صلاح بدرالدين
هناك شبه اجماع من جانب النخب الكردية السورية المتعلمة ، والمسيسة ، وشعور لدى عامة الناس مشوب بالقلق عن وجود خلل ما في الإدارة السياسية لاحزاب طرفي الاستقطاب ، وبعبارة أوضح ، واكثر دقة تمر الحركة القومية – الوطنية لكرد سوريا بأزمة عميقة اسوة بمجمل الحركة الوطنية السورية منذ عقود لعوامل موضوعية وذاتية ، تفاقمت اكثر منذ بدايات اندلاع الثورة السورية المغدورة منذ نحو ثلاثة عشر عاما ، ولاشك ان هذا الواقع المنظور يفرض علينا جميعا استخدام كل طاقاتنا من اجل معالجة تلك الازمة ، وفك طلاسمها ، ومنح الأولوية لتوفير شروط إعادة بناء الحركة ، وتوحيدها ، واستعادة شرعيتها ، كخطوة لابد منها للانتقال الى انجاز المهام الأخرى في التغيير الديموقراطي ، وإزالة الاستبداد ، وإيجاد البديل اعتمادا على الغالبية الشعبية.
مشكلة شعبنا الراهنة ومصدر معاناتنه ، يعودان الى طرفين : الأول – نظام الاستبداد الذي تجاهله وجودا ، وحقوقا ، وامعن في اضطهاده ، وتهجيره ، وحرمانه ، وتغيير التركيب الجيوغرافي لمناطقه ، وصراع شعبنا مع هذا النظام وجودي منذ عقود ، ويبقى كذلك حتى تغييره ، ووضع الدستور الجديد للبلاد عبر المؤسسات الاشتراعية المنتخبة ، الذي يعترف بوجوده ، ويضمن تطلعاته المشروعة ، والطرف الأخر هو كل من يقف عقبة امام إرادة شعبنا المتمثلة بمشروع إعادة بناء الحركة الكردية السورية ، وتوحيدها بالطرق الديموقراطية ، ولاشك ان أحزاب طرفي الاستقطاب وبصورة متفاوتة لاتعتبر هذا الهدف من أولوياتها ، او تتعامل معه بمفهوم آخر مغاير في اطار المصالح الحزبية الضيقة ، والمحاصصة الوظيفية في السلطة ، والواردات .
ليس خافيا ان هناك حراك كردي وطني سوري مستقل ضاغط منذ اكثر من تسعة أعوام باسم حراك ” بزاف ” مازال في مرحلته التوعوية ، التشاورية ، والتحضير لمشروع سياسي متطور ينير الطريق ، ويجيب على كل التساؤلات المتعلقة باليات إعادة البناء ، والمؤتمر الكردي السوري الجامع ، والقضايا الرئيسية ، مثل التفاعل العضوي مع النضال الوطني الديموقراطي لشركائنا في الوطن ، والوقوف معا من اجل نظام سياسي مستقبلي لسوريا الجديدة التشاركية التعددية يضمن الحقوق المشروعة للكرد حسب ارادتهم في تقرير مصيرهم الإداري والسياسي ضمن الوطن الواحد ، وإرساء علاقات الاخوة والعمل المشترك مع العمق الكردستاني بمعزل عن التبعية ، وعلى قاعدة استقلالية القرار .
وفي حين تقف أحزاب الطرفين ضد هذا التوجه وهذا امر واضح لانستغربه ، بل تواجهه بشكل مدروس عبر وسائلها الإعلامية ، والاقلام التي يعمل أصحابها باجر مقابل ، فاننا نجد بين من نعتبرهم من الوطنيين المستقلين يستصعب هذه المهام بل يتطوع للترويج لاستحالة تحقيقها ، ويزرع بذور الاستسلام والخنوع بالوكالة ؟! .
أحاول أحيانا العودة بذاكرتي الى أيام كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ ( قبل نحو ستة عقود ) ، واقارن بين اجوائها حينذاك ، وبين مانعيشه اليوم لاتوصل الى النتيجة التالية : من ضمن المهام التي تصدى لها الكونفراس في ذلك الزمان تثبيت حقيقة وجود شعب كردي من سكان سوريا الأصليين ، يستحق تقرير مصيره في اطار سوريا ديموقراطية تعددية موحدة ، وتعزيز التوافق الوطني مع القوى الديموقراطية السورية ، وترسيخ علاقات الاخوة والتنسيق مع العمق الكردستاني بمعزل عن التدخل بشؤون البعض الاخر ، والتوسع في علاقات الصداقة مع حركات التحرر والتقدم العربية والعالمية ، ولاشك حققنا خطوات هامة ، وانجزنا الكثير بالرغم من اننا كنا نسمع أصواتا حتى بين صفوفنا أحيانا تعتبر ذلك نوعا من المغامرة ، وضربا من الخيال .
