من دفتر يومياتي.. ياسر عرفات كان صديقا داعما للكرد وقضيتهم

صلاح بدرالدين
 تتميز حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – التي فجرت الثورة، وقادها الراحل ياسرعرفات ( ٤ . ٨ . ١٩٢٩ – ٤ . ١١ . ٢٠٠٤ ) من بين كل الفصائل، والتيارات السياسية الأخرى بنوع من الوسطية، والاعتدال، والتحالف الواسع الى جانب التعايش، والتفاعل الإيجابي بين مختلف الأفكار، والتوجهات السياسية داخل المجتمع الفلسطيني بالداخل والخارج، ثم  اصبح – أبو عمار – لاحقا رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيسا لدولة فلسطين بقرار من المجلس الوطني الذي انعقد بالجزائر وكنت ضيفا مشاركا، والقيت كلمة أيضا بصفتي من الحركة الكردية.
  كانت لنا ( كحزب – سابقا )  لقاءات غير معلنة مع تنظيم فتح بسوريا بمخيم اليرموك منذ الستينات أي بعد كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥، ثم بدات علاقتي بالراحل عرفات بداية السبعينات في بيروت وكذلك مع قادة فتح الاخرين الشهيدان (أبو اياد وأبو جهاد)،
 وتوطدت العلاقة مع أبو عمار الذي التقيت به مرارا بناء على طلبه لشرح وضع الحركة الكردية بسوريا خاصة والاجزاء الأخرى عامة، وتوقف مطولا في استفساراته حول الزعيم مصطفى بارزاني، الذي اصبح يردد مقولته الشهيرة كلما راني (كان البارزاني قائدا عظيما ولكن ظلموه) وقد فهمت انني اول قيادي كردي التقي به بهذه الكثافة، والعمق، وطالت فترة التعارف لعامين تقريبا، بدانا بعدها الانتقال الى المرحلة العملية أي بناء العلاقات الثنائية السياسية بشكل رسمي مبرمج بين حزبنا ومنظمتنا في لبنان  من جهة واطراف منظمة التحرير ورئيسها من الجهة الأخرى، ونشأت من خلالنا  علاقات مثمرة بينه وبين عدد من اطراف الحركة الكردية في تركيا، وايران، مع تقديمه الدعم المطلوب خصوصا في مجال التدريب وغيره، ووصلنا مرحلة اصبح الرجل فيها مطلعا على أوضاع الكرد وحركتهم، ومتعاطفا مع قضيتهم .
عرفات وبعض أوجه دعمه للكرد
  أولا – خلال التحضير لنشاطات المعارضة العراقية بعد سقوط نظام شاه ايران، وانتقال الافراد من أوروبا الى كردستان العراق عبر ايران بعد ” ثورة ” الخميني، طلب مني الصديق الراحل عزيز محمد سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي ببيروت المساعدة بتامين وتغطية انتقال مايقارب ١٥ شخصا من أوروبا الى بيروت ثم طهران، فلجات الى الأخ ابوعمار من اجل تذاكر الطيران، ووافق على الفور، ووصل هذا العدد حيث افرغت لهم منزلي لمدة أسبوعين الى ان انتقلوا جوا الى طهران .
  ثانيا – لم يبخل علينا في تجيير بعض المنح الدراسية المخصصة للفلسطينيين للشباب الكرد،  التي أضيفت الى المنح التي كنا نتلقاه رسميا من الدول الاشتراكية – سابقا – .
  ثالثا – قدم لنا وللاطراف الكردية الأخرى ولطلابنا المتوجهين الى الدول الاشتراكية للدراسة، واخرين  بمافيهم شخص الأخ الرئيس مسعود بارزاني جوازات سفر – من صناعة أجهزة الحركة  – للتنقل، والسفر وتمشية الأمور النضالية .
  رابعا – قامت مؤسسة فتح الإعلامية بإعادة طبع عدة كتب من إصدارات رابطة كاوا للثقافة الكردية وتعميمها لمنظمات الحركة بهدف التثقيف والتعرف على القضية الكردية .
  خامسا – قدم ياسر عرفات الدعم المطلوب لنشاطات محاولة إعادة احياء الحركة الكردية بعد نكسة عام ١٩٧٥ من جانب الأحزاب التالية : حزب الاتحاد الشعبي ( سوريا )  – الحزب الطليعي لعمال كردستان – حزب الراحل عمر جتن  ( تركيا ) حركة كوك دارا بيلك ( تركيا ) – الحزب الاشتراكي الكردستاني د محمود عثمان وعدنان المفتي ( العراق ) – حركة باسوك – آزاد مصطفى ( العراق ) حزب استقلال كردستان اميري قازي ( ايران )، واستطاع ممثلو هذه الأطراف ان يعقدوا  العديد من اللقاءات الموسعة في بون، وايزرلون بألمانيا الاتحادية، وبرلين، ودريسدن بألمانيا الديموقراطية سابقا، وبراغ، وكوبنهاغن، وستوكهولم .
  خامسا – كان التنسيق، والتشاور، وتبادل المواقف بيننا منظما، فعلى سبيل المثال بعد ” ثورة ” الخميني دعي وفد من فتح برئاسة – أبو جهاد – الى طهران، وقبل مغادرة الوفد التقينا الثلاثة : أبو عمار، أبو اياد، أبو جهاد، وانا وطلبوا رايي بالوضع الإيراني، فصارحتهم ان هؤلاء يتسترون بالدين لخدمة قوميتهم، ومذهبهم، وليسوا صادقين بدعاياتهم، وهم ضد الشعوب الأخرى من كرد وعرب وبلوج وغيرهم، وكان للاخوة راي آخر خاصة بعد تحويل سفارة إسرائيل بطهران الى سفارة فلسطين، ولكن بعد عودة أبو جهاد حيث مكث نحو شهر هناك اخبرني ان كل ماقلته لهم صحيح  وان هؤلاء منافقون ويجب الحذر .
          عرفات رفض توطين الفلسطينيين في المناطق الكردية
سادسا – اخبرني الراحل عرفات انه عارض طلبين لتوطين الفلسطينيين في كل من الجزيرة السورية، وكردستان العراق احدهما من حافظ الأسد، والثاني من صدام حسين، واكمل انه اخبر اخوانه بمنظمة التحرير : لايجوز لنا كشعب تعرض للاقتلاع والتهجير، وتغيير تركيبة بلاده كضحية للشوفينية ان نتحول الى دور الجلاد .
  سابعا – بتوجيه مباشر من الراحل عرفات نظمت حركة فتح عدة دورات عسكرية وامنية للشباب الكرد، كما اننا عقدنا مؤتمر حزبنا الخامس – الاتحاد الشعبي – ( آنذاك ) في احدى الأماكن التابعة لحركة فتح وبحمايتها بالرغم من الظروف الأمنية الصعبة .
       عرفات وقف الى جانب قيادة الأخ مسعود بارزاني في مواجهة ايران عام ١٩٩٦
ثامنا – بدات الحرب الاهلية كما هو معلوم في كردستان العراق بزعامة القطبين ( الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ) في أيار ١٩٩٤ واستمرت حتى أيلول ١٩٩٨ عندما وقع الطرفان اتفاقية سلام برعاية الولايات المتحدة الامريكية ( اتفاقية واشنطن بمشاركة وزيرة الخارجية السيدة اولبرايت )، وفي تلك السنوات استمرت المعارك، وتفاقم العداء، وذهب الالاف من الضحايا، وبلغت ذروتها يوم ٣١ آب عندما سيطرت قوات – البارتي – على أربيل بدعم قوات الجيش العراقي، وبهذا الصدد يذكر الأخ مسعود في كتابه ( البارزاني والحركة التحررية الكردية )،” في 16 من أب 1996 قمت بإلقاء خطاب طرحت فيه مبادرة للسلام، في اليوم نفسه، قام (مام جلال) بإلقاء خطاب له في (دربنديخان) وقال بالنص :” أقرأوا سورة الفاتحة على الحزب الديمقراطي الكوردستاني”.. أرسل صدام حسين مبعوثا له وقال لنا بأنه على أستعداد تام  لتقديم الدعم الى” البارتي” من أجل تحرير أربيل، قمنا بعقد إجتماع للقيادة وقررنا بدون تردد الموافقة على طلبه”، ويضيف،” الايرانيون تدخلوا بقوة وبزخم  كبير لدعم اليكيتي ضد البارتي، ووضعوا خطة “جهنمية” للقضاء النهائي علينا، وقاموا بتسليح “اليكيتي”بسخاء مفرط ووضعوا العتاد والاسلحة  اللازمة تحت تصرفهم”، ويقول :،” لاحقا طلب منا توجيه رسالة الى صدام، وأنا وافقت وقمت بتوجيه الرسالة، كانت الغاية من الرسالة أن نوضح للرأي العام بأن دعم العراق جاء على إثر التدخل الإيراني المباشر في القتال الدائر مع الاتحاد الوطني الكوردستاني”.
