قانون الطوارئ هل من مبرر لتطبيقه ؟

المحامي :حسن برو

ليس هناك دولة في العالم كله وإلا كانت تطبق نوع من قانون الطوارىء في حياتها  وذلك في نطاق ضيق جداً مخافة على حقوق الناس وتحكم السلطة التنفيذية بحياة مواطنيها ,إلا أن هذا القانون لم يستمر في أي دولة من دول العالم كله لمدة خمسا وأربعون عاماً ، إذاً كيف صدر قانون الطوارئ في سورية وماهي مبرراته؟
لقد صدر قانون الطوارئ برقم 51 لعام 1962، وحدد بنصوصه طريقة وحالات إعلان حالة الطوارئ وحدد سلطات الحاكم العرفي.
فقد أوجبت المادة الأولى فقرة ( أ ) منه على أن حالة الطوارئ تعلن في حالة الحرب أو الزلازل أو الكوارث، كما نصت المادة الثانية فقرة ( أ ) منه على أن حالة الطوارئ تعلن من قبل مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه، على أن يعرض على مجلس النواب بأول جلسة يعقدها.
ويعطي هذا القانون صلاحيات واسعة وبدون حدود للسلطة التنفيذية دون العودة للقضاء وبذلك يتم إطلاق يد السلطات الأمنية في العباد والبلاد دون رقيب أو حسيب ،وعن طريقهم يتم تطبيق ما يرونه مناسباً لكل حالة على حدة وذلك سواء أكان في تفريق التجمعات أو إغلاق الصحف والمحلات أو مداهمة البيوت وتفتيشها دون إذن قضائي يخولهم بذلك وما يرافق ذلك من امتهان لكرامة الأنسان .
ولكن مالذي يحدث في سورية  في ظل قانون الطوارئ ؟
تم إعلان حالة الطوارئ في سورية بموجب الأمر العسكري رقم 2 الصادر عن مجلس قيادة الثورة  لحزب البعث العربي الاشتراكي والذي لازال يحكم سورية، عندما قام بالأستلاء على السلطة بانقلاب عسكري مسلّح بتاريخ 8/ 3/1963، حيث لم يصدر عن مجلس الوزراء الذي يمثل السلطة التنفيذية في سورية ؟إذاً؟؟لماذا لم يصدر هذا أو يعرض القانون على مجلس الشعب الذي يعتبر السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد ؟ ولما لم يصدره رئيس الجمهورية بعد إقراره في الدستور الدائم لعام 1973 الذي منحت هذه الصلاحية له؟ إذاً فعلى ماذا يعتمد صدور هذا القانون مادام ((لم يصدر عن مجلس الوزراء ولم يعرض على مجلس الشعب ولم يصدره الرئيس)) كما أسلفنا ؟! يبقى أن نقول بأن  الجهة الوحيدة التي أصدرت هذا القانون هو الحزب الحاكم ومجلس قيادة ثورته،  فهل يعتبر ذلك قانونياً ؟وهل يحق لحزب واحد أن يصدر قانوناً يحدد الحريات العامة لكل هذه الفترة ؟ ومن خلال متابعتي المتواضعة لم أجد في دولة من دول العالم بأن حزباً قام بتطبيق قانون الطوارئ دون اللجوء إلى مؤسساته الشرعية.
 وبالرغم من أن إعلان حالة الطوارئ قد خالف شروط إعلانه التي حددها القانون بحالة الحرب أو الكوارث.

وقد شرح قانون الجيش حالة الحرب بأنها الحالة التي تندلع فيها المعارك العسكرية وتتم التعبئة العامة أو في حالة وجود حرب مكشوفة بين جيشين ، علماً بأن الفترة التي تم فيها إعلان حالة الطوارئ لم تشهد حالة من هذا النوع إلا في حرب تشرين التحريرية ، وحيث أنه ومنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الجيش السوري والإسرائيلي على جبهة الجولان عام 1974 لم تعلن في سورية التعبئة العامة ولم تندلع معارك عسكرية، مما يفقد إعلان حالة الطوارئ الشرط الموضوعي لإعلانه.
 من الذي يستفيد من وجود هذه الحالة ؟ إن السلطات التنفيذية هي المستفيدة الأولى وعلى رأسها الأجهزة الأمنية من وجوب التدخل في كل شيء وتحت هذه الذريعة يتم التدخل  في كلّ صغيرة وكبيرة دون حسيب أو رقيب ودون أي شرعية قانونية فكم من الاعتقالات حصلت ؟ ،وكم من الجرائم ارتكبت في ظل هذه الحالة اللاشرعية واللا قانونية  من استطاع أن يفتح هذه الملفات ويقوم بمحاسبة  المستغلين لهذه الحالة ، فهل نحن بحاجة  لذرائع لنحاسب الناس في جرائم  اقترفوها ، أظن بأننا بحاجة إلى قانون يصدر من السلطة التشريعية تحترم ذاتها ، وقضاء نزيه  وعادل ومحايد يقوم بتطبيقه ، وعلى سلطة تنفيذية ألا تتجاوز صلاحياتها في التطبيق ، وباتت حالة الطوارئ هذه ثقيلة وبعيدة عن الواقع في ظل الانفتاح الكلي للعالم على بعضه البعض.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…