صلاح بدرالدين
الحركة السياسية الكردية السورية، او الحركة الوطنية الكردية بالمفهوم العام، ومنذ انبثاق تشكيلات العمل المنظم عام ١٩٥٧ تحت اسم ( الحزب الديموقراطي الكردستاني ثم الكردي ) كانت تطمح لنيل الحقوق القومية في اطار قانوني، ورسمي، وبعد التحول الجذري الذي حصل من خلال الكونفرانس الخامس عام ١٩٦٥، وبعد إعادة تعريف الكرد، وقضيتهم، وحقوقهم، ووسائل نضالهم، وطرح البرنامج السياسي، كانت مسالة النضال من اجل تغيير الدستور السوري ليشمل إقرار ضمان وجود الكرد، وحقوقهم وكذلك التغيير، وصولا الى نظام سياسي ديموقراطي تعددي، عادل من الاولويات الأساسية التي اندرجت في الوثائق، وبمعنى آخر ابرام عقد جديد بين الشعب السوري ومن ضمنه الكرد من جهة، وبين السلطة الحاكمة في الدولة السورية، ليضاف ذلك العقد كبند رئيسي الى الدستور السوري الجديد، وكان ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) اول من تبنى مصطلح العقد الاجتماعي على صعيد الحركة الكردية.
وفي بلدان الشرق الأوسط التي نشكل جزء منها لم تتوقف محاولات شعوبها منذ العقود الغابرة وحتى الان في سبيل تحقيق طموحاتها المشروعة الوطنية، والاجتماعية، والاقتصادية، عبر اجراء التغيير في الدساتير، والقوانين، المتجسد في تحقيق توافقات حول علاقات جديدة، وابرام العقود مع السلطات الحاكمة التي تلبي المطامح، وتصب في مصلحة تقدم البلاد، والسلم الأهلي، والعيش المشترك، ” اما مفهوم العقد الاجتماعي فان المصطلح (بالإنجليزية: Social Contract) يشير إلى ذلك العقد المبرم بشكل فعلي أو افتراضي بين طرفين؛ كالحكومة والشعب، أو الحاكم والمحكوم، بحيث تحدّد بموجبه الحقوق الخاصة بكل فئة والواجبات المفروضة عليها، وظهر ذلك منذ القدم عندما بدأت الحياة البشرية بصورة من العشوائية والفوضى، فوضع العقل البشري اتفاقاً وعقداً لتنظيمها على هيئة مجتمع وحكومة، علماً بأنّ هذا المجتمع يندرج تحت خانة المصطلحات الخاصة بالفلسفة السياسية ” .
يعيد المؤرخون مصطلح – العقد الاجتماعي – الى الفلسفة الاغريقية، والقانون الروماني، والتقاليد الكنسية، واكثر الأحيان في ظروف غياب النظم السياسية، ” حتى بلوغ القرن السابع عشر، والثامن عشر، عندما برز منظرون لتوصيف – العقد الاجتماعي – من أمثال : هوبز، وجان جاك روسو، وكانط، ” وفي عصرهم – عصر التنوير – تم تفسير هذا العقد بان الافراد يقبلون بشكل ضمني او صريح ان يتخلوا عن بعض حرياتهم مقابل حماية بقية حقوقهم، وتجسيد واقع العلاقة بين الحقوق الطبيعية، والشرعية، او الغالبية الشعبية والسلطة .
وقد تبنت ثورات الربيع التي اندلعت في عدة بلدان قبل نحو عقد بينها تونس، ومصر، وسوريا، واليمن، وليبيا، ونسختها الثانية في لبنان، والعراق مطلب التغيير الديموقراطي، وابرام عقود اجتماعية تضاف الى بنود الدساتير الجديدة من جانب الشعوب الثائرة .
ماذا عن ( العقد الاجتماعي لشمال وشرق سوريا )؟
من حيث الشكل وبالرغم من انني لست اختصاصيا بعلوم الفقه الدستوري ولكن يتوضح لاي متابع من النظرة الأولى ان النص الكامل المنشور من الديباجة الى البنود الواردة فيه، ليس من وضع مختصين في القانون الدستوري، بل من صنع – هواة – ماهرين في لصق، ونشر جزئيات من الوثائق التاريخية من شبكة ( الكوكل ) وتحويرها، وفرضها قسرا على كيان مصطنع سموه ( شمال وشرق سوريا )، وتمريرها رغم كل الثغرات الفاضحة باوامر حزبية من دون حرج .