            شهادتي حول الموضوع، واتصالي بياسر عرفات
  كل ماذكره الأخ مسعود بارزاني صحيح ودقيق، واضيف : كنت مشاركا في احتفالية اليوبيل الذهبي ليلة ١٦ آب ١٩٩٦، وكنت جالسا على مقربة الأخ نيجيرفان وإذ ترده رسالة – برقية حول تقدم الجيش الإيراني من جبهة – حاجي عمران – وغادر الحفل للاشراف على الترتيبات اللازمة، ومكثت  بدار الضيافة اتابع الوضع لنحو أسبوعين، وقمت بزيارته يوم ٢٧ آب، وتوجهنا سوية الى سري رش للقاء الأخ مسعود، وعلمت ان الجيش الإيراني يقترب ومعه قوات – ا و ك – فاقترحت عليهما ان اجري اتصالا مع الراحل ياسر عرفات واضعه بصورة الوضع الخطير والطلب منه ان يبلغ الجامعة العربية عن خطورة الهجوم الإيراني، وهذا ماحصل حيث أجريت الاتصال بمدير مكتبه – د رمزي خوري – بواسطة شبكة تلفونات – ثريا – واوصلني الى عرفات، فسالني اين انت فاجبت بكردستان العراق، وماذا تفعل هناك ؟ فاجبت مازحا ندافع عنكم امام الهجوم الإيراني، ثم شرحت له الوضع مفصلا، طالبا منه اعلام الجامعة العربية بالامر، والطلب من الدول العربية دعم المقاومة الكردستانية بقيادة الأخ مسعود بارزاني .
  غادرت بلدة صلاح الدين الى زاخو يوم ٢٩ آب ووصلت انقرة يوم ٣١ آب، وتوجهت من هناك الى المانيا، وعلمت من الاعلام ماحصل في أربيل وعموم كردستان العراق وبعد فترة توجهت الى رام الله للقاء الراحل عرفات، فابلغني انه بعد مكالمتي تواصل مع الملك حسين ووضعه بالصورة، كما ابلغ امين عام الجامعة العربية أيضا، وان الملك حسين تواصل مع – صدام حسين – وشجعه على التدخل، ودعم قوات – البارزاني – امام الهجوم الإيراني، مضيفا انه التقى الأخ مسعود والوفد المرافق له ببغداد، وقدم له الشكر على دعمه وتفهمه للوضع، ثم ناولني مدير مكتبه مظروفا يحتوي على مجموعة صور تجمعه مع الأخ مسعود في بغداد، وبدوري سلمت الصور الى الاخوة  بعد العودة الى أربيل، لذلك أقول ومن باب الوفاء للرجل ان تدخل الراحل ياسر عرفات في حينها أدى الى تغيير موازين القوى بشكل جذري، ماذا اذا لم يتدخل  ؟ لكانت كردستان العراق على الاغلب محمية إيرانية مثل الجزر الإماراتية المحتلة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…