عبدالله كدو
بعد مرور نحو سبعة عقود على تأسيس الحزب الأول.. الجذر للحركة الوطنية الكردية في سوريا، تتم مناقشة ترتيب الهياكل القيادية لأحزاب الحركة الكردية، بتوزيع الرتب والمناصب ما بين (الداخل والخارج) ذلك بناء على الموقع الجغرافي لأعضائها، بعد أن شهدت سوريا أكبر موجات النزوح واللجوء والهجرة في أعقاب الثورة السورية، لتشمل – تلك الموجات – الكرد بحزبييهم أيضاً، حيث أصبحت نسبة كبيرة من الكرد، وخاصة الشباب، خارج البلاد، ونظراً لأن سلطات الأمر الواقع، المسيطرة على البلاد المجزأة، مستمرة في انتهاك حقوق الإنسان، خاصة في ممارسة التضييق السياسي على النشطاء، بأشكال ونسب متدرجة، حيث لا تسمح (نظمها) الإدارية والقضائية والأمنية، القيام بأنشطة سياسية معارضة لها.
وهنا تأتي أهمية فكرة ضرورة التقاسم الوظيفي التكاملي في الأحزاب الكردية خاصة والسورية عامة، ذلك ما بين الداخل والخارج، علماً أن التواجد الأكبر، حالياً، للأحزاب الكردية يقع في المنطقة الخاضعة لسيطرة (الإدارة الذاتية) لحزب الاتحاد الديمقراطي pyd.
جدير بالذكر أن تواجد منظمات للأحزاب الكردية السورية خارج البلاد قديم، يعود إلى ما قبل الثورة السورية بعقود.
إلا أن ثمة حزبِيين كرد، من المقيمين في الداخل السوري، يفصحون، مؤخراً، عن طرح مفاده أنهم يتحملون الصعوبات الأمنية والمعيشية وغيرها، بسبب انتمائهم الحزبي، بينما أقرانهم، في أحزابهم ممن يقيمون في الخارج، يتمتعون بحياة مستقرة، فلماذا سيتم القبول بإشراكهم في القيادة حيث صناعة القرار السياسي الذي يرونه مرتبطا بحياتهم اليومية في الداخل.
أي يطالبون ببقاء القرار الحزبي في الداخل السوري حصراً، ليكون التواجد في الداخل شرطاً للترشح للقيادة، لأسباب يرونها تتمثل في :
1 – سهولة اللقاءات الحزبية الفيزيائية، بالتالي تحقيق أكبر تقارب في الآراء وإمكانية لحل المشاكل الحزبية، علما أن معظم الانشقاقات الحزبية التي كانت تنظيمية، إنما حدثت في الداخل، ذلك قبل وبعد الثورة السورية التي تسببت تبعاتها بخروج عدد غير مسبوق من الحزبيين إلى الخارج.
2 – هناك – وفق منظورهم – إمكانية كبيرة للسلطات للقيام باتهام حزبيي الخارج بأنهم يأتمرون بأوامر قوى خارجية، ليدفع حزبيو الداخل ثمن ذلك، فقد كانت سلطة النظام السوري – ولا تزال – ترحب بـ (معارضة الداخل) وتخوّن (معارضة الخارج).
هنا لا بد من الإشارة إلى أن سبب وصفنا الانشقاقات الحزبية الكردية بـ “التنظيمية ” هو أن الانشقاقات الحزبية الناجمة عن الخلافات السياسية نادرة في الحركة الكردية السورية، فالخلاف السياسي الأساسي الحقيقي في الأحزاب الكردية – كان ولا يزال – يتمثل في الموقف السياسي من السلطات المسيطرة ( الحاكمة) وكيفية ترجمته ميدانيا وإعلاميا ، ذلك ما بين تياريَن سياسيَين أساسيين في الحركة الكردية، أولهما تيار واضح في شعاراته، يركز نضاله ضد السلطات التسلطية المسيطرة، فتنبذه تلك السلطات وتراه سلبيا وصعباً في تعامله، لتمَسّكه بثوابته، وثانيهما تيار يعمل على صرف الأنظار عن الداخل السوري نحو الخارج، فتتفاهم تلك السلطات معه، أي مع التيار، وتراه إيجابياً.
أما بقية الخلافات الحزبية الكردية فهي تنظيمية، خلافات مردّها التدافع، ليتبوأ فريق معين مقاليد القيادة بإزاحة فريق آخر، أو ليستأثر فريق بالقيادة ضد الآخر، طبعاً في ظل غياب، أو تغييب، آليات ومرجعيات قانونية للاحتكام إليها، وغياب ” قانون للأحزاب” في الحركة الكردية.
لكن يجب أن لا يغيب عن أذهان الحزبيين، وأنصارهم وعامة الوطنيين الكرد السوريين، المنطلقين من المصلحة العامة بأن إقصاء حزبيي الخارج ينجم عنه خسارة أعداد كبيرة وربما نوعية، من السياسيين والحزبيين القدامى وغيرهم من مشاريع الحزبيين والسياسيين الجدد في الخارج، بالتالي خسارة إمكانات سياسية وإعلامية وديبلوماسية ومالية، وغيرها، من بين الحاضنة الكردية في الخارج، علما أنه يمكن تجيير الطاقات الكردية في الخارج لدعم وتثبيت الكرد، في الداخل، الذين يواجهون ـ في ما يواجهون ـ الفقر والبطالة وتبعاتهما التي تؤدي الى الهجرة.
فإن إقصاء حزبيي الخارج في ظل عدم امتلاك حزبيي الداخل القدرة الكافية للتعبير عن واقعهم الأليم، بسبب عنف سلطات الأمر الواقع، يُغَيّب التكامل ما بين الكرد في الداخل والخارج.
لكن ترى ، ما الأسباب الأخرى، المخبأة ما بين السطور، التي تقف وراء المطالبة بهذا الفرز الجديد ما بين الداخل والخارج؟.
1- بالنسبة للتيار الذي يشعر بأنه يتعرض لضغوط كبيرة من السلطات المتسلطة ويريد تخفيفها بطريقة ما، فإن إقصاء الخارج يسهّل له ترويض الداخل للالتزام بالخط الأحمر الذي ترسمه تلك السلطات، ذلك نزولاً عند المصالح الشخصية، على حساب توفير وتنمية الأدوات والأساليب اللازمة لاستمرار النضال الذي تمليه المصلحة الوطنية الكردية العامة.
2- إن نسبة معينة، من الدّاعين لإقصاء الخارج، هي من الأحزاب التي ترفض قياداتها المتنفذة القبول بتحديد فترة معينة للسماح لها للاحتفاظ بمواقعها القيادية، فإن حصر القيادة في الداخل يعزز من فرص استمرارها في مواقعها لآجال غير مسمى.