من دفتر يومياتي: عندما افتضح امر مدعي عام محكمة امن الدولة العليا بدمشق

صلاح بدرالدين
  في أواخر تموز ، وبداية آب ١٩٦٩ جرت محاكمة مجموعة من قيادة وأعضاء ( البارتي الديموقراطي الكردي اليساري ) لدى محكمة ” امن الدولة العليا ” بدمشق – بناء على المرسوم التشريعي رقم ٤٧ لعام ١٩٦٨ ، حيث كانت المرة الأولى التي يحاكم فيها الوطنييون الكرد امام هذه المحكمة بناء على الامر العرفي رقم ١٢١ تاريخ ١٨ – ٧ – ١٩٦٧ ، التي تعقد أساسا من اجل قضايا حساسة تتعلق بامن الدولة ، والنظام ، ولايجوز لديها الاستئناف ، والتميز .
  فقد قام المدعي العام لدى محكمة امن الدولة العليا – علي عبدو الظاهر ١*– بإقامة الدعوى ضد ( عثمان صبري حيدر وصلاح بدرالدين ومحمد حسن ، ومحمد نيو ، وعبد الهادي عبد اللطيف ، بناء على جرمين : الأول الاتصال بالجهات الخارجية المعادية للقطر ( والمقصود كما ظهر بعد ذلك حكومة عبد الكريم قاسم بالعراق ) والثاني : ( بجرم الاشتراك بتاسيس جمعية سرية للقيام باعمال من شانها اثارة النعرات المذهبية ، والعنصرية ، وجرم القيام بنشاط حزبي محظور ..
  سمح لنا بتوكيل محامين فكان المحامي الموكل الأساسي الأستاذ – حكت تركماني ٢*– الذي اقترح علينا الموافقة على محامين متطوعين آخرين من أعضاء الحزب الشيوعي السوري وبينهم الأستاذ – موريس صليبي ٣*– وكما فهمنا هو بادر الى ذلك لمصلحة قضيتنا حسب تقديراته ، حيث كان توجه الرفاق الشيوعيين الذين كنا نعتبرهم الحزب الأقرب الينا في سوريا حينذاك نحو التهدئة خاصة وانهم كانوا في حوار مع النظام للانضمام الى ( الجبهة الوطنية التقدمية ) بايعاز من الاتحاد السوفييتي – السابق .
 
  الجلسة الأولى : الشاهد – خليل برازي – و– الفضيحة – 
  عقدت الجلسة الأولى بحضور آبو اوصمان صبري ، وانا ، ومحامينا الموكل ، ثم بدا المدعي العام بكيل اتهامات التعاون والتواصل مع أعداء القطر ، وبنبرة تنم عن الثقة باقواله ، اعلن عن وجود شاهد مطلع على كل هذه الاتهامات ثم نادى بالشاهد ( خليل برازي ٤*) ، الذي احضروه وهو شخص ضخم وطويل القامة  مقيد بالسلاسل ، ثم سالنا القاضي هل تعرفان هذا الشخص ؟ فاجبنا بالنفي ، ثم سالوا الشاهد  لقد ذكرت انك اجتمعت بهما بالعراق بعد ( بعد ثورة تموز ) فاين ومتى  ؟ فتلعثم ، وغمغم ولم تكن أقواله مفهومة ، فسالت أبو اوصمان من هذا ؟ فابتسم وقال هذا شخص نصاب سمعت عنه الكثير ، ثم لاحظنا خيبة الامل ، والمرارة على وجوه المدعي العام ، والقضاة ، فاعلن القاضي انتهاء الجلسة والتاجيل ، وكان التقدير الاولي ان ماحصل هو لعبة مخابراتية بتواطؤ من المدعي العام واخرين من اجل الإساءة الينا ، وتشويه قضيتنا ، ومضاعفة الاحكام بحقنا .
 
 الجلسة الثانية وتبديل المدعي العام 
  في بداية آب ١٩٦٩ عقدت الجلسة الثانية بغياب المدعي العام السابق ، وحضور بديل له وهو ( أبو الخير عابدين ٥*) الذي أراد التستر على الفضيحة ، بتغيير اللهجة المسعورة ، وتقديم مداخلة لاتخلو من مديح الكرد ، والاشادة باالوحدة الوطنية ، والعيش المشترك ، واقتصرت التهمة على تأسيس جمعية سرية ، واثارة النعرات العنصرية .
  قمنا آبوا وصمان وانا بتفنيد هذه التهم الباطلة ، واننا نعمل من اجل إزالة الاضطهاد العنصري والتميز بحق شعب بكامله ، وفي سبيل تحقيق الديموقراطية ، والمساواة ، والحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي السوري ، ونحن دعاة العيش المشترك بسلام وامان ، وضمانات دستورية .
  وفي جلسة اصدار الحكم قررت المحكمة المكونة من : الرئيس المستشار المدني عادل ميني والعضو القاضي العسكري الملازم اول نادر قوشقجي والعضو القاضي محمد الحمد حبس المدعى عليهما : عثمان صبري ، وصلاح بدرالدين مدة سنتين ، وجاء في الوقائع : ( ان المدعى عليهم يقومون بنشاطات في صفوف اكراد سوريا ، ويبثون الدعايات بينهم من اجل بعث القومية الكردية ، وإعطاء الاكراد حقوقا يزعمون انهم حرموا منها ، ورفع اضطهاد مزعوم عنهم ، وهم يتسترون بهذه الدعايات الكاذبة من اجل إخفاء الهدف الحقيقي الذي يرمون اليه الا وهو توحيد الاكراد تحت شعار واحد وقيادة واحدة وربط الحركة الكردية في سوريا بالحركات الكردية الأخرى في الدول المجاورة كالعراق ، وايران ، وتركيا ، واشتركوا مع اخرين بتاسيس حزب البارتي الكردي وتشكلت لجنتها المركزية من عثمان صبري وصلاح بدرالدين ، وشخص اخر لم يلاحق يدعى محمد نيو ، واخذوا بنشر برنامج الحزب الذي طبعه صلاح بدرالدين ووزعه ، كما اتصل بجمعية الطلبة الاكراد في أوروبا وزودها بالاكاذيب ، كما كتب المقالات ونشرها ….) ٦*.
 ١* – ضابط بعثي من – الرستن – .
  ٢* – محامي وطني يساري معروف بدفاعه عن حقوق المظلومين .
  ٣* – عضو مكتب سياسي بالحزب الشيوعي السوري آنذاك .
  ٤* – لم اعرف عنه شيئا سوى انه من – عين العرب – كوباني .
  ٥* – من عائلة دمشقية ثرية ثم استلم مسؤولية تنظيم حزب البعث بالعاصمة دمشق فيما بعد .
  ٦* – كان مقررا بالمكتب السياسي للحزب انه في حال  تعرض أي قيادي للاعتقال  ان يعلن  ان سكرتير الحزب هو اوصمان صبري ، وان عضوالمكتب السياسي صلاح بدرالدين مسؤول عن الاعلام ، وعضو المكتب السياسي محمد نيو مسؤول عن التنظيم ، وفي حال اعتقال أي من الثلاثة عليه ان يعترف ويدافع عن الحزب وأهدافه .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…