في المرحلة السابقة لم نتمكن من استكمال الخطوات اللازمة بسبب تكالب السلطة ، واختراق الحركة الكردية ، وفي الظروف الراهنة ولأسباب عديدة مازالت هذه المهام بانتظار اكتمال خطواتها النهائية ، ولن تتحقق الا بإعادة بناء الحركة على أسس سليمة ، وذا كان كونفرانس الخامس من آب قد شكل المنطلق النظري البرنامجي ، والعملي في منتصف القرن العشرين لمشروع انقاذ ، وتطوير الحزب ، وتعريف الشعب ، والقضية ، والسياسات ، فان مشروع حراك ” بزاف ” وفي بداية القرن الحادي والعشرين يشكل الرافعة الأساسية بهذا الصدد .
يجب الاعتراف بان التيار الموالي لاحزاب الطرفين واسع ومنتشر لانها تملك السلاح ، والأموال الكافية لدفع الرواتب ، ووسائل الاعلام ، ودعم قنديل ، واربيل ، والسليمانية ، وعدم معاداة النظام ، ولكنه هزيل من حيث النوعية ، ووقتي يفتقد شروط الاستمرارية ، وهو قسمان : واحد مع – سلطة الامر الواقع – والأخر مع – انكسي – ولكنهما يتوحدان ضد الوطنيين المستقلين في دعوتهم للمراجعة ، واعادة بناء الحركة الوطنية الكردية من خلال المؤتمر الجامع ، وتوحيدها ، واستعادة شرعيتها الشعبية .
الدعوة لاستقلالية القرار الوطني الكردي السوري المستقل من ابسط طموحات شعبنا ، ليست موجهة ضد استقلالية القرار لدى الاشقاء في أجزاء كردستان الأخرى وخصوصا في إقليم كردستان العراق الفيدرالي فشعبه يمارسها من دون اذن احد وهذا حق مكتسب لهم ، ، والذي تؤكد قيادتها دوما على خصوصية الحركة الكردية في كل جزء ، والدعوة الى صيانة الشخصية الكردية السورية لاتنتقص من قيمة الشخصية المستقلة في الأجزاء الأخرى ، والدعوتان تحملان في جوانب منها احترام حقيقة مصالح الأطراف ، وتباينها وتمايزها امام تلاطم أمواج الصراع بين الأنظمة في البلدان التي تقتسم الكرد ، وفي المنطقة عموما ، فهناك شئنا ام ابينا وفي ظل انعدام التوافق بين الأطراف الكردستانية ، بل استفحال العداء بينها على مستوى الأجزاء الأربعة ، وفي داخل كل جزء ، تضارب بالمصالح ، واختلاف بالسياسات ، ولناخذ المواقف السياسية الكردستانية الراهنة من : ايران ، وتركيا ، والنظام السوري على سبيل المثال ، فنظام طهران شريك نظام الأسد في قتل الشعب السوري ومن ضمنه الكرد منذ اندلاع ثورته وحتى الان .
الى الذين يتحسسون من فتح ملفات تاريخ الحركة السياسية الكردية السورية في مراحلها المتعددة أقول : نعم لايمكن إعادة انتاج الماضي بحذافيره ، بل يمكن الاستناد اليه لانجاز مالم يتم إنجازه منذ ستة عقود على الأقل ، مثل بناء وتوحيد وشرعنة الحركة السياسية الكردية ، وتطبيق حق تقرير المصير الكردي في اطار سوريا الديموقراطية التعددية الجديدة الموحدة ، وكذلك ومن المؤكد يمكن الاستفادة من دروسه الثمينة بلاحدود ، ففي تاريخ حركتنا صفحات ناصعة موضع الاعتزاز منذ اكثر من ثمانية عقود وحتى الان ، وليس كما تدعي أحزاب الطرفين ان التاريخ يبدأ وينتهي عندها .