ليست العلة في المكونات بل في السياسات – 2 –

صلاح بدرالدين

         في الجزء الأول المنشور من هذا الموضوع  تناولنا بتقييم نقدي الرؤية الاشكالية المبتورة لغالبية جماعات المعارضة الوطنية السورية من الشركاء العرب لماهية عناصر الداخل الوطني وقراءتها الخاطئة لمكونات المجتمع السوري المتعددة القومية والدين والمذهب وجودا واستحقاقا واخفاقها في تعريف وتقديم برنامجها وأجندتها ووسائلها التغييرية السلمية الديموقراطية بهذا الخصوص ووقوعها في أفخاخ خطط النظام لدى مقارنتها غير الموفقة والناقصة بين الحالة السورية المقبلة على انجاز مهام تغيير نظام الاستبداد والحالة العراقية مابعد زوال الدكتاتورية والاستبداد التي هي بنظرنا فترة – أمنية – ظرفية استثنائية مفروضة بقرارات سياسية مشروطة وتنتهي بمثلها قابلة للانتهاء في أية لحظة
ولاتشكل مرحلة تاريخية لابد منها عندما تسقط الدكتاتوريات حسب تجارب الشعوب قديما وحديثا وكما يوحي به استشرافنا لمستقبل بلادنا المشرق السعيد مابعد زوال الاستبداد فليس صحيحا البتة وليس قدرا محتوما أن كل دكتاتورية منهارة يجب وبالضرورة أن تخلف من ورائها الفوضى والحروب الأهلية.
   تسير غالبية جماعات المعارضة اسوة “بأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية” على نهج الثقافة السياسية  الرسمية السائدة في أمرين أولهما الولوج في بازار المزايدات في المواقف الخارجية فتحت غطاء هواية معاداة “محتلي العراق” والأمريكان والانكليز يتم دعم الارهابيين والقتلة والعاملين على اعادة الوضع العراقي الى الوراء والى حضن دكتاتورية جديدة بل أكثر من ذلك يتم العمل التحريضي والدعائي واللوجستي لارسال متطوعين من الداخل السوري وخارجه هذا ما عدا اقامة طقوس العزاء لرموز الفاشية والاجرام ممن ثبت عليهم ابادة العراقيين وانتهاك حرياتهم وحرماتهم ودفن بناتهم وأبنائهم في مقابر جماعية وقد وصل البؤس السياسي أوجه عندما سكتت هذه المعارضات عن التهديدات التركية العسكرية لاجتياح العراق بل انتظرت حدوث ذلك بعد أن طالب بعضها في المنابر الاعلامية تركيا وعلانية منذ زمن لضرب التجربة الديموقراطية الفدرالية في اقليم كردستان بذريعة أنها تشكل خطرا على وحدة بلدان المنطقة المجاورة للعراق والتي تحوي امتدادا كرديا بوجه خاص وهو اقليما وتجربة جزء لا يتجزأ من العراق ومن ثمرات التفاهم العربي الكردي في حل القضية الكردية في حين أقامت الدنيا ولم تقعدها حيال بيان غير ملزم من مجلس الشيوخ الأمريكي الداعي أصلا الى وحدة العراق على أساس فدرالي حسب وجهة نظر الغالبية الساحقة من أعضاء تلك المؤسسة الاشتراعية التي رأت من واجباتها اعلان رؤاها حول المسألة العراقية التي تدخل في صلب اهتمامات المجتمع الأمريكي في دولة باتت معنية وشريكة أساسية بموجب قرارات مجلس الأمن وبروتوكولات التعاون الاقتصادي والأمني للدولة العراقية منذ حربها واسقاطها للنظام البائد وانطلاقة العملية السياسية والاعمار والبناء ومواجهة الارهاب  , وهي غيرة – قوموية – مجزأة مصطنعة في غير محلها تفتقر الى الصدقية على أي حال, وكذلك اتخاذ نفس مواقف النظام تجاه الوضع الفلسطيني والانحياز المباشر أو الملتوي الى جانب حماس وانقلابها على الشرعية في غزة وهكذا ونتيجة لهذه المواقف السياسية التي لاتختلف كثيرا عن نهج النظام والمقرونة بالهجمات الاعلامية الدونكيشوتية الداعية الى القتال ضد التدخل الخارجي في سورية وكافة أشكال الضغوط (هل تم الضغط على الشعب أم على النظام ؟) وضد الولايات المتحدة الأمريكية وأكثرية البلدان الأوروبية وأنظمة الاعتدال العربي نقول نتيجة لذلك التبست الأمور على من كان متوقعا أن يتعاطف مع الشعب السوري ويدعمه في محنته ويفتح أبواب العلاقات السياسية مع أطراف المعارضة الوطنية كما دفعتها الى المقارنة بين هذا النظام الجائر على علاته وبين معارضة غير ناضجة لم تميز نفسها عن النظام ولم تثبت مواقفها المبدئية ولم تبلور مشروعها البديل خاصة وأنها مخترقة من تيارات الاسلام السياسي – الباطنية – والعاملة في سبيل تحقيق شعارها الأزلي – الاسلام هو الحل – والمقرون في أذهان الرأي العام بابن لادن وطالبان والذبح على الهوية والعنف الأعمى والارهاب , أما الأمر الثاني فهو ما يتعلق بمكونات سورية ونسيجها وتلاوينها التي تدخل في غيتو المحظورات فليس سرا أن النظام السوري وتحديدا بعد مجيء حزب البعث الى السلطة يمنع رسميا الاشارة من قريب أو بعيد الى أسماء الشعوب والقوميات غير العربية وكذلك الحال بالنسبة لأسماء ديانات وطوائف المجتمع السوري ومن الواضح أن الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو الموضوع الكردي الأكثر حضورا في الساحة السياسية بسبب ما تتميز بها القضية الكردية من توفر شروط ثقلها وأبعادها المحلية والاقليمية وحتى الدولية وأسباب مشروعيتها ودورها في موضوع توازن القوى السياسية ونتائج معارك المعارضة الوطنية مع النظام الحاكم الذي يمكن فهم مبرراته المصلحية في ضرب طوق من التعتيم والتجاهل على الكرد وحركتهم وقضيتهم دون أي فهم أو تفهم لسلوك أطراف المعارضة عندما تسير على خطى النظام بهذا الشأن.
    فأحزاب ومنظمات جماعات المعارضة الوطنية من شركائنا العرب لاتعترف غالبيتها في برامجها السياسية بالوجود الكردي السوري كشعب يقيم على أرضه ويندرج في المرتبة الثانية بشريا بعد العرب وبالتالي لاتحمل تلك البرامج اشارات وبنود ومقترحات حول معاناة الكرد التاريخية وحقوقهم المشروعة ومصيرهم ومستقبلهم وهي بذلك لاترى لزاما عليها بحث هذا الموضوع في أدبياتها السياسية أو تكراره خاصة اذا كانت ترى في قرارة نفسها أنه يمس مصالح الأمن القومي ويهدد عروبة البلاد تماما كما تزعم الأوساط الحاكمة وهنا تلتقي الارادات بصورة تلقائية حول الآيديولوجيا الشوفينية الشمولية الرافضة للآخر الكردي المختلف قوميا وثقافيا وهنا تفقد المعارضة استقلاليتها وموضوعيتها لتنضم الى جوقة الاستبداد وتحمل سيفها في وجه شريكها الكردي الثابت المجرب  والذي تشكل حركته وزخمه الجماهيري وطاقات بنيه عاملا أساسيا لابد منه لأي تغيير ديموقراطي في سورية.

   في العقود السابقة ومنذ استقلال البلاد اقترفت الأحزاب الوطنية خطيئة تاريخية كبرى بحق العرب والكرد والمكونات الأخرى معا عندما أحجمت عن طرح الموضوع الكردي وتجاهله وجودا وحقوقا وقد دفعت أحزاب ذلك الزمان (الشيوعي والبعث والاخوان المسلمون والقومي السوري ثم الشعب والوطني) بسلوكها هذا الثمن غاليا من رصيدها ليس على مستوى البلاد فحسب بل في الساحة الكردية التي أصبحت عصية عليها رافضة التفاعل مع تنظيماتها الى يومنا هذا مفتوحة فقط على نفوذ الحركة القومية الديموقراطية الكردية بكل فئاتها االمثقفة والحزبية والشعبية والاجتماعية كما أن الموضوع الكردي وبسبب مواقفها الخاطئة كان أحد أسباب الكشف عن ازدواجية تلك الأحزاب وعدم صدقيتها في رفع  شعاراتها الرنانة التي كانت تنضح بالوطنية والأممية والعدالة ولم تكن الحالة أفضل مع أحزاب ” الجبهة الوطنية التقدمية ” التي كانت وما زالت أكثر التزاما بتعاليم حزب النظام الحاكم حيال الموضوع الكردي الى درجة الامتناع عن الاعتراف بوجود شعب كردي سوري وكذلك بفدرالية اقليم كردستان العراق تماما مثل غالبية جماعات المعارضة من خارج – أسوار – الجبهة , وفي هذا المجال وأمام الوضع السياسي الراهن لابد من الاشارة الى حدوث خطوات ايجابية من جانب مجموعات عربية ديموقراطية وليبرالية وأفراد واعين لمسؤولياتهم تجاه الشعب والوطن نحو تفهم الحالة الكردية وقبول ملتزماتها المبدئية والسياسية وبالرغم من محدودية تأثيرات تلك الاستثنائات في الساحة السورية في الوقت الراهن الا أنها تبشر بمستقبل أكثر اشراقا في مجال اعادة قراءة الخارطة السياسية والبشرية والاجتماعية كماهي وقبول الآخر وتعزيز التلاحم الوطني وتطمين الشريك الكردي على مصيره ومستقبله في سورية الجديدة الديموقراطية التعددية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…