نظرة إلى ما وراء كواليس الانتخابات الرئاسية وتأييد صلاحية بزشكيان

 

نظام مير محمدي* 

 

خامنئي، مع التجارب التي اكتسبها من المقاطعة الواسعة في الدورتين السابقتين من انتخابات البرلمان، كان يسعى في انتخابات الرئاسة هذه المرة إلى تحقيق مشاركة أكبر من الشعب. ولكن، نظراً للمهلة القانونية المحددة بخمسين يوماً في دستور النظام لانتخاب رئيس جديد، لم يكن لخامنئي الوقت الكافي لتدبير الانتخابات. لذلك، أعطى الضوء الأخضر لمجلس صيانة الدستور لتأييد صلاحية بزشكيان الذي لا يشكل خطراً على النظام، وبذلك يظهر الانتخابات بصورة مزدهرة. خاصة وأن بزشكيان قد أعلن مراراً وبوضوح أنه منغمس في ولاية الفقيه ومطيع لأوامر خامنئي.
نظرة ولو مختصرة تكشف الحقائق وتظهر المسائل الخفية…
في الأيام 5 و 6 يوليو، بالتزامن مع الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في إيران وإعلان نتيجتها، عقدت جلسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في مقره المركزي بباريس.
الانتخابات الرئاسية للنظام التي واجهت مقاطعة شاملة، تعكس “لا” قوية للاستبداد الديني ورغبة الشعب في إسقاط النظام وإقامة جمهورية ديمقراطية.
مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة، وصفت هذه الانتخابات بأنها “تزوير مشين” وأكدت أن انتخاب مسعود بزشكيان كرئيس جديد لن يغير سياسات النظام القمعية.
كان بزشكيان قد أعلن في السابق التزامه القلبي والعملي بولاية الفقيه وسياسات خامنئي، وأشاد بقاسم سليماني، الذي وصفه بأنه “بطل وطني”، مؤكداً أن سياسات النظام لن تتغير. بعبارة أخرى، انتخاب بزشكيان يعني استمرار سياسات إبراهيم رئيسي وحسن روحاني، دون إمكانية للتغيير الجذري.
في جلسة المجلس الوطني للمقاومة التي استمرت يومين، قام الأعضاء الحاضرون بمناقشة الوضع بعد الانتخابات والمقاطعة الواسعة من الشعب، وأكدوا أن هذه المقاطعة تعكس فشل النظام في كسب دعم الشعب والتغلب على الأزمات المتزايدة.
المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يعمل منذ أكثر من أربعة عقود على إسقاط الفاشية الدينية الحاكمة في إيران، يعتقد أن نظام ولاية الفقيه سيواجه أزمات أكثر خطورة في مواجهة الانتفاضات المستقبلية للشعب الإيراني والعقوبات الدولية، مما يشير إلى تغييرات جوهرية في الأفق.
الوضع الحالي يعكس بؤس ومأزق النظام بعد وفاة ابراهيم رئيسي وجهود خامنئي للحفاظ على السلطة من خلال التزوير الانتخابي الكبير.
 
بأي ظروف جرت انتخابات رئاسة الجمهورية؟ 
أُجريت الانتخابات الرئاسية المبكرة في إيران في ظل ظروف متوترة للغاية بعد مقتل إبراهيم رئيسي وتحطم مروحيته في 19 مايو. تميزت الانتخابات بمقاطعة واسعة ومشاركة منخفضة، مما يعكس استياء الشعب العميق من نظام ولاية الفقيه. النظام يواجه أزمات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق، بالإضافة إلى العقوبات الدولية.
بحسب تقرير من داخل البلاد، شارك في الجولة الثانية من الانتخابات 5.5 مليون شخص فقط، أي 9% من الناخبين، بينما قاطع 91% منهم الانتخابات. التقرير استند إلى مراقبة 2000 مركز اقتراع في 248 مدينة و60 قرية في 31 محافظة، قام بها أنصار مجاهدي خلق لمدة 16 ساعة. إجمالي عدد الناخبين في المراكز المراقبة كان 188,480.
بناءً على هذه العينة، يُقدر أن العدد الإجمالي للناخبين في 58,640 مركز اقتراع هو حوالي 5.53 مليون، بما في ذلك الأصوات الباطلة وأصوات الذين اضطروا للتصويت. في جلسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وصفت مريم رجوي الانتخابات بأنها “مسرحية” تهدف فقط إلى إظهار الديمقراطية الزائفة للنظام. وأكدت أن المقاطعة الواسعة تعكس “لا” قاطعة ضد الاستبداد الديني ورغبة الشعب في إسقاط النظام.
 
ردود الفعل على تعيين بزشکیان كرئيس للجمهورية
أثار إعلان فوزه بمنصب رئيس الجمهورية ردود فعل متباينة داخل إيران وخارجها. تفسر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هذا الاختيار بأنه استمرار لسياسات القمع التي تنتهجها النظام. وفقًا للسيدة مريم رجوي، فإن هذا الاختيار يبرز الفشل والزحمة التي يواجهها النظام بعد وفاة رئيسه ابراهيم رئيسي، وجهود خامنئي للحفاظ على السلطة عبر التزوير الكبير في الانتخابات.
من جهة أخرى، يرون مؤيدو النظام وبعض المحللين أن بزشكيان يمكن أن يساهموا بفضل معرفتهم وخبراتهم السياسية في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. لكن هذا الرأي محاط بالشك والتردد بالنظر إلى سجلاتهم السياسية والوضع الحالي في إيران.
 
النتيجة: 
لا يمكن اعتبار تعيين مسعود بزشكيان رئيسًا للجمهورية نصرًا يؤدي إلى تغيير إيجابي وحل للمشاكل. هذه الانتخابات، بمشاركة منخفضة ومقاطعة واسعة من الشعب، تعكس عدم رضا عميق على اتمامية النظام. خاصةً أن مسعود بزشكيان أعلن التزامه بولاية الفقيه وسياسات خامنئي، ولذلك لا يمكن توقع تغييرات جذرية في سياسات النظام. سيواجه المستقبل السياسي لإيران تحديات كثيرة.
قالت السيدة مريم رجوي بشأن تعيين مسعود بزشكيان كرئيس لجمهورية جديدة: “مع الرئيس الجديد للنظام، لا يُمكن تصور تغيير في السياسات القمعية والعدائية التي ينتهجها خامنئي، ولا فرق بينه وبين رئيسي أو حسن روحاني وهم يمثلون وجهان لعملة واحدة. الواقع هو أن نظام ولاية الفقيه في مرحلة من الانهيار والرئيس الجديد لا يريد أو لا يمكنه أن يتخذ خطوة بسيطة نحو التغيير. بدلاً من ذلك، هذه الانتخابات تمثل بداية تفاقم أزمات فظيعة لحكم الأئمة. نظام إيران بسبب تورطه في مستنقع الحرب في المنطقة، هو خاسر استراتيجياً بالإضافة إلى عدم قدرته على حل مشكلة خلافة خامنئي وفشل النظام بأي حال من الأحوال، وتتوقع الثورة والانهيار في المستقبل”.
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…