرلمان، لمقاطعته له، فقد تم تأجيله إلى الآن أربع عشرة مرة، وهنا لا بد أن يحمّل هذا الفريق وزر هذا التعطيل؛ فضلا عن انسحابه من الحكومة، واعتبارها حكومة غير شرعية مجرد انسحابه منها،علما أن هذا الفريق المعارض ذاته وفي خضم عدوان تموز الإسرائيلي على المقاومة، وصف الحكومة بأنها حكومة مقاومة..
فما الذي تغير بعد ذلك ترى.؟
أصرّ فريق (14 آذار) على أن ينتخب رئيس الجمهورية من بين صفوفه كونه يشكل الأكثرية وفقا لحقوقها الدستورية، فقوبل ذلك بالرفض الشديد من قبل الأقلية أو المعارضة أي من قوى 8 آذار، لكن قوى 8 آذار وحتى تحرج قوى 14 آذار لجأت إلى حيلة ذكية، فطرحت اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان كونه يقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من الفريقين، ولما يتمتع من مزايا وطنية لبنانية، وما اكتسب من شعبية إثر قضائه على عصابات نهر البارد التي قادها شاكر العبسي، لكن تزكية ميشال سليمان من قبل هذا الفريق جاءت قبل معركة نهر البارد، وعندما رضخ قوى 14 آذار راضيا أو مسترضيا بالعماد ميشال سليمان, سقط في أيدي قوى 8 آذار، ولكي تتنصل من هذا التعيين الذي ندم عليه، وحتى لا تقال بأنها تراجعت عن طرحها في انتخاب ميشال سليمان، عادت فربطت موافقتها بتنصيب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان، بسلة من الشروط أو المقترحات، منها مثلا, الاتفاق على قوام تشكيل الحكومة، وتعيين الوزراء على مبدأ المثالثة، أي عشرة وزراء لكل فريق من الأفرقاء الثلاثة بالتساوي، 10 لقوى 14 آذار، و 10 لقوى 8آذار، و 10 حصة رئيس الجمهورية، كفريق مشارك، بالطبع رفضت قوى 14 آذار هذا التقسيم المجحف بحقها، علما أنها قبلت بأن تساوم على أن لا يملك أي فريق حق الفيتو، أي أن لا تملك قوى 14 آذار الأكثرية المطلقة، أي شرعية اتخاذ القرارات بمفردها، وأن لا تملك الأقلية الثلث الضامن أو الثلث المعطل، تمكنها من تعطيل الحكومة متى شاءت، وحتى لو وافقت قوى 14 آذار على مبدأ المثالثة، فسوف يختلق الفريق الآخر ممانعة جديدة، الاعتراض مثلا على رئيس الحكومة ، والاختلاف على الحقائب الوزارية، وربما على الجيش….
ثم جاء إجماع الجامعة العربية ممثلة بوزراء الخارجية العرب، برزمة من التوجهات، وأصرت البدء بانتخاب ميشال سليمان طالما هناك إجماع لبناني على تزكيته، دون أن يكون هناك لأحد (حق الفيتو) عند تشكيل الحكومة المقبلة، أوالحق في تعطيلها، لكن قوى الثامن من آذار أبدت ملاحظات حول مشروع الجامعة العربية، وراحت تفسرها على كيفها،ورفضت تفسير السيد عمرو موسى، فما عليه ــ حسب زعمهم ــ إلا أن يراجع وزراء الخارجية العرب، ولا بأس أن يجتمعوا في لبنان لتدارس الوضع عن كثب مع الفريقين؛ ويبدو لي أن قوى 8 آذار لن تقبل بالعماد ميشال سليمان رئيسا توافقيا للبنان، وإن لم تجهر بشكل قاطع على رفضه…
لغاية تحرير هذا المقال مازال الوضع على حاله، وهو اللاتفاق، وبقي يقبع على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا فخامة الرئيس الفراغ.!
