ضمانات قيام دولة القانون

هوزان المرعي ــــ ديرك

مهما يكن اختلاف الفقه حول اساس اخضاع الدولة للقانون , فإنه لا يوجد اثنان يختلفان حول ضرورة خضوع الدولة الحديثة للقانون ,أي ان تكون دولة قانونية , وللقول بقيام دولة القانون لا بد من توافر عدد من المقومات الأساسية , التي تعتبر ضمانات لقيام دولة القانون.

أولا ــــ الدستور
 
يشكل وجود الدستور الضمانة الاساسية لقيام دولة القانون .

فالدستور قانون القوانين ,وهو الذي يبين نظام الحكم في الدولة , وتشكيل السلطات العامة , وتوزيع الاختصاصات بينها , وكيفية ممارستها , كما يبين حقوق الأفراد والوسائل اللازمة لضمانها وصيانتها .
فالدستور يشكل إذا قيدا قانونيا لسلطات الدولة , حيث يبين حدود وأختصاص كل سلطة لا تستطيع تجاوزها , والا تكن قد خالفت أحكام الدستور وفقدت السند الشرعي لتصرفها .
وأحكام الدستور تقع في قمة هرم النظام القانوني , ويسمو على ماعداها من قواعد قانونية .

 ثانيا ـــــ الفصل بين السلطات 
 

يعتبر مبدأفصل السلطات أحد أهم المبادئ الدستورية في الدول الديمقراطية المعاصرة , ويعني وجوب الفصل بين السلطات الدستورية الاساسية :التشريعية والتنفيذية والقضائية .

ويقصد بالفصل بين هذه السلطات الفصل الشكلي أو العضوي: أي توجد هيئة أو سلطة تتولى وظيفة التشريع وهيئة أو سلطة تتولى وظيفة التنفيذ وهيئة أو سلطة تتولى وظيفة القضاء .
وهذا المبدأ ينسب ,الى الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو , على الرغم من أنه ليس هو أول القائلين به ,من خلال بحثه عن المثالية السياسية عن طريق إيجاد سلطة معتدلة .

وقد برر مونتسكيو هذا الفصل بين السلطات بأسباب فلسفية وتاريخية وبشرية يمكن تلخيصها بما قاله في إحدى فقرات كتابه الرائع / روح القوانين / حيث قال :
(( إن الحرية السياسية لا يمكن أن تتواجد إلا في ظل الحكومات المعتدلة , غير أنها لا توجد دائما , إذ انها لا تتحقق إلا عند عدم إساءة استعمال السلطة .

ولكن التجربة الابدية أثبتت أن كل إنسان يتمتع بسلطة لا بد أن يسيئ استعمالها إلى ان يجد الحدود التي توقفه , فالفضيلة في حد ذاتها في حاجة إلى حدود .

ولكي لا يمكن إساءة استعمال السلطة فإنه يتوجب ان يكون النظام قائما على أساس ان السلطة تحد السلطة .

))
لذلك تعتبر من أهم مزايا مبدأ الفصل بين السلطات صيانة الحرية ومنع الاستبداد والمساهمة في انشاء أو بناء دولة القانون .
  
ثالثا ــــ رقابة القضاء
إذا كان مبدأ فصل السلطات يشكل نوعا من الرقابة السياسية التي تعني أن كل سلطة تملك الوسائل الكفيلة بالحد من تعسف أو تجاوز السلطات الدستورية الاخرى , فإن الرقابة القضائية تعتبر الوسيلة الأمثل لصيانة وحماية حقوق وحريات الأفراد , سواء فيما يتعلق بخضوع السلطة التنفيذية أم الإدارة للقانون , أم في خضوع السلطة التشريعية للدستور .
فالسلطة التنفيذية او الادارة يجب ان تخضع فيما يصدر عنها من تصرفات قانونية أو مادية لأحكام القانون .

فإلادارة يجب أن تخضع لمبدأ المشروعية فيما تصدره من قرارات , تحت طائلة إلغاء ما يخالف هذا المبدأ عن طريق دعوى الإلغاء كذلك يمكن للقضاء الحكم بالتعويض على الادارة عما تسببه من أضرار لأصحاب الشأن ,
كذلك فإن السلطة التنفيذية تكون خاضعة في تصرفاتها لأحكام الدستور طبقا لفكرة تدرج القواعد القانونية حيث تشكل أحكام الدستور القواعد الأسمى التي تأتي في قمة هرم القواعد القانونية .

فالسلطة التنفيذية , يجب أن تتفق أعمالها وتصرفاتها كسلطة إدارية ليس مع أحكام الدستور فقط, بل مع أحكام القواعد القانونية الأخرى النافذة من قوانين عادية ولوائح تنظيمية .

