كوردستان والأجندة التركية…!؟.*

نـوري بـريـمـو

كما كان متوقعاً…، فإنّ الجانب التركي الذي يحلو له أن يواصل سياسة التتريك ـ السيئة الصيت والتاريخ ـ ضد بلاد الكورد والعرب والقبارصة والبلقان والقوقاز وغيرهم من الأمم المبتلية بالعيش على تخوم دولة أحفاد سلاطين تلك الخلافة المتخلفة…!؟، قد ظهر على حقيقته المشرّانية بعد أن أفصح ويُفصِح عما كان يبتغيه ـ أي الجانب التركي ـ من أغراض عدوانية ترمي إلى الإطباق على القضية الكوردية عبر ضرب القرى والأرياف النائية والآهلة بالسكان، لتضييق الحصار على إقليم كوردستان العراق ولتشكيل ضغوط إضافية على حكومة العراق الجديد لإخافتها وثنيها عن المضي في العملية السياسية الهادفة لفدرلة البلد وإنجاح تجربته الديموقراطية التي قد تنعكس بشكل طبيعي وإيجابي على شعوب دول الجوار وفي مقدمتها على تركيا المرعوبة جداً من أي تغيير ديموقراطي قد يجري حولها.
ومهما تحجج الأتراك بأنهم يمضون في ممارسة حقهم بملاحقة مجموعات حزب العمال الكوردستاني المسلّحة التي كانت متمركزة في تلك التخوم الوعرة والتي قد تبقى تنشط في أعماق تركيا التي يبدو أنها غير مستعدة لتفهم مثل هكذا قضية قومية ديموقراطية عالقة ولا يمكن حلها إلا بالطرق السلمية…!؟، فإنّ تلك الحجج هي واهية وغير مقبولة لا بل هي أحابيل طورانية مرفوضة لأنّ القصف التركي الجوي والبرّي المتكرر لمناطق عديدة في كوردستان العراق هو دليل قاطع على أنّ هذه العمليات العسكرية تستهدف بالدرجة الأولي النيل من إرادة الشعب الكوردي وضرب مرتكزاته الحيوية وفي المقدمة زحزحة أمن واستقرار إقليمهم الفدرالي باعتباره كياناً ديموقراطياً حديث الولادة والتجربة ولكونه مكسباً كوردياً عاماً يحق لجميع الكورد ـ أينما كانوا وحيثما وجِدوا ـ أن يدافعوا عنه بما ملكَت أيمانهم من قوة وإمكانيات.


