(الكُرد بين ارهاب الدولة القومية والاسلام السياسي)

 

الدكتور عبد الفتاح بوطاني

 

صدر بالعنوان المثير اعلاه مؤلف للكاتب و السياسي الكوردي المعروف صلاح بدرالدين، والكتاب دراسة نظرية رصينة يبحث، ولاول مرة وباللغة العربية، معاناة الكورد التأريخية في ظل الدول القومية التي تتقاسم كوردستان، وكيف تحول اضطهادها القومي للكورد بعد الحرب العالمية الثانية الى اضطهادهم قومياً، ولكن هذه المرة بواسطة اداة جديدة وهي الاسلام السياسي، الذي اصبح الوجه الثاني لقومية المحتل المضطهد.
لقد تناول العديد من الكتاب والسياسيين الكورد مسألة الاسلام السياسي والارهاب وعلاقتهما بالكورد وتأثيرهما على حركتهم القومية التحررية، ولكن، وعلى قدرعلمي، لم يسبق لأحدهم ان عالج هذا الموضوع بالدقة والجرأة التي وجدتها في هذا الكتاب، الذي اتمنى ان يطلع عليه الشباب وكل المعنيين بهذه المسألة المهمة والخطيرة في آن واحد، لما لها من الاثر البالغ على مستقبلنا القومي.

 

يقول المؤلف عن دافع تأليفه للكتاب:” بعد ان اصبح الارهاب بمختلف اشكاله جزء من حياتنا وهاجساً يحسب له الحساب في طريقة تفكيرنا وبرامج عملنا في حاضرنا ومستقبلنا، شعرت بضرورة أن اقوم بمحاولة في الاسهام بهذا الجهد النظري المتواضع حول آفة العصر الراهن وتأثيراتها المباشرة على محيطنا الاجتماعي في بلادنا ومنطقتنا، وعلى الكورد وقضيتهم وكفاحهم وجذورها واسبابها ووسائلها ونتائجها الكارثية، وانعكاساتها على مسيرة التطور والبناء والتغيير الديمقراطي المنشود.”
ان خطورة وحساسية المواضيع التي تطرق اليها المؤلف، جعلت من استاذ علم السياسة المساعد الدكتور شيرزاد النجار، ان يتهيب في تقديم الكتاب للقراء، فقد كتب في تقديمه يقول:”ان كتابة تصدير لكتاب يبحث في مواضيع حساسة ودقيقة وهامة، ليست بمهمة سهلة بل هي معقدة بقدر القضايا المعقدة التي يبحثها الكتاب”، وجاء تقديم النجار العلمي للكتاب ليضفي المزيد من الاهمية عليه وعلى مواضيعه الوثيقة الصلة بحالة الكورد واوضاعهم المتشابكة في المعادلة السياسية الدولية المعقدة.
يرى صلاح بدرالدين، بانه لافرق بين ارهاب وآخر “فالارهاب واحد كيفما كان واينما كان، لانه في جميع الحالات، اما ان يكون جريمة منظمة اوعنصرياً اودينياً اوطائفياً، اوسياسياً اوفكرياً سلطوياً او فئوياً، والجميع يتساوى في العجز من تحقيق اهدافهم بالطرق المشروعة..”.
ويرى كذلك،” ان خلفية الارهاب تأريخياً في كوردستان، تعود الى عهد الصراع العثماني- الصفوي، الذي بدأ في مطلع القرن السادس عشر، ففي خلال مراحل ذلك الصراع الدموي، والتي دامت قروناً، كان شعب كوردستان الموزع بين الدولتين وقوداً لارهابهما المشبع بروح ومفاهيم الاستبداد الشرقي البالغ القسوة، واستمر ذلك وبنفس القدر من القهر والخطورة من جانب الانظمة في الدول التي قامت على انقاض الدولة العثمانية ومنها: تركيا، العراق، وسوريا، فضلاً عن ايران، وهكذا فان شعب كوردستان قد استمر في معاناة الارهاب (الدولتي) اكثر من ستة قرون وبجميع اشكاله المعروفة لدى المجتمع الدولي.”
اذا قرأ المرء كتاب ” الكرد بين ارهاب الدولة القومية والاسلام السياسي” بدقة وبامعان، دون توجه او انحياز مسبق لجهة معينة، سيجد ان المؤلف يطرح بشكل مباشر او غير مباشر مجموعة اسئلة في غاية الجرأة والاهمية، ويجيب عليها في ثنايا كتابه وبشكل مختصر وبموجب قاعدة “خيرالكلام ماقل ودل”، ففي رأيه ان حركات الاسلام السياسي في كوردستان، وجدت بتأثيرات خارجية، وانها تلعب دوراً سلبياً في مسار الحركة القومية الكوردية، وقد ثبت من اتجاهها العام بانها لاتؤمن بالديمقراطية، ويرى ان على القيادة السياسية الكوردستانية وحكومة اقليم كوردستان، ان تعيداً النظر – واستناداً على الوقائع – في مواقفهما من حركات الاسلام السياسي اذا ارادتا تجفيف منابع الارهاب في الاقليم.
وبالامكان صياغة بعض الاسئلة التي طرحها المؤلف وكالاتي:
1- هل يعزز الاسلام السياسي في كوردستان الانتماء الوطني الكوردي؟
2- هل يؤمن الاسلام السياسي بالديمقراطية؟
3- هل هناك حركة اسلامية كوردية مستقلة؟
4- كيف كان موقف الغرب من ظهور الاسلام السياسي؟
5- ماهي مبررات ظهور حركات الاسلام السياسي في كوردستان؟
ويرى الاستاذ صلاح بدرالدين، ان الانتماء الاسلامي للكورد لايعزز انتماءهم الوطني، بسبب ان الدين لله والوطن للجميع اولاً، وان الكورد يعتنقون عدة ديانات اخرى الى جانب الاسلام، ثم ان انتماء الكورد للاسلام لم يشفع لهم طيلة قرون العهد العثماني، وفي ظل الجمهورية الاسلامية في ايران، وامام الموقف الشوفيني من الحزب الاسلامي الحاكم في تركيا، والسياسة المعادية للكورد من جانب معظم مجموعات وفرق الاسلام السياسي في المنطقة وخاصة في العراق.
واضيف الى ما ذهب اليه المؤلف: باننا لسنا بحاجة الى احزاب الاسلام السياسي، لأن الكورد كانوا ومازالوا مسكونون بهمهم القومي، ومازالوا يعانون من الاضطهاد القومي، والاسلام السياسي يعقد امورهم، ويشتت جهودهم، ويمييع قضيتهم، بالعمل على افراغ النضال القومي الكوردي من دلالاته القومية، هذا فضلاً عن، انه يخلق فوضى دينية في كوردستان، لان هذه الحركات الاصولية في الشرق الاوسط ، وعلى حد قول المؤلف: على الرغم من شعاراتها الدينية البراقة، تنطلق في حقيقة الامر من الايديولوجيا القومية العنصرية وتلبس عباءة الاسلام، وتحاول استغلال مبادئ الدين في خدمة الدعوة القومية الشوفينية، وما اعلان اسلام – ميشيل عفلق- الا صورة معبرة عن هذه المعادلة.
ان حركات الاسلام السياسي – في رأى المؤلف- لاتؤمن بالديمقراطية ولا بالحل الديمقراطي للقضية الكوردية، بدليل انه لم يجد كلمة ومصطلح الديمقراطية ولو مرة واحدة في وثيقة جماعة الاخوان المسلمين (أم جميع حركات الاسلام السياسي)، ويعتقد ايضاً بان سبب ظهور حركات الاسلام السياسي ، هو الوقوف في وجه التحولات الديمقراطية التي اخذ العالم يشهدها لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية.
