صلاح بدرالدين
لا يمكن التطرق الى حاضر ومستقبل اية حركة سياسية بمعزل عن الصحافة والاعلام، وفي هذه العجالة، وبمناسبة يوم الصحافة الكردية، لابد من قراءة نقدية صريحة وبغاية الايجاز لاحوال صحافتنا الكردية السورية منذ نشوء حركتنا السياسية وحتى الان .
في المراحل الأربعة التي اجتازتها الحركة السياسية الكردية السورية في غضون نحو قرن من الزمن، كان لكل منها مشهدها ( الصحافي – الإعلامي – الثقافي ) كانعكاس طبيعي لماهو قائم، وتعبير عن ماهو سائد من فكر ومفاهيم، وقدرات .
المرحلة الأولى كانت ” تشكل وتنامي الوعي القومي ” وامتدت من ( ١٩٢٧ – ١٩٥٧ )، والتي كان للمتنورين الذين اجتازوا – خط السكك الحديدية – من الشمال نحو – بني ختي – تحت ضغط السلطات التركية خصوصا بعد اخفاق انتفاضة الشيخ سعيد عام ١٩٢٥ الدور الأبرز .
تليها مرحلة – الاستيقاظ – التي تمخض عنها ولادة الحزب الكردي المنظم الأول، وتمتد بين ( ١٩٥٧ – ١٩٦٥ )، وما سبقت الولادة من نشاطات ذات الطابع الثقافي الاجتماعي.
ومرحلة – النهوض – التي افرزت التحول العميق في إعادة التعريف، وتصويب المسار التي امتدت بين ( ١٩٦٥ – ١٩٩٥ )، وكان المحرك الرئيسي ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي )، مع مساهمات أخرى جماعية، وفردية .
ثم مرحلة ” الردة، والتراجع ” منذ ( ١٩٩٥ وحتى الان )، وعنوانها الرئيسي (الزمرة المنشقة عن الاتحاد الشعبي + حزب اليمين + البارتي ) وهم اول من تجاوبوا مع مشروع السلطة بشخص – محمد منصورة -، تلاهم ( مجموع الأحزاب الكردية ) عندما اتفقوا مع – جنرالات النظام – في وأد الهبة الكردية الدفاعية عام ٢٠٠٤، ثم أحزاب طرفي الاستقطاب منذ اندلاع الثورة السورية المغدورة عام ٢٠١١ . .
وفي هذه المراحل الأربعة اختلفت مستويات الأداء في الجانب – الصحافي والإعلامي من حيث الشكل والمضمون، ودرجات التاثير في وعي المجتمع الكردي، وفي الراي العام الوطني، والإقليمي، والعالمي، ومدى النجاح والاخفاق في نشر مشروعية القضية القومية الكردية، وخدمة الثقافة بكل تفرعاتها من لغة، وآداب، وفنون، ولاشك ان المرحلة الأولى التي أحدثت تجربة فريدة بغاية الأهمية على ايدي البدرخانيين في طبيعة الكفاح القومي الكردي عندما تم الاندماج بين السياسي الثوري، والثقافي فكانت غنية، ومنتجة، ومبدعة، في مجال اللغة، والثقافة القومية العامة ويعود الفضل الأكبر بذلك الى أبناء تلك العائلة العريقة حيث اصدر احد أبنائها وهو الأمير مقداد مدحت بدرخان في 22 أبريل 1898 في العاصمة المصرية القاهرة، ( وهذا التاريخ يعتبر يوم الصحافة الكردية ) اول صحيفة كردية باسم – كردستان – من الخارج ووصلت اعدادها الى معظم المدن الكردية، إضافة الى مجلة – هاوار – التي اشرف عليها الأمير جلادت بدرخان، ومطبوعات أخرى، ومن الملاحظ ان جميع الصحف، والمجلات التي صدرت في تلك المرحلة كانت مفتوحة لكل من يكتب، او ينقد، او يرسل ملاحظات، وكانت تتضمن مساهمات مختلف الاطياف من متدينين، وعلمانيين، ويسار، ويمين، وهذه ميزة متقدمة بعكس قيود الأحزاب المفروضة، وشروطها في نشر مساهمات الوطنيين المستقلين .
بخلاف جريدة الحزب الكردي الأول – دنكي كرد – لم تشهد المرحلة الثانية نشاطا إعلاميا بحسب المطلوب، ( وقد يكون لأسباب موضوعية ) كما لم تصل الينا ( على الأقل حسب علمي ) نحن الجيل – المخضرم – بعد التاسيس وثائق فكرية، وسياسية حول تحليل بنية المجتمع الكردي، والقضية الكردية السورية، والأوضاع العامة في سوريا، وقضايا الخلاف، وسبل حلها، وتطورات الفكر القومي، فقط أتذكر انني استلمت عبر منظمة حزبنا – بجياي كرمينج – رسالة موجهة الي من المرحوم المحامي – شوكت حنان – احد مؤسسي – البارتي – كانت عبارة عن دراسة موسعة حول الحركة الكردية عموما والحزب خصوصا، وتناول نقدي لأدوار عدد من المسؤولين الحزبيين المؤسسين في منطقة عفرين، ودعوة الى التغيير، ومناقشة موضوعية لمسالة التحول الذي حصل في الكونفرانس الخامس عام ١٩٦٥، والوقوف من حيث المبدأ الى جانب قرارات، وتوجهات الكونفرانس، وبيانه الختامي، مرفوقة بملاحظات هامة، للأسف الشديد لااعلم الان اين تلك الرسالة – الوثيقة.
