نظام مير محمدي*
بعد أن أشعل نظام الملالي الحاكم في إيران حرب غزة، يستخدم حالياً سياسته الانتهازية المتمثلة في هروبه من تداعيات الحرب وفي نفس الوقت الاستفادة من مكاسبها التي تدعم جبهته الداخلية وتقوي موقف منظومته الحاكمة تجاه الشعب الثائر والرافض لنظام الولي الفقيه، ويحاول النظام الإيراني أن يروج لمسألة عدم ضلوعه في إشعال الحرب في غزة عن طريق نشر الأخبار الكاذبة من جهة، ليجنّب نفسه تبعات هذه الحرب ويبقى أهالي غزة الأبرياء وخاصة النساء والأطفال يتحملون ذلك ويدفعون الثمن، ومن جهة أخرى يسعى لاستغلال مكاسب هذه الحرب لنفسه.
هدف النظام من هذه الحرب هو التغطية على أزماته الداخلية المستعصية التي أدت إلى انتفاضة عام 2022، ومن ناحية أخرى، توسيع هيمنته وسلطته على المنطقة من أجل الحفاظ على سيادته في طهران.
إن نظرة إلى مواقف مسؤولي النظام تظهر بوضوح دور الملالي في هذه الحرب وخططهم الإجرامية للزحف في المنطقة، وبطبيعة الحال، جزء من هذه الدعاية هو رفع الروح المعنوية لقوات الحرس، التي فقدت معنوياتها خلال انتفاضة 2022 في إيران وعانت من انهيار شديد، لكنها في الوقت نفسه، تظهر خطط الملالي الحاكمين في إيران للترويج للحرب.
وفي كلمة أمام عدد من عناصر النظام في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، أشار اللواء سلامي، قائد قوات الحرس، إلى مخططات النظام الإجرامية والغبية للسيطرة على المنطقة، وقال: “… من غزة فلسطين إلى الضفة الغربية وإلى لبنان وإلى سوريا وإلى العراق وإلى اليمن وإلى أفغانستان وإيران، في كل مكان ترى نمطاً وفكراً وفكرة وقضية واحدة، هذه الوحدة هي واحدة من أهم الإنجازات الأساسية التي تم تحقيقها في السنوات الأخيرة. … يمكنكم أن ترون بصمات الباسيج (المليشيات التابعة لقوات الحرس) في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي الشام للدفاع عن الإسلام… اليوم النقطة المحورية للتطورات السياسية في هذه المنطقة هي القيادة الإيرانية…هذه التعبئة لها نطاق ومساحة عالمية… الباسيج في الميدان يغير المعادلات السياسية ويغير أحياناً الخريطة السياسية في العالم… ليس هناك نقطة توقف لهذا التفكير…” (قناة شبكة أخبار النظام –21 تشرين الثاني/ نوفمبر).
محسن رضائي، القائد السابق لقوات الحرس والأمين الحالي للمجلس الاقتصادي الأعلى للنظام، يقول: “في الأيام المقبلة ستفتح جبهات حرب جديدة في غزة / يمكن لليمنيين إرسال 500 ألف مقاتل إلى فلسطين “وكالة أنباء ايرنا نقلا عن قناة الميادين – 20 تشرين الثاني/ نوفمبر).
إن الملالي، الذين يخشون عواقب تحريضهم للحرب في المنطقة ويريدون أن يدفع الشعب الفلسطيني فقط ثمن هذه الحرب بدمائهم وآلامهم، ينكرون باستمرار دورهم.
وقال ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في لقاء أسبوعي مع الصحفيين: “إن جماعات المقاومة في المنطقة لا تعمل تحت إمرة إيران لتلقي الأوامر من إيران، كما أن إيران ليس لديها مجموعات وكيلة في المنطقة لإعطاء الأوامر لهم “. (وكالة أنباء فارس التابعة للحرس– 20 تشرين الثاني/ نوفمبر).
لكن بعد احتجاز سفينة رهينة جنوب البحر الأحمر من قبل قوات الحوثيين التابعة للنظام الإيراني، قال وزير خارجية النظام الإيراني عبداللهيان : “لا تزال فصائل المقاومة تتمتع بقدرات كامنة”. (رويترز – 20 تشرين الثاني/ نوفمبر).
وكتبت صحيفة رسالت التابعة لخامنئي في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر: “على الرغم من كل جرائم الكيان الصهيوني وآلاف الشهداء الفلسطينيين، هل كان الأمر يستحق ذلك؟ مائة بالمائة…من خلال وضع نفسها في قلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تأمل إيران أن تكون قادرة على كسب موقع القيادة العالمية والتفوق الأخلاقي، بالنسبة لطهران، تأتي حرب إسرائيل في غزة في لحظة مناسبة… وإلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي ذي مصداقية، ستلعب إيران دورا فريدا في القضية الفلسطينية “.
وكتبت صحيفة «اعتماد» التابعة للنظام في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر: “تمكنت إيران، باعتبارها أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، من التصرف بطريقة جعلت دور إيران كلاعب جديد في التطورات الإقليمية مقبولاً من قبل الحكومات الكبرى”.
ونشر وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر تغريدة قال فيها: “اليوم في بيروت، خلال اجتماع مع مسؤولي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، أُطلعت على آخر التطورات في غزة والضفة الغربية والمزيد من التفاصيل حول وقف إطلاق النار الإنساني والسيناريوهات المستقبلية “.
وقال حسن نوروزي نائب رئيس اللجنة القانونية والقضائية في برلمان النظام: “إن جبهة جديدة ستفتح حتماً ضد إسرائيل، هذا الموضوع سيحدث قريباً وهو أمر مؤكد، لكن لا أستطيع أن أقول التفاصيل”. (موقع “رويداد 24” في 22 نوفمبر).
أهداف النظام الحالية من التحريض على الحرب في المنطقة
وقال أمير حسين عبداللهيان وزير خارجية النظام في مقابلة مباشرة على قناة النظام في 17 تشرين الأول/ أكتوبر: “… كل جهودنا هي ضمان الأمن القومي للبلاد وأمن المنطقة، وكل الإجراءات تتم في هذا الإطار.. بالنسبة لنا فرصة ليتوقف الصهاينة داخل بيوتهم”.
مخططات النظام
كتب موقع الدبلوماسية الإيرانية التابع للنظام في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر: “يجب على جمهورية إيران الإسلامية، باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة… أن تسعى إلى ممارسة النفوذ والضغط على الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي، وتشجيعهم على اللعب على الأرضية المشتركة. في الوضع الحالي، أدى التحريض القوي للرأي العام العالمي ضد أعمال إسرائيل المعادية للإنسانية في غزة إلى خلق بيئة مناسبة لإيران للعمل في هذا المجال”.
بعض تصرفات النظام قبل بدء إثارة الحرب في المنطقة:
وفي 20 حزيران/ يونيو، نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا) عن خبير النظام في شؤون غرب آسيا يدعى هاني زاده قوله: “سنشهد في المستقبل مواجهة جدية ومشتركة (حرب) بين فصائل المقاومة مع الكيان الصهيوني، وفي الواقع سيتم إنشاء جبهة واسعة في المنطقة ضد الكيان الصهيوني، وفي هذا الصدد، أقام إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الإرهابي، فعالية لحل الخلافات والتنسيق بين المجموعات التابعة للنظام في المنطقة، وكان لها هدفان:
الأول: حل بعض الخلافات الميدانية والسياسية ووضع استراتيجية واحدة لمواجهة العدوان الصهيوني، والثاني: تشكيل غرفة حرب وجبهة مشتركة من سوريا والعراق ولبنان والأراضي المحتلة ضد عدوان الكيان الصهيوني”.
إن نظام الملالي الغارق في أزمات داخلية وغير قادر على حل أي من أزمات إيران الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كثف القمع والإعدام داخل إيران خوفاً من الإطاحة به في نفس الوقت الذي يروج فيه للحرب في المنطقة.
وفي شهر آبان الإيراني وحده، من 23 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعدمت السلطة القضائية في نظام خامنئي ما لا يقل عن 106 سجناء، وكثف الحرس والقوى القمعية الأخرى التابعة للنظام أجواء الخنق والقمع في كافة محافظات البلاد، وفي الواقع فإن الحرب الحقيقية التي يخوضها النظام تدور داخل إيران.
وعلى حساب فقر وجوع الشعب الإيراني، ينفق النظام مليارات الدولارات لتعزيز قواته القمعية في مختلف محافظات إيران، و قال قائد قوة الشرطة في محافظة سيستان وبلوشستان، حيث يعيش البلوش وأهل السنة، هذا الأسبوع: “سيتم تجهيز وحدات الشرطة في مقاطعة سيستان وبلوشستان بناقلات أفراد ومركبات مدرعة”.
إلا أن شباب الانتفاضة ووحدات المقاومة في إيران، الذين لعبوا دوراً رئيسياً في الانتفاضة الإيرانية 2022، كثفوا أنشطتهم التي حطمت جدران الخوف لإشعال انتفاضة جديدة، ويهاجمون حالياً مراكز القمع والنهب التابعة للنظام، رغم القمع الشديد والواسع النطاق، نفذت هذه الوحدات والشباب 640 ممارسة وعملية في 83 مدينة إيرانية فقط بين 13 و 18 تشرين الثاني/ نوفمبر.
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني