عزالدين ملا
تمضي الأحداث العسكرية أولاً والسياسية ثانياً دون أن يجرؤ أحد على وضع النقاط الأساسية على حروف الحلول السلمية، الجميع يراوح في مكانه ويلتفون حول المشاكل التي نبعت منها هذه الدوامة الكارثية من الفوضى والدمار والخراب، لذا تبقى كافة المشاكل عالقة والحلول تكون جزئية لا تجدي نفعاً لشعوب المنطقة، فقط تدخل تلك الحلول الجزئية في خدمة مصالح الدول الكبرى الاقتصادية والتجارية، عدا ذلك غير واردة على اجندة مشاورات وتحركات تلك الدول.
خلق توترات وفرض حالة تأزم
تلعب كل دولة حسب الغاية والخطط المرسومة لها، وفق ما تقتضيه مصالحها وأمنها القومي سياسيًا واقتصاديًا وتجاريًا، وتدفع إلى خلق توترات محلية في كل دولة، وإقليمية على أطراف عدة دول لفرض حالة تأزم تسير نحو فتح أبواب اضطراب تؤدي إلى صراع، مما يجعل من الدول والقوى الكبرى بالتدخل والبدء بعملية فرض رسوم واحتلال نقاط استراتيجية معينة لفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والاستيلاء ونهب الخيرات.
ما يدور في أفلاك البحر الأحمر وفلسطين ولبنان وسوريا والعراق تدخل في تلك الخانة، حيث ان القوى الكبرى تُشرّع لنفسها التدخل وفرض السيطرة والتحكم بمواقع استراتيجية عند خرق إحدى الأدوات الموجودة في كل تلك البقاع الآنفة الذكر بعمل ارهابي يعطي الذريعة لفعل ما يتم فعله الآن في منطقة الشرق الأوسط.
إن إيجاد أي منظمة أو جماعة تحت مسمى معين، وفي بقعة معينة واعطاءها طابع التشدد، وخرق بعض العقائد والعادات والتقاليد لذلك الشعب يثير حركة من الفوضى والانفلات والترهيب، فيجعل من التدخل للقوى الكبرى تحت راية حماية حقوق الإنسان والديمقراطية.
إن ظهور أي جماعة وفي أي مكان ليست محل مصادفة، بل مخطط ومدروس في الخفاء، بعد دراسة معمقة لعقلية وثقافة ذلك الشعب، وهذا ما كان في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في الدول ذات حكم مركزي وايضا بين شعوب تتبنى عقيدة معينة، وكانت سوريا والعراق وتشعباتها مع الدول المجاورة أرضية خصبة لزرع هكذا أفكار، وكان لبعض الدول الإقليمية دورا مهما ومحوريا في ترسيخ هذه المخططات، من خلال اللعب على حبال العاطفة الشعبية العقائدية دينيا وقوميا، وفرض حالة نفور وتباعد بين الأطياف المجتمعية.
