سياسة كوردية صاعدة على حافة المتغير

 

عزالدين ملا

 

يبدو أن وجهة السياسة الدولية والحركة الدراماتيكية لنيات مصالحية بين القوى الكبرى والإقليمية تسير في دائرة كسب الوقت وتثبيت القدم في جغرافيا جديدة بما يقتضيه الأمن القومي لدولهم. ويظهر أن تلك التثبيتات والوجهات تُطبق على الدول الضعيفة والمنهكة، والحركة الدورانية في المرحلة الحالية.
حسب اعتقادي ينتظرون اقتناص الفرصة والانقضاض إن ظهر ضعف وإنهاك في دولة ما، وخاصة الدول الإقليمية ذات التأثير في موازين القوى الإقليمية كإيران وتركيا مثلاً، والدول والقوى الكبرى كروسياـ يبقى من استطاع كسب الفرصة في اتخاذ قرارات ترتيب الجغرافيات وسياسات المصالح والنفوذ، وتعتبر القضية الكوردية ضمن تلك الترتيبات في حال اقتنصوا اللحظة والفرصة.

 

الشعب الكوردي يلقي باللوم على الدول الكبرى- أثناء الاتفاقيات والمعاهدات التي جرت أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها- فرنسا وبريطانيا على خذلانهم وعدم الإيفاء بوعودهم لتأسيس دولة كوردستان، هذا اللوم عاطفي دون أن يُدرك الكوردي أن العاطفة وسياسة المصالح لا يلتقيان كـ النظرية الرياضية “مستقيمان متوازيان يسيران دون أن يلتقيان”.
حتى ندخل في موضوع كيفية القدرة على كسب الجمهور ودعمهم ومجاراة الخصم والفوز في المباراة، علينا فهم سياسات الدول في الماضي ومن ثم في الوقت الحالي.
خلال الصراعات السياسية والعسكرية الكبيرة التي حصلت خلال سنوات قبل الحرب العالمية الأولى وخلالها وبعدها، وكيف استطاع كمال اتاتورك كسب الجمهور ومجاراة اللاعبين، ومن ثم الفوز وتأسيس دولة تركيا الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية رغم أنها كانت من ألد أعداء الدول العظمى آنذاك بريطانيا وفرنسا.
عند انهيار امبراطورية القيصر والتي كانت الإمبراطورية العثمانية من أهم حلفائها انهارت تحت تأثير الثورة البلشفية وصعود التيار الشيوعي ونشوء دولة اشتراكية عظمى “الاتحاد السوفييتي”. في هذه المرحلة تغيرت النهج في السياسات الدولية حيث بدأت التحرُّك نحو موازين دولية جديدة، أثناءها ظهر ذكاء كمال اتاتورك مؤسس الدولة التركية، استغلّ الظروف واللعب بالأوراق المتغيرة على الساحة الدولية واستغلال الموقع الاستراتيجي لتركيا في منطقة الشرق الأوسط، فكان الهدف كسب المزيد من النفوذ والسيطرة مقابل الوقوف إلى جانب الحلفاء.
وأكثر من ذلك تمكّن أتاتورك من تحويل أنظار الحلفاء عن اتفاقية سيفر وإلغاء بعض بنودها والخاصة بالكورد في اتفاقية جديدة عرفت باتفاقية لوزان، خلالها حرم الشعب الكوردي من أهم حقوقهم وهو حق تقرير المصير.
الآن، نمرّ في مرحلة تشبه إلى حد كبير تلك المرحلة، حيث أحداث سياسية وعسكرية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، والجميع منشغل لكسب اكبر قدر من الامتيازات والنفوذ، والتحركات السريعة والكبيرة بين الدول الكبرى والإقليمية تتواتر على حبال فرض إملاءات وتضمين المقايضات على حساب الدول والشعوب الضعيفة.
الشعب الكوردي خسر في الماضي ما يضمن مستقبلهم في حق تقرير المصير تحت يافطة دولة كوردستان لغفلتهم عن المتغيرات في السياسة الدولية وقوة دبلوماسية الربط والتواصل في العلاقات والمصالح، أما الآن اعتقد الشعب الكوردي أمام امتحان صعب ضمن الأحداث الكبيرة والخطيرة، لهم ثقل بشري كبير ويعيشون فوق أرض غنية بالثروات وموقع استراتيجي مهم، إلى جانب تأثيرهم في الوسط الداخلي ضمن خصوصية كل دولة، وخارجيًا نالوا الثقة والاعتماد لتأمين توازن استراتيجي متين في المنطقة.
   تعيد أنظمة الدول المغتصبة لكوردستان نفس سياسات المراوغة واللعب على حبال المتغيرات الحاصلة على الساحة الدولية من فرض إملاءاتهم من خلال أساليب لَيْ الأذرع والمقايضة، ولكن في المقابل الكورد ليسوا كما كانوا في الماضي، لهم دور وثقل في السياسة الإقليمية والدولية، ويمثلون قوة استراتيجية عسكرية سياسية يُعتمد عليها لفرض توازن مستقبلي مستقر، وللكورد فهم عميق بمدارك دهاليز السياسة الإقليمية والدولية، كـ شخصيات حكومة إقليم كوردستان وحكيم الكورد الرئيس مسعود بارزاني، فقد أثبتوا صدقهم واحترامهم في الأوساط الدولية، واستطاعوا فتح شبكة علاقات قوية مع معظم الدول إقليميا ودولياً، كما أثبتوا جدارتهم في التعامل ضمن سياسة متوازنة ومتوازية في ربط مصلحة الشعب الكوردي العليا مع مصالح الدول وأمنهم القومي، فقط ما يحتاجه الشعب الكوردي للسمو بقضيتهم هو ترك التخوين والخيانة، والعمل على حشد الطاقات وتوحيدها وتوجيهها نحو الهدف الكوردي المنشود.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…