صلاح بدرالدين
شاركت كممثل – للبارتي الديموقراطي الكردي اليساري في سوريا – في نحو خمسة مؤتمرات لجمعية الطلبة الاكراد في أوروبا ، بناء على دعوات رسمية ، وفي احد المؤتمرات الذي عقد في – برلين الغربية – وكما أتذكر عام ١٩٦٨ ان لم اكن مخطئا ، كان من جملة الضيوف ايضا : نوري شاويس – عضو المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ، و- دعبدالرحمن قاسملو – سكرتير حزبي ديموقراطي كوردستاني ايران – ومكرم الطالباني القيادي بالحزب الشيوعي العراقي – بالإضافة الى حضور اشخاص من غير المنتمين الى الحركة السياسية الكردية واتذكر من بينهم – علي قازي – نجل رئيس جمهورية مهاباد – الشهيد قازي محمد ، الذي تعارفنا حينها ، من دون ان اعلم موقعه ووظيفته .
وفي يوم اختتام المؤتمر جاءني الشهيد د قاسملو وابلغني ان ( كوري رةش ) أي الولد الأسود حيث كان معارف – علي قازي – من كرد ايران يطلقون عليه هذه التسمية وعلى الاغلب تحببا ، يدعوك الى تناول العشاء في منزله ، ثم اردف ان علي هو القنصل العام لإيران في برلين الغربية ، فاصبت بالدهشة والذهول وتساءلت : نظام الشاه اعدم والده فكيف به يخدم ذلك النظام ؟ ثم انتم – والكلام موجه لقاسملو ضد النظام ومعارضون ، وملاحقون فكيف ستحضرون الى منزل القنصل الإيراني ؟ ابتسم د قاسملو وقال جميع ممثلي ومندوبي الأحزاب الكردية بالمؤتمر مدعوون ، ومن ضمنهم أعضاء الهيئة الإدارية الجديدة ، ونحن نتعامل مع علي كشخص ، وابن بيشوا قازي وليس بكونه قنصلا إيرانيا ، طبعا لم اقتنع بجوابه ولكن استجبت لدعوته وذهبنا سوية الى المنزل ، الذي حضر اليه الجميع .
طالت السهرة ، وتحدث الي المضيف مطولا بمودة بالغة ، وكان متكلما لبقا وفي غاية التواضع ، مستفسرا عن أوضاع الكرد السوريين ، والحركة السياسية ، ثم وقبل ان نغادر منزله اكد على اننا سنلتقي مرة أخرى قريبا ، وكنت حينها أقيم بشكل مؤقت ببرلين الشرقية ، واتردد الى برلين الغربية للقاء رفاقنا في منظمة برلين ، واصدقائنا ، حيث كان لحزبنا هناك تنظيم واسع ونشط .
لم يمضي أسبوع على لقائي مع – علي قازي – حتى اخبرني احد الأصدقاء ان الأخير يبحث عنك وترك نمرة تلفونه من اجل ان تتصل به لامر هام ، واتصلت وطلب مني بإلحاح اللقاء في اليوم التالي ببرلين الغربية ، فالتقينا بالوقت المتفق عليه ، ثم اخبرني التالي : مسؤول إيراني كبير حضر من طهران خصيصا للقاء بك ، فاجبته : كاك علي انا لم اطلب ذلك ، ولااستطيع الا بعد اعلام رفاقي خاصة واننا لاننظر الى نظام الشاه كصديق ، فكيف ساجتمع مع شخصية رسمية من ذلك النظام ؟ فأجاب : هذا النظام صديق للكرد ويساعد الثورة الكردية في كردستان العراق ، واعتقد يريدون مساعدة كرد سوريا ، ثم اجتمع به بشكل غير رسمي بل بصفة شخصية ، وان امتنعت سيؤثر ذلك علي سلبيا ، ثم ابلغته بعد تفكير طويل فليكن .
في اليوم التالي التقيت به وبحضور علي قازي الذي ترجم الحديث المتبادل ، فبدا يسال عن كرد سوريا واحوالهم ، وسياسة حزبنا ، وموقفه من النظام السوري ، وتعاطفهم مع الكرد السوريين ، وان لهم أصدقاء كرد سوريين وذكر اسم المرحوم د عصمت شريف وانلي ، كما تناول بشكل مفصل أوجه دعم ايران للثورة الكردية بالعراق ، وبالاخير قال : هل لديكم كحزب استعداد للقيام بعمليات ضد النظام السوري ؟ فاجبته أسلوب نضالنا سياسي مدني ، ومن المستحيل ان نغامر بحمل السلاح لان ذلك سيكون وبالا على شعبنا ، واردف : اذا كان لديكم رغبة في ذلك لانه حسب معلوماتنا حزبكم له شعبية واسعة بين الكرد ، فسنقدم لكم كل المستلزمات من أموال وسلاح وعتاد ، وان وافقت الان سنبدأ المساعدات على الفور ، وان ترغب في استشارة رفاقك فنحن بانتظار الجواب ، فاجبت : بكل الأحوال اشكر عرضك ولكن لا اعتقد بانك ستسمع الان وبالمستقبل أي جواب حول استعدادنا لتنفيذ ماتطلبه في مناطقنا ، وفي سوريا ، ثم حصلت دردشة سريعة عندما سال عن معنى كلمة اليساري في اسم حزبنا ، فاجبته بصراحة ووضوح عن فكرنا وكوننا جناح يساري ديموقراطي في الحركة الكردية السورية ، فكان شرحي بمثابة استفزاز له كما اعتبر هو ذلك ، وسمعته يقول بالفارسية لعلي عني : (کمونیست سرسخت ) اي شيوعي صعب ، وانتهى اللقاء بمنتهى البرود ، ولكنه كرر انتظاره الجواب .
