خارطة طريق، ام تكريس للمناطقية….!

اكرم حسين
تنويه لابد منه :
في  السياق العام، وفي ضوء ما يمكن ان نستخلصه من تحديات  بسبب الانقسام والتشرذم، وكنتيجة للمأزق السياسي الذي  تعيشه اغلب احزاب الحركة  الكردية في سوريا، دون التوصل الى تفاهمات سياسية شاملة على ضوء حقائق ووقائع السيطرة المحلية والاقليمية والدولية – لا يمكننا ان نتجاهل بالطبع اهمية الانجازات التي حققتها الحركة – عبر فرض واقع جيو – سياسي جديد، وفي ضوء حاجة الكرد في سوريا لدفع مشروع الحل السياسي السوري الى الامام عبر خطوات استراتيجية، ورغم تفهمنا الدوافع القومية والوطنية لمبادرة السيد شاهين الاحمد السياسي والكاتب الكردي السوري وعبر صفحته الشخصية – الجزء الاول – عن طرح خارطة طريق لتقليص عدد الاحزاب الكردية في سوريا، وابداء رغبته في مناقشتها وتبيان الآراء حولها ..! واسهاماً في الحوار وتعميق النقاش جاءت هذه المقاربة السريعة التي لا تتنزه عن النواقص، ولا تتعالى على المعرفة لذا اقتضى التنويه .
  بدايةً يتساءل الكاتب ” ما مدى حاجتنا كحراك حزبي كوردي في سوريا للمكاشفة والاعتراف بالأخطاء، والاستعداد للوقوف بكل جرأة لدراسة مسيرة حراكنا الحزبي في المرحلة السابقة بكل تفاصيلها ” وبهذا يستعيد السؤال – القديم- الجديد – الذي يتجدد في كل مرحلة سياسية بتجدد مأزق الحراك الحزبي الكردي في سوريا، وبالتحديات التي تواجهه نتيجة جملة من العوامل الذاتية والموضوعية، ومنها واقع التبعية ومفاعيلها في منع ظهور قيادات تاريخية فاعلة ذات وزن وتأثير في الشارع الكردي السوري، وتخلف وعيها السياسي و تأخر اساليب نضالها، وعدم انفتاحها على المجتمع السوري وعلى المجتمع الدولي الا في  السنوات الاخيرة، وما سنح من فرص  بعد محاربة داعش ودحره، والمشاركة في اطر المعارضة الرسمية وخاصة الائتلاف رغم كل ما يمكن ان يقال حوله . اضف الى ذلك موجة العداء والشوفينية التي كرسها النظام البعثي في وعي الشعب السوري، وخاصة “فزاعة”  الانفصال، وزج العديد من الكوادر الحزبية في السجون والمعتقلات تحت حجج وذراع (الانفصال واقتطاع جزء من الاراضي السورية والحاقها بدولة اجنبية ”  رغم نفي الاحزاب المتكرر، وتأكيداتها المستمرة على ان القضية الكردية في سوريا هي قضية وطنية بامتياز لا تحل الا عبر الحوار، والتفاهم في اطار الوطن السوري.  لم ترفع الاحزاب الكردية السلاح يوماً في وجه السلطة او تدعو للإطاحة به. بل كانت تناضل من اجل الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي وتعزيز الديمقراطية في سوريا .
 يعتقد الاحمد ويقر ” بان الواقع الذي يعيشه الحراك في الوقت الحالي هو الاسوأ ” – في اجابة قطعية لا تدعو الى الشك او النقاش في خيارات بديلة او ان يكون هناك بصيص امل لواقع قد يكون الاسوأ بالنسبة له، لكنه قد لا يكون كذلك بالنسبة للأخرين ، وقد يكون “الاجود” و ” الافيد”  وخاصة ممن استطاع ان يبسط سيطرته وان يستحكم بإدارة بعض المناطق في سوريا – وان يفرض واقعاً جديداً رغم كل “السوء” الذي يشاهده – الاحمد- وما احدثته الثورة السورية من تغيير في القيم والاخلاق والسلوك لتتموضع الحركة الكردية في سوريا عبر تيارين لا ثالث لهما بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع هذا وذاك، وهما المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي الذي يتبنى كل منهما نهجاً وفلسفةُ واسلوباً مختلفا ًفي مقاربة الحقوق القومية الكردية، وفي طريقة اقتناص الفرص، وفي ادارة الصراع ايضاً.
