من تجلّيات الإستبداد .. أحمد صلال ومقاله في السياسات الكردية الراهنة

وليد حاج عبدالقادر / دبي
 حينما يقرأ واحدنا مقالة السيد أحمد صلال ـ في السياسات الكردية الراهنة ـ والمنشورة في جريدة الحياة عدد18072 تاريخ 26-9-2012 خاصة لمن كان ملّما بتاريخ نشأة سورية الحديثة بدءا من سايكس بيكو الى المرحلة الراهنة سيستنتج وببداهة شديدة مدى الحيّز أو المجال الإفتراضي الواهن الذي يعيشه الكاتب ، وبالتالي الحالة الإنتقائية سواءا من الحدث كما والتحولات البنيوية التي تشكّلت أو رافقت سورية الإنتداب ومن ثم الإستقلال ومرحلة الوحدة الإندماجية وبالتالي الإنفصال وهيمنة البعث أو الإتجاه القوم / عروبي على سدّة الحكم وبأشكالياته وآلياته المتعددة من عفلق والحافظ 1963 الى الأتاسي وصلاح جديد 1966 مرورا بالأسدين الأب والإبن وهنا وإن لم يكن الموضوع  أصلا هو سرد تاريخي محض ، إلا أن ما يحزّ في النفس حقيقة وبخصوص القضيّة الكرديّة في سورية هي ليست فقط تلك الحالة من التجاهل والنكران وبالتالي حالة العصاب الفكري أو الإجراءاتي العمقي الممارس سواءا منها السلطويّة بطابعها القمعي الصارم ، أو أداتها المنفّذة والتي هي كانت طوع مقررات الحكومات ـ العروبية ـ المتعددة الأشكال أو التسميات ، وبالتالي فمن سخريات القدر أن ينظّر أحدهم ومن تلك الذاتويّة المجحفة ، فيتصدى الى هذه المسألة ومن جديد بانتقائية ـ عجيبة ـ فيبرر ـ هكذا ببساطة ـ جدلية الإضطهاد ـ المزعومة ـ ، لابل ويساوي ـ بعنجهيّة ـ مابين الضحيّة والجلاد ، والضحيّة المفترضة ، أمر طبيعي هم الكرد كانوا ، والجلاد يعني بها السلطات المتعاقبة ، وأدواتها التنفذية وكمثال يبرزه الكاتب هم ـ المغمورون ـ الذين جيء بهم من أطارف الفرات واستملكوهم الأراضي التي تمّ تجريد الفلاحين الكرد منها ، وهي القرى النموذجية التي بنتها السلطات وعينها كانت على هدم القرى الكردية وبالتالي جرجرتهم ـ الكرد ـ الى البادية الداخلية ، وهاهو فجأة ـ يستيقظ ـ كاتبنا أحمد صلال فيتذكر وبمازوشيّة السلطة عينها في استقدامها لأولئك العرب المغمورين الى منطقة الجزيرة !! .. هكذا فقط !! .. لتحدّ من النشاط الثوري والوطني لأولئك في مناطقهم !! ويرتاح القادمون الى التربة الخصبة والغزارة الإنتاجية فيتناسوا مخططات السلطة ـ إن وجدت ـ بتغريبهم عن واقعهم ـ !! ـ لابل وتسلحهم السلطات ليتصدوا لأية محاولة كردية والإحتكاك بهم .. حقّا يستطيع أيّ كان أن يتجاهل التاريخ ومعطيات الأدلة المتوفرة ولكن !! .. أن ينفي ـ وببساطة ـ جدلية الإرث القوموي المتراكم والمتراكب بدءا من مرحلة الوحدة وبالتالي سلسلة الإعتقالات الكبيرة التي شملت قيادة وكوادر الحركة الكردية في سورية ومن جديد يوعزها كاتبنا قائلا / .. وهم يتناسون ـ أي الكرد ـ الحقبة الوطنية التي عاشتها سورية منذ الإستقلال .. مختزلين تاريخ الكرد السوريين في علاقتهم مع الدولة .. عبر حكم الأب وإبنه .. وهذا ما يجافي الواقع والمنطق ، حيث أن تلك الفترة شهدت ولادة مشاريع وطنية تؤسس لدولة مدنية لحكومة المؤسسات والقانون … / ـ انتهى الإقتباس ـ ولكن السؤال هو ؟ عن أية طوباوية سورية يتكلم ؟ وعن أية مشاريع قوانين ينظر لها السيد أحمد ؟ فبالفعل ـ كرديّا ـ شهدت تلك الفترة مرحلة المأسسة لجملة من المشاريع والممارسات العنصرية بدءا من الإحصاء المشؤوم عام 1962 ومرورا بالتمهيد الهادئ لمراحل التعريب والتغيير الديمغرافي ، لابل أنها سبقت الإحصاء أيضا من خلال جلب مئات العوائل والتي شملت قرى عديدة تم جلبهم من منطقة السلمية وأسكنوهم  قرى في منطقة الجزيرة ، وكانت الخطوة الأولى في قوننة وتنفيذ خطة محمد طلب هلال السيء الصيت ، وكلنا يعرف ـ كما الكاتب ـ أن البيت كما القرية التي يستوطنها قد تمّ تدشينها ، أو أوعز الى لجنة خاصة ـ حينذاك ـ سميت بلجنة إعمار مزارع الدولة ، وكانت تبعيتها محصورة بالقيادة القطرية للبعث الحاكم وقد باشرت مسحها وتحديدها لمجاميع قرى الإستعراب بعيد الإطاحة بعفلق والحافظ وفي امتداد حكم البعث ـ صلاح جديد والأتاسي ـ أي أواسط 1966 ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وحتّى لايتهمنا ثانية وقوله / .. أن التنظير للمأساة الكردية المزعومة في سورية .. / فيمكنه وببساطة شديدة العودة الى دراسة الدكتور محمد جمال باروت في إحدى أعداد لوموند ديبلومات ـ النسخة العربية ـ ومن خلاله يطّلع إن على اسباب وحيثيات جرد الكرد من الجنسية كما وخفايا مشروع محمد طلب هلال السيء الصيت ، وكذلك محاضر أجهزة الأمن السورية التي سبقت انقلاب البعث وبالتالي إرشيف وزارة الزراعة ومقالة الدكتور سمير العيطة* وأيضا في لوموند ديبلومات بنسخته العربية وموضوعة الجزيرة السورية والأقاليم ، وسيرى الكاتب صلال حينها مدى إجحافه كما وتجنيه إن على الحقائق أو التوصيفات ، وبالتالي موقفه الملتبس والمتقصد من الشعب الكردي وقضيته العادلة في سورية ، أن مجمل مقالة السيد أحمد صلال تؤكد بأنه مازال فعلا تحت سطوة تلك السيكولوجية الواهمة ، فهو محال أن يتمكن والتخلّص من نزعته القومويّة مهما تفنن ، أو حاول تغليفها بمفاهيم المواطنة المبسترة من جهة ، وإضفاء نوع من التعابير العمومية على خطابه ، ولكنها الحقيقة المتأصلة ، لاتلبث أن تصرخ وتتوضح ، وهذا ما تجلّى بوضوح تام ، حينما تكلّم عن مشروع الحزام العربي فيقول / .. وينظرون له بحيث يكتسي طابع هولوكوست كردي يتجاهلون الشراكة الوطنية في المأساة ويصورون أنفسهم على أنهم الوحيدون الذين أصابهم المشروع بضرر كبير ولا ينبسون ببنت شفة عما يسمى ـ المغمورون ـ وهم قبيلة عربية هجرها النظام من ضفاف الفرات واسكنها تلك المنطقة لا لتكون حزاما عربيا بل بهدف سلب اراضيهم الخصبة وتطويع المنطقة سياسيا .. / .. سرد شاعري برومانسية غريبة قد تصلح لرواية مزيفة ، تشهد على ذلك ومخيلة السيد أحمد ، حجم الصدامات التي حدثت كما والإحتكاكات بين المغمورين والسلطات السورية ، وهنا لا ننكر بأن الأمر كان ما كان فيه وعدم قناعتهم أيضا إلا أنها ما وصلت الى حالة التعاطي اليومي مع الحدث مثل الكرد ، لابل باتت الأيام توضح تباعا ، بأنها مسلسل طلب هلال ليس إلا … فالكرد تم إجراء احصاء استثنائي لهم في مناطقهم .. استولت الدولة على أراضيهم وحتى بيادرهم وهددت الكثير منهم بالترحيل الى خارج المنطقة ، لابل حاولت إغراءهم بمنحهم أراض في البادية من العمق السوري ، بجوار مناطق المغمورين ، أفلم تكن هذه سياسة تهجير ممنهجة وكتنفيذ مباشر لمخطط طلب هلال ؟ .. أي عشرة كيلو مترات عن الحدود المشتركة مع الجزأين الكرديين في كل من تركية والعراق ؟ !! ومن ثم الإستيلاء على أخصب الأراضي في منطقة الإستقرار الأولى بسورية وبناء قرى نموذجية في الوقت الذي طلب فيه من الكرد إخلاء قراهم !! .. و .. ثم تسليح المغمورين وتعبئتهم ضد الكرد ، وأصبحوا أدوات حزبية وأمنية وقسم منها مارست القمع السلطوي بكافة أشكالها ضد الجماهير الكردية .. وهنا أسأل السيد صلال .. على امتداد قرى الغمر كلها ولمسافة عشرة كيلومترات ، على أقل تقدير ، هل يستطيع أن يثبت ـ جدلا ـ بأنه قد تم الإستيلاء ولو على شبر واحد من أراض لغير الكرد وأظن الجواب بسيط جدا لأنه في الأساس ما تواجد غير الكرد في منطقة الحزام العربي سيء