الحقد الإقليمي على كوردستان

آزاد برازي

من جديد عادت الآلة العسكرية لقصف مناطق كوردستان – العراق بحجة الهجمات التي تتعرض لها تركيا من قبل عناصر حزب العمال الكوردستاني PKK بعد مقتل خمسة عشر جندياً تركياً في شرناخ في قلب كوردستان تركيا التي تبعد عن الحدود العراقية حوالي 100 كم ، و بعد إقرار لجنة العلاقات الدولية في الكونجرس الأمريكي للإبادة التي تعرض لها  الأرمن في الربع الأول من القرن العشرين على يد العثمانيين الأتراك ، مما أثار حفيظة القوى و الأحزاب التركية و شعورهم بالمساس بالأمن القومي التركي و هذا ما ترجمه واقعياً تصويت البرلمان على منح الحق لحكومة أردوغان بإجتياح الحدود الكوردستانية العراقية – التركية
فكما يقال ((ضربيتين في الرأس توجع)) و تصريحات قائد القوات البرية التركية بأنه سيزيد الخسائر الأمريكية في العراق أضعافاً و أضعاف مما دفع الأمر إلى تأزيم الوضع على الحدود الكوردستانية على إثر إفرازات الظروف الداخلية و الخارجية التي تمر بها ما تسمى* بتركيا .
انطلاقاً من الوضع الداخلي لما تسمى بتركيا و ما جرته الإنتخابات الأخيرة من نتائج أدت إلى استلام حزب العدالة و التنمية المحسوب على التيار الإسلامي رئاستا الوزراء و الجمهورية بعد أزمة سياسية تمثلت بألية إنتخاب رئيس الجمهورية أستغرقت لأشهر و التي مثلها في الطرف الآخر العلمانية المتمثلة بالقوى القومية التركية المتشددة من جماعة العمل القومي التركي برئاسة بهجت بقجلي و حزب الشعب الجمهوري برئاسة دنيز بايكال وريث الأتاتوركية في البلاد ، فهكذا أصبح حزب العدالة و التنمية في مرحلة اختبار و محط أنظار القوى القومية من حيث حمايتها لأمن القومي التركي و مصالحها الإستراتيجية ، فجاءت الفرصة المناسبة كي تقدم العدالة و التنمية شهادة حسن سلوك لتلك القوى كي يأمنوا جانبها و إخلاصها لما ذُكر سابقاً ،لذلك نرى حدة المبالغة الشديدة في تعاملها مع موضوع حزب العمال الكوردستاني الآن على الرغم بأن المسألة ليست جديدة على البلاد ، فملف (PKK) ليس بجديد و خاصة أن زعيم الحزب معتقل في سجن إيمرالي مما أدى إلى إضعاف حزب العمال سواء على المستوى السياسي و العسكري ،  وما زاد من إرتياح تركيا هو إدراج الحزب ضمن قائمة الإرهاب الإمريكية و الأوربية و الإقليمية  فأكسب تركيا نوعاً من الطمأنينة لما آلت إليه الأوضاع و إن لم يكن الحسم نهائياً لصالحها و خاصة بعد أن جربت تركيا كل الوسائل للقضاء عليه و فشلت ، فإذاً كان لابد من المنطقية أن يدفع الفشل التركي لحل القضية سلمياً عن طريق الحوار مع القوى الكوردستانية المعنية بشمال كوردستان ، و قد هُيئت الظروف لذلك لأكثر من مرة من قبل الطرف الكوردي بعد إعلان المتعدد لوقف إطلاق النار ، ولكن المتتبع لسياقات هذه المرحلة يستنتج أن لا تركيا راغبة بحل القضية الكوردية سلمياً و لا القوى الدولية بمنظماتها راغبة بالضغط عليها للسير في طريق الحوار  والسلام مع الشعب الكوردي على غرار ما تمارسه هذه المنظمات من نشاطات في مختلف المناطق المتوترة في العالم التي تشتعل فيها الأزمات فتسعى تلك المنظمات جاهدة لنزع فتيل الأزمة و عقد مؤتمرات دولية برعاية منظمات دولية و على رأسها منظمة الأمم المتحدة لإيجاد حلول مُرضية لكل الأطراف المعنية كدارفور على سبيل المثال لا الحصر ، أما إذا تعلق الأمر بأي منطقة أو جزء من أجزاء كوردستان تجف عقولهم المبدعة من الحلول و تُعمى عيونهم و تُصم أذانهم .
أما على الصعيد الخارجي بدأت تركيا تشعر بأنها لم تعد الحليف الاستراتيجي الوحيد لأمريكا حتى و صل الأمر بالمسؤولين و السياسيين الأتراك بتصاريح حول بيع الأمريكان لتركيا لصالح حلفاء استراتيجيين جدد و خاصة بعد عدم قبول البرلمان التركي للتصويت لصالح إستخدام القوات الأمريكية لقاعدة انجرليك ، مما كلف القوات الأمريكية خسائر مادية إضافية عدا بقاء الجنود لعشرات الأيام على متن البارجات العملاقة دون أن تطئ أقدامهم اليابسة مما أجبر أمريكا إلى تغير مخططاتها فأبقت الجبهة الشمالية بعيدة عن ساحة المعارك التي جرت لاحقاً لإسقاط النظام الديكتاتوري في العراق خشية من الإجتياح التركي لكوردستان العراق و ذلك على ضوء أطماعها في ولاية الموصل فتصبح عملية إخراجهم لاحقاً صعبة جداً  فذلك  سيعود على المصلحة الإستراتيجية الأمريكية بالضرر، لذلك يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية بحسب وجهة النظر التركية تحقيق التوازن بين كلا الحليفين بما يضمن حماية الأمن القومي التركي ، مما دفع أمريكا المحتلة للعراق إعطاء الضوء الأخضر للطائرات التركية بقصف مواقع حزب العمال الكوردستاني داخل الأراضي كوردستان العراق .


