عزالدين ملا
طغت أخبار حرب إسرائيل وحماس على مجمل الأحداث العالمية، وتتصدر اهتمام السياسة الدولية، كما نقلت معظم الدول وخاصة أمريكا والغرب إلى وضع كامل قوتها لصالح اسرائيل.
من جهة أخرى تراقب إيران تطوّرات الأحداث بحذر مع إطلاق تصريحات خجولة لا ترقى إلى مستوى واجباتها تجاه أدواتها الحليفة.
وتركيا تلعب على الحبال في أحداث غزة، وتتحرك في اتجاه استغلال أمريكا والغرب لتمرير سياستها ومصالحها.
أما مصر والأردن فتتفاعلان لوقف سعير الحرب وتتخوفان من توسيع نطاق الحرب وتأثير تداعياتها على أوضاعهما الداخلية.
أما دول الخليج فتناور في حلقة مفرغة فقط لإبراز سياساتها للعلن وتبرير مواقفها.
أمام كل ذلك والنظام السوري يدور في حلقة مفرغة فقط لإلهاء الشعب السوري من جهة ولإظهار نفسه كدولة ذات سيادة، وهذا مُحال.
1- ما تحليلك للأحداث الجارية في الشرق الأوسط والعالم بما فيها أحداث حرب اسرائيل وحماس؟
2- كيف تفسر موقف إيران وتركيا ودول الخليج من حرب اسرائيل وحماس؟
3- هل سيكون لهذه الحرب تداعيات على وضع الشرق الأوسط عامة، والوضع السوري خاصة في المرحلة القادمة؟ كيف؟ ولماذا؟
4- برأيك، كيف ستكون نهاية هذه الحرب؟ هل ستكون مثل الحرب السورية وسنواتها الطويلة؟ أم ستكون عكس ذلك؟ ولماذا؟
التداخلات الإقليمية والصراعات الدولية تشكل تحديات جسيمة للأمن الإقليمي
تحدث سكرتير تيار مستقبل كوردستان سوريا، ريزان شيخموس لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «الحدث الأهم والأكثر تسييسًا وتأثيرًا على اهتمام العالم، وليس فقط في الشرق الأوسط، هو عودة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى الواجهة، والذي استحدث بشكل اكثر دراماتيكية بعد السابع من أكتوبر بعد الهجوم الإرهابي المعروف بـ “طوفان الأقصى” الذي نفذته حماس. تلك العملية أسفرت عن سقوط مئات الإسرائيليين، سواء من المدنيين أو العسكريين، وشهدت اختطاف المئات، من بينهم العديد من الأجانب. هذه العملية التي هزت إسرائيل وجعلت الشرق الأوسط برمته على صفيح ساخن. حيث لا يمكن لأحد التنبؤ بنتائج هذه الحرب بشكل نهائي، حتى لأولئك الذين يمتلكون النفوذ في الكواليس الضيقة من ذوي النفوذ العالمي. على الرغم من الجهود الدولية والضغوط الهائلة التي تمارسها الولايات المتحدة حيث تم استقدام أحدث وأكبر السفن والغواصات الحربية إلى المنطقة.
يتابع شيخموس: «إن النزاع الحالي الذي تشهده إسرائيل ضد حماس في قطاع غزة لا يمكن وصفه فقط بأنه حرب بالوكالة بين إيران وأمريكا، بل يتعلق بالصراع الإقليمي الذي يشمل عدة جهات. رغم رفض ايران علاقتها بالتخطيط لعملية طوفان الاقصى وتنصلها منها ومحاولات أمريكا عدم اتهامها بشكل مباشرة، ولكن بات واضحاً بأن ايران من اشعلت فتيل الحرب في المنطقة من خلال اجنحتها الموزعة في العراق وسوريا ولبنان و اليمن وورطت حماس بعملية عسكرية كبيرة ضد اسرائيل لخلط الاوراق في المنطقة، وابعاد الحرب عن جمهوريتها الاسلامية، واستخدام ما يحدث في اجنداتها ومصالحها التوسعية في المنطقة، وعدم الايفاء بالتزاماتها مع حماس بوحدة الساحات واشعال الحروب في مناطق أخرى، رغم العمليات الخجولة التي يقوم بها حزب الله في لبنان أو الصواريخ الوهمية التي يطلقها الحوثي من اليمن أو بعض المسيرات التي يستخدمها مرتزقة إيران في العراق ضد القواعد العسكرية الاميركية في سوريا والعراق، حيث انها كلها تأتي في سياق ذر الرماد في العيون. ان النظام الايراني يتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما يحدث في المنطقة، ويستخدم ذلك لتوسيع نفوذه وتحريك أجنحته لتقوية أوراق إيران الإقليمية والدولية في ظل الصمت العربي الرسمي، بل بالعكس تشارك إيران في القمم والاجتماعات الرسمية العربية والاسلامية كمدافع القضية الفلسطينية، وهذا ما يؤكد الوهن العام الذي اصاب كل الدول العربية واخرجها من المعادلات الاقليمية، رغم امتلاك الدول العربية الكثير من أوراق القوى لكنها لا تستخدمها بالشكل الذي يخدم مصالحها ومصالح شعوبها بل تتناول موضوع غزة في الاطار العاطفي الشعبوي البعيد كل البعد عن الواقع السياسي في المنطقة، حيث ان حماس في عمليتها هذه خدمت مصالح إيران واساءت بشكل غير مسبوق للقضية الفلسطينية.
