جاليـاتّ تسخّــن (جَـبهات سـاخنة)

ديار سليمان

كل الأفـراد و المجموعات الذين يغاددرون أوطانهم و يقيمون في بـلدان أخرى بمحض إرادتهم و إن كان ذلك بسبب ظروف حياتية: إقتصادية، ثقافية، علمية أو بسبب ظروف سياسية و أمنية قاسية، يوصفـون منذ قدومهم الى هذه البـلدن و بصرف النظر عن تحصلهم على جنسيتها، يوصفون بأنهم جالية.
 يُقدم الكثير من هؤلاء على تنظيم أنفسهم بهذه الصفة ليشكلوا نموذجآ مُصغرآ عن الوطن حيث يتشاركون في الأفراح و الأحزان و يقيمون من خلال تنظيماتهم هذه الأنشطة الاجتماعية و الثقافية التي تبرز فيها روح التعاون، كما تعتبر الجالية من جهة أخرى جسـرآ للتواصل مع الوطــن حيث تتحرك على وقع نبضاتــه.
 و قد كـثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الجاليات الكوردية في الغربـة حيث بدأت أخبارها تغطي حتى على أخبار الأحـزاب الكـوردية التي تبعث على (الغبطـة و السـرور) و كأني بها تحاول سـحب البساط من تحت أقدام الأخـيرة لتتحـول هي نفسها الى المصـدر الرئيسي للأكتئـاب و الفـرار من الكوردايتي وذلك ليس فقط بسبب أخبار خلافاتها  الداخلية و لكن بسبب (تحـرش) البعض من أبناءها البـررة بالآخـرين سـواء من الجالية التي ينتمي اليها أو من الجاليات الأخرى من خلال إلقـاء الكـلام على عواهنـه في محاولة لتجميـل النفس من خـلال تقبيـح الآخـرين متناسـين أو غير عـارفين ماهية الجاليـة  ممـا يهـدد بفتح جبهـات كلامية جديدة تكـون حـرب الجاليـات عـنوانآ لها.
 البعض يبيـع كل ما هو قابل للبيـع و يستـدين فوق ذلك في سـبيل الحصول على المصـباح السحري المسمى (الفـيزا) و ركوب ظهـر المـارد الذي ينقل المـرء الى آفـاق جديدة حيث تتوافـر إمـكانية البحث عن لقمة الخـبز المغمسـة بالكرامـة والتي تفتح بدورها الآفاق للعقـول و الضمائـر  لاعـادة بنـاء الـذات و من ثم الانطـلاق للعطـاء في المجالات الوطنية و الانسانية للتعويض عن التقصير فيهما نتيجـة الضغـوط التي كان يتعرض لها المهاجـر في الوطن،و لكن بـدلآ من ذلك يلجـأ البعض الى محـاولة تلميـع صورهم الشخصية و تجميـل عللهـم النفسية من خـلال صـور البـذخ والتـرف التي يظهـرون أنفسهم بها و ييـبدو ذلك جليـآ على مواقـع النت المزركشة التي يمتلكونها و التي تـدل على أن أصحابها يحاولون الهـروب من هذه الحقائـق و التنكـر لماضيهم و كل ما يذكرهم به لدرجـة تجاهـل حالات إنسـانية من قبيل  إغـلاق الأبواب في وجـه أبناء الكوردايتي حيث أضطـر الأمـر بأحدهم لقضـاء معظـم رحلتـه بطريقة عصريـة مبتكرة أي السياحة الساحلية على أحدى شواطئ (مُـدن الملـح) و هذه الحالة هي أدق تعبيـر عن كلمة العــار فهي تتعـارض مع الأخـلاق الكوردية الأصيلة التي تأبى إغلاق الكوردي باب داره في وجه أخيه وأن يصاب كوردي بضيم في حين أن جاره يهـدر ما يهـدره في (الرقـص و الفقـس) في أفخم الفنـادق العالميـة، لينتقـل في اليـوم التالـي و لوجه الله لاقامـة مجلـس عـزاء على روح شـهيد كـوردي و حضـور الولائم على شـرف الرفيق الشريف حارث الضاري و أمثالـه! في الوقت الذي يقـومون فيه بصلـب كل حــي و يجلدون  روحه عندما يقـوم بفتـح صندوق الأسـرار هذا.
و لقد وصل الأمر بهـؤلاء العباقـرة مخـترعي نظـام (التشـرد الشاطئي) الخمس نجومي الذي يتيح للأخوة المهاجرين ممارسـة هوايـة عـد نجـوم الليل و رؤيـة نجـوم النهارأثنـاء ممارسـة رياضـة الماراثون خلف وعـود هذا و ذاك السرابية، وصل بهم الأمـر أن انتقدوا نظام التكافل الاجتماعي  في أوروبا الذي يساعد بموجبه أغنياء القـوم فقراءهم دون أن يكون بينهم صلة قرابـة او معرفـة و ذلك عن طريق مؤسسات رسمية الى أن يتمكن الأخيرين من الحصول على عمل، مع العلم انه لا يمكن لاحد ان يرفض هذه المعونة ما دام من دون عمل، و هناك عدد لا يحصى من الكورد الذين يعتبرون بحق مفخـرة في جميع مناحي الحيـاة بعد أن تجاوزوا تلك البدايات، حيث حجزوا لانفسهم و بقوة مـكانآ تحت الشمس رغم محـدودية أشعتها حيث يعملون في مختلف المجالات.
إن قيام البعض باستغلال فضاء النت لاطلاق أنفسهم كفقاعات سريعة الأنفجـار لا تترك أثرآ ليس سوى خداع للنفس، فالأفتاء في مجالات السياسة يحتاج الى شخصيات غير تلك التي تفاخر بأنها أقامت حفلآ هنا و صلاة هناك، فالوطنيـة في هذا الزمن الكوردي الصعب تحتاج الى العمل في صمـت ، ولقد مضى زمن الرجل الذي تخـرج من أكاديمية الحياة و الذي يحاور و يناور و يناطح في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع بالقدر ذاته في فنون اللكم و اللطم، فليعـد كل الى موقعه و لنتعلم فـن الأســتماع قبل الصــراخ و العويــل.
 ديـــار ســـليمان
 30.01.2008   
 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…