إنعقد في دمشق يوم السبت بتاريخ 1/12/2007م، المؤتمر الأول للمجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، بمشاركة (163) عضواً من مختلف القوى والهيئات والشخصيات السياسية المستقلة والنخَبْ الثقافية المنضوية في هذا الإطار الديموقراطي الفاعل في ساحتنا الداخلية المحفوفة بمختلف المخاطر الأمنية…، وقد تم التوافق في ختام الأعمال على انتخاب مكتب لرئاسة المجلس الوطني وأمانة عامة للإعلان…، يُذكر بأنّ إعلان دمشق قد تأسّس في تشرين الأول 2005م، أي على أنقاض ربيع دمشق الذي فَشِلَت السلطة في تعكير صفوته حينما أرادت تحويله بشكل تعسفي من ربيع سياسي إلى خريف أمني…!؟
وقد جاء هذا الإعلان كنتاج طبيعي لتلاقي ٍنخبة واعية من السياسيين والمثقفين السوريين الذين تلاقوا وشجّعوا بعضهم فتشّجعوا وتجرّؤوا وأجمعوا على إعلان هكذا مشروع سياسي توسّع أفقياً وتنامى شاقوليا بشكل لا بأس به خلا ل فترة جداً قصيرة…!؟.
وبالرغم من مدى عسف أجهزة السلطة فإنّ قوى إعلان دمشق بقيت لا بل يبدو أنها ستبقى تتابع حراكها الحضاري وستلتزم بخيارها الديمقراطي مع الحفاظ على مختلف التوازنات مهما داهمتها المتغيرات، إيماناً منها بأنّ الإقرار المتبادل بالحقوق بين الشركاء والاحتكام للصواب الديمقراطي سيبقى يشكل الركيزة الأساس لبناء حاضر صحيّ ومستقبل آمن لهذا البلد الذي ينبغي أن يحتضننا جميعاً بلا أي إقصاء قومي أو سياسي لأي مكون مهما قلّ تعداده السكاني…، وهذا ما أكده البرنامج السياسي للإعلان ويؤكده أداءه العملي المتجسّد بدعواته المستمرة إلى ضرورة فتح طاولات مستديرة تحضرها كافة الأطراف المعنية بالهموم والشجون السوريّة، ليتم التأكيد فيها على روحية التلاقي والحوار والبحث عن التوافقات والقواسم المشتركة، شريطة أن يبتعد المتحاورون عن الأنانية وأن يتم احترام حقوق وخصوصيات كافة المتشاركين وفق أسس ومقاسات الشراكة الحقيقية لا حسب منطق شطب الأكثرية على الأقلية.
وبغض النظر عن ردود الأفعال التي برزت وقد تبرز في الميدان العملي على خلفية النتائج الأولية التي تمخّضت عن التوافقات التي حدثت في الاجتماع الأول للمجلس الوطني للإعلان…، وبدون الولوج في التفاصيل فإن القراءة الأولية لتداعيات هذا المؤتمر المسؤول الذي يمكن إعتباره نقله نوعية في مسيرة الإعلان لا بل المعارضة السورية برمتها…، توحي إلى أنّ ما أثمره هذا المؤتمر الذي يُعتبَر بحد ذاته ثمرة لمتراكمة نضالية دامت لعدة سنوات من الحراك المضني الذي خاضه الفرقاء الذين كانوا وسيبقون شركاء ورفقاء في الشأن العام…!؟، هو أنّ قوى إعلان دمشق قد حققت مكسباً ديموقراطياً لا يستهان به، وأنّ قطار الإعلان قد بات يسير فوق سكته الصحيحة وفق حركة تسارعية منتظمة رغم المعوقات، حيث يجري التحرّك برويّة للتوصل إلى حاضر ومستقبل أفضل للحراك السلمي الجاري في الداخل تحت سطوة حالة الطوارئ رغم المخاطر المحدقة بقياداته الذين يبذلون ما بوسعهم من جهود لإنجاحه بأقل الخسائر الممكنة.