والقضاء هو الضامن والكفيل لتأمين احترام السلطة التنفيذية لهذه الاحكام من خلال دعوى الإلغاء , ودعوى التعويض عن أعمالها وتصرفاتها / سواء اللوائح التنظيمية ام القرارات الفردية / .
كذلك فإن أعمال السلطة التشريعية يجب أن تدور في حدود أحكام الدستور , وخاصة في اصدارها للتشريعات .فلا تملك السلطة التشريعية أن تخالف أحكام الدستور , في نصها وفي روحها , من خلال القوانين الصادرة عنها .

فأحكام القوانين يجب أن تكون متفقة مع أحكام الدستور , وذلك تحت طائلة بطلانها .وضمان ان تكون أحكام القوانين متفقة مع أحام الدستور يتم عن طريق الرقابة على دستورية القوانين سواء بطريق الدعوى المباشرة أم بطريق الدفع الفرعي بعدم الدستورية .
رابعا ـــــ ضمان الحقوق والحريات الفردية
في الحقيقة إن الهدف الرئيسي من إخضاع الدولة للقانون هو تأمين الحماية لحقوق وحريات الأفراد ضد تعسف السلطات العامة .

ولذلك فإنه يفترض في دولة القانون ضمان حقوق وحريات الافراد .

ولذلك نجد أغلب الدساتير الحديثة للدول تنص على كفالة هذه الحقوق والحريات .
هذه الحقوق والحريات التي تشكل قيدا على سلطة الدولة , لم تعد الدول الحديثة تقف موقفا سلبيا تجاهها كما كان ينادي أصحاب المذهب الليبرالي , وانما تقوم هذه الدول بالتدخل الايجابي لكفالتها وضمان ممارستها .

فالدول الحديثة ملزمة بالعمل على كفالة وتنمية الحقوق والحريات الجديدة وخاصة ما يعرف باسم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية .
خامسا ــــ استقلال القضاء
إن وجود قضاء مستقل يشكل أحد أهم الدعامات الاساسية لقيام دولة القانون .

وعلى استقلال القضاء يتوقف الوجود الفعلي لبقية مقومات دولة القانون .

فلا قيمة للدستور , ولا لمبدأ الفصل بين السلطات , ولا لإعلان الحقوق والحريات الفردية , إلا بوجود رقابة قضائية تضمن احترام أحكام الدستور وبقية القواعد القانونية , وتضمن ممارسة كل سلطة وظائفها في حدود مبدأ فصل السلطات وتضمن حماية للحقوق والحريات الفردية .

ولا قيمة لهذه الرقابة القضائية الا اذا كان القضاء المستقل يمارسها .
واستقلال القضاء / العدلي أو الاداري أو الدستوري / الذي يعتبر أمرا لا بد منه لقيام دولة القانون يجب أن يتأمن على مستويين : الاستقلال الشخصي للقضاة والاستقلال الوظيفي لهم.
فالاستقلال الشخصي للقضاة يتأمن على أكثر من صعيد : كيفية اختيار القضاة ,والحصانة وخاصة عدم قابلية العزل, والنظام المالي والاداري الخاص بالترقية والنقل والتأديب وقواعد الحياد في مواجهة الخصوم .
أما الاستقلال الوظيفي للقضاة فيتأمن من خلال : عدم تحصين أي عمل من أعمال سلطة الدولة من رقابة القضاء , وعدم تدخل كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في عمل القضاء , وضمان احترام حجية الاحكام وتنفيذها .
يضاف الى هذه المقومات الاساسية لدولة القانون العديد من المقومات الاخرى , وخاصة تلك المتعلقة بلأمن القانوني وعلى رأسها مبدأ عدم رجعية القواعد القانونية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع القانونية :

1/ روح القوانين , مونتسكيو
2 / حقوق الشعب في دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية , بحث للدكتور جورج جبور
3 / القانون الدستوري والمؤسسات السياسية , الجزء الاول, ترجمة علي مقلد وشفيق حداد , بيروت للنشر1977
4/النظم السياسية في لبنان والدول العربية , د .

احمد سرحال
5/ مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية , د .

سام سليمان دلة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف* بعد انتهاء حقبة بيت الأسد، تلوح في الأفق تحديات جديدة، حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة انتقادات وأسئلة مشروعة من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين، حول مدى التزامها بالشفافية في منح المشاريع والمناقصات، في وقت تنتظر فيه البلاد إعادة الإعمار والانطلاق نحو المستقبل. يبدو أن غياب الإعلان الرسمي عن بعض المناقصات والمشاريع، وتوجيهها بطرق غير واضحة، يُثير مخاوف…

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…