في حقيقة الامر لم يكن المرء يحتاج ان يكون شيوعيا حتى يعتبر نظام الشاه معاديا للديموقراطية ، وحقوق الانسان ، وحقوق شعوب ايران وفي المقدمة الشعب الكردي ، فكل انسان وطني صادق يحب شعبه بامكانه معرفة تلك الحقائق عن نظام الشاه البائد .
طبعا لم يتم تعريف هذا المسؤول بالاسم قبل المحادثات ، ولكنني لاحظت من هندامه ، وكبر سنه انه في موقع مرموق بنظام بلاده ، وبعد الانفراد ب – علي – سالته عن هوية الرجل فأجاب : انه الشخص الاهم في قمة الهرم ، انه ” الجنرال نعمت الله نصيري ” رئيس جهاز – السافاك – ، وكان من جملة الذين تم اعدامهم عام ١٩٧٩ كما علمت عبر وسائل الاعلام .
من الواضح ان النظام الإيراني – نظام الشاه – حينها كان معروفا بتبعيته المطلقة للغرب وامريكا على وجه الخصوص ، وجزء فاعلا في الصراع خلال الحرب الباردة ، وكان يطلق عليه – شرطي الغرب – بالمنطقة ، ولذلك ناصبوا العداء لبعض الأنظمة العربية القريبة من الاتحاد السوفيتي وبينها نظام دمشق قبل سيطرة حافظ الأسد ، الذي ماان قام بحركته ( التصحيحية ) عام ١٩٧٠ ، وبسط سيطرته على مقاليد السلطة حتى اقام افضل العلاقات مع نظام الشاه ، ومن بعده نظام الخميني .
هل كان لهذه الواقعة علاقة بماحدث لحزبنا في ١٩٧٠؟
بعد عامين من لقاء – نصيري – في برلين الغربية ، دعيت على راس وفد من حزبنا الى المؤتمر الثامن للحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ، والقيت كلمة تضمنت انتقادا لنظام ايران لموقفه المعادي لكرد ايران ، ونضالهم التحرري وذلك انطلاقا من موقف حزبنا السياسي ، والتي خلقت إشكالية كبرى لم نكن نتوقعها ، واخبرني الزعيم الراحل مصطفى بارزاني بعد ان استدعانا مع الرفيق المرحوم – محمد نيو – الى – مقره بحاجي عمران – ان الإيرانيين قدموا احتجاجا رسميا حول كلمتي ، وبعد ذلك كنا ننتظر عقد مؤتمر توحيدي لكرد سوريا ، وتم الاتفاق مع الزعيم الراحل مصطفى بارزاني على ان يكون المؤتمر من اجل حشد الكرد السوريين لدعم حزبنا وسياسته المتضامنة مع الثورة الكردية ، ولكن وفي غضون أيام قليلة قبل عقد المؤتمر حصلت تطورات غير مرئية ، وفي غاية التكتم لم نكن نعلمها الا يوم الافتتاح ، عندما سارت الأمور بعكس المتفق عليه ، وكنت لاحظت عدم الارتياح على محيا الراحل ادريس بارزاني ، الذي لم يكن موافقا على تلك الاستدارة ، التي جاءت حسب كل التقديرات نتيجة الضغوط الإيرانية ، وعبر مسارات امنية ، ولحرصنا الشديد على مصالح الثورة ، وإنجاز الحكم الذاتي ، واحترامنا لمقام الراحل بارزاني لم نخلق مشكلة مع الاشقاء ، وسكتنا على مضض بشكل عام كحزب ، ولكن بعض رفاقننا لم يخفوا اسفهم ، وتاثرهم ، والبعض منهم كتب بصراحة في – كراس – مذكراته مثل رفيقنا القيادي – محمد نيو – ، في جميع الأحوال يبقى حدث – مؤتمر ناوبردان – التوحيدي عام ١٩٧٠ تجربة هامة تتعلق بالكرد السوريين ، وبمفاهيم العلاقات القومية ، وحاضرها ، ومستقبلها ، وهو ملك للحركة الكردية السورية ، وقد يكون مثار اختلاف في قراءته ، ولاشك يستحق الدراسة ، والتقييم .
لابد من القول ان صديقنا – علي قازي – لم يكن سعيدا بالنتيجة ، وكان من مصلحته تحسين علاقات نظام بلده الذي هو جزء من سلطته مع سائر الحركات الكردية بالمنطقة ، ليتعزز مكانته اكثر في اعين رؤسائه ، ومايتعلق الامر بي فلاشك لست نادما على الموقف الذي اتخذته لان سلامة شعبي اهم من أي شيئ آخر .