قاد السيد نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني ممثلا عن قوى 8 آذار الحوار لفترة طويلة نسبيا مع سعد الحريري ممثلا عن قوى 14 آذار، ثم وجدناه ـ فجأة ـ مع السيد حسن نصر الله رئيس حزب الله، يعلنان أن ممثلهم في التحاور والمفاوضات هو ميشال عون، والمعروف عن هذا الأخير أنه مشاكس عنيد، وليس في باله الوصول إلى أي حل أو أي اتفاق، لاسيما أنه كان المرشح الأوحد دون منازع لمنصب رئاسة الجمهورية من قبل قوى 8 آذار، ويرى بأنه الأحق بمنصب رئاسة الجمهورية، وكأن هذا المنصب قد انتزع منه عنوة، لهذا فهو لن يرضخ لهذا الابتزاز بسهولة، وبالتالي لن يسفر أي لقاء مع عون عن نتيجة إيجابية، ويبقى فخامة الفراغ هو الأكثر حظا في التبوّء على كرسي الرئاسة، لكن بطاقية الخفاء..!
نفوذ الجانب السوري في لبنان، وتلاقيه وتعاطفه مع قوى الثامن من آذار، واضح وهو لا يخفي مثل هذا التلاقي والتعاطف وحتى الدعم، كما لا ينفي الجانب السوري هذا التلاقي والتعاطف، لكن ذلك قد خلق لدى الفريق الخصم أي قوى 14 آذار الشك والريبة تجاه سوريا، وهما في تبادل الاتهامات اليومية عبر الإعلام، واعتبرت قوى 14 آذار سوريا بمثابة طرف له القول الفصل والملزم لقوى 8 آذار، وسوريا هي التي تحول دون اتفاق اللبنانيين فيما بينهم، كما ترى قوى14 آذار ..
كما أن ولاء حزب الله لحكومة الملالي في إيران لا لبس فيه، وقادة حزب الله يعلنون عن ذلك جهارا من دون مواربة، وهم يصومون ويعيدون وفق المرصد الإيراني للهلال..!
ماذا بعد….
سوريا التي اعترضت بقوة على توجهات كل من أمريكا وفرنسا في المنطقة، لاسيما في لبنان، واعتبرتهما منحازة لحكومة السنيورة، ماضية في موقفها، وربما نفاجأ قريبا، ما نخشاه وما لا نريده، وما لم يكن في الحسبان، بخلافات عربية مع سورية حول الموضوع اللبناني في العلن، في الصحافة، وعبر القنوات الفضائية، ولا أستبعد أن نشهد شرخا بين المنظومة العربية، حول الموقف من سوريا في المسألة اللبنانية، والفلسطينية..
وسوريا لن تغير موقفها في هذه المسائل الإستراتيجية برأيها، إن لم تطوّره…
جلّ العرب يودون فصم عرى الصداقة والرباط المقدس ما بين سوريا وأيران، والعودة بسوريا إلى حظيرة الأمة العربية، لكن ذلك لن يتحقق، فسوريا بحاجة إلى أيران مثلما أيران بحاجة إلى سوريا، وأيران لن تستطيع التمدد والتواصل مع حزب الله إلا من خلال المعبر السوري..
دول الخليج تتوجس خيفة من أيران، وهي ما تزال تحتل ثلاث جزر إماراتية، لكن عرب الخليج لن يلعبوا مع أيران إلا لعبة الموادعة، فإيران تخيفهم بإصرارها على تخصيب اليورانيوم، ونزعتها بالظهور كدولة كبرى، قطبا أوحد دون منازع في منطقة الشرق الأوسط، كما إن إيران أيضا تخاف من ترسانة الأسلحة الموجودة في المنطقة، وتخشى من تأليب أمريكا العرب ضدها، وربما لمست ذلك في مسعى بوش في زيارته الأخيرة للمنطقة… إيران ستستمر في دعم الحركة المقاومة الإسلامية (حماس ) لكن حماس لن تستطيع أن تحل محل حزب الله وتلعب دور حزب الله، لهذا فإيران لن تتخلى عن الورقة اللبنانية، وعن حزب الله، في وجه أمريكا وإسرائيل، مهما حصل..!
إسرائيل ستستغل هذه الفرقة الحاصلة بين فتح وحماس، لتقوم بعمليات تنكيل وإجرام بحق الشعب الفلسطيني؛ وحكومة أولمرت رئيس وزراء إسرائيل حكومة ضعيفة، وغير قادرة على صنع السلام، وإجراء مفاوضات الحل النهائي مع الطرف العربي والفلسطيني، فقد وجدنا انسحاب قوى متشددة من حكومة أولمرت، والظروف كما يبدو لي, لم تنضج لعملية الحل النهائي للسلام بين العرب وإسرائيل بعد، كما أن بوش باعتقادي غير جاد في مسعاه بالمضي في عملية السلام النهائي، فهو على الأقل غير مطمئن من الجانب الإسرائيلي، لأنه لا يرى في قادتها المصداقية، والقبول بالحل النهائي، وبالشروط التي من المفترض أن يجمع عليها المجتمع الدولي، فإسرائيل لن تقبل بالقرارات الدولية ذات الصلة، وإلا فلماذا تقوم ببناء مستوطنات جديدة، إذا كانت ستسلم الأراضي المحتلة في عدوان عام 1967 إلى الجانب العربي الفلسطيني وفقا للقرارات الدولية، والعودة إلى حدود الرابع من حزيران من عام 1967أي قبل وقوع النكسة..
أمريكا وفرنسا لن تفعلا شيئا، وسيقتصر موقفهما على الكلام فحسب، وستبديان بعض التعاطف مع حكومة السنيورة، أمريكا لن تغامر في فتح جبهة قتال لا مع إيران ولا مع سوريا، على الأقل في المدى المنظور خلال هذا العام، إلا إذا أفلحت في إقناع الدول الكبرى ضد إيران، وفي كل الحالات لا يمكن لنا أن نجزم برأينا، فالتحولات المتسارعة، هي الكفيلة بالإجابة ، لكنها ستستمر بمناوأة الدولتين، إيران وسوريا، عبر الإعلام لا أكثر، وتأليب الرأي العام الدولي ضدهما… إيران لن تكف عن التدخل في الشأن العراقي، وستجّيش بعض الميليشيات لزرع الفوضى والدمار في العراق، وسيظل العراق مسرحا للعمليات الانتحارية والتفجيرات، ما لم يع العراقيون ما يراد بوطنهم العراق، ورفضهم أن يكون العراق ساحة للحسابات الخارجية، وما عرفت بالصحوة، أي صحوة العراقيين قد قللت من العمليات الانتحارية والتفجيرات، فالإرهابيون عادة يستغلون الانقسام والشقاق بين أبناء البلد الواحد، فيستوطنون في مناطق عائدة لفريق، لمعاداة الفريق الثاني، ويستبدون أينما حلوا، ولا يلبث أن يشمل الضرر الفريقين معا، والبلد عامة، وعلى هذا انتبه العراقيون فكانت الصحوة كضرورة أوجبها الوعي الوطني للحد من سطوة هؤلاء، والحيلولة دون تغلغلهم، واستشراء شرهم المستطير…
إن المصالح هي التي كثيرا ما تقود رجال السياسة في لبنان، وتلقـّي الأوامر من الخارج هو السائد في الوقت الراهن، وكثيرا ما ترسل إلى الأمعة خريطة التحرك السياسي من خارج حدود لبنان، ولا بد حينها من الالتزام بها نصا وروحا…غياب العقل الحكيم في لبنان، فكل العقلاء انقسموا وفق مصالحهم، وفوق مصلحة الوطن، حتى لو وجد مصلحون وعقلاء فلن يصغي إليهم أحد، أي فئة، أي حزب، أية جهة سياسية في حلبة المنافسة، عندما حل التباعد والانقسام، أخذ مكانه مع هذا الفريق أو ذاك بلا روية وتبعا لمصلحة فريقهم الضيقة، حتى لو كان غير مقتنع بموقعه، ومدركا عن وعي أنه ليس على حق،
المراقب عن كثب أو عن بعد يمكن له أن يزن الأمور بموضوعية أكثر..
فالمحلل السياسي، لا يمكن له أن يكتفي باستعراض الحالة، دون أن يكون له رأي، إذ لا بد أن يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فلا يمكن للفريقين أن يكونا على درجة واحدة من المصداقية، وعلى مسافة واحدة من الحقيقة، وفي تواز مما يقولان، وما يفعلانه، إذ لا بد أن تكون هناك حقيقة مهدورة وبأيدي أحد الفريقين غالبا…
هناك أسئلة مشروعة، وتساؤلات بحاجة إلى إيضاح واستفهام..
لماذا عملية الاغتيالات طالت فريقا دون آخر.؟ فكل الذين اغتيلوا أو جرت محاولات اغتيالهم، كانوا من قوى الرابع عشر من آذار وحدها، أو من المحسوبين عليها؛ فلماذا هذا الفريق وحده هو المستهدف.؟ ثم بالتالي من هو المستفيد.؟ قلنا أن الإرهاب ارتدى أقنعة متعددة، فهو بدأ بالاغتيالات من قوى 14 آذار وحدها كما قلنا، ثم طالت التفجيرات المحال التجارية، بعدها تقصد الإرهاب الجيش اللبناني في نهر البارد كما تابعنا، ثم قوى اليونيفيل، وأخيرا، لاحق بالتفجيرات موكبا للسفارة الأمريكية على طريق المطار، ترى هل هي جهة واحدة، أم أن لبنان أصبح ملتقى لمجموعات إرهابية متعددة المشارب والمنابت والأهداف..؟
شكل فريق الرابع عشر من آذار الأكثرية في البرلمان، إثر انتخابات ديمقراطية لم يعترض عليها الفريق المعارض له, أعني قوى الثامن من آذار، لكن فريق ( آذار) هو الذي عطل البرلمان، لمقاطعته له، فقد تم تأجيله إلى الآن أربع عشرة مرة، وهنا لا بد أن يحمّل هذا الفريق وزر هذا التعطيل؛ فضلا عن انسحابه من الحكومة، واعتبارها حكومة غير شرعية مجرد انسحابه منها،علما أن هذا الفريق المعارض ذاته وفي خضم عدوان تموز الإسرائيلي على المقاومة، وصف الحكومة بأنها حكومة مقاومة..
فما الذي تغير بعد ذلك ترى.؟
أصرّ فريق (14 آذار) على أن ينتخب رئيس الجمهورية من بين صفوفه كونه يشكل الأكثرية وفقا لحقوقها الدستورية، فقوبل ذلك بالرفض الشديد من قبل الأقلية أو المعارضة أي من قوى 8 آذار، لكن قوى 8 آذار وحتى تحرج قوى 14 آذار لجأت إلى حيلة ذكية، فطرحت اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان كونه يقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من الفريقين، ولما يتمتع من مزايا وطنية لبنانية، وما اكتسب من شعبية إثر قضائه على عصابات نهر البارد التي قادها شاكر العبسي، لكن تزكية ميشال سليمان من قبل هذا الفريق جاءت قبل معركة نهر البارد، وعندما رضخ قوى 14 آذار راضيا أو مسترضيا بالعماد ميشال سليمان, سقط في أيدي قوى 8 آذار، ولكي تتنصل من هذا التعيين الذي ندم عليه، وحتى لا تقال بأنها تراجعت عن طرحها في انتخاب ميشال سليمان، عادت فربطت موافقتها بتنصيب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان، بسلة من الشروط أو المقترحات، منها مثلا, الاتفاق على قوام تشكيل الحكومة، وتعيين الوزراء على مبدأ المثالثة، أي عشرة وزراء لكل فريق من الأفرقاء الثلاثة بالتساوي، 10 لقوى 14 آذار، و 10 لقوى 8آذار، و 10 حصة رئيس الجمهورية، كفريق مشارك، بالطبع رفضت قوى 14 آذار هذا التقسيم المجحف بحقها، علما أنها قبلت بأن تساوم على أن لا يملك أي فريق حق الفيتو، أي أن لا تملك قوى 14 آذار الأكثرية المطلقة، أي شرعية اتخاذ القرارات بمفردها، وأن لا تملك الأقلية الثلث الضامن أو الثلث المعطل، تمكنها من تعطيل الحكومة متى شاءت، وحتى لو وافقت قوى 14 آذار على مبدأ المثالثة، فسوف يختلق الفريق الآخر ممانعة جديدة، الاعتراض مثلا على رئيس الحكومة ، والاختلاف على الحقائب الوزارية، وربما على الجيش….
ثم جاء إجماع الجامعة العربية ممثلة بوزراء الخارجية العرب، برزمة من التوجهات، وأصرت البدء بانتخاب ميشال سليمان طالما هناك إجماع لبناني على تزكيته، دون أن يكون هناك لأحد (حق الفيتو) عند تشكيل الحكومة المقبلة، أوالحق في تعطيلها، لكن قوى الثامن من آذار أبدت ملاحظات حول مشروع الجامعة العربية، وراحت تفسرها على كيفها،ورفضت تفسير السيد عمرو موسى، فما عليه ــ حسب زعمهم ــ إلا أن يراجع وزراء الخارجية العرب، ولا بأس أن يجتمعوا في لبنان لتدارس الوضع عن كثب مع الفريقين؛ ويبدو لي أن قوى 8 آذار لن تقبل بالعماد ميشال سليمان رئيسا توافقيا للبنان، وإن لم تجهر بشكل قاطع على رفضه…
لغاية تحرير هذا المقال مازال الوضع على حاله، وهو اللاتفاق، وبقي يقبع على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا فخامة الرئيس الفراغ.!
قاد السيد نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني ممثلا عن قوى 8 آذار الحوار لفترة طويلة نسبيا مع سعد الحريري ممثلا عن قوى 14 آذار، ثم وجدناه ـ فجأة ـ مع السيد حسن نصر الله رئيس حزب الله، يعلنان أن ممثلهم في التحاور والمفاوضات هو ميشال عون، والمعروف عن هذا الأخير أنه مشاكس عنيد، وليس في باله الوصول إلى أي حل أو أي اتفاق، لاسيما أنه كان المرشح الأوحد دون منازع لمنصب رئاسة الجمهورية من قبل قوى 8 آذار، ويرى بأنه الأحق بمنصب رئاسة الجمهورية، وكأن هذا المنصب قد انتزع منه عنوة، لهذا فهو لن يرضخ لهذا الابتزاز بسهولة، وبالتالي لن يسفر أي لقاء مع عون عن نتيجة إيجابية، ويبقى فخامة الفراغ هو الأكثر حظا في التبوّء على كرسي الرئاسة، لكن بطاقية الخفاء..!
نفوذ الجانب السوري في لبنان، وتلاقيه وتعاطفه مع قوى الثامن من آذار، واضح وهو لا يخفي مثل هذا التلاقي والتعاطف وحتى الدعم، كما لا ينفي الجانب السوري هذا التلاقي والتعاطف، لكن ذلك قد خلق لدى الفريق الخصم أي قوى 14 آذار الشك والريبة تجاه سوريا، وهما في تبادل الاتهامات اليومية عبر الإعلام، واعتبرت قوى 14 آذار سوريا بمثابة طرف له القول الفصل والملزم لقوى 8 آذار، وسوريا هي التي تحول دون اتفاق اللبنانيين فيما بينهم، كما ترى قوى14 آذار ..
كما أن ولاء حزب الله لحكومة الملالي في إيران لا لبس فيه، وقادة حزب الله يعلنون عن ذلك جهارا من دون مواربة، وهم يصومون ويعيدون وفق المرصد الإيراني للهلال..!
ماذا بعد….
سوريا التي اعترضت بقوة على توجهات كل من أمريكا وفرنسا في المنطقة، لاسيما في لبنان، واعتبرتهما منحازة لحكومة السنيورة، ماضية في موقفها، وربما نفاجأ قريبا، ما نخشاه وما لا نريده، وما لم يكن في الحسبان، بخلافات عربية مع سورية حول الموضوع اللبناني في العلن، في الصحافة، وعبر القنوات الفضائية، ولا أستبعد أن نشهد شرخا بين المنظومة العربية، حول الموقف من سوريا في المسألة اللبنانية، والفلسطينية..
وسوريا لن تغير موقفها في هذه المسائل الإستراتيجية برأيها، إن لم تطوّره…
جلّ العرب يودون فصم عرى الصداقة والرباط المقدس ما بين سوريا وأيران، والعودة بسوريا إلى حظيرة الأمة العربية، لكن ذلك لن يتحقق، فسوريا بحاجة إلى أيران مثلما أيران بحاجة إلى سوريا، وأيران لن تستطيع التمدد والتواصل مع حزب الله إلا من خلال المعبر السوري..
دول الخليج تتوجس خيفة من أيران، وهي ما تزال تحتل ثلاث جزر إماراتية، لكن عرب الخليج لن يلعبوا مع أيران إلا لعبة الموادعة، فإيران تخيفهم بإصرارها على تخصيب اليورانيوم، ونزعتها بالظهور كدولة كبرى، قطبا أوحد دون منازع في منطقة الشرق الأوسط، كما إن إيران أيضا تخاف من ترسانة الأسلحة الموجودة في المنطقة، وتخشى من تأليب أمريكا العرب ضدها، وربما لمست ذلك في مسعى بوش في زيارته الأخيرة للمنطقة… إيران ستستمر في دعم الحركة المقاومة الإسلامية (حماس ) لكن حماس لن تستطيع أن تحل محل حزب الله وتلعب دور حزب الله، لهذا فإيران لن تتخلى عن الورقة اللبنانية، وعن حزب الله، في وجه أمريكا وإسرائيل، مهما حصل..!
