صلاح بدرالدين
في زيارته الأخيرة الى تركيا صرح رئيس الوزراء العراقي – محمد شياع السوداني – ” إن بغداد تقوم بدور وساطة بين أنقرة ودمشق، وتوقع حصول بعض الخطوات الإيجابية في هذا الصدد قريبا.السوداني أضاف بأنه على اتصال مع الرئيس السوري بشار الأسد وكذلك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن جهود المصالحة ، وأشار السوداني إلى دور بلاده في اتفاق التطبيع بين طهران والرياض، وقال: نحاول التوصل إلى أساس مماثل للمصالحة والحوار بين سوريا وتركيا”.
علاقات بغداد – طهران – دمشق (محور الممانعة)
ليس سرا ان الحكومات العراقية المتعاقبة وقفت الى جانب النظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١ ، بل أصبحت طرفا ضد إرادة غالبية السوريين ، وبايعاز من حكام طهران تحول العراق مصدرا لتمويل نظام الأسد ، ومده بكافة اشكال المساعدات الاقتصادية ، والعسكرية حيث ميليشيات الحشد الشعبي وخصوصا ( عصائب اهل الحق وحزب الله العراقي وقوات بدر وغيرها ) تقاتل الى جانب جيش الأسد ضد الثوار السوريين بمختلف المناطق ، وتشارك في مخططات تغيير التركيب الديموغرافي في العاصمة ومدن سورية أخرى ، كما ان بغداد تشترك في تحالفات امنية الى جانب طهران ، وموسكو ، ودمشق ، كما ان العراق يعتبر الممر الأهم للمساعدات الإيرانية لسوريا وحزب الله اللبناني ، بمافي ذلك الأسلحة ، ومسلحو الميليشيات المذهبية الاتية من ايران .
ولم يعد خافيا ان نظام طهران – الامر الناهي – في كل العراق ، والمسيطر على مصادر القرار منذ عقود ، والذي يشكل الحكومات العراقية ، ويشرف على سياساتها ، ويسيطر على المفاصل الأمنية ، والعسكرية ، وحتى القضاء في كل العراق بما في ذلك مناطق في إقليم كردستان ، كان قد امر العراقيين منذ اندلاع الثورة السورية بعدم التعرض لقوافل مسلحي – ب ك ك – المتجهة الى سوريا عبر مناطق دهوك – زاخو او من خلال معبر – ربيعة – بل وجوب تسهيل مرورها ، وكانت حكومة الإقليم قد تعرضت الى ضغوط هائلة بخصوص الموقف من القضية السورية ، ومسالة تواجد المعارضين الكرد السوريين ، والإيرانيين في مناطق الإقليم ، والحاصلين منهم على الجنسية العراقية ، والإقامة حيث تردد في بعض الأوساط غير الرسمية عن حرمان نحو – ٦٠ – الف عائلة من حق الجنسية العراقية المكتسبة ، مما لم تؤكد ذلك حكومة الإقليم حتى الان .
زيارة دمشق
قبل التوجه الى تركيا كان رئيس الحكومة العراقية قد وصل – أربيل – واجتمع مع القيادات العليا بالاقليم ، ثم انطلق من هناك نحو بغداد – ثم الى دمشق ، واجتمع مع راس النظام في محادثات مغلقة ، لم يصدر منها إعلاميا سوى بيان دبلوماسي عام .
وساطات بالنيابة
من الواضح ان كل ماتقوم بها حكومة السوداني من وساطات بين طهران والرياض او دمشق وانقرة ، تتم بايعاز مباشر من نظام ايران ، وهي ليست في موقع مؤهل للقيام بادوار اكبر منها بكثير ، وبدلا من معالجة قضايا العراق الداخلية المستعصية التي تعجز حكومة السوداني لمعالجتها تتوجه نحو الخارج هروبا الى الامام ، لماذا لاتبذل جهودها مثلا لحل الازمة بين المكونات العراقية ، وتطبيق الدستور ، وحل الخلافات بين أربيل وبغداد بخصوص المناطق المتنازعة ، وكركوك ، ومستحقات الإقليم المالية ، ومسائل النفط والغاز ، لماذا لاتعالج مشكلة التبعية المطلقة لطهران ، وتعزيز الاستقلال ، والسيادة ، والسيطرة على حدود العراق الدولية مع ايران وتركيا وسوريا ؟ للأسف هذه الحكومات العراقية المتعاقبة تحارب الشعب السوري بالنيابة عن ايران عبر الميليشيات ، وتعادي شعب كردستان بالنيابة اذا اقتضت الأوامر ، وتوقف المستحقات المالية تنفيذا لاوامر طهران اذا دعت الحاجة ، وتقوم بالوساطة أيضا بالنيابة وهكذا .
من اهداف الوساطة
الموقف الرسمي والعملي لحكومة بغداد واضح جدا في دعم نظام الأسد ، وكل ماتقوم به في مجال – الوساطة – ستصب في مجرى مصالح النظامين السوري والتركي ، وبالضد من مصالح الشعب السوري ، وعلى حساب القضية السورية ومن ضمنها القضية الكردية السورية ، واهداف الثورة المغدورة ، وقد تشكل هذه المساعي محاولة إيرانية لقطع الطريق على اية حلول دولية تراعي مصالح السوريين بالمستقبل ، لان تلك الحلول المحتملة وبغض النظر عن مضمونها ستكون على حساب التواجد الإيراني بسوريا والمنطقة ، كما قد تكون جزء من الصراع الدولي والإقليمي المحموم والمنتظر لنتائج حرب إسرائيل – حماس على الأرض.
عودة الى تاريخ الوساطات – المبتذلة –
عرف عن الدكتاتور الروماني – نيقولاي تشاوجسكو – انه كان مغرما بوساطات من هذا النوع ، ففي وقت كان بلده في عصر مظلم ، وشعبه يعاني الفقر ، والحرمان من الحريات الديموقراطية ، وفي وقت لم يكن على وئام مع شعبه ، وبدلا من التصالح معه كان يطرح نفسه – حكيما – لاصلاح ذات البين بين دول وشعوب في الشرق الأوسط والعالم ، محاولة منه لاستمرار حكمه ، وفرض نفسه ، والاستفادة العائلية من تلك الوساطات ، ولكن حساباته كانت خاطئة ، ومالبث ان ثار عليه شعبه ، وحاول الهرب مع زوجته ولكنه وقع بايدي معارضيه ، وحوكم ميدانيا بالاعدام ، من دون ان تسعفه كل وساطاته .