نحن الكورد انفصاليون (1)

د. محمود عباس
ما زال جزء من الإرث البالي لشعوب دول العالم الثالث ذات الهامش الديمقراطي حيا لدى البعض من ناسها، أما الدكتاتورية منها، حدث ولا حرج، غارقة فيه إلى الأذقان، وأحيانا يتعدى نطاق الخيال.
 وفي سوريا التي عاشت عقودا من الزمن في كنف القوميين الدكتاتوريين تحوّل الكثير من ديمقراطييها الحاليين، إلى مرشدين ناصحين، تؤلمهم ما تؤول إليه سوريا الآن، ليس رأفة بقتلاها ومسجونيها، والمفقودين والمهجّرين والباقين فيها أحياء، بل لأنها تحبو نحو التمزق حسب رؤيتهم الحانية! فالمعاناة والقتل الجاري والتشرد، ليس بذي بال وما يعانونه من مشقة العيش، والموت الذي يداهمهم من براميل الأسد وطائرات بوتين عقوبة يستحقون نيلها، إدلب دولة، والإدارة الذاتية دولة وجبهة النصرة دولة، ربما أكثر ما تؤلمهم الإدارة الذاتية، والقضية الكوردية، وتحديد المكتسبات التي حصلوا عليها، متغاضين تماما عن وجود النظام وحليفته إيران ومنقذه بوتين هناك، ولهم جولاتهم وصولاتهم فيها.
لكن ليس لدينا حول ولا قوة لمنع هؤلاء من استغلال شرعية قضيتنا في تمرير أجنداتهم، وهذا واضح لهؤلاء؛ ولكن لماذا لا يظهرون بمظهر الوطنيين الأصلاء على حساب شعب مغلوب على أمره تتقاذفه مصالح الأطراف يمنة ويسرة كيفما تشاء.
نظرا لما أوردناه آنفا، كيف تتقاذف بنا مصالح الجهات، ونحن لا نملك من أسباب القوة تمكننا من تجنب ما يحصل لنا. هذه الحالة التي نحن فيها لم تأتِ لأننا كنا انتهازيين متسلقين أو مارقين أو خونة للعهد كما يدّعي اليوم كم لا بأس به من إخواننا وشركائنا في الأرض والتاريخ والدين، وهؤلاء على دراية تامة أن ما أودى بنا إلى هذا الوضع هو الوفاء بما كان بيننا وبين إخوتنا منذ دخولنا الدين الحنيف، ولا يخفى عليهم حين كان الواجب الأخوي والديني يدعو إلى ذلك كنا السبّاقين إليه باذلا الغالي والثمين منا في سبيل ذلك. واليوم هؤلاء طمعا في أرضنا التي تعود ملكيتنا لها إلى الآلاف من السنين، والحفريات الأرضية تشهد عليها كلما نبشها الآركيولوجيون من مختلف البعثات المختصة في هذا المجال. طمعهم هذا يدفعهم إلى تلفيق شتى التهم بحقنا، ونحن براء منها براء الذئب من دم يوسف، وغالبية تخرّصاتهم لا تمت إلى المنطق ولا إلى الواقع كما يدّعون.
مع ذلك وليدرك هؤلاء المرشدون وسياسيو الأنظمة المحتلة لكوردستان والخبثاء من كتابهم، في ظل هذا الوباء المتفاقم، أن تهمة الحراك الكوردي بالانفصاليين، ليست بناقصة، ولا بعدا عن الوطنية عندما يكون المقابل غارق في المنهجية العنصرية، كما والترويج لها للطعن في وطنية الكورد، مطعونة فيها ما دام هذا هو منطق من نحاول أن نشاركهم الوطن اللاوطن، بغض النظر على أنه لا أساس لهذه التهمة، إلا في مخيلتهم، ولا وجود لها في جميع أدبيات الحراك الكوردي، ولكن هذه الممارسات العنصرية تدفع بالحراك الكوردي إلى إعادة النظر في منهجيته، ليس في طرح الانفصال، بل كبعد وطني التعامل مع الأنظمة الدكتاتورية والشريحة الموبوءة بمنهجية فصلهم عن الوطن المحتل، فصلهم عن كوردستان.
  فالشعب الكوردي وحراكه كان ولا يزال يطمح إلى بناء العلاقات الإنسانية – الحضارية مع الشعوب المجاورة، فلم يرفعوا شعار الانفصال يوما، رغم جرائم السلطات بحق الشعب الكوردي، وحصروا نضالهم في البعد الوطني؛ وحافظوا على العلاقات الإنسانية، تقديرا للشرائح الواعية من الشعوب التي تقاسمنا معهم الأوطان لعقود طويلة، حتى عندما تحولت تلك الأوطان إلى وكر للمنافقين والمجرمين، تديرها سلطات فاسدة عنصرية.
  كنا نأمل أن يكون المصطلح تهمة منطقية لنتبرأ منه وبإسنادات، ونستمر بالعمل على تمتين الشراكة في الأوطان التي أفسدوها، لكن الدفاع عن تهمة لا أساس لها يؤدي إلى عكس المطلوب. مع ذلك تكتم حراكنا الكوردي على المصطلح وتم نفيه لعقود، مع ذلك لم يتمكن من تغير الصور النمطية المترسخة في أذهان الشريحة العنصرية، ومن الغريب أن التهمة تفاقمت كلما حضرت القضية الكوردية، ولم تخمد رغم مطالبة حراكنا المستمر بالحوار على القضية بمنطق سليم، ووعي إنساني، والكل يعلم أن كوردستان محتلة، وهي حقيقة لا يمكن أن ينفيها أي عاقل أو منظمة إنسانية أو سياسي صاحب فكر حر ومنطق، وللأسف هذه الحقيقة لم تخلق فيهم الذهنية الوطنية.
نتساءل هنا: هل هذا الجشع المهيمن عليهم لصالح أحدِنا؟
  الجواب معروف، لم يعد يخفى في عصر الإنترنيت، فبعيدا عن خباثة السياسة ونفاق الدبلوماسية، نهضت الشعوب وأدركت ما تعانيه من سلطاتها المستبدة، وفي مسيرة النضال تعرت ليست فقط السلطات بل الشرائح الانتهازية والعنصريين المختفين تحت عباءة الدين والوطنية، وتبينت غاياتهم حيث خلق البلبلة بين شعوب المنطقة، من خلال إحياء الدعاية التي كانت قد خمدت لبعض الوقت، على خلفية حصول الشعب الكوردي على بعض الحقوق الإنسانية والمكتسبات القومية، فأصبحوا يخططون على دفع الحراك الكوردي بالتحول من منهجية بناء الوطن المشترك، إلى حركة انفصالية، وتحريضهم للمطالبة بتقسيم سوريا، والعراق، وإيران، وتركيا، وفي الواقع هذا ما يجب على الشعب الكوردي النضال من أجله، فيما إذا ظلت سلطات الدول المحتلة لكوردستان تمارس الاستبداد، وتفرض الأحزاب الشمولية، وتحافظ على دساتيرها العنصرية، ولا تقبل الكورد كثاني مكون في الوطن الجامع….
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
11/3/2024م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…