إسرائيل ستستغل هذه الفرقة الحاصلة بين فتح وحماس، لتقوم بعمليات تنكيل وإجرام بحق الشعب الفلسطيني؛ وحكومة أولمرت رئيس وزراء إسرائيل حكومة ضعيفة، وغير قادرة على صنع السلام، وإجراء مفاوضات الحل النهائي مع الطرف العربي والفلسطيني، فقد وجدنا انسحاب قوى متشددة من حكومة أولمرت، والظروف كما يبدو لي, لم تنضج لعملية الحل النهائي للسلام بين العرب وإسرائيل بعد، كما أن بوش باعتقادي غير جاد في مسعاه بالمضي في عملية السلام النهائي، فهو على الأقل غير مطمئن من الجانب الإسرائيلي، لأنه لا يرى في قادتها المصداقية، والقبول بالحل النهائي، وبالشروط التي من المفترض أن يجمع عليها المجتمع الدولي، فإسرائيل لن تقبل بالقرارات الدولية ذات الصلة، وإلا فلماذا تقوم ببناء مستوطنات جديدة، إذا كانت ستسلم الأراضي المحتلة في عدوان عام 1967 إلى الجانب العربي الفلسطيني وفقا للقرارات الدولية، والعودة إلى حدود الرابع من حزيران من عام 1967أي قبل وقوع النكسة..
أمريكا وفرنسا لن تفعلا شيئا، وسيقتصر موقفهما على الكلام فحسب، وستبديان بعض التعاطف مع حكومة السنيورة، أمريكا لن تغامر في فتح جبهة قتال لا مع إيران ولا مع سوريا، على الأقل في المدى المنظور خلال هذا العام، إلا إذا أفلحت في إقناع الدول الكبرى ضد إيران، وفي كل الحالات لا يمكن لنا أن نجزم برأينا، فالتحولات المتسارعة، هي الكفيلة بالإجابة ، لكنها ستستمر بمناوأة الدولتين، إيران وسوريا، عبر الإعلام لا أكثر، وتأليب الرأي العام الدولي ضدهما… إيران لن تكف عن التدخل في الشأن العراقي، وستجّيش بعض الميليشيات لزرع الفوضى والدمار في العراق، وسيظل العراق مسرحا للعمليات الانتحارية والتفجيرات، ما لم يع العراقيون ما يراد بوطنهم العراق، ورفضهم أن يكون العراق ساحة للحسابات الخارجية، وما عرفت بالصحوة، أي صحوة العراقيين قد قللت من العمليات الانتحارية والتفجيرات، فالإرهابيون عادة يستغلون الانقسام والشقاق بين أبناء البلد الواحد، فيستوطنون في مناطق عائدة لفريق، لمعاداة الفريق الثاني، ويستبدون أينما حلوا، ولا يلبث أن يشمل الضرر الفريقين معا، والبلد عامة، وعلى هذا انتبه العراقيون فكانت الصحوة كضرورة أوجبها الوعي الوطني للحد من سطوة هؤلاء، والحيلولة دون تغلغلهم، واستشراء شرهم المستطير…
تبقى الصورة هكذا مغبشة في كل من لبنان وفلسطين والعراق ما لم تفكر شعوب هذه الدول بأوطانهم أولا، وما لم تتلاق شعوب تلك البلدان بوعي وشعور عال بالمسؤولية…لا بد لهم أن يقفوا عند حدود خلافاتهم، ويقوموا بمعالجتها بالحلول الوسط، كل فريق عليه أن يتنازل قليلا لما فيه مصلحة البلاد، ولا يبقى أي فريق يتشبث برأيه، إن كان على خطأ أو على صواب، ولا بد في النهاية أن يتحقق ذلك، وإن لم يتحقق هذا في الوقت الراهن، فهو آت ولو بعد لأي، لكن نكون في هذه الحال الأخيرة، قد كبدنا الكثير من الضحايا والخسائر, وبددنا من الوقت والجهد الكثير الكثير، وسيبقى التلاقي والتفاهم والصلح هو المطاف الأخير، وهو المرغوب فيه لدى الشعوب حتما، لما فيه خير المواطنين، واستقلال وسيادة الأوطان..!