يضيف شيخموس: «لا تزال الحرب الإسرائيلية ضد حماس في قطاع غزة تشكل جدلاً متجددًا حيث تتصاعد وتيرة القتال وتتسارع وتيرة الدمار. يُلاحظ غياب مبادرات فعّالة لإنهاء هذا الصراع الدائر وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني. حيث تستخدم حماس التكتيك القذر لاستخدام المدنيين كدروع بشرية، بينما تستمرّ إسرائيل في تنفيذ سياسة الانتقام الفظيع في عملياتها العسكرية.
على الرغم من أن النقاش الدولي يتناول حاليا ما يمكن أن يحدث بعد انتهاء المرحلة النشطة للحرب، إلا أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون عن استمرار الصراع لفترة طويلة. ولكن الجوانب الأكثر أهمية هي تداعيات هذه الحرب على المنطقة بأسرها، وخاصة على سوريا. فالمنطقة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.
ومع ضعف الدول العربية والإقليمية الأخرى، يبدو أن إيران تسعى لتعزيز تأثيرها والظهور كلاعب قوي في المنطقة. في الوقت نفسه، تسعى تركيا للاستفادة من الظروف الصعبة في المنطقة، وذلك على الرغم من التصريحات المتناقضة التي تصدر عن مسؤوليها بخصوص الحرب الجارية في غزة، في سياق متناقض، حيث كانت تركيا تدين حرب اسرائيل في غزة وتعبر عن تضامنها مع القضية الفلسطينية وضرورة ان يمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، كانت في نفس الفترة ترفض هذا الحق للشعب الكُردي في الاجزاء المختلفة من كوردستان. كما انها استخدمت نفس الأساليب العسكرية لإسرائيل في تدمير البنية التحتية والمحطات الكهربائية والنفطية والمائية في المناطق الكوردية في سوريا، وهذا بدعوى محاربة حزب العمال الكوردستاني. هذه التناقضات تكشف بشكل واضح عن المعايير المزدوجة التي تتبناها الدولة التركية».
يشير شيخموس: «إلى أن التداخلات الإقليمية والصراعات الدولية تشكل تحديات جسيمة للأمن الإقليمي، حيث تظهر الانعكاسات الواضحة للحرب بين إسرائيل وحماس في غزة على الساحة السورية. يستغل النظام السوري وحلفاؤه، إيران وروسيا، الفجوة الناجمة عن تركيز الاهتمام الدولي على الأحداث في غزة، بتصعيدهم للعمليات العسكرية في مناطق إدلب السورية، حيث المزيد من الضحايا بين السوريين جراء القصف اليومي للصواريخ على المنطقة، مما يعكس سعي النظام السوري إلى إعادة ترتيب الأوضاع واستعادة السيطرة على المناطق التي خسرها النظام في السنوات الماضية، كما ان الحراك السلمي في السويداء، الذي أعاد الروح للثورة السورية، يواجه تشويشاً كبيراً من قبل النظام وشبيحته، هذا الحراك يعيد ثقة الشعب السوري بثورته ضد طغيان النظام وحلفائه.
يختم شيخموس: «ان الشعب السوري عاش فترة صعبة بسبب سياسات النظام الإيراني وتأثير أذرعه، مثل حزب الله والحشود الشيعية، على الرغم من تضحيات الشعب السوري، يظل الحلف المقاوم الذي وقف إلى جانب النظام ضدهم غير قادر على دعم الشعب الفلسطيني إلا من خلال منظور ضيق يراعي مصالحهم الخاصة.
استمرار النزاع في غزة يترك آثاراً سلبية على الحالة السورية، مما يجعل البحث عن حلول سياسية في هذه الظروف أمراً صعباً. تواجد تركيا وإيران في سوريا يعقّد الأزمة بدلاً من المساهمة في إيجاد حلول سياسية تلائم الوضع السوري، الذي يواجه تحديات كبيرة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إيران وتركيا استغلتا ضعف الدول العربية، مما زاد من تدخلاتهما ونفوذهما في المنطقة. وبالتالي، لا تتجه هاتان الدولتان نحو حل الأزمة السورية أو بناء دولة سورية قوية، مما يؤثر سلبا على الاستقرار والسