وليحقد الحاقدون

درويش محمى
d.mehma@hotmail.com
 
المرونة والحنكة السياسية التي يتمتع بها الرئيس العراقي السيد جلال طالباني، لم تسعفه في تجنب غضب العروبيين من كتاب ورواد فضائيات، كما لم تسعفه جنسيته العراقية، ولا تعلقه بالعاصمة بغداد، ولا انتمائه الثقافي العربي ولا حتى عشقه للجواهري، فقد اطلق الرفاق العنان لالسنتهم واقلامهم للتنديد والرفض والاحتجاج والاعتراض على شغل سيادته لمنصب رئيس الجمهورية، منذ لحظة انتخابه الى يومنا هذا .

اخر ما سمعته على احدى الفضائيات العربية، كان قول احدهم “كيف يحكم كردي عراق المأمون والمنصور عراق الحضارة والعروبة ؟” واخر ما قرأته في الشأن نفسه، كان ما توصل اليه كاتب عراقي من اكتشاف مدهش وعبقري، يقر فيه “بفشل جلال الطالباني في أن يكون رئيسا لكل العراقيين بسبب ولائه القومي الكردي”.
في الحقيقة، وبدون لف او دوران، اجد نفسي وللمرة الاولى، متعاطفاً مع القومجيين العرب فيما ذهبوا اليه، فمن الصعب نسيان الماضي القريب بطرفة عين، والقبول برئيس جديد للعراق لايشبه رئيسهم القديم السابق، فرئيسهم كان بطلاً قومياً عروبياً من الدرجة الاولى، يحمل السيف العربي ويلبس العقال يوماً، وفي اليوم الذي يليه يظهر بقبعة الكوبوي ويغزو شقيقة عربية مجاورة لاحتلالها ونهبها، معهم الحق كل الحق الرفاق ان يرفضوا جلال الطالباني كرئيس جديد للعراق، فرئيسهم كان محارباً شرساً وعدوانياً على كل الجبهات، وكان الاكثر بطشاً على وجه البصيرة، ولم يكن يرف له جفن وهو يقيم المشانق في طول البلاد وعرضها دون رقيب اوحسيب، اما رئيسهم الحالي المنتخب “مام جلال”، فعلى العكس تماماً، هو رجل مسالم يعرف عنه دبلوماسيته ودماثة خلقه، والانكى من هذا وذاك انه من دعاة الغاء عقوبة الاعدام.
ما حدث ويحدث في العراق، تحول هائل لا يتحمله العقلاء المعتدلين فكيف نلوم المتعصبين القوميين، انها حالة عسيرة الفهم والهضم، ولا غرابة في رفض البعض لرئيس منتخب ديمقراطياً، فهم لم يعتادوا على مدى عقود، الا على الانقلابات والرئيس القائد، ومعهم الحق ان يرفضوا رئاسة كردي للعراق العربي، فالعراق كان لوناً واحداً بالظبط كزعيمهم الاوحد، ومقاييسهم في الحكم على الرؤساء والقادة كانت وماتزال سادية خالصة، فبحكم العادة والارث السياسي والثقافي الشمولي وبحكم الزمن تأصل فيهم نزعة تقمص دور الضحية المولع بالجلاد .


ما لايدركه البعض، ان ترأس كردي لدولة العراق يعتبر واحداً من اقوى وافضل الضمانات ترسيخاً لوحدة العراق، في المقابل، الاعتراضات العنصرية للقومجيين العرب على الرئاسة الكردية والتفريق بين العراقيين في الحقوق والواجبات، والمطالبة بحصر المناصب العليا في الدولة على قومية معينة دون اخرى، تعتبر من اكثر الدعوات خطورة لتقسيم العراق وتفتيته .
على الرغم من الظروف الصعبة والقاسية التي يمر بها العراق، نجد الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني يمارس دوره التوافقي بين الفرقاء العراقيين على افضل وجه، وربما يكون الرجل هو الامثل والافضل بين اقرانه، ليضرب به المثل على التعايش الكردي العربي .


انتخاب ومن ثم تولي رئيس كردي لمنصب الرئاسة في العراق، حقيقة ديمقراطية يشكر عليها اولاً واخيراً، الاغلبية الصامتة من الشعب العراقي واصحاب الاصبع الازرق الشجعان، اما “طرطرة” البعض من الكتاب، وجعجعة البعض من ابطال الفضائيات، فهي ان دلت على شيئ، فهي تدل على حالة البغض والكراهية المزمنة لدى اصحاب ايام زمان، وهم في الحقيقة لا يستحقون الرد الا بكلمتين لا ثالث لهما، ونقولها على طريقة رئيسهم السابق، وليحقد الحاقدون .


   
كاتب كردي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…