نظام مير محمدي*
في حين أن حل الدولتين جنباً إلى جنب والحياة السلمية بين البلدين فلسطين وإسرائيل لاقى ترحيباً من العديد من الدول، ويعتبر الشعب وحكومته المقبولة بقيادة محمود عباس الخيار الأمثل للتخفيف من حدة الأزمة الحالية في البلاد. وقد أعلن حسين أمير عبد اللهيان بصفته وزير خارجية النظام الإيراني، في 11 ديسمبر 2023، بوضوح أنه ضد هذا الحل. ولذلك فمن الطبيعي أن نتساءل لماذا يعارض نظام الفقه الإسلامي الحاكم في إيران، الذي يذرف دموع التماسيح على الشعب الفلسطيني ليظهر نفسه كمدافع عن حقوقه، مثل هذا الحل؟
(قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اليوم الاثنين خلال منتدى دولي في الدوحة إن الشيء الوحيد الذي يجمع إيران وإسرائيل هو أنهما لا يؤمنان بحل الدولتين. العربية 11 ديسمبر 2023)
وفي إشارة إلى هذه المسألة، قال خامنئي في اجتماع رؤساء القوى الثلاث لنظامه: هذه مصيبة العالم الإسلامي، لكنها أعلى من مصيبة الإنسانية. الحل الوحيد هو انسحاب القوى العالمية الكبرى!
في هذا الظروف؛ أثارت الأحداث المأساوية المستمرة في غزة موجة من المظاهرات في جميع أنحاء العالم دعما للقضية الفلسطينية. وقد حظي هذا التضامن العالمي بالاهتمام، وخاصة بين الطلاب في أوروبا وأميركا. ومع ذلك، يبدو أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي يحاول استغلال هذا الدعم لتحقيق أجندته الخاصة. وفي خطاب ألقاه مؤخراً، رفض حل الدولتين وأعرب عن قلقه من أن الاهتمام العالمي بقضية غزة قد يتضاءل. يهدف هذا المقال إلى التعمق في دوافع خامنئي وتسليط الضوء على حقيقة تصريحاته المتناقضة.
الأجندة السياسية لخامنئي:
لقد دأب خامنئي على تسليط الضوء بشكل نشط على القضية الفلسطينية لأغراض سياسية، ساعيًا إلى تجاوز الأزمات الداخلية والإقليمية التي تواجه نظامه أثناء ترسيخ هيمنته في المنطقة. ومن خلال التلاعب بالانتخابات البرلمانية ومجلس الخبراء، كان يهدف إلى تعزيز سلطته. لكن المقاطعة الشعبية للانتخابات والهزيمة اللاحقة وجهت ضربة لخططه، مما أدى إلى فقدان النفوذ الذي اكتسبه من خلال إثارة الصراع.
تراجع قضية غزة كغطاء:
وتكشف التصريحات المتناقضة التي أطلقها خامنئي بشأن قضية غزة عن قلقه وخوفه من فقدان النفوذ الذي كان يتمتع به في السابق. وبينما يدعي أن غزة في المقدمة، فإنه يعرب أيضًا عن قلقه بشأن أهميتها المتضائلة. وهذا يشير إلى أن قضية غزة، في ما يتعلق بأجندة إيران وخامنئي، فقدت فعاليتها كغطاء للأزمات الداخلية وحل لمشاكل النظام.
محاولات فاشلة للسيطرة:
ولم تنجح محاولات خامنئي لضبط الأزمات واستغلال القضية الفلسطينية. لقد كشف فشل التلاعب بالانتخابات والمقاطعة الشاملة اللاحقة عن نواياه الحقيقية. وكارثة غزة، التي سعى إلى استخدامها كوسيلة ضغط، زادت من مشاكله. ونتيجة لهذا فقد واجه السخرية والانتقادات على المستويين المحلي والدولي، الأمر الذي أدى إلى تقويض مصداقيته وسلطته.
كواليس أهداف خامنئي؟
والحقيقة وراء كلمات خامنئي المتناقضة تكمن في محاولاته الفاشلة لهندسة الانتخابات واستغلال القضية الفلسطينية. وقد أدى فقدان الدعم والسخرية التي واجهها إلى إضعاف موقفه. لقد أصبح رفض الشعب الإيراني لنظامه ومطالبته بالتغيير واضحا على نحو متزايد، وهو ما يذكرنا بصوت الثورة التي أطاحت بنظام الشاه. وقد أتت محاولات خامنئي للتلاعب بالوضع بنتائج عكسية، وكشفت نواياه الحقيقية.
التضامن العالمي مع فلسطين:
وعلى الرغم من استغلال خامنئي للقضية الفلسطينية، فإن التضامن العالمي مع فلسطين يظل قويا. وتستمر المظاهرات والاحتجاجات في جميع أنحاء العالم، ويتصدر الطلاب طليعة الحركة. وهذا التضامن بمثابة تذكير قوي بأن محنة الشعب الفلسطيني لا ينبغي أن تطغى عليها الأجندات السياسية. ومن الأهمية بمكان مواصلة الدعوة إلى العدالة والسلام والاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
أهمية الوعي:
وفي مواجهة تلاعب خامنئي، فمن الضروري رفع مستوى الوعي حول الدوافع الحقيقية وراء تصرفاته. ومن خلال تثقيف أنفسنا والآخرين حول تعقيدات الوضع، يمكننا التصدي لمحاولات استغلال القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب شخصية. إن تبادل المعلومات الدقيقة، والانخراط في حوار بناء، ودعم المنظمات ذات السمعة الطيبة التي تعمل من أجل التوصل إلى حل عادل، كلها خطوات حاسمة في الحفاظ على سلامة حركة التضامن العالمية.
كلمة أخيرة:
ورغم أن التضامن العالمي مع فلسطين يظل قوياً، فمن الضروري أن نعترف باستغلال خامنئي هذا الدعم لتحقيق أجندته السياسية الخاصة. وأدى تراجع قضية غزة كغطاء للأزمات الداخلية وفشل محاولاته للسيطرة على الوضع إلى إضعاف موقفه. وبينما يتضامن العالم مع القضية الفلسطينية، فمن الأهمية بمكان أن نظل يقظين ونضمن سماع أصوات الشعب الفلسطيني ودعم حقوقه. ولا ينبغي أن تطغى الأجندات والمناورات السياسية على النضال من أجل العدالة والسلام في المنطقة.
*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني