الرد على مقال فوزي الاتروشي (التشفي العربي من الكورد)

بقلم قحطان الشرابي 

السيد المحترم فوزي الأتروشي ، لقد قرأت مقالكم الكريم تحت عنوان ))التشفي العربي من الكورد (( لذلك قررت أن اكتب هذه الكلمات ، حيث أنني لا أعتبرها رداً مطلقاً على ماجاء في مقالكم لأنني اتفق جزئياً مع بعض ماجاء فيه وإن كنت لا أتفق بالمجمل معك ومع فكرك القومي و الإيديولوجي، فأنا ضد مبدأ الحروب في حل الآزمات بين الأخوة، ومعروف أن الأكراد بغالبيتهم مسلمين وما يجمعهم بالعرب والأتراك والفرس وبقية شعوب المنطقة أكثر مما يفرقهم ، فالدين عماد الحياة واحد وهو الإسلام  ، والمنطقة واحدة والعادات واحدة والشعب يحمل طبائع متشابهة بكل مكوناته العرقية والأثنية
فأنا ضد مبدأ التشفي في أي شعب من الشعوب، وضد المعاملة بالمثل، وإن كنت أتفهم شعور الكتاب الذين تحدثت عنهم والذين يشجعون تركيا على كبح لجام المتمردين الأكراد ، فهم يتصرفون بالمثل رداً على المثقفين الأكراد الذين سخروا اقلامهم وجهودهم وأموال ابنائهم لدعم أحتلال العراق ، كيف لا وأنت تشاهد على شاشات التلفزيون الكارثة التي حلت بالعراق وأبناءه ، فكم  من طفل قضى نحبه على يد القوات الغازية ؟ وكم من ينتظر ؟؟ و كم مليون عراقي مهجر  ؟ وكم أمرآة هتك عرضها ؟؟ وكم كم وكم !! كلها جعلت المواطن العربي يمتلئ كرهاً للغزاة وبالتأكيد يمتلئ أيضاً ألماً وحزناً  من أخوانهم من بقية المسلمين الذين ساعدوا الغزاة في جريمتهم دون حياء أو أية خجل من التاريخ أو من الشعوب !!  
السيد فوزي الأتروشي ما أعرفه عنك هو انك سياسي وكاتب وشاعر قبل هذا وذاك وما ألتمسه منك وما أريده هو أن تصارح نفسك قبل ان تصارح المجتمع ، وان تبتعد عن ((كتابات المراهقين)) الأكراد وعذراً على اللفظ .
 فالحديث لمجرد الحديث لا يجدي نفعاً ، إنما يجب أن يكون الحوار  بغرض الوصول إلى الحقيقة أولاً مع مراعاة الواقع والظروف ثانياً ، هذا طبعاً إذا كانت هناك رغبة حقيقة من الأطراف المتحاورة ، فأنا لا أستطيع ان اكمل حواراً معك إذا بقيت تتمسك بعبارات تكريد تم أختراعها منذ بضع سنوات مثل ((كوردستان سوريا)) وكركوك الكردية وكردستان العراق وكردستان أيران وكردستان تركيا   و200 ألف كردي سوري محرومين من الجنسية واضهاد الأكراد والمحرقة الكردية (هولوكوست الأكراد الجديد)، يعني ارجوا أن تبتعد عن الفقاعات الأعلامية قدر الأمكان لكي تكون هناك ارضية للحوار ، ولكي نشعر بأن هناك مثقفاً كردياً واحداً على الأقل صادقاً مع نفسه ومع التاريخ .
 فعلى أي أساس أستاذنا الكريم تريد لنفط العراق ان يسمى نفطاً كردستانياً ؟ فأنت تقول وتقر وتعترف بأن الأكراد لا يمكنهم أن يستقلوا وينفصلوا وينسلخوا عن العراق او عن المحيط العربي وهذا حديث منطقي بحكم أنهم ليسوا قادرين على الأستقلال نظراً للظروف الجيوسياسية المختلفة ولحاجتهم الماسة للتعامل مع دول الجوار بشكل أو آخر حيث أن كل منافذهم برية وهي مطلة على حدود الجوار التي يأبى الأكراد إلا ان يعادوا شعوبها ويعتبروها شعوب مجرمة ودموية وهم شعب الله المختار في المنطقة !!
  ثم يا أخي الكريم لماذا هذه الهجمة العنيفة على العرب لمجرد أنهم كتبوا كلمات لا تلقي لها الحكومة التركية حالاً ولا بال، فتركيا لا تبني سياسة حروبها على أقلام عروبية عنصرية كما يصفهم الأكراد !! لكن بالمقابل ماذا تقول عن تلك الأقلام الكردية التي آزرت ومازالت تآزر هي وقياداتها معنوياً وأعلامياً ومادياً وعسكرياً القوات التي تقتل ابناء العراق ؟؟ وماذا تقول عن الأقلام الكردية التي تمتدح ليلاً نهاراً الإسرائيليين وتعتبرهم أصدقاء وأحباء وهم الذين يقتلون أبناء فلسطين ؟؟ فمن ياترى يضهد الآخر ؟ وما هي نسبة الأقلام الكردية التي تشجع أمريكا وأسرائيل ضد العرب مقابل الأقلام العربية التي تشجع الأتراك ضد (المتمردين والمقاتلين الأكراد)  وليس ضد كل الأكراد ؟؟ 
أنتم ياسيدي الكريم كمثقفين أكراد للأسف لم تستطع عقلياتكم بعد أن تفرق بين شعوب المنطقة وبين قياداتها ! رغم أن أغلبية العرب على سبيل المثال غير راضيين عن تصرفات حكامهم إلا أنكم تجعلونهم في خانة واحدة وهي خانة الأعداء فأنتم ياسيدي الفاضل عندما تقفون مع أعداء الشعوب المحيطة بكم ضد مصالحها فأنتم تستعدونها ، فالأحتلال لن يطال الحكومات بقدر ما يطال الشعب ويؤذيه ، فهذه الأستراتيجية من وجهة نظري ستولد مزيداً من العداء للأخوة الأكراد هم بغنى عنها.

  
وأريد على هامش الموضوع أن أسألك سؤالاً استاذنا المحترم وهو ماذا تقول للأقلام التي تمتدح إسرائيل وشعبها الطيب كما تزعمون !! ورؤساء إسرائيل وتمجدونهم وتقولون بأنهم أفضل من كل شعوب المنطقة ؟ فماهي الموازنة ؟؟ فقط لأن شمعون بيريز قال حل مشكلة العراق لا يكون إلا على أساس فيدرالي ؟؟ فلوا انك قرأت بعين الحياد دون أي عنصرية بليدة وبدائية ما يكتب بالمنتديات الكردية من عبارات تجريح وتشفي لما يحدث للعرب فأنا على يقين بأن فكرك الأدبي واحساسك الذي أنتج اشعاراً وفكراً وأدباً لن يسمح لك بكتابة هذا المقال الملئ بالأخطاء والأتهامات الباطلة !!
ولا تقل لي سيدي الكريم  حلبجة ومافعله صدام حسين وغيرها من الحجج الواهية، فصدام حسين فرد تصرف بسياساته وهو يتحمل أخطاءه ولا يتحملها كل العرب، وقد مات وانتهى إلى مولاه، والشعب العراقي والشعب السوري وبقية الشعوب حالها كحال الأكراد، فأيضاً يتعرضون لظلم الحكام الخونة وهذا لا خلاف لنا معكم فيه، لكن فكر المثقف الكردي لا يزال في نطاق أدب الرواية والخيال إن صح التعبير ، ناهيك عن كونه فكر تحريضي ضد الآخر ، فلم أجد كاتباً كردياً واحد يعالج المسألة الكردية والمطالب الكردية بشئ من الشفافية وبأسلوب علمي بحت يعتمد فيه على المصادر وعلى التاريخ واسس البحث العلمي ، فيما عدا دكتور واحد وهو كردي عراقي أسمه الدكتور عمر ميران ذكر حقيقة الأكراد وتاريخهم المعروف لنا وتم أغتياله من رجالات مسعود البارزاني في الشمال العراقي الديمقراطي !! وقد ذكر الكثير من مؤرخينا منذ مئات السنين الأكراد حيث لم تكن بعد تهمة البعثي موجودة او الصدامي لنعتبرهم من تلك الأصناف !! فذكروا وذهبوا إلى ما ذهب إليه المؤرخ الكردي عمر ميران حول أن الأكراد عبارة عن قبائل ومجتمعات بدائية وهذا لا ينقص من الأكراد لكنها حقيقتهم وهم مازالوا يسمون أعراب فارس حتى بعد الفتوحات الإسلامية ونزولهم في القرون الأخيرة إلى السهول وأختلاطهم بشعوب المنطقة وتأثرهم بها ،فيقول في ذلك : مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي في مخطوطة سبائك الذهب ((فإن كل أمةٍ لها حاضرة وباديٌة، فباديُة العرب الأعراب، وبادية الروم الأرمن، وبادية الترك التركمان، وبادية الفرس الأكراد.)) فالأكراد بادية الفرس الذين عاشوا في الجبال ، فهم لم يأثروا في المجتمعات البشرية ولا بالحضارة البشرية بأي شكل ايجابي يذكر او حتى سلبي، لأنهم كانوا معزولين كما تعلم في الجبال، وأنت تعرف بأن أكراد سوريا قدموا إلى سوريا في بداية القرن التاسع عشر بعض فشل تمرد الشيخ سعيد في تركيا وهذا ليس ببعيد عن زماننا هذا ، أخي الكريم أتحداك أن تأتي بشئ له صلة من بعيد او من قريب بالتاريخ يتحدث عن شئ اسمه حضارة كردية او اي شكل من أشكال الحضارة، كاللغة الكردية او الأدب الكردي او اسهام الكرد في أكتشافات تاريخية أو آثار تعود لوجود كردي أو اي شئ من هذا القبيل، أتحداك تحدي أصدقاء ان تاتينا بشئ من هذا باسلوب علمي موثق !!
أنا لست ضد الكردي، وبنفس المقياس لا أريد ان يكون الكردي ضدي فقط لأنني عربي ، ولا أعرف كيف يقيس المثقفين الأكراد بمكيالين ؟! ففي الوقت الذي يتهجمون على القومية العروبية كما يسمونها ويعتبرونها جهلاً وتخلفاً وأضطهاداً وشوفينية فهم نفسهم يمجدون ويطالبون بقومية كردية ويعتبرونها حقاً من حقوقهم !! رغم أن ماللعرب من مقومات القومية وأسهامهم التاريخي في أغناء الحضارة الإنسانية أكبر بمئات الأضعاف ما للأكراد ، حتى أنه لا يوجد أوجه للمقارنة بينهم لا من حيث اللغة ولا من حيث الواقع الجغرافي ولا من جهة التاريخ المشترك ولا من أي منظور آخر ، فلماذا تهاجمون القوميين العرب في حين أن العرب ليسوا كلهم قوميين !! في حين أن الأكراد كلهم قوميين وعنصريين لقوميتهم لدرجة أقصاء ورفض الآخر وأعتبار جميع القوميات في المنطقة عدوة ولا قيمة لها !! ماهذا المنطق وماهذه العقلية التي تريدون من خلالها ان تقف شعوب المنطقة معكم او حتى تسمعكم وتتفاعل معكم ؟! 
 لا أريد الأكراد أن يستخفوا بشعور شعوب المنطقة عبر بعض الأكاذيب التي يظهروا بها بمنظر مخجل في أوروبا، كأكذوبة محرقة عامودا مثلاً وهذه تذكرنا بمحرقة اليهود، فهم يقلدون أكاذيب اليهود تقليداً أعمى، ولا يتحدثون إلا عن أضهاد للأكراد دون بقية شعوب المنطقة، وهذا كذب محض ، وعيب وشئ مخزي ومقزز وفعلاً لا نستطيع تفسيره إلا أستخفافاً بشعوب المنطقة قاطبة وبعقولها، فشعوب المنطقة تعرف تاريخ المنطقة جيداً وتعرف أن الأكراد قاموا بجرائم ضد الأرمن والسريان والآشوريين ولم يكن هناك جريمة منظمة أو قتل جماعي ضد الأكراد تاريخياً ! إلا اللهم ماحدث بين الأكراد أنفسهم من أقتتال أو ملحق بأكراد حلبجة في غضون الحرب العراقية الأيرانية ومازالت الأنباء متضاربة حول الفاعل هل هو صدام أم ايران ؟؟
فضلاً على أنكم تعلمون بأن شعوب المنطقة كلها مضطهدة كما تعلمون ولاتنعم بأي شكل من أشكال الديمقراطية، وإذا كانت هناك دكتاتورية فهي مطبقة على الجميع .


مسألة آخرى أستاذ  فوزي هي مسألة أتهامكم الآخر بالدكتاتورية في حين أنكم تطبقون أشد أنواع الدكتاتورية، فهل تعرف كم عدد سجناء السياسيين في شمال العراق ؟؟ وماهو حكم من يعارض السيد مسعود البارزاني ؟؟ وما مصير من يفند أكاذيب كردية سواء أكان كردياً ام غير ذلك ؟؟ وهل سمعت بالقوائم السوداء التي نشرها الأكراد على مواقعهم تحت عنوان ((أيها الكردي أعرف عدوك)) ويحرضون ويهددون كل من يخالفهم الرأي ؟؟ فهل قام العرب بنشر قوائم سوداء لكل من يتهجم عليهم وعلى قياداتهم ويخالفهم الرأي ؟؟ أعتقد قطعاً لم يحدث هذا ولن يحدث !
ثم أريد أن اقول لك ولجميع المثقفين الأكراد ماذا تقولون لأمهات ألاف الأتراك الذين قتلوا على يد مقاتلي حزب العمال الكردستاني ؟؟ ماذا تقول لعائلات الأناس الأبرياء في تركيا والعراق الذين قتلهم مقاتلوا العمال والبيشمركه ؟؟ أم ان قتلاكم فقط شهداء وفي الجنة وقتلانا في النار ؟
لماذا تصفون من يقتل في أحداث شغب شهيداً كما حدث في القامشلي، ولاتعتبرونه من المفسدين في الأرض وأنه يريد الفتنة والتخريب وجزاءه ان تقطع ايديه وارجله من خلاف ؟!! فإذا كان في سبيل الله شهيداً فنريد منك أثباتاً شرعيا ً، وإذا كان قتلاكم شهداء في سبيل كردستان فهم كذلك ونعتبرهم في سبيل كردستان ولا نطالبك بأي دليل شرعي .

الأستاذ فوزي إعلم أنه في جميع أنحاء العالم هناك أسس واصول للمظاهرات ، وكل ذلك يجب ان يتم تحت اشراف الدولة او بترخيص منها ، لكن مايفعله الأكراد في المناطق التي يعيشون بها كسوريا وتركيا ابسط ما نقول فيه أنه أسلوب همجي وعدم أحترام للآخر ، حيث يرفعون أعلاماً غير أعلام الدولة التي يعيشون في كنفها ويرددون هتافات عنصرية ومعادية للآخر كما يقومون بأعمال حرق وتكسير للمرافق العامة والتعدي على رموز الدولة كأحراق العلم وغيرها وهذا أيضاً لا يمكن ان ندرجه تحت مسمى مظاهرة سلمية كما تعلم ، وهذا كله يورث الضغينة والحقد بين أبناء المنطقة وأعلم سيدي أن كل ما يحدث من نتائج بسبب هذه الضغينة يتحمل مسؤوليتها المثقفين الأكراد وقادة الأحزاب الكردية الذين أعتبرهم قادوا المنطقة إلى هاوية عبر أوهام  تجدهم نفسهم يعلمون أنها عارية عن الصحة ولا تستند لأي دليل علمي او تاريخي او منطقي  .


ختاماً سيدي أعتذر عن اي اساءة صدرت بغير قصد بحق أي شخص او اي رمز .

15/11/2007م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…