دعوات داخل الأمم المتحدة لإحالة ملف جرائم نظام الملالي إلى مجلس الأمن

نظام مير محمدي* 
بعد أن بلغ عدد الإعدامات التعسفية التي نفذها نظام الملالي الحاكم في إيران بحق الأبرياء أرقاماً مرعبة، وبفضل التقارير شبه اليومية التي ينشرها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق المعارضة، والمتضمنة قوائم بأسماء وأعمار السجناء الذين تم إعدامهم، وحتى أماكن تنفيذ الإعدام، أصبح الرأي العام العالمي على دراية تامة بالممارسات الإجرامية التي تقوم بها الدكتاتورية الدينية دون خوف من المساءلة أو العقاب، ولكن الأمور لن تستمر بهذا الشكل، فقد طالبت الرابطة الدولية لحقوق الإنسان للمرأة ورابطة المواطنين العالميين، الأمين العام للأمم المتحدة بالتحرك العاجل لوقف الإعدامات في إيران.

 

ونشر موقع الأمم المتحدة أمس الأول نص بيان مشترك قدمته الرابطة الدولية لحقوق الإنسان للمرأة (وهي رابطة برتبة استشارية لدى الأمم المتحدة) ورابطة المواطنين العالميين، ويطالب البيان الرابطة الدولية لحقوق الإنسان للمرأة، الأمين العام للأمم المتحدة بتحرك عاجل لوقف الإعدامات في إيران.
وصدر البيان الذي نشره موقع الأمم المتحدة في الدورة الأخيرة لاجتماع مجلس حقوق الإنسان، وجاء في موقع الأمم المتحدة: في الدورة الـ 53 لاجتماعات مجلس حقوق الإنسان تم لفت الانتباه إلى بيان مكتوب مشترك مقدم من الرابطة الدولية لحقوق الإنسان للمرأة ورابطة المواطنين العالميين، يدعو هذا البيان بشكل عاجل إلى اتخاذ إجراءات دولية رداً على الارتفاع المقلق في عمليات الإعدام في نظام الملالي، لا سيما خلال فترة ولاية الرئيس إبراهيم رئيسي.
وتلقى الأمين العام للأمم المتحدة البيان المكتوب الذي نشر على أساس القرار 1996/31 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في 30 أيار/ مايو 2023
إحصائيات مثيرة للقلق 
منذ أن تولى الرئيس إبراهيم رئيسي منصبه، أعدمت السلطات الإيرانية ما لا يقل عن 1050 شخصاً، من بينهم 33 امرأة وثمانية أشخاص كانوا قاصرين وقت ارتكاب جرائمهم المزعومة، ويثير حجم عمليات الإعدام هذه مخاوف جدية بشأن حماية حقوق الإنسان في البلاد، وتم إعدام ما لا يقل عن سبعة إيرانيين في الأشهر الأخيرة لمشاركتهم في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وفي عام 2022، تم تنفيذ ما لا يقل عن 578 عملية إعدام في  إيران، بينما وصل هذا العدد في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023 وحدها إلى 301، وتنفذ السلطات العديد من عمليات الإعدام سراً، لذا يُعتقد أن العدد الفعلي لعمليات الإعدام أعلى من ذلك بكثير.
وفي الأسابيع الأخيرة، لوحظت زيادة مثيرة للقلق في عدد عمليات الإعدام في جمهورية إيران الإسلامية، وفي أيار/ مايو 2023، أُعدم شخص واحد كل خمس ساعات. ثلاثة شبان، مجيد كاظمي، وسعيد يعقوبي، وصالح ميرهاشمي، اعتقلوا في 21 نوفمبر 2022، لمشاركتهم في احتجاجات أصفهان، وتم إعدامهم في 19 مايو 2023، بتهمة “المحاربة” أو “الحرب على الله”.
وينتظر المزيد من المتظاهرين تنفيذ حكم الإعدام ويتعرضون للتهديد بالإعدام الوشيك.
بالإضافة إلى عمليات الإعدام، نفذت الحكومة الرئاسية حملة قمع مميتة على الاحتجاجات التي عمت البلاد والتي بدأت في أيلول/ سبتمبر 2022، مع تقارير عن مقتل أكثر من 750 شخصًا في الشوارع أو في السجون.
قمع مستمر للاحتجاجات 
يسلط البيان الضوء على حملة القمع القاسية التي شنتها الحكومة على الاحتجاجات على مستوى البلاد والتي بدأت في أيلول/ سبتمبر 2022، وقد تطورت هذه الاحتجاجات، الناجمة عن وفاة مهسا أميني، إلى حركة سياسية أوسع، مع مطالبات بتغيير سياسي جذري، وإنهاء القمع، وحماية حقوق الإنسان الأساسية.
دور الحرس النظام في قمع الإحتجاجات 
ويقود الحرس الإيراني عملية القمع ضد المتظاهرين، وتشير الأدلة إلى أن الحرس الإيراني، إلى جانب قوات أمنية أخرى، تعمل تحت قيادة الحرس في قمع المظاهرات، كما تشير التقارير إلى أنه تم اعتقال أكثر من 30 ألف متظاهر سلمي، بما في ذلك النساء والأطفال والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
إن الحرس الإيراني هو القوة الرئيسية المسؤولة عن قمع الاحتجاجات، تُظهر الأدلة الموثوقة، بما في ذلك أوامر قادة الحرس الإيراني التي كشفت عنها المعارضة الإيرانية، أن الحرس يتحمل المسؤولية الكاملة عن قمع المتظاهرين، وتعمل ميليشيا الباسيج، وهي عملاء يرتدون الزي الرسمي، وحتى قوات الأمن في البلاد، تحت قيادة الحرس الإيراني في محاولة لقمع المتظاهرين.
استخدام الإجراءات الجنائية وعقوبة الإعدام كسلاح لقمع المعارضة 
يُزعم أن الحكومة الإيرانية تستخدم الإجراءات الجنائية وعقوبة الإعدام كسلاح لقمع المعارضة وبث الرعب في نفوس السكان، ووفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، فإن هذا يرقى إلى مستوى القتل بموافقة الدولة وانتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وسرعان ما يتم تصنيف أي شخص يشارك في مظاهرة على أنه “عدو يجب مواجهته”، أو “إرهابي”، أو “عميل أجنبي يحاول زعزعة استقرار جمهورية إيران الإسلامية”. وشدد كل من رئيس السلطة القضائية والرئيس على ضرورة التصرف “دون تهاون” مع المتظاهرين.
الهجمات على مدارس البنات والعتالین 
يُشتبه في تورط السلطات في هجمات «تسميم» مستمرة تستهدف مدارس البنات، مما أدى إلى تسمم آلاف الفتيات وإدخالهن إلى المستشفى منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بالإضافة إلى ذلك، يستهدف الحرس الإيراني العتالین (الحمّالين) الفقراء، المعروفين باسم «كولبر» بالقرب من حدود إيران، مما أدى إلى عدد كبير من الوفيات سنويا.
 
السياق التاريخي: مجزرة عام 1988
ويسلط البيان الضوء على عمليات الإعدام الجماعية خارج نطاق القانون والاختفاء القسري التي جرت عام 1988 لأكثر من 30 ألف سجين سياسي، إن الإفلات من العقاب الذي تستهدف به السلطات الإيرانية السكان يرجع جزئياً إلى فشل المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات فعالة ضد جرائمها الكبرى السابقة، ولا سيما عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء على نطاق واسع في عام 1988 والاختفاء القسري لأكثر من 30 ألف سجين سياسي.
وقعت مذبحة عام 1988 بناءً على «فتوى خميني» والتي سعت على وجه التحديد إلى تدمير جماعة المعارضة الرئيسية، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية كما تم استهداف أعضاء الجماعات الأخرى في الموجة الثانية، وتم دفن الضحايا سراً في مقابر جماعية في جميع أنحاء البلاد، لم تتح لعائلاتهم أبداً الفرصة لتوديع أحبائهم، ولم يتم إبلاغهم حتى بأن أحبائهم سيتم إعدامهم.