الجماعات المتشددة دينياً وقومياً تتحرك وفق خطط مرسومة مسبقة
بعد انهيار نظام القطبين في العالم والتي كانت حرباً باردة وهدوء نسبي إلى حد ما في العالم سوى الحرب العراقية الإيرانية والتي انتهت بالتراضي بين الطرفين على حساب القومية الأضعف وهو القومية الكوردي، تحوّل بعدها إلى نظام قطبي واحد يتحكم في جميع مفاصل القوة والسيطرة، بدأت حركات غريبة في منطقة الشرق الأوسط وتحت مسميات تدق الشعور الشعبي وبشعارات فخمة وضخمة تلهب مشاعر الشعبية المتعطشة إلى الحرية والعيش بكرامة، بذلك خُلقت حالات فوضى وفي بقع عدّة، بدأت منذ الثمانينات وكانت أكثر اشتدادا بانهيار معسكر القطبين وخاصة بعد احداث الحادي عشر من أيلول، وصدور قرار محاربة الإرهاب وملاحقة أسامة بن لادن، وكان القرار الأمريكي والغربي بشن حرب على افغانستان البداية، ومن ثمّ ظهور جماعات ومنظمات متشددة على كامل جغرافية الشرق الأوسط، من القاعدة وتسمياتها المتعددة حسب جغرافيتها وجبهة النصرة وأنصار الإسلام وانصار الشريعة وانصار بيت المقدس، جميعها تحت راية العقيدة الاسلامية السنية، وأكثرها شراسة تنظيم داعش والتي سيطرت على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وكانت اعمالها ومعتقداتها الخارج عن الدين الاسلامي السمح دفع ممارساتها إلى تشويه الدين وفرض حالة نفور وامتعاض لدى المسلمين، وكانت أعمالها الترهيبية والوحشية في المناطق السنية على الرغم أنها جميعها محسوبة على المذهب السني، وفي المقابل جماعات شيعية متشددة ساندت الجماعات المتشددة السنية في ترهيب المسلمين السنة، وكذلك هناك جماعات ومنظمات قومية تأسست لـ ذات الغرض، أن ظهور هذه الجماعات ليست بمحض الصدفة أو انها ثوار جاؤوا لحماية شعب بعينه، بل على العكس هم تأسسوا في مطابخ الغرف المظلمة. هذه الجماعات لها ارتباطات استخباراتية دولية متسلسلة، يتم تحريكها من قبل انظمة معينة متشددة هي الأخرى مرتبطة بقوى كبرى عالمية.
تتحرّك هذه الجماعات وفق خطط مرسومة مسبقة، وما يحصل الآن في منطقة الشرق الأوسط من خلل وفوضى نتيجة تحرشات هذه الجماعات في خلق حالة تأزم يحدد خلل ما في وضع ما، تدفع بالدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى إلى التدخل بحجة محاربة الإرهاب فتشرعن الوجود والسيطرة لنفسيهما، إلى جانبهما تتحرك أدواتهما الإقليمية من إيران وتركيا تحت ذات الحجة والذريعة لتنفيذ ذات الهدف.
الشتات الكوردي على جغرافيته المشتتة أصلاً
السياسة المتبعة تُخلق حالة اضطراب وعدم الاستقرار بين المجتمعات، والساحة السورية والعراقية بيئة ملائمة، فكانت الحاضنة القوية لحضن تلك الجماعات والمنظمات، مما أحدثت تخلخلا مجتمعياً خطيراً، شوهت الثقافات وفرضت ثقافة غريبة أدت إلى النفور والتباعد ضمن المجتمع الواحد، وانقسم المجتمع إلى فريقين متناقضين وبأفكار وأهداف مختلفة، والشعب الكوردي من أكثر المتضررين ضمن هذا المنحى، مما شوّه الرغبة الكوردية وعدم قدرته على تحديد هدفه وما يريده، فـ كان الشتات الكوردي على جغرافيته المشتتة أصلا، وتحول هدفه من توحيد أجزاء كوردستان إلى البحث عن توحيد نفسه ضمن كل جغرافية المحددة له، وتحول الانقسام الكوردي إلى انقسامات فكرية وثقافية وايديولوجية، مما خلق مناخ خطير يهدد الوجود الكوردي.
سُبل تمتين ثقافة مجتمعية تمنع الانجرار خلف السراب
إن ما يحصل الآن في المجتمع الكوردي مخطط ومدروس من قبل القوى الكبرى ومساندة قوى إقليمية وأدواتها الموجودة على الأرض، ما يتطلب من القوى الكوردية الفاعلة تدارك الخطر ومنع انجرار السياسة والهدف الكوردي نحو تحقيق غايات أعداء كوردستان، والبحث عن سُبل تمتين ثقافة المجتمع الكوردي وتوعيته ومنعه من الانجرار خلف السراب واوهام التضليل والتفريق، من الممكن العمل على ذلك من خلال تأسيس مراكز بحوث ودراسات وبجهود أكاديميين ومختصين وما أكثرهم في المجتمع الكوردي لربط الثقافة والوعي الكوردي وهدفه الأساسي بتحقيق حقوقه المشروعة في حق تقرير مصيره.