أمام هذه الظروف و تقاطع العوامل الخارجية و الداخلية و المصالح المتناقضة بين مختلف القوى دفعت الأمور نحو المزيد من التعقيد  خاصة بعد أن خلقت أمريكا معالم و مفاهيم سياسية مختلفة في المنطقة عما كان سائداً قبل دخولها إلى العراق و إسقاط النظام العراقي ، مما مهد لبناء جديد للدولة العراقية على أسس فيدرالية مدعومة من قبل الشعب الكوردي في جنوب كوردستان بدرجة الأولى ومن معظم الأطراف الحليفة للقوى السياسية الكوردية من التيار الشيعي مما أثار قلق دول الجوار من التجربة السياسية الحديثة في العراق و الخشية من انعكاسها على دولها على الرغم من إنفصال المناطق الكوردية عن الحكومة المركزية منذ 1992 و تشكيل حكومتها فلم تثير القلق كما تثيرها في الوقت الحالي وقد يعود السبب إلى المشروعية الدستورية التي منحها الإستفتاء الأخير حول الدستور و تصويت معظم الشعب العراقي على الدستور و تأييده لمواده و خاصة ماهو متعلق بالفيدرالية في البلاد ، مما منح الحكومة الكوردستانية مشروعية أكثر للتأكيد على حقها في إدارة شؤون كوردستان على أسس دستورية ، و عندما نقول كوردستان لا نقصد الأراضي التي كانت خاضعة للحكومة الكوردستانية قبل سقوط النظام فقط بالمقصود أيضاً الأراضي الكوردستانية التي كانت خاضعة للنظام أي المتنازع عليها       ك  ( كركوك ، خانقين ، سنجار ……الخ ) ، و لاشك أن ذلك سيزيد من حفيظة دول الجوار و خاصة تركيا و ذلك يعود :
–     أولاً : لأطماعها في ولاية الموصل عموماُ و خاصة كركوك لوجود النفط بالدرجة الأولى و متذرعة بوجود التركمان فيها و حرصها على حقوقهم و مصالحهم .
–     ثانياً : اتفاق تركيا مع دول الجوار سوريا و إيران على معادة أي مشروع كوردي في العراق لنيل حقوقه القومية – وضم كركوك هو دافع اقتصادي قوي للكيان الكوردي المستقل – لما له من آثار على بلدانهم التي تحتوي على الأجزاء من الأمة الكوردية.
   و الذي قض مضاجع دول الجوار عموماً و تركيا خصوصاً وهو التقاء المصالح الكوردية العراقية و المصالح الأمريكية في العراق مما جعل العلاقة بينهما علاقة متينة قد تصل إلى مستوى تحالف استراتيجي و خاصة تعتبر كوردستان العراق هي أكثر المناطق استقراراً و ازدهاراً في العراق و هذا يساعد كثيراً على تمتين أواصر العلاقات بين كوردستان العراق و أمريكا على اعتبار أن باقي مناطق العراق تشهد توتراً و صراعات عنيفة تصل في بعض المناطق إلى حالة من الحرب الأهلية بين باقي فئات الشعب و خاصة السنية و الشيعية منها لذلك من المهم جداً المحافظة على الأمن و الإستقرار في كوردستان العراق و منع أي تدخل أو اجتياح خارجي لأراضي كوردستان العراق و إلا سيتحول العراق عموماً إلى ساحة صراع ستدفع بالمنطقة إلى مصير مجهول و سُتفتح أبواب   يصعب إغلاقها مما يؤزم الأوضاع على عموم منطقة الشرق الأوسط  و هذا ما لا يخدم أجندة المصالح الأمريكية.
و الأن ما الهدف من تأزيم الأوضاع على الحدود التركية – الكوردستانية العراقية ؟
هل المطلوب هو حزب العمال الكوردستاني ( PKK ) ؟
طبعاً لا يخفى على أحد حالة العداء التي تكنُها الحكومة التركية و السورية و الإيرانية للحركة التحررية الكوردية في مختلف أجزاء كوردستان و لهذا الكثير من الإثباتات التاريخية التي تدلل على صحة ما ذُكر ، لذلك من الواضح أن القضية هي ليست قضية (PKK) بل هي قضية جزء من أجزاء كوردستان يخطو خطوات رائدة نحو نيل حقوقه المشروعة و العادلة و هذا ما يدلل عليه القصف الدائم من قبل القوات التركية على الحدود الشمالية لإقليم كوردستان العراق و عدم الرغبة بالإعتراف بالحكومة الكوردستانية إلى درجة إمتنعها  الدخول في أي مفاوضات مع الحكومة العراقية إذا كانت الحكومة الكوردية ممثلة في الوفد العراقي ، والتضيق و التهديد الدائم بالإجتياح عدا العمليات الإستخباراتية الدائمة الراغبة بتهديد الأمن و الاستقرار في إقليم كوردستان.