اما من حيث المضمون فالمصيبة اكبر بكثير، فهذا ( العقد الاجتماعي ) المنشور بخلاف كل المسلمات المبدئية أولا – ليس بين الشعب السوري، اوالغالبية الشعبية من جهة، والسلطة الحاكمة الشرعية كما يجب ان تكون، كما انه ثانيا – ليس بين الغالبية الكردية الشعبية على مستوى البلاد، وبين حكومة مركزية شرعية، وثالثا – حتى على المستوى المناطقي وأجزاء من ثلاث محافظات ( الحسكة – دير الزور – الرقة او الرشيد )، فانه بعيد كل البعد عن حقيقة العقود الاجتماعية المتعارف عليها عبر مراحل التاريخ، فاذا كان ( قسد او مسد، او الإدارة الذاتية، او المسميات الأخرى ) رابعا – هو الطرف السلطوي المرجعي مقابل مكونات أخرى نيابة عن سلطة الدولة السورية الوطنية، فسيكون العقد باطلا من اوله، لانه سلطة الامر الواقع في مناطق محددة غير معترف بها وطنيا، وإقليميا، ودوليا،، الى جانب سلطات – امر واقعية – أخرى في مناطق من البلاد لاتمتلك الشرعية الوطنية، والسياسية، والاهم الشعبية .
ثم ماذا خامسا – عن تعبير ( كونفدرالية الشعوب في شمال وشرق سوريا ) ؟ هل هناك دول مستقلة ولم نعلم بها ؟ هل هناك دول كردية، وعربية، وتركمانية، واشورية، سريانية، وارمنية، وشركسية ؟ وأين عواصمها، ومن هم رؤساءها، وأين حكوماتها ؟ .
من جهة أخرى وسادسا – اذا كان الكرد السورييون بغالبيتهم ليسو طرفا في هذا العقد، فان العرب أيضا وفي نفس المنطقة لم يجمعوا، وهم بالأساس جزء من القومية السائدة الحاكمة ذات الغالبية لتي يجب ان تكون الطرف الاخر في أي عقد اجتماعي، اما بقية المكونات الواردة اسماءها بالعقد سابعا – كاالتركمان، والاشوريين، والارمن، والشركس قد تكون لها حركات سياسية، وجمعيات، ولكن ليس واضحا ماذا تطالب من حقوق الا بالشكل العام مثل الديموقراطية والمساواة، فلاتتوفر وثائق مثل المشاريع القومية، والصيغ المطروحة للحلول، والأرض التاريخية وغير ذلك، ثم ثامنا فان أي تجاهل لحراك أهلنا بالسويداء دليل سوء النية قوميا ووطنيا، وانسانيا .
مشكلة الكرد المزمنة مع – ب ك ك – كتنظيم عسكري مغامر خرج من رحم الأنظمة الإقليمية المستبدة، وتوابعه في الأجزاء الأخرى وفي المقدمة سوريا، انهم لطخوا – سمعة – المصطلحات النظرية العلمية، والمبادئ السامية، واستخدموها في غير محلها، واستثمروها لمصالح حزبية آيديولوجية، وافرغوها من مضامينها ( حق تقرير المصير – العقد الاجتماعي – حقوق المرأة – العيش المشترك – السلم الأهلي – حركة التحرر- العلاقات القومية – الثورة – الكفاح المسلح، التحالفات الوطنية …..) .
قسد، ومسد والإدارة الذاتية، و ب ي د وكل هذه التسميات التي تتبع لمركز واحد، سبق وان هيمنت على مناطق محددة، ومن يعيش فيها، اسوة بسلطات الحزب الواحد المستبد التي تقصي عادة الاخر المختلف، اما الخطوة الأخيرة في الرقة فماهي الا محاولة يائسة لارضاء او تضليل من يضغط عليها لاشراك السكان العرب في ( السلطة والثروة )، حتى تبقى مناطق نفوذ التحالف هادئة الى حين، وبهذا الخصوص فان الكرد السوريين في قلق وحيرة من الموقف الأمريكي كما هو حال سوريي المعارضة في مختلف ارجاء الوطن، بسب الخذلان والامعان في اقتراف الخطايا وبينها الموقف من الحالة الكردية السورية .
الكثير من المراقبين يعتقدون ان صاحب القرار في ( قسد ومسد، والإدارة الذاتية وباقي التسميات ) يخلط بين – العقد الاجتماعي – كمصطلح، دستوري، قانوي، سياسي، حافظ على قيمته التاريخية، والفلسفية في حياة الشعوب منذ القرون الغابرة، وحتى الان، وبين العقود التجارية التي ابرمت بين جماعات – ب ك ك – وبين سلطات النظام الحاكم حول حراسة المنشآت النفطية في الجزيرة والمناطق الأخرى، وشاهدنا نصوصها على مواقع التواصل الاجتماعي لقاء حصص معلومة ومحددة .