واضيف على ما ذهب اليه المؤلف: بان حركات الاسلام السياسي معادية لصميم مبدأ الديمقراطية، لانها ترفض هذا الحق، الا انها لاتكشف عن ذلك، وافضل دليل على عدم ايمانها بالديمقراطية وعجزها عن مواجهة الواقع والازمات ومستجدات العصر، هو لجؤ تلك الحركات الى لغة السلاح والعنف للخروج من ازماتها والسيطرة بالقوة على مقاليد الامور، هذا فضلاً عن انحيازها الى النهج القومي الشوفيني، عندما وصل الامر الى امكانية اجراء التغيير الديمقراطي في المنطقة وازالة الانظمة الدكتاتورية، لاسيما بعد سقوط الدكتاتورية في العراق، على حد قول المؤلف.
وعن وجود حركة اسلامية سياسية كوردية مستقلة، يقول الاستاذ صلاح بدرالدين: ان الاسلام السياسي في الدول التي تقتسم كوردستان تمثل الوجه الثاني لقومية المحتل، وان وجود اعضاء من اصول كوردية في صفوف جماعات الاسلام السياسي، لايسجل كموقف ايجابي من القضية الكوردية، لأن هولاء ليسوا ممثلين للشعب الكوردي ولا للقومية الكوردية، وليسوا على رأس (الفرع الكوردي للاخوان المسلمين) مثلاَ، ولا يصدرون بيانات الجماعة باللغة الكوردية. هذا فضلاً عن تلقيها الدعم المالي من دول وجهات خارجية.
وانا ايضاً لا اعتقد بوجود حركة اسلامية كوردية مستقلة بمعنى الكلمة، لأن اهداف اية حركة من هذا القبيل ، تصب في تغيير صورة الكوردي الى صورة المسلم فقط ، وهذا معناه العودة الى تاريخ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عندما كان الكوردي يرى صورته كمسلم لاككوردي ذو انتماء قومي مثل العربي والتركي والفارسي.
اما عن موقف الغرب (الرأسمالي) من ظهور حركات الاسلام السياسي ، فيرى المؤلف: ان الامبريالية العالمية والحركة (الصهيونية) ساهمتا في رعاية عملية خلق وابراز معظم اجنحة حركات الاسلام السياسي ابان مرحلة الحرب الباردة.
وتأييداً الى ماذهب اليه المؤلف اقول: ان الغرب ارتاح لظهور حركات الاسلام السياسي، لتقف ضد الحركات القومية التحررية وضد انتشار الاتحاد السوفيتي (السابق).
وفي ختام تقييمنا لكتاب الاستاذ صلاح بدرالدين الذي يضع النقاط على الكثير من الحروف، ويوقظنا على مسائل مهمة وخطيرة، اقول: ان الدول التي تتقاسم كوردستان – وبدون ادنى شك- تشجع الكورد وبمختلف الوسائل على التمسك بالدين وعلى الانخراط في تنظيمات الاسلام السياسي التي تشكلت بدعمها وتشجيعها، لأن ذلك لايشكل خطراً عليها، ويبعد الكورد عن التمسك بقوميتهم التي تدفع بهم الى تاسيس كيان قومي مستقل. من هنا لا يمكن لهذا التيار ان يصبح مرشداً للحركة القومية الكوردية ، لانها تمثل الحركات القومية للشعوب الحاكمة في المنطقة، ومن هنا ايضاً ، او من هذا المنطلق، يطالب الاستاذ صلاح بدرالدين، “القيادة السياسية الكوردية الى مراجعة سياستها تجاه حركات الاسلام السياسي، قبل ان تتفاقم تبعات الحقائق المرة على الارض، وفي الوقت ذاته يطلب من تلك الحركات ان تعيد النظر في برامجها وخطابها السياسي وتقوم بدورها في مواجهة الارهاب بشفافية ووضوح، ودون تردد، وان تعود الى مفاهيم الايمان والعبادة بعيداً عن زج الدين بالعمل الحزبي والسياسي، اذا ارادت خدمة الشعب والوطن وذلك التزاماً بالمصالح الاستراتيجية لشعب كوردستان”.
نعم على حركات الاسلام السياسي في كوردستان ان تعود الى مفاهيم الايمان والعبادة بعيداً عن زج الدين في معترك العمل الحزبي، وعن جعل الآيات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة ادبيات حزبية، لأن ذلك معناه معاداة الفطرة الكوردية، فالاسلام السياسي ، كما هو ثابت تأريخياً، كان امراً غير معروفاً في حياة الكورد السياسية والدينية، واسباب التأثربه تعود الى عوامل واجواء خارجية، ولاننسى ان الحركة القومية الكوردية، ومنذ ميلادها لم تتخذ أطراً دينية ، ولم يبرز فيها، امثال: ميشيل عفلق او كمال اتاتورك، كما ان الافكار الالحادية والوجودية لم تجد يوماً ارضية لها في كوردستان، ولم تحاول اية حركة قومية كوردية اقصاء الدين او تهميشه.
واخيراً لا يسعني الا ان ابارك للاستاذ صلاح بدرالين على كتابه القيم، وعلى اثارته لهذا الموضوع الحساس والخطير، واود ان اسجل هنا قول كاتب لم اعد اتذكر اسمه:
ان التاريخ الكوردي سيلعن الذين يتاجرون بالدين، ويزجونه بالعمل الحزبي والسياسي، ويستغلون العواطف الفطرية النبيلة للشعب الكوردي.
* – صدر الكتاب في ايلول سبتمبر 2005 عن دار ” رابطة كاوا للثقافة الكردية ” بأربيل – كردستان العراق وعدد صفحاته – 112 – بالحجم المتوسط . للمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة موقع الرابطة :
www.hevgirtin.net
د.عبدالفتاح علي البوتاني
كلية الاداب/ جامعة دهوك

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

زاكروس عثمان ما كاد الكورد ينتشون بهروب الرئيس السوري السابق بشار الاسد وسقوط نظام حكمه الدكتاتوري، حتى صدموا سريعا بمواقف و تصريحات مسؤولي مختلف اطراف ما كانت تسمى بالمعارضة السورية والتي غالبيتها بشكل او آخر تتبنى الموقف التركي من قضية كوردستان ڕۆژئاڤا و هو الرفض والانكار. السوريون من الدلف إلى المزراب: اذ بعد هيمنة هيئة تحرير الشام على…

شكري بكر لو أردنا أن نخوض نقاشًا مستفيضًا حول الواقع السياسي لحزب العمال الكوردستاني، يمكننا إعطاء صورة حقيقية لكل ما قام ويقوم به الحزب. سنجد أن الأمور معقدة للغاية، ومتورطة في مجموعة من الملفات الدولية والإقليمية والكوردستانية. يمكن تقريب الصورة عبر معركتي كوباني وشنكال، حيث يتضح أن “كل واحد يعمل بأصله”، دون الدخول في تفاصيل وقوع المعركة في مدينة كوباني…

في اللقاء الأول بعد سقوط الاستبداد ، والأخير للعام الجاري ، للجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، تم تناول التطورات السورية ، وماتوصلت اليها اللجان مع الأطراف المعنية حول المؤتمر الكردي السوري الجامع ، والواردة في الاستخلاصات التالية : أولا – تتقدم لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” بالتهاني القلبية الحارة…

بعد مرور إحدى وستِّين سنةً من استبداد نظام البعث والأسدَين: الأبِّ والابن، اجتمعت اليوم مجموعةٌ من المثقَّفين والنّشطاء وممثِّلي الفعاليات المدنيَّة الكرديَّة في مدينة «ڤوبرتال» الألمانيّة، لمناقشة واقع ومستقبل شعبنافي ظلِّ التغيُّرات السياسيّة الكُبرى التي تشهدها سوريا والمنطقة. لقد أكَّد الحاضرون أنَّ المرحلة الحاليَّة تتطلَّب توحيدالصّفوف وتعزيز العمل المشترك، بعيداً عن الخلافات الحزبية الضيِّقة. لقد توافق المجتمعون على ضرورة السّعي…