وبمقابل هذا التعدي التركي السافر الذي يبدو أنه مسلسل خطير قد يطول بحلقاته الدامية التي أمست موضع استنكار وشجب لدى كل مَنْ يسمع بالبلاغات العسكرية التي تصدرها قيادة الجندرمة التركية بين اليوم والآخر…!؟، والذي يضرب بعرض الحائط كل أصول وتواصل ومبادئ حسن الجوار التي ينبغي أن تسود بين البلدان المتجاورة…!؟، والذي يسيئ للعلاقات التركية الكوردية ويتنافى مع أبسط حقوق الإنسان والأمم في العيش المشترك بسلام وطمأنينة بعيداً عن مظاهر العنف والعنف المضاد التي ولىّ زمن الالتجاء إليها لكونها مسلكيات لا إنسانية مدمرة لأرواح وقدرات كافة الأطراف…!؟، بمقابل ذلك يبقى رهان الجانب الكوردستاني ـ قيادة وشعباً ـ هو المقدرة الأكيدة على تحمّل أعباء وتبعات مثل هكذا محَن وشدائد إعتاد عليها الكورد عبر الزمن الذي تحوّل بحيث باتت دائرة أصدقاؤنا تتوسع يوماً بعد آخر…!؟، ورغم صعوبة الظرف وضراوة المشهد الراهن سيبقى  مؤمنا بالخيار الديموقراطي وملتزماً بالصبر وبصوابية التصرّف حيال هكذا مشاهد محزنة تعترض مسيرته القومية التي لم ولن تخلو من التضحية بالغالي والرخيص…، وسيبقى يراقب الوضع بمنتهى الحَيرة والحذر وسينظر بقلق شديد إلى هذه الغارات العشوائية التي تستبيح الأرياف المحيطة بجبال قنديل الواقعة على امتداد تلك التخوم وفي عمق أراضي كوردستان العراق…!؟.
ولكن أليس من حق جانب الكوردي أن يرفع صوته عالياً ويقول: للصبر حدود…!؟، فبالرغم من أنّ حكام تركيا يعلمون تماماً بأنّ الأسرة الدولية ومعها باقي قوى السلم والحرية في العالم غير راضية من هكذا مسلكية عنفية من شأنها إلحاق المزيد من الأذية والأضرار بشعبنا وتأجيج مشاعره وزيادة حدّة التوتر الناشب لا بل توتير الأجواء أكثر فأكثر في منطقتنا المتأزمة منذ عهود…!؟، ورغم أنّ القيادة السياسية الكوردستانية وبالتحديد سيادة رئيس إقليم كوردستان قد طالبوا ويطالبون حكام أنقرة بضرورة العدول عن خيارهم العسكري لدى التعامل مع القضية الكوردية…!؟، إلا أنّ الأتراك ـ ساسة وعسكر ـ يتفاخرون بلا أي خجل بما تقترفه أيادي جنرالاتهم من جرائم ضد الإنسانية، ليس هذا فحسب لا بل إنّهم ويزدادون إنتشاءً وتشفيّـاً وعنجهية بدلاً من التعقـّل والكفّ عن عسكرة الحلول وتعكير مناخات محيطنا الإقليمي للاصطياد فيها كما تشاء المصالح التركية بغض النظر عما ينجم عن ذلك من مآسي قد تُلحَق مختلف الأضرار بالآخرين…!؟، ويبقى الأبشع من هذا وذاك هو أنّ تركيا قد استطاعت في الآونة الأخيرة تحقيق جزءاً لا بأس به من أغراضها التوسعية فقد تدخلت بشكل غير مباشر في شؤون العراق حينما ساهمت بقسط مخيف في دق الأسافين لتعطيل تطبيق المادة (140) من الدستور العراقي في الموعد المحدّد الذي تم تمديده لمدة ستة أشهر إضافية أو بمعنى آخر تأجيله إلى أجل غير مسمى كما يبدو…!؟، في حين نجد بأنها بعد أن استفادت ـ أي تركيا ـ قد تتشجّع وتكثف من اعتداءاتها وضغوطها التي توحي إلى أنّ جحافلها العسكرية سوف تبقى تعسكر على الحدود وستواصل حربها الإستنزافية لحرمة كوردستان وستستمر بتدخلها في شؤون العراق الفدرالي الخارج لتوه من حقبة صدّامية مظلمة والسائر صوب إنجاح العملية السياسية في ربوعه بعد أن تراجعت في أنحائه العمليات الإرهابية…!؟، ولعلّ ذلك إن دلّ على شيء إنما يدل على أنّ تركيا مصرّة أن تمضي في عربدتها وتحديها للإرادة الكوردستانية وللدولة العراقية وللجامعة العربية وللمجتمع الدولي ولميثاق الأمم المتحدة الذي ينص صراحة على ضرورة إحترام الدول لجوارها.
وبناءً على ما سبق فإنّ ما تقترفه تركيا بحق أهل كوردستان من مجازر يندى لها جبين البشرية…، يقتضي من ذي شأن في هذه المعمورة أن يبادر إلى إتخاذ موقف عاجل من شأنه إنقاذ المشهد المحتدم لدرئ الدخول في حالة النشوب العسكري المتبادل الذي بات يداهم الديار الكوردية الآمنة جراء التمادي التركي الغير خافي على أحد والذي قد ينجم عنه تداعيات وخيمة قد لا تكون لا على بال ولا على خاطر أحد…!؟، وفي الختام وبما أنّ مصلحة جميع شعوبنا المقهورة تكمن في الإحتكام للخيارات السلمية، فإنّ الواجب الآني يتطلّب إيقاف فوري لهذه الغطرسة التركية التي قد تدحرجنا جمعاً إلى الغرق في مستنقع من الدماء البشرية البريئة.
===========

* جريدة الصباح الجديد / جريدة يومية سياسية مستقلة ـ العدد 1034 ـ الأحد 30 كانون الأول 2007م.


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…