في التاسع والعشرين من شهر ايار لعام 2005 تأسس تيار مستقبل كردستان سوريا كمشروع نهضوي، ثقافي، سياسي، على يد كوكبة من شباب الكرد وفق اسس قبول الاختلاف، والتعايش مع الاخر، ورفض الوحدانية، وتجسيد التعدد، بعيداً عن حالات الخنوع والتسويف واللا فعل، ورفض الفصل بين المسالة القومية الكردية ومسالة الديمقراطية في سوريا، في قطع معرفي، ثقافي وسياسي، مع التقاليد القروية التي زرعها القمع السلطوي الذي شكل بيئة خصبة لانتعاش قيم العشيرة والقبيلة السياسية، وطمس الهوية القومية الكردية.
واليوم بعد تسعة عشر عاماً نجدد قناعتنا الراسخة بتلازم المسألة الديمقراطية والحقوق القومية الكردية . فما يواجه شعبنا الكردي اليوم من تحديات مصيرية يستوجب من احزابه وقواه السياسية والمدنية حراكاً واسعاً واليات مختلفة في بنيتها وعملها، بحيث تكون معيارية التوجه والسلوك، هي المعيارية الوطنية، ذات الأفقية المجتمعية، وملامسة هذا الوجود بكل جرأة وشفافية على صعيد الاعتراف بمكونات المجتمع السوري القومية والاثنية،
وفي هذا السياق لا زالت الحركة الكردية منقسمة على نفسها، وغير قادرة على الخروج من شرنقة الكردي إلى فضاء الوطن والشعب، فالمجلس الوطني الكردي لم يرتق دوره الى المأمول في الائتلاف، وفي العلاقة مع الدول المتدخلة في الشأن السوري، كما غابت عن رؤيته القومية وبرنامجه الوطني اليات التطبيق والعمل، في حين ان حزب الاتحاد الديمقراطي منهمك بتطبيق مشروعه في “الادارة الذاتية” و”الامة الديمقراطية”، وفي الاطباق والسيطرة على جميع المناطق والمدن التي بحوزته عبر بناء النظام الأمني، هاجسه المتوحد في ذلك السيطرة والنهب، وممارسة المزيد من القمع الداخلي، وخنق الحياة العامة، ناهيك عن دهس الحريات، وتعميم الرعب والخوف عبر حرق المكاتب، وانتهاج سياسة الاختطاف والاعتقال والتعذيب، وتحويل الناس الى مجرد أرقام وحواضن لرؤاه واحتياجاته البشرية والمادية، وهي سياسة ممنهجة تعمم الفقر والعوز، وتدفع للهجرة والهامشية، مثلما تؤسس للعنف والتدمير والانفجارات غير المحسوبة النتائج. ناهيك عن أنه لم يستطع حتى تاريخه التحرر من نواظمه وثوابته الايديولوجية والأصولية، والعمل فوق خصوصية الجزء الكردستاني الملحق بسوريا…. !
وعلى صعيد الأطراف خارج هذين الإطارين لا زال العقل الحزبي يعاني الانقسام والتقوقع والارتباك وغير قادر على القيام باي فعل او الضغط باتجاه تشكيل رأي عام لمصلحة الشعب الكردي رغم ان المرحلة تقتضي خطابا سياسياً وقومياً موحداً .
