في خلفية نوروز دهوك 2024

إبراهيم محمود
” إلى إ. ي ، لأجل كلمت قيلت وحلَّقت “
دهوك في رحابة مسائها النوروزي…
ترتل دهوكُ ذات الشان الجغرافي- التاريخي، في سورة طوفانها المباغت، وهي الصاعدة بجراحاتها، ما يزيدها شأناً. جهاتها ترتفع بها، مهابطها حيث الضحايا، حيث الخسائر الموجعة، حيث القبور ذاتها شهدت قيامة موتى لها اضطراراً، حيث الأرض عينها تململت، تقلقلت واضطربت تحت أثقال متحدة رتبت لها علوم الغيب، وهندست خطوطها العريضة غيوماً، رعوداً، سحباً كانت أميل إلى الصمت خلاف أدوارها السابقة، وهي تبث ألسنة سياطية ، خطوطاً بيانية حمراء، صدوعاً مشتعلة في الخريطة الخيمية المنصوبة التي استغرقت سماء دهوك، ومُثلت بـ” العتاد ” الحي على نطاق دهوك، والماء هو الذخيرة الأكثر جوداً بها من قبل موجّه طبيعي، فلكيّ اقشعرت لها ساعة دهوك في ليل ثلاثائها ” 19-3/ 2024 ” كما لو أن كاوا الحداد نفسه بدَّل مطرقته بمؤشر مطري، والشرارات استحالت بروقاً ورعوداً مزمجرة وأمطاراً.
لم يكن في مقدور دهوك أن تردّ كل هابط دفعاً رباعياً لا يجارى من الأعلى، أيْ مأمور أعطيَ أذناً ليصد آمراً اُعتيدَ فيه مثل هذا الاندفاع العمودي والانتثار الأفقي، كما لو أن الفسحة الفضائية الموازية لجغرافية دهوك، تطابقت مع حدودها وأسبلت مياهاً لا انقطاع بين قطرة وأختها، إنما انسيابيات حطت رحالها بقانونها المستجد في كامل دهوك: أبنيةً، ساحات، شوارع، زوايا، حدائق، منحدرات، سفوح الجبل، وكل فراغ يسمّي هذه الجغرافية، سابقة أجفلت صُم الأرض وبكمها، قبل كائناتها، كما عرِفت ترجمات ٍ مباشرة لها في خرائب مائية النسب، ليجري احتكار المدينة، أو حيازتها أرضياً لصالح هذا التدفق المائي المتنامي، وكل ما هو قائم، أو نابت في الأرض، أو مغروس فيها، أو موقوف، أو متوقف، أو مركون، أو مثبت، جرى ضبطه واختبار قواه بقوى هذا الجاري بطوفانه المستجد وهو يتحري كل شق أرضي، كل صدع كامن، كل جحر، أو ثقب، أو أخدود، وتعميق الأثر، وبلبلة أعماق الأرض، وما هو في عهدة سبات من الكائنات الحية، دون استثناء، والدفع بها في طريق لا إشارة مرور له، لا قابلية توقيف، لا خط بداية أو نهاية مجار قائمة، وأخرى طارئة، وسواها تتشكل، ومطايا مرئية مما هو جار جرْفه أثاثاً، أدوات، أمتعة، سيارات، أغصان أشجار، جذوع، أوراقها، حيوانات تتلاعب بها المويجات السافرة بما هو متوقع، هي نفسها تتبع مجهول الاسم كونياً، رفقة صيحات استغاثة، بكاء، عويل، وتعليمات ارتجالية تفشل في تأكيد سلطتها، على وقع هذا التدافع المائي بمخاطره وذعر الأحياء..
محقون هؤلاء الذين اعتبروا الجاري طوفاناً في التاريخ الأحدث لدهوك المنكوبة.
وليس لآذار الكردي إلا أن يلعق المزيد من الجراحات المضافة إلى شقيقاتها الماضية، وتوائمها النازفة، ليس لنوروز إلا أن يصعد بوشيك اسمه، على هذا المباغت والمتنقل مشاهد حية إلى جهات غاية في البعد.. وليستمر الحدث أكبر مما هو عليه، في التوصيف والتعريف، حتى بعد انتهاء مدته الفعلية، هو تدفق معناه في النفوس والرؤوس، وتلك السرود التي تنسج على وقعه ما يزيد في توقيته وانفجار دلالاته.
دهوك التي يصبح لاسمها وقْع أبعد مما هو كردستاني فيها، أبعد مما تردد صداها في مهاباد، آمد، قامشلو، وفي لسان كل كردي بالاسم الفعلي أو الشكلي في أقاصي الأرض، وفي مخيلة المأخوذين بلحظات ممتدة في الزمن كهذه، صعدت بتاريخ آخر، وبذاكرة أخرى، وهي مضمخة بالأوجاع، بكاثرة طوفانها، لم تضم جناحيها الكبيرين على خاصرتيها، وتعلن الحداد، خارجة عن صورتها المعتادة، إنما أبقت جناحيها رغم شعلة جراحاتها بكامل مساحتهما، ورفعت من معنويات نوروزيّيها، ولم تسمح لكاوا حدادها أن يغادرها في ليل نوروزها دون أن تُلتقَط له صورة، وهو ينغّم شرارات مطرقته الريشة الأسطورية على وتريْ زاوا الجبل المعتد بموقعه، ونثر الصدى إلى أبعد من المدن الشقيقات التي واست دهوك، ومن الذين امتلأوا بهيبة اللحظة التاريخية هذه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…