اما المرحلة الثالثة التي شهدت ولادة اليسار القومي الديموقراطي في الكونفرانس الخامس عام ١٩٦٥، وتصديه لانجاز المهام الموكولة اليه، فقد تميزت بعطاء ثري في الجانب الفكري، والثقافة السياسية القومية والوطنية، والترجمة، والنشر، فمن تناول القضية القومية بالتحليل العلمي التاريخي، وطرح المشروع الكردي السوري بشقيه القومي والوطني، وإعادة تعريف الشعب، والقضية، والحقوق، والتكامل بين القومي والوطني، والكردستاني، والاممي، والعمل على توفير شروط تعميق مسالة الاعتراف المتبادل بالوجود، والحقوق، وعلاقات التضامن، والعيش المشترك مع الشعوب الأخرى، ورافقت تلك المبادئ الثابتة، والمنطلقات المتقدمة، ترجمة عملية وعلى ارض الواقع من الناحية الإعلامية، والثقافية، حيث ظهرت أبحاث، ودراسات ( بعد طول غياب )، حول القضية الكردية، والمسالة القومية، والتاريخ، والاداب، والفنون، وتم اصدار مجلة – روهلات – بالكردية والعربية، في عاصمة الثقافة والاعلام – بيروت – ومطبوعات أخرى من داخل الوطن بالكردية والعربية، وتم تأسيس – رابطة كاوا للثقافة الكردية – في بيروت التي أصدرت العشرات من الكتب هناك حول الكرد وتاريخهم، وحركتهم السياسية، وادابهم ، وكذلك تم تشكيل – الجمعية الثقافية الاجتماعية – ونجحت مساعي رفاقنا في تشكيل فرقة فنية كردية شارك فيها فنانونا المبدعون ( محمود عزيز، ومحمود شاكر، وسعيد يوسف، وشيرين) كما بدانا المساهمة بالكتابة حول قضيتنا في الصحافة العربية اللبنانية والفلسطينية، خصوصا في مجلتي – الحرية، والهدف، وصحيفة بيروت المساء، وفي فترة لاحقة جريدة الحياة وغيرها.
لقد شكلت سنوات تسعينات القرن الماضي بداية مرحلة الردة في العمل السياسي الكردي السوري، وباكورة نجاح الأجهزة الأمنية في سلطة نظام الاستبداد البعثي – الاسدي في اختراق صفوف الأحزاب الكردية، واستمالة عدد كبير من العاملين في المجال الحزبي وبينهم مسؤولون، وبعد موجة – الانشقاقات – المتتالية وكانت باكورتها شق – الاتحاد الشعبي – باشراف الضابط الأمني – محمد منصورة -، لم يعد الحزب الكردي السوري بشكل عام بامان، ولم يعد يتمتع بالشروط الأدنى لكسب مواصفات المؤسسة السياسية الديموقراطية الحرة، وبما انه من حيث البنية التنظيمية أيضا لم يمثل مصالح طبقة بحد ذاتها، او فئات اجتماعية معينة، او مجموع الشعب بحيث يتبلور بناء عليه نهجه الفكري، ويتحدد توجهاته السياسية، وصولا الى امتلاك المشروع القومي والوطني، وعلى ضوء التراجع، وفقدان الاستقلالية، والتبعية للأجهزة الأمنية، لم يعد للكرد السوريين صوت واضح، حتى صحافة الأحزاب – الصفراء – باتت ابواقا لمدح الدكتاتور، وعنوانا للخنوع والمذلة، مليئة بعبارات النفاق، والمجاملات الفارغة.
وباء الاعلام الحزبي
استقر الامر أخيرا على الاعلام الحزبي الكردي الذي اصبح باعثا للانقسام، ومصدرا للفساد والافساد، ووسيلة في خدمة شراذم، ومجموعات، ولم تختلف سلطة الامر الواقع التابعة لحزب – ب ي د – عن سلطة نظام الاستبداد في مجال قمع الحريات العامة، وانتهاك حرية الراي، والاعلام، والنشر، والطبع، وحلت عبادة الفرد محل احترام الشعب، والقيادة الجماعية الديموقراطية، وبدأ اعلام أحزاب طرفي الاستقطاب يضع الأولوية لأخبار واحوال المحاور الخارجية، الى جانب شن الحملات المسعورة التخوينية ضد الراي المخالف، ويكاد يقتصر تناول الداخل إعلاميا على رسائل التعزية، والزيارات البينية، والاحتفالات، ومجاملات لا تخلو من المزايدات اللفظية حيث برع في ممارستها الى جانب مسؤولي الأحزاب بعض مدعي الثقافة والاعلام الذين يفتقرون الى الحدود الدنيا من المعرفة.
ولاشك ان هذا المشهد الإعلامي المؤدلج – الموبوء – انعكس على معظم منظمات، واتحادات المجتمع المدني في الداخل والخارج التي تتخذ المسميات الصحافية، والإعلامية، والثقافية، مع الإشارة الى صمود بعض المواقع الفردية، والمؤسسات الإعلامية المستقلة، والشخصيات الثقافية المحصنة الجريئة بالرغم من كل التحديات.
في يوم الصحافة الكردية أقول : طوبى لكل صحفي، واعلامي مازال ملتزما بقضايا الشعب والوطن، صامدا، مستقلا، يبحث عن الحقيقة.