وفي مناطق الاحتلال التركي (عفرين- سري كانيه – كري سبي ) فان ما يخطط له قد يكون المخفي منه أعظم مما يظهر، حيث تسعى الحكومة التركية على بعثرة المكونات الوطنية واستعدائها لبعضها البعض، واطلاق يد المجموعات المسلحة للعبث في المنطقة ونهب مقدراتها، وهي سياسة تنسجم مع مجمل سياسة تركيا الأمنية الداخلية والخارجية تجاه الشعب الكردي عبر اقامة حزام عربي على طول الحدود التركية – السورية بهدف طمس وجوده وتغيير ديموغرافية المناطق الكردية ، ومحاولة خنقها اقتصادياً، ومنع عودة الاهالي اليها، واستكمال مشاريع الاستيطان في مناطقه، وتهديد الكرد بالاعتقال والسجن بتهمة الانتماء او التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وكلها عناوين تستهدف الكرد في ارضهم ووجودهم، وهي لا تخدم مستقبل سوريا، ولا تعايش مكوناتها، بل تؤسس لزرع بؤر تفجيرية، ستكون وبالاً ليس على الكرد فقط، بل على سائر مكونات الشعب السوري، ما يستدعي الانتباه والتدخل لما يزرعه الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة من متفجرات أثنية وطائفية في المستقبل .
وبالرغم من عدم التزام ب ي د بالاتفاقات السابقة مع المجلس الوطني الكردي، وسعيه الدائم بالتصعيد وممارسة كل أشكال العداء معه ومع أحزابه ، فإننا نؤكد على ضرورة استعادة الحوار الكردي الذي جرى برعاية الولايات المتحدة الامريكية، وندعو الى استئنافه من النقطة التي توقف عندها . فبدون التوافق الكردي لا يمكن ان يحقق الكرد في سوريا الجديدة طموحاتهم واحلامهم .
ومنذ العام الفائت (قمة جدة) يعيد النظام السوري ترتيب أوراقه مع محيطه العربي، ويجدد تحالفه مع إيران، لكن هذه المرة من موقع الضعف والاستقواء، كما يصم آذانه عن متطلبات الداخل السوري والمجتمع الدولي على حد سواء، بل يعمد وكعادته إلى المناورة وتمييع القرارات الدولية واجهاضها، وخاصة القرار 2254 غير أبـه بما يعانيه الشعب السوري من ويلات وماسي، وفي مواجهة ذلك، لا زال الائتلاف الوطني غير قادر على الخروج من محنته، ومصادرة قراره، ومن السيطرة على مجموعات الجيش “الوطني” في عفرين وجرابلس وسري كانيه ، فلازال يبحث له عن موطئ قدم في الداخل، دون القدرة على ان يقود حراكاً منظماً لتجميع طاقات الشعب السوري المبعثرة، وتوظيفها في مواجهة النظام الاسدي .
اخيراً لا يسع تيار مستقبل كردستان سوريا الا ان يدعم حراك السويداء ومطالبه المحقة و أن يؤكد بهذه المناسبة على ان سوريا التي يسعى اليها هي ديمقراطية علمانية تعددية لامركزية، بحيث يكون فيها القانون والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، عنوانا للتعايش المشترك، على أرضية التعدد القومي والديني، كي يمارس الجميع حقه في الحرية والحياة، وفق خصوصيته القومية ولغته وثقافته ضمن إطار عمومية الحالة السورية، التي لا نجد بديلا عن تشارك أبنائها في بنائها، والحفاظ على تركيبتها المتعددة بالضد مما فعله الاستبداد والعقل الأمني .
اننا إذ نطوي السنة التاسعة عشرة من عمر التيار. فإننا نجدد العزم على النهوض بالوعي الثقافي والسياسي لشعبنا الكردي في سوريا، وصولاً إلى مستوى الوعي الجمعي القومي، غير المتحزب وغير المؤدلج، وإنما الوعي الإنساني، المستند إلى احترام الإنسان في وجوده وحياته وحقوقه .
تحية الى ارواح شهداء تيار مستقبل كردستان سوريا مشعل التمو وانور حفتارو ومصطفى خليل.
تحية الى اعضاء التيار، وخاصة المؤسسين، والشهيدين الحيين رفيقة الدرب، الوفية لقيم النضال والحرية زاهدة رشكيلو ومارسيل مشعل التمو
تحية الى شهداء كردستان وسوريا
وكل عام وشعبنا ووطنا بألف خير
تيار مستقبل كردستان سوريا
الهيئة التنفيذية
قامشلو 29-5-2024