الجوانب الاجتماعية والإنسانية في شهر رمضان

خالد بهلوي 
    الصوم الحقيقي في كل الأديان أن يلتزم الصائم بطاعة الله بقناعة وإيمان راسخ دون تهويل أو إثارة ضجة مفتعلة بانه صايم، ويلتزم ليس بالعبادة فقط بل بالكثير من الإيجابيات ويبتعد عن السلبيات مثل الغش – الربا – الاحتكار – الاستغلال – الظلم؛ ولا يتفاخر أنه صائم، ويقوم بجميع واجباته الوظيفية على أكمل وجه.  شهر رمضان شهر الخير والبركة والسمو الروحي والأخلاقي.
   الحكمة من جميع العبادات الإسلامية هو أن يكون الفرد المسلم والمجتمع المسلم في القمة من جميع النواحي، بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى غير المسلمة، وعندما نقول من جميع النواحي فلا نستثني أية ناحية، ابتداءً من الناحية الصحية وانتهاءً بالقوة العسكرية.
ما يؤسف له أن الكثير من المسلمين حتى الآن لم يستطيعوا أن يلتزموا بالجانب الاجتماعي بشريعة الله، بالرغم من بعض مظاهر الخدمات والمساعدة للمحتاجين في شهر رمضان إلا أن مظاهر البذخ والهدر والتخمة هي المسيطرة على سلوكيات معظم الصائمين فتظهر بشهر رمضان وكأنها موسم للربح والتجارة وزيادة الرأسمال وتنوع الطعام على الفطور.
   الاستغلال والفساد بكل مقاييسه الاقتصادية والاجتماعية موجودة في كل المجتمعات لكن بنسب مختلفة، وتظهر صورته بشكل أوضح في دول الشرق وخاصة في شهر الصوم.
   ليس سراً إن كثير من رجال الأعمال وتجّار الجملة وأصحاب المحلات والمواد الغذائية يرفعون أسعار موادهم على مدار السنة؛ لكنّهم ينتظرون شهر رمضان حيث تزداد نفقات، وطلبات كل أسرة بهذا الشهر الفضيل فيستغلون حاجة الناس برفع أسعار موادهم دون أي رادع ديني أو ضميري.
 في هذا الشهر تزداد واجبات المرأة حيث تقضي معظم أوقاتها في المطبخ لتجهيز وجبة الفطور من عدة أنواع؛ وبذلك تزداد النفقات والمصاريف على كل أسرة حتى لو كانت فقيرة، فعليها أن تحسّن من وجبة الفطور وكأن الصيام يعني مزيداً من النفقات ومزيداً من الطعام.
يقول الإمام الشعراوي: عندما يخرج الصائم الى السوق وينظر بعين الجوع فإنه يشتهي، ويشتري ما طاب له، وفي الواقع يكفيه نوعٌ واحدٌ من الطعام إذا نظر بعين الكفاية، في المساء ينظر الى المائدة المتنوعة من عدة أصناف واذا به يكتفي بطبق واحد وبقية الوجبة هي الهدر وهذا هو التبذير المحظور.
   البعض ينشر موائده على صفحات التواصل الاجتماعي دون مراعاة لشعور الفقراء الذين لا يجدون ما يقدّمونه لأطفالهم على مائدة الفطور – وحتى منتجي المسلسلات يتسابقون بعرض إنتاجهم في هذا الشهر الفضيل.
 يعدُّ الموظف أن هذا الشهر للاستراحة من الواجب الوظيفي فتجده متقاعساً عن عمله بحجة أنه صائم.
إنه شهر الكسل لدى البعض حيث تزداد أعداد الناس الذين يقضون نهارهم بالنوم هرباً من العطش والجوع بدلاً من أن يقضوا أوقاتهم بالذكر، وعبادة الله والتبرُّع للفقراء ومتابعة أحوال الناس ومساعدتهم ولو ببرميل ماء.
   الكثير من المواطنين يمارسون الغش والنفاق يعتبرون شهر رمضان موسم زيادة الأرباح؛ حتى قال أحدهم: نحن نعيش بزمن النفاق والأنانية بكل شي حتى بالسياسة واحتكار وارتفاع أسعار المواد خاصة المفقودة في الأسواق أو عليها طلب.
في هذا الشهر الفضيل، يزداد عدد المرضى المراجعين لعيادات الأطباء إما بسبب التخمة من الأكل أو الجوع، وقلة الأكل.
ما يلفت النظر والاهتمام مبادرة الخيّرين من شباب المجتمع المدني في الحسكة الذين يقدّمون كلّ يوم أكثر من الف  وجبة إفطار ويوزعونها على الفقراء، وذلك بدعم ومسانده فاعلي وفاعلات الخير؛  بعضهم  يقدّم المال، وبعضهم المواد، والآخرون يتبرّعون بالنقل والخدمة والطبخ والتوزيع وشراء واستلام المواد .  كل التحية والتقدير لكل من ساهم ويساهم في إعداد هذه الوجبات، ويوصلها للفقراء المحتاجين حيث يثبتون أن شهر الصيام شهر البركة والتعاون.
 رمضان كريم بالفعل لا بالقول؛ كل التقدير لكل من يساعد فقيراً أو مريضاً أو طالباً أو يتيمًا على مدار العام ليس فقط بشهر رمضان المبارك.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…