وللعلم ورغم وجود هذه الملحوظة الأدائية أو تلك الهفوة الغير مقصودة…، فإنّ غالبية أطراف الإعلان تبدو مرتاحة الضمير حيال الخطوة النوعية التي انطلقت بها نحو الأمام…، فالجانب الكوردي مثلاً يشعر نوعاً ما بالرضا لكونه يعتبر نفسه قد خطا خطوة مهمة من جملة الخطوات اللاحقة التي في الإنتظار…، علماً بأنه لم يحقق سوى قدر ضئيل من الإستحقاقات قياساً مع ما يطمح إليه الشعبٍ الكوردي الذي يتوق نحو تحقيق المزيد من الحقوق القومية المشروعة…، ونعتقد جازمين بأنّ شركاءنا الآخرين أيضاً يشعرون بقيمة هذا الإنجاز التاريخي…، كالقوميين العرب والأثوريين والليبراليين والإسلاميين والديموقراطيين وغيرهم من الأطياف السورية التي ساهمت في هذا الملتقى الهام، والتي كان لكل منها نصيب في النتائج السياسية والتنظيمية بعيداً عن منطق المحاصصة الميكانيكية التي قد تغري هذا الشريك أو قد تثير حفيظة ذاك الآخر…!؟، وفي هذا المجال وما دمنا بصدد تهدئة بعض الحفائظ المثارة لدى أقرب الفرقاء المقرّبين منا ونخص بالذكر حزب الإتحاد الإشتراكي وحزب العمل الشيوعي اللذيَن نكنّ لهما فائق الإحترام والتقدير نظراً لجهودهما المضنية ولكونها من صناع هذا الإعلان ولأننا نرتبط وإياهما بعلاقات نضالية ملؤها المصداقية في الطرح والعمل…، فإننا نعطي الحق لأنفسنا ونهمس في أذن قيادتي الحزبَين الحليفَين بالقول: ما هكذا تعالـَج الأمور الخلافية يا شركاءنا في الهموم والشجون…!؟، ولا بهكذا عجالة تُتخَذ القرارات المصيرية بشأن إشكاليات العمل الديموقراطي في هكذا ضائقة أمنية يمرّ بها إعلاننا لا بل إعلانكم…!؟، فالصديق وقت الضيق وأنتم الأدرى بالكمالة وبالمغزى المـُراد…!؟، لذلك ندعوكم بمراجعة ذاتكم والعودة لمواصلة السير مع رفاق دربكم ولوقوفكم معهم بعد أنْ باتوا مستهدَفين ومحاصَرين بين تهمة التخوين وظلمة الزنازين…!؟.
وبمناسبة نجاح هذا المؤتمر الذي يمكن اعتباره محطة نصر أخرى للقوى الديموقراطية السورية…، يمكن القول بأنّ إعلان دمشق قد أضحى العصب الرئيسي أو كما يقال الدينامو المحرّك للمعارضة السورية…!؟، لأنّ قواه قد أثبتت في غضون هذه السنوات القليلة المنصرمة من عمر تحالفها الحيوي هذا، بأنها فعاليات كفوءة وقادرة على متابعة مسيرتها في الداخل رغم الحالة الطوارئية العرفية التي تفعل فعلها الأمني الضاغط باتجاه تضيق الخناق على مسارات العمل عبر كبت الحريات العامة وزج النشطاء في السجون والمعتقلات.
لكنّ ما يبعث على الغرابة بمكان هو أنه رغم الضغوط الدولية المتزايدة ونصائح بعض الدول العربية للسلطة السورية التي باتت تتعامل مع الأحداث السياسية بمنتهى الارتجالية في الموقف والأداء…!؟، ورغم اكتظاظ الأقبية الأمنية وسجونها بمعتقَلي الرأي من كافة الأطياف السورية…!؟، فإنّ السلطة لا تكفّ عن مواصلة ضغوطها على مكونات الداخل عبر القيام بحملات اعتقال القيادات السياسية والنخَب الثقافية ومناصري الديموقراطية وحقوق الإنسان الذين ينشطون تحت مظلة إعلان دمشق الذي يبدو أنه بات يعزف دون خوف على أوتار سياسية حساسة ترعب الدوائر الحاكمة…!؟، ففي الفترة القصيرة الماضية أقدمت السلطات الأمنية على حملة اعتقالات واسعة بحق بعض مسؤولي ونشطاء مختلف قوى وفعاليات إعلان دمشق الخارج لتوه من مؤتمره الأول .
وبهذا الصدد..، يمكن إعتبار تجرّؤ السلطة على إبقاء شخصيات بارزة من قيادة الإعلان في السجون…!؟، مؤشراً واضحاً على أنّ النظام لم ولن يتخلى عن تعامله الأمني مع قطبَي إعلان دمشق ـ العربي والكوردي ـ لترهيبهما كي يرتفع جدار الخوف وينعزلا ويتفرقا عن بعضهما، ولتتراجع هذه القوى الفاعلة في الساحة الداخلية عن مواقفها لا بل كي تحيد عن مسارها التغييري الديموقراطي الذي باتت تعترضه معوّقات كثيرة والذي يبدو أنه قد أضحى يشكل مصدر قلق حقيقي لدى الدوائر الحاكمة في البلد.