 ووفقاً لقراءة – الاحمد – فان المرحلة تتطلب التحرك وفق خارطة طريق واضحة وواقعية لإخراج الحراك من حالته المزرية واعادة الاعتبار له من جديد كممثل لشعبنا الكردي في كوردستان سوريا واخراجه (الحراك)من دوامة الصراعات من المحاور الكوردستانية، واعادة الاعتبار للشخصية الكردية بخصوصيتها السورية، ويعلم هنا – الاحمد- تمام العلم  بان خارطة الطريق التي طرحها في نهاية مقاله عبر (عودة الفروع الى الجذور) غير ممكنة، وليست واقعية، ولن تجد اذاناً صاغية الا على الصعيد النظري، وهي كمن ينفخ في قربة مثقوبة. فلا يمكن لمن قسّم حزبه وانقسم على نفسه كي يتربع على راس الهرم ولو على صعيد الشكل ان يتنازل بمجرد اقتراح او نصيحة او دعوة ؟  كيف السبيل الى اخراج الحراك من حالته المزرية ومن دوامة الصراعات بين المحاور الكردستانية ؟  ما هي وسائل الضغط والقوة التي يملكها  للحد من التدخلات الكردستانية، وهنا اقول “الحد ” لا “الاخراج”  لان ذلك شبه مستحيل، وفيه اضعاف للحركة الكردية السورية – بعد ان باتت هذه المراكز تتحكم في كرد سوريا بطرق واساليب مختلفة ؟ الم يكن تيار مستقبل كردستان سوريا قد تأسس من اجل ذات الاهداف – الاستقلالية وبناء الشخصية الكردية في اطار الوطنية السورية – لكنه دفع الثمن غالياً بسبب سياساته المستقلة، ومحاولاته في تكريس خصوصية كرد سوريا، وهنا لا بد ان نتساءل ما هي الاسس والمعايير العملية الملموسة التي يجب ان يبنى عليها الحراك الجديد ؟ وكيف يكون عصرنة الخطاب في الاداء، وفي الممارسة بعيداً عن التنظير واللعب بالكلمات ؟ بينما التابعية اخترقت ذواتنا وافكارنا بسبب سيطرة الفكر الديني والابوي، وسيطرة نمط الانتاج الاقطاعي الذي لا زالت تسير فيه مجتمعاتنا نتيجة الطبيعة  الكولونيالية لمجتمعاتنا، فالتحرر منه يحتاج الى نمط انتاج جديد (رأسمالي) والى ثورة ثقافية والى رواد نهضويين حقيقين لم يزخر بهم مجتمعنا بعد …!
كيف السبيل الى تشكيل المرجعية الكردية بعد فشل معظم الاتفاقات التي وقعت بين المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي رغم رعاية الزعيم مسعود بارزاني، وفشل الولايات المتحدة الامريكية في احراز تقدم بعد الاتفاق على الوثيقة السياسية والمساعي المتواصلة من قبل المجتمع الدولي ؟
الم تتعثر الوحدة التي قامت بين عدة احزاب عام 2014 وتشكل منها الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا ؟ كيف يكون القرار الكردي السوري مستقلاً والحالة العاطفية هي التي ما زالت طاغية على الاسس والمعايير والسلوك الذي كان مغيباً طوال مسيرة الحراك بمكوناته المختلفة، وصولاً الى الترهل والضعف والشللية والتكتلات، وتغليب الصراعات الثانوية على الصراعات الرئيسية، واستخدام الاحزاب والاطر كمنصات من اجل المصالح الشخصية والعائلية ؟ كيف سيبنى حزب مؤسساتي في مرحلة القمع والاستبداد والسرية ؟  والكرد لا زالوا في مرحلة التحرر الوطني والدفاع عن الوجود ؟
لا يغفل السيد شاهين الاحمد  – وهنا لب المقال – عن طرح المناطقية التي تعالت اصواتها مؤخرا – خاصة في عفرين وبصورة اقل كوباني-، وعن حرمان مساحات واسعة من التواجد الكردي السوري من حقه في التمثيل العادل في المحطات الحزبية وهو طرح غير واقعي – رغم ضرورة مراعاة ذلك بشكل نسبي – لان ذلك  سيؤدي الى انقسام مناطقي كردي – غيتو – وفق خصوصية هذه المناطق وحاجاتها المتباينة  ما يهدد بتفكيك المنطقة الكردية كوحدة جغرافية متصلة، وحرمانها من حقها في أي شكل من اشكال الادارة او الحكم الذاتي، والحاق المناطق المجزأة الى مناطق ذات اكثرية عربية مما يفقد الكرد حقهم في التمتع بإدارة انفسهم، واعتقد بان هذا الطرح المناطقي لا يخدم وحدة الكرد، ولا مستقبل الوجود القومي الكردي في سوريا، وسيضع مستقبل حل قضيتهم – كجماعة بشرية – في دائرة الاستهداف…!
