إلى فداء حوراني وجنود الحرية انتم بؤبؤ العين

  مشعل التمو *

في لقاء جمع لجنة التنسيق الكوردية ووفد من إعلان دمشق ضم الدكتورة  فداء حوراني , احتدم النقاش بيني وبينها حول البيان التوضيحي للإعلان والجملة التي وردت فيه عن ان سوريا جزء عضوي من الأمة العربية , حيث ان العضوية مفهوم بيولوجي وليس سياسيا وبالتالي فهو يعتبر سورية كلا متجانسا , نقيا , لا آخر مختلف فيه , وهذا إنكار للواقع السوري المتعدد وهو بشكل أو بآخر يبقي العروبة المجردة كحقيقة كامنة في الحقل الدلالي للجملة المذكورة , وإذا كان بعض الكورد الموجودين في الإعلان لم تصل سويته المعرفية إلى ادارك ما تكتبون , فهذا لا يعطيكم الحق في إنكار الآخر وشطبه , وعندما سألتها أين الشعب الكوردي في طرحكم البيولوجي لسورية , فقالت انتم بؤبؤ عيني ؟ وأنا أقول لها وهي في أقبية النظام الأمني , أنت يا فداء بؤبؤ عيننا.
وبغض النظر عن التباين مع الإعلان حيال قضية الوجود الكوردي التاريخي في سوريا , وحيال نقاط أخرى ترتبط بمفهوم الدولة المدنية ومرتكزاتها , لكنه يبقى حالة وطنية متقدمة , وشكل مجلسه الوطني الأخير خطوة في الاتجاه الصحيح , وإذا كانت السلطات الأمنية راهنت على التجاذبات الداخلية فيه , وعلى إمكانية جعله غطاء جانبي آخر لمرتكزاتها المؤدلجة في مقاومة الامبريالية والصهيونية , وهي مقولات ساهمت خلال نصف قرن في ضبط المجتمع وإخراجه ليس فقط من المعادلة السياسية , بل حتى من المعادلة الإنسانية , حيث دار هذا الجدل عن أولوية المسالة الوطنية في المشهد السياسي السوري في الثمانينات , وكان ان ضاعت سورية وتحولت إلى مزرعة يصح أي تعريف فيها , ما عدا صفة وطن.
خلال تاريخ تعاطينا مع النظام الأمني , كانت دائما اتهاماته جاهزة , سواء باقتطاع جزء من سوريا أو التعاون مع أمريكا أو الغرب أو وهن نفسية الأمة , رغم أننا بتنا لا نعلم عن أية امة يتحث ؟ الكثير من مقولات النظام تحولت إلى ثقافة لدى بعض الحراك السياسي , وباتت هذه الاتهامات سمجة ومملة , هي سمجة عندما تصدر عن النظام , فكيف إذا صدرت عن بعض  “المتعارضة” ؟ يمكن فهم الدافع الأمني ومسوغاته في إرهاب المجتمع وإغلاق الدائرة الإنسانية فيه , ويمكن فهم ما يردده البعض عن المخطط الأمريكي للسيطرة ومقاومته , على انه جزء من قناعة سياسية تجاوزها الزمن , لكن إعادة إنتاجها لاتهام مناضلين تجذرت لدى اغلبهم قضية الحرية وإنهاء الاستبداد وبناء دولة مدنية , بمعنى أولوية الديمقراطية والحرية , استنادا إلى الأغلبية الصامتة السورية ومصلحتها في التغيير , وبالتالي بات مسوغ الاتهام ليس بريئا , والمزاودات الكلامية لدى البعض , لم تعد تفهم سوى على أنها غطاء لحماية النظام الاستبدادي , وما أقوله ليس مبنيا على ثقافة المؤامرة , قدر ما يرتبط فعليا بجوهر سلوك وممارسات هؤلاء الذين يشكل اغلبهم جوقة مصفقة , تنتظر وليمة أخرى على حساب حرية نخب سورية تسعى وسعت دائما إلى إخراج وطنها من غياهب ما أوصله النظام الأمني إليه.
ان اتهام إعلان دمشق وبعض قادته بارتباطهم بالخارج , تأسيس امني لاستمرار اعتقالهم , ولا يشكل انسحاب هنا أو هناك معيارا لصدقية ونزاهة علي العبد الله وأكرم البني ووليد البني وياسر العيتي وجبر الشوفي وفداء حوراني واحمد طعمه , ولا أيضا إلى من هم موجودين سابقا كأنور البني وميشيل كيلو والعشرات من معتقلي الرأي السوريين بعربه وكورده.
ان مقولة الداخل والخارج , لم تعد صالحة للاستعمال البشري , فنحن نعيش ونمارس كل ما هو خارج بمقدار ما نمارس كل ما هو داخل , حيث انتفاء الحدود وترابط المصالح  , ومسالة محاربة المخططات الأمريكية شيء , واستخدامها ذريعة لتبرير اعتقال المناضلين شيء آخر , والمسالة الوطنية في غياب وجود وطن شيء , ومسالة استخدامها مسوغ لديمومة الاستبداد شيء آخر ؟
ان قضية الحرية والديمقراطية , هدف مركزي , لا يحتمل أي تسويف أو تسويغ أو حرف مسار أو تدوير للزوايا , بل يشكل حجر الزاوية في مصداقية أي معارضة للنظام الأمني من جهة , وركيزة وطنية لمن يسعى إلى بناء وطن سوري يكون لكل أبناءه ؟ واعتقد بان خلط الأوراق واللعب بالمفاهيم واتهام إعلان دمشق بسيطرة الليبراليين عليه , وارتباطهم بأمريكا , ما هي إلا تهويمات لقارئ سيء لما صدر عن الإعلان في هذا الخصوص من جهة , وتمسك فج بالرأي المختلف ومحاولة فرضه على الإعلان بمجمله من جهة ثانية.
نحن نختلف مع الإعلان في قضية وجودنا القومي وإنكاره لهذا الوجود ومحاولته تهميشه في سياق دمجه واختصاره , لكن هذا لا يعفينا من رؤية الايجابي أيضا في الإعلان , الذي يستحق مناضليه وقيادته كل التقدير , وعندما تهاجم القوى الأمنية الإعلان وتحاول إرباك عمله , واعتقال بعض قادته , فنحن وإياهم في ذات النسق المعارض والمواجه , فالاستبداد هو ذاته والقمع وتغطيته الإعلامية هي ذاتها , وننطلق في موقفنا من ان تيار المستقبل الكوردي هو حالة وطنية معارضة , “ليبرالية” إذا كانت هذه الصفة تطلق عنان الربائب.
اخبرني احد معتقلي الرأي السابقين , عن رفيق لهم , كان إحساسه بالزمن عاليا ودقيقا , إذ متى ما سألته عن الساعة , أجابك إلى التوقيت بكل دقة , ترى هل يدرك البعض أهمية الزمن في إنقاذ وطن دمره الاستبداد قيميا وكيانيا.

* الناطق باسم تيار المستقبل الكوردي في سورية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…