و أخيراً المهم ما هو المطلوب كوردياً بالدرجة الأولى ؟ فهل نمط العلاقات السائدة بين مختلف القوى الكوردية مساعدة لإقامة حالة تنسيقية مفترضة لتحقيق أمن و إستقرار إقليم كوردستان العراق بالدرجة الأولى و لحاق الأجزاء الأخرى بركبها ؟ فللأسف معظم القوى الكوردستانية الكبرى تتحلى بعقلية شمولية رافضة الإعتراف ببعضها أو بالأحزاب الأصغر منها ، ففي أفضل الأحوال تتعامل مع فصيل تدعمه على كل المستويات بالمقابل أن يعلن هذا التنظيم الخضوع له بشكل مباشرأو غير مباشر أو تساهم في تأسيس حزب تابع لها مباشرة  للعمل على خدمة مصالحه في الجزء الموجود فيه ، مما يخلق حالة من الإضطراب مع الأحزاب الأخرى المتواجدة في نفس الساحة بالتالي إلى ضياع حالة التوازن السياسي فينجم عنها مجموعة علاقات السلبية لا تخدم به الجزء المتواجد فيه و لا الأجزاء الأخرى و الأمثلة و الشواهد كثيرة و خاصة على الساحة الكوردية السورية فهي أكثر الساحات معاناة من التدخلات غير المحمودة من قبل القوى الكوردستانية و بالإضافة إلى التراكمات السلبية الذاتية من تلك التنظيمات مهدت إلى إضعاف الحركة الكوردية السورية وجعلها غير قادرة على ممارسة دورها الوطنية على مستوى السياسة السورية و دورها القومي على مستوى الأمة الكوردية  ، و لا ينكر أحد أن القوى الكوردستانية تعتبر سبباً من أسباب تشتت و تشظي الحركة الكوردية ، فأي دور يمكن أن تقوم به حركة ضعيفة سياسياً و جماهيرياً على المستوى الوطني و القومي ، مع العلم أن الدول الجوار و ضمناً سوريا لا تتوانى عن إستغلال أي فرصة للقاء مع الدول التي تضم أجزاء من الأمة الكوردية للتنسيق فيما بينها لضرب أي تحرك كوردي لنيل حقوقه كما هو مفترض على الرغم من الخلافات الشديدة بينهم ، و إن أثبتت الوقائع أيضاً أن هذه الدول لا تتوانى عن إستخدام أي حركة كردية ضد بعضها البعض لتحقيق بعض المصالح  و الأمثلة كثيرة  لكنهم في النهاية  يتفقون على معاداة حركة التحرر الوطنية الكوردية في الشرق الأوسط.
 لذلك أرى أن وجود حركات كوردية قوية في أي جزء من الأجزاء هي حماية للأمن الوطني الكوردي في مختلف الأجزاء ، و هي تساهم أيضاً كعامل لتخفيف الضغط عن أي جزء متوتر ، لأن الحكومات تكون مشغولة بالدرجة الأولى بالحركة المتواجدة لديها فيحرمها من التعاون مع الدولة الأخرى ضد أكرادها لذلك نكرر إن وجود حركة سياسية كوردية سورية حماية لأمن كوردستان العراق و دعم للحركة التحررية الكوردية في كوردستان تركيا.


لذلك المطلوب التخلي عن العقلية الشمولية التي لا طائل منها ، و الإعتراف بالآخر و التعاون معه على أسس قائمة على الإحترام المتبادل بين مختلف الفصائل و القوى الكوردستانية و الكوردية و إحترام خصوصيتها و عدم التدخل في شؤونها خدمة لتحقيق مصالح حزبية ضيقة لا تخدم الأمة الكوردية و عدالة قضيتها.

*  تركيا جاءت من كلمة تركي و التي تدل على عرق أو شعب ، فمن السخف إطلاق إسم تركيا على دولة متعددة القوميات و التاريخ التركي معروف و مناطق سكنهم الأصلية معروفة و إن لم يكن الأتراك أصليين أقلية في ما يسمى بتركيا ، أليس من السخف أن يقال كوردي تركي أو مقولة تركي من أصل كوردي و هذا مايذكرنا بمقولة أحمد حاج علي – مسؤول سوري – بعد أحداث آذار بمقولة العرب الأكراد أو للتهم التي تتهم بها الفرع الأمنية و هي ((عربي سوري متشدد لقوميته الكوردية)).

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…