ولعب الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي كان آنذاك نائب المدعي العام في طهران، دوراً في «لجنة الموت» المسؤولة عن عمليات الإعدام هذه، ويشكل عدم المساءلة عن هذه الجرائم انتهاكاً مستمراً، كما أكد فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري ولم يتم تقديم رئيسي ولا أي مسؤول آخر إلى العدالة على الإطلاق لدورهم في مذبحة عام 1988، والتي يقول فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري (WGEID) إنها جريمة مستمرة.
الإفلات الهيكلي من العقاب والحاجة إلى الاستجابة الدولية 
ويشير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، إلى انتشار “الإفلات الهيكلي من العقاب” في إيران، مما يؤدي إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، ويحث البيان المجتمع الدولي على عزل السلطات الإيرانية ومحاسبتها على جرائمها ضد الإنسانية.
قال جاويد رحمن، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في جمهورية إيران الإسلامية، في جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، إن “الإفلات الهيكلي من العقاب” يسود في جمهورية إيران الإسلامية، مما يؤدي إلى تفشي المرض على نطاق واسع. إن أنماط القتل غير القانوني والاختفاء القسري والتعذيب وغيرها من الحالات تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وتستحق “رداً حازماً” من المجتمع الدولي.
على مدى العقود الأربعة الماضية، ارتكبت السلطات الإيرانية جرائم ضد الإنسانية وأفعالاً ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، وتشمل هذه مذبحة الأكراد الإيرانيين، والإعدام الجماعي للسجناء السياسيين في الثمانينيات، فضلاً عن المجازر التي وقعت في عام 1988، وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ومنذ أيلول/ سبتمبر 2022 والتي استهدفت المتظاهرين العزل.
وقد شاركت الشخصيات الرئيسية في القيادة الحالية، مثل علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي، وغلام حسين محسني ایجئي رئيس السلطة القضائية، ومحمد باقر قاليباف رئيس المجلس، بشكل مباشر في هذه الأحداث منذ الثمانينيات، وبالنظر إلى التاريخ الطويل من عمليات القتل الجماعي والجرائم ضد الإنسانية، فمن الضروري أن يقوم المجتمع الدولي بعزل السلطات الإيرانية عن جرائمها ومحاسبتها.
دعوة للعمل 
ومع الاعتراف بتشكيل بعثة لتقصي الحقائق بشأن نظام الملالي، يؤكد البيان على خطورة الوضع، ويدعو مجلس حقوق الإنسان إلى التوصية بإحالة عمليات القتل المنهجي والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إيران إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات سريعة وفعالة، بالإضافة إلى ذلك، فإنه يشدد على ضرورة الاعتراف بالحق المشروع للشعب الإيراني في المطالبة بالتغيير والدفاع عن نفسه ضد تصرفات قوات الأمن.
ويضيف البیان: نحث مجلس حقوق الإنسان بقوة على أن يوصي الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحالة عمليات القتل المنهجي والجرائم المستمرة التي ترتكبها جمهورية إيران الإسلامية والجرائم ضد الإنسانية إلى مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات سريعة وفعالة، ينبغي لمجلس حقوق الإنسان أن يدعم السعي إلى محاسبة المسؤولين الإيرانيين الذين ارتكبوا جرائم خطيرة في انتهاك للقانون الدولي، مثل مذبحة عام 1988 والقمع الوحشي للاحتجاجات السابقة والحالية، وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي عليها أن تعترف بالحق المشروع للشعب الإيراني في المطالبة بالتغيير والدفاع عن نفسه ضد الأعمال الوحشية التي ترتكبها قوات الأمن.
وفي الختام، يؤكد البيان المشترك على الحاجة الملحة إلى قيام المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس حقوق الإنسان، بالتصدي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في  إيران، وتهدف الدعوة إلى العمل إلى ضمان المساءلة والعدالة والحماية للشعب الإيراني الذي يواجه تهديدات وشيكة على حياته وحقوقه الأساسية، إن خطورة الوضع تتطلب تدخلاً دولياً سريعاً وحاسماً.
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…