لا بد عند تقديم الاقتراحات والحلول ان ننطلق من الممكنات التي تفرضها الوقائع العيانية الملموسة، ومن موازيين القوى الفعلية لا من الافكار والنظريات التي لم يعد تطبيقها ممكناً لجملة من الاسباب والوقائع وهي ما دفعت – الاحمد – الى التأكيد على ان الشعب الكردي جزء من التركيبة الاجتماعية السورية بكل تفاصيلها، والى ان يتحدث عن وسائل الانتاج وغياب الطبقات، ولا ندري لماذا تطرق بجمل قليلة الى هذا الجانب الذي نعتقد بأهميته رغم تأكيده على ان هذه المساهمة لا تحمل في طياتها هذا الجانب ؟.
يعود ويؤكد الكاتب في نهاية دعوته الاحزاب والكيانات والمنصات والاطر …الح الى العودة الى الجذور، والمدرسة الحزبية التي انطلق منها او انشق عنها، وهو يعلم بالعين المجردة بانها دعوة غير واقعية ومستحيلة، وهناك ثمة من المتضررين على الصعيد الحزبي، وفي مقدمتهم رؤساء الاحزاب وقاداتها الذين باتوا بفضل الانشقاق قيادات بحكم الامر الواقع لا يمكن لهم ان يقبلوا بها، وسيضعون الاحجار الكبيرة في طريقها باي شكل من الاشكال  …!
ان مسألة عودة الفرع الى الاصل، وتشكيل خمسة احزاب رئيسية، ومن ثم التحاور لتشكيل مرجعية يحمل في ثناياه نزعة ذاتية ورغبوية لا يمكن لها ان تتحقق في الشروط الحالية. لأننا لم نشهد حزباً نقطياً واحداَ انشق عن حزبه ثم عاد اليه ؟ والسؤال الذي يحرق اللسان لماذا لم يطالب – الاحمد –  مثلاً بوحدة احزاب المجلس الوطني الكردي كتيار سياسي وتنظيمي يسير على خطى نهج البارزاني ؟ ولماذا لا يطالب بوحدة احزاب حركة المجتمع الديمقراطي والادارة الذاتية ما دامت هي الاخرى تتبنى فلسفة عبد الله اوجلان ؟ بعد ذلك يمكن دخول الطرفين في حوار حقيقي بهدف التوصل الى صيغ تحالفية، وتشكيل مرجعية كردية تتفاعل مع المحيط السوري ومع اطراف المعارضة المختلفة تلك التي تقر وتعترف بحقوق الشعب الكردي، وتؤمن بالحل الديمقراطي سبيلاً وحيداً لبناء سوريا ديمقراطية لامركزية علمانية تعددية على اسس المواطنة المتساوية وحقوق المكونات وهذا هو التحدي الحقيقي …!
مما لا شك فيه لا توجد حلول سهلة وجاهزة لكن طرح المشكلة بغض النظر عن موقفنا منها يدل على احساس بالمسؤولية، والحرص على تذليل العقبات لإطلاق صيرورة كردية سورية، وتوفير شروط التقدم والنجاح تلك التي تتقاطع استراتيجياً مع اهداف الكرد القومية والوطنية والديمقراطية  .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…