ماجد ع محمد
بالرغم من أن دولة الملالي تتلقى ضربة عقب أُخرى من إسرائيل في سورية، إلاَّ أن طهران لا تأتي بأيّة حركة تشي بأنها في وارد الرد على مَن يستهدفون رؤوس حربتها، إذ أن آخر ضربةٍ تلقتها طهران من قِبل إسرائيل كانت فجر يوم الثلاثاء في 26 آذار (مارس) 2024، والضربة الأخيرة التي استهدفت موقعاً للحرس الثوري الإيراني في دير الزور شرق سورية لم تكن تحذيرية أو تخويفية، إنما أدت إلى مقتل 13 شخصاً من المقاتلين الموالين لإيران بينهم ضابط برتبة عقيد، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وطهران حيال تعرُّض مواقع ميليشياتها للضربات المتكررة غدت كحال النظام السوري الذي يحتفظ بحق الرد على إسرائيل منذ عقودٍ طويلة، بينما تراه ـ أي النظام السوري ـ أسرع من البرق إذا ما تعلّق الأمرُ بالمواطنين السوريين واعتراضاتهم أو مطالبهم، ولا يتوانى عن صب جام حقده عليهم في لمح البصر، وكذلك الأمر هو حالياً وضع دولة الملالي المتغطرسة التي ما تزال تمارس طغيانها عبر ميليشياتها في مجموعة من دول المنطقة وتستقوي من حينٍ لآخر على إقليم كردستان العراق، إلاّ أنها في ما يتعلق بالضربات الإسرائيلية التي تستهدف مستشاريها وقادتها الميدانيين في سورية فهي تتبع خطى النظام السوري في الاحتفاظ بحق الرد، وفي هذا الإطار كتب الإعلامي السوري فيصل القاسم متهكماً: “إن إيران تُمهل إسرائيل 1000 سنة لوقف العدوان على غزة، وإذا لم تتوقف بعد هذه المهلة فسوف تضرب سوريا”.
والأغرب من ذلك في خط الاِنحناء والتقهقر في المواقف، راحت طهران في الآونة الأخيرة تحاكي أنشطة منظمات المجتمع المدني وممارسات الأحزاب والتجمعات الطلابية والمتطوعين في استراتيجية مقاطعة بضائع دولةٍ ما من أجل إلحاق الضرر الاقتصادي بها بدلاً من الرد العسكري، حيث أن تلك المنظمات عادةً ما تفعل ذلك لأن ليس لديها القدرة على الرد على هذه الدولة أو تلك، وهي عاجزة تماماً عن مواجهتها بالطرق الأخرى، لذا تعبّر عن رفضها لسياسة أو أفعال دولة ما بهذه الطريقة السلمية، ولكن الغريب في الأمر هو أن تقوم دولة معروفة بعدوانها وغطرستها بما تقوم به المنظمات أو الحركات الجماهيرية!
وفي هذا الصدد كان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قد أكد في تاريخ 19 شباط (فبراير) 2024 أنَّ البضائع الإسرائيلية لن تدخل الأراضي الإيرانية، وأضاف كنعاني في مؤتمره الصحفي الأسبوعي بشأن ما تناقلته مواقع إخبارية عن دخول بضائع إسرائيلية إلى إيران: “يمنع قطعًا إدخال البضائع الصهيونية إلى إيران”، وأشار إلى أن مقاطعة السلع الإسرائيلية مطلب لكل الأحرار في العالم، قائلاً: “إذا قطعت شرايين هذا النظام، ولو من قبل الدول الإسلامية، فإنه لا توجد إمكانية لاستمرار جرائمه بهذا الحجم”.
ولا شك في أن لجوء دولة الملالي التي لم تسلم مجموعة من دول المنطقة مِن شرها إلى محاكاة التنظيمات والأحزاب السياسية الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة ولا سلطة، إشارة واضحة إلى وضع طهران الهزيل والمضعضع أمام مَن هم أقوى منها، إضافةً إلى عدم قدرتها على رد الاعتبار، بل وهي دلالة إما إلى رضاها الضمني عن التخلص من أذيالها الرخيصة أو إلى خنوعها التام بخصوص الهجمات الاسرائيلية المتكررة على قادتها ومستشاريها في سورية ولبنان، علماً أن هذه الدولة التي تتدخل في شؤون كل من اليمن وسورية والعراق ولبنان تمارس كل الموبقات بحق تلك البدان من خلال أدواتها، كما أنها تسلّط ميليشياتها العدوانية على شعوب تلك الدول ولا تكف عن ممارسة طغيانها في تلك المضارب عبر أذرعها الإرهابية المنتشرة فيها.
وبخصوص ذلك التضاد السلوكي لدى طهران ورضوخها قد لا تكون الشماتة بموقفها المُحرِج محمودة في الإطار الاجتماعي، إلاَّ أنَّ الشماتة بالمتغطرسين ليست من المعايب، إنما قد تمنح الضعيف أو المظلوم لحظات من الفرح المسروق، وذلك باعتبار أن المتغطرس إن لم يجد من يُلقنه الدروس ويجرّعه المرارة سيظل يمارس طغيانه على من هم أضعف منه، لذا ففيما يتعلق بالمتعجرفين والعدوانيين، فلا بأس بأن يشمت المرء بهم، وربما يبلغ النشوة أيضاً في الذي تفعل طائرات إسرائيل بهم، وفي هذا الصدد بودي ذكر قول أحد المسنين في منطقتنا حيال العلاقة الشائكة بين إسرائيل والدول الاستبدادية في المنطقة، حيث كان دائماً ما يقول: لولا عصا إسرائيل على رقاب هؤلاء الحكام والأنظمة لمارسوا بحق شعوبها ما هو أبشع من ممارسات سلطات القرون الوسطى في أوروبا.
وحقيقةً فإنَّ طهران من خلال هذه الازدواجية السلوكية لا تشبه إلاَّ المرضى النفسيين ممن يتنمّرون على غيرهم من البشر في محيط اجتماعي ما، الذين قد تراهم عقبَ الغطرسةِ والفوقيةِ بلحظاتٍ قليلة جداً وهم في أتمّ حالات الجبن والخنوع والخزي أمام جبَّارين آخرين أكثر سطوةً منهم، ولا شك في أن تلك النماذج المَرَضية البغيضة موجودة بكثرة في المجتمعات المدحورة التي تعاني من القهر والإنكسار، حيث أن الفرد المستبد والمتغطرس بينهم إذا ما أُتيحت له الفرصة تراه يمارس كامل عدوانه وعجرفته وتسلطه على مَن هم أضعف منه قوةً أو شأنا، بينما الشخص نفسه تراه رعديداً، خنوعاً، مذعناً، منقاداً وذليلاً عندما يكون في حضرة من هم أقوى منه.