الصيت .. أما بخصوص باقي المعطيات ـ التنظيرية ـ التي يسردها الكاتب سواء في التمويه التاريخي أو الجغرافي وصراعات القوى المنتدبة وسلسلة الإتفاقات الحدودية وتداخلات المعاهدات التي سبقت الإستقلال وبالتالي المرحلة الإنتقالية التي سبقت عصر الإنقلابات العسكرية الى مرحلة الوحدة السورية / المصرية .. نتمنّى على الكاتب العودة الى سلسلة الوثائق والإرشيفات التي تحدّد نسبة الكرد في مناطقهم وبالتالي مطالباتهم أثناء ثوراتهم وانتفاضاتهم سواءا ضد الإنتداب أو غيره ، ولعل أشهر تلك المطالبات كانت الوثيقة التي قدّمها اكثر من مائة شخصية كردية سياسية واجتماعية ودينية طالبوا فيها من سلطة الإنتداب الفرنسي منح المناطق الكردية حكما ذاتيا … إن أشد ما يثير السخرية والإستغراب هي تلك المعطيات التي يحاول ـ الكاتب ـ تسويقها لتبرير قومويته ، سواء منها المعطيات التاريخية أو الجغرافية وبالتالي تلك اللعبة التي يحاول ان يمليها بالإستناد الى رقم احصائي / 22 % / كنسبة الكرد لا لمجموع سورية ، وإنما في المنطقة الكردية تلك النسبة حتى الاجهزة السلطوية تخشى من توصيفها بالرغم من جميع أشكال الطمس والتعريب والتهجير القسري ورغم ذلك يقدرون نسبة الكرد في مناطقهم عن 75% من المناطق المحسوبة لهم تاريخيا وجغرافيا .. أما مسألة تجفيف مصادر الرزق وبالتالي دفع الكرد الى هجرة مناطقهم فحدّث ولا حرج ، ومن جديد ، يحاول الكاتب أن يغمض عينيه عن الحقيقة ويتناسى كيف أن السلطة دفعت بالمنطقة الى حدّ الإفلاس وفتحت أبواب الهجرة الخارجية منها والداخلية ، وقضت على أية إمكانية لأية بنية تحتية ووضعت العراقيل والمصاعب امام الرساميل الكردية نفسها لعدم فتح مشاريع أو ايجاد فرص استثمار حقيقية وبالتالي وظائف أو أعمال للكرد ، وحتى مشاريع النفط والري عرّبها واستقدم العمالة من خارج المنطقة ، وما عشوائية الري القذرة إلا واحدة من الأساليب الرخيصة التي استخدمتها السلطة لتدفع الكرد ومن بقيت له بعض من الدونمات من الأرض ليهجرها بحثا عن فرصة عمل في مدن الصفيح كحلب ودمشق وما شابه .. أوليست كل هذه الأمور هي خطوات تطبيقية للتغيير الديمغرافي بالمنطقة ؟ .. وبالتالي هجرة الكرد من مناطقهم ؟ .. ولعله من الغرابة بمكان وهذا المسوح الذي يحاول الكاتب صلال أن يظهر فيه أو يسبغه على نفسه ووقوفه بالتضاد وسلطة الإستبداد من جهة ، وتقمّصه في نفس الوقت لإستبدادها ـ السلطة ـ ..  قيتفق هو ونظام الإستبداد الذي كان يرى في مطالبة الكرد بخصوصيتهم وإعادة الجنسية الى الذين جرّدوا منها خطوات تقود الى تحرير وتوحيد كردستان !! وهاهو السيد صلال أيضا يرى في اللامركزية السياسية خطوة نحو اعلان دولة كردستان والتي هي في طبيعة الحال حقّ مشروع للكرد بالرغم من أنهم متمسكون بأوطان تنشد الديمقراطية وتحقق شراكة فعلية لكل شرائحه وفئاته أما مسألة القرب والمماهاة مع سلطة الإستبداد فالجميع يعلم بأن الكرد كشعب ومن خلال حركته السياسية تصدت لجميع المشاريع والممارسات الشوفينية وشرفت السجون السورية مناضليها ومعتقليها على مدار تاريخ سورية الحديثة بدءا من 1961 / 1972 ..وإلى الوقت الحالي وفي الختام كل ما نتوخاه كرديا هو قليل من الإنصاف والموضوعية فذاكرة ـ غوغل ـ والزمن مازال يتدفق بهذه المعطيات التي تتوجب علينا نقاشها و … بموضوعية ومن دون تشويه أو تحريف إن للحقائق أو الموضوعات … وجملة أخيرة نقولها .. صكوك المواطنة والغفران لا نبتغيها من أحد سوى قناعاتنا وممارساتنا ….
*******************
* كاتب كردي من سورية مقيم في دبي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…