وللعلم فإنّ مصدر هذا القلق يكمن في أنّ السلطة باتت تحسب أكثر من حساب لإعلان دمشق الذي دأب منذ أن برز في الساحة السياسية السورية على أن يكون منبراً حراً لجميع المناضلين الشرفاء، وأن يكون أداة لأبناء سوريا في سبيل تحقيق أهدافهم في الحرية والحياة الديمقراطية…، والذي ـ أي الإعلان ـ يستند على قاعدة جماهيرية عريضة قوامها مختلف ألوان فسيفساء الطيف السوري المتعدد الأعراق والأديان والمذاهب، والذي يستمد زخمه النضالي من قاعدته المجتمعية العريضة ومن دائرة أصدقائه الواسعة ومن خطابه السياسي العقلاني الذي ينطلق من مرتكزات ديموقراطية ومكاشفاتية ومبنية على قواسم مشتركة وحقائق ملموسة كثيرة تتوفـّر فيه، وهي أنّ هذا الإعلان:
1- ليس وليد صدفة أو ردة فعل وقتية أو نكاية بأية جهة أو دفع من الخارج وإنما هو اندفاع ذاتي نابع من عمق معاناة جميع السوريين وهو حاجة سورية ملحّة لأداة نضالية فعالة.
2ـ قواه المشاركة فيه ليست حديثة المنشأ وإنما هي نتاج طبيعي لمتوالية نضالية مشروعة تمتد جذورها التأسيسية إلى عقدٍالخمسينات من القرن الماضي…، كما هو حال الحركات الكوردية والعربية والإسلامية واليسارية وغيرها من القوى السياسية العريقة والشخصيات المستقلة التي أمضت عمرها في النضال والسجون.
3ـ عبارة عن إطار حاضن لغالبية لا بل لكافة ممثلي مكونات وأطياف المجتمع السوري بمختلف مكتنفاته وتوجهاته الديموقراطية الهادفة للتوصل إلى فضاء سوري رحب.
4ـ كان ولا يزال يرفع سوية خطابه بشكل تدريجي من المطالبة بالمصالحة والإصلاح مع النظام إلى التحرك الجدّي بقصد التغيير الديموقراطي التعددي ينصف الجميع دون استثناء.
5ـ يقرّ بشراكة الكورد ويعترف بوجود القضية الكوردية ويبحث عن حل ديموقراطي عادل لها .
6ـ بأدائه التوافقي في إنتخاب هيئاته التي ضمّت كافة الشركاء، أثبت أنه يسير بصوابية دون أن يفقد البوصلة السياسية على هذا الصعيد أو ذاك .
7ـ ذو طبيعة ديموقراطية قولاً وعملاً فهو يفتح أبواب الحوار واسعة أمام كافة أطراف المعارضة السورية.
8ـ يتصف بالجرأة الكافية ٍٍكونه يمارس نشاطه السياسي في الداخل رغم وجود المخاطر.
9ـ يفضل الخيار السلمي في عملية التغيير الديمقراطي المنشود ويرفض التجارب والخيارات الأخرى بل يسعى إلى إيجاد تجربة سورية وطنية خاصة في هذا المجال.
10ـ يعطي الأولوية للاهتمام بالشأن السوري عبر المطالبة بدمقرَطة البلد من الداخل، وهذا لا يعني البته بأنه يتخلى عن قضايا المنطقة والعالم.
وفي الختام…، لابد من التأكيد على مسألة حيوية للغاية…، وهي أنّ قوى إعلان دمشق على اختلاف انتماءاتها القومية ومشاربها السياسية التي تمتد بجذورها النضالية إلى أعماق تاريخ سوريا الحديث…، يحق لها أن تعتبر نفسها النواة الحقيقية للمعارضة وأن تنشد بأنّ سوريا اليوم تستحق من أبنائها بذل المزيد من التضحية لإغناء وتخصيب العمل السياسي لإيصال البلد إلى بناء دولة الحق والعدل والقانون ، دولة المساواة والمؤسسات ، دولة أساسها ( سوريا لكل السوريين ) …، ويحق لنا في الوقت ذاته مطالبة هذه القوى بأن تنتهج سياسة إنفراجية، وأن لا تنجر وراء الانفعالات وأن تغلـّب تناقضها الرئيسي ضد الاستبداد على باقي الاختلافات الثانوية وأن تشجع ثقافة الحوار في ساحتنا السورية المحتاجة للمزيد من الألفة والتآخي والسلم الأهلي.
——-
* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العدد ( 398) كانون الثاني 2008م
لقراءة مواد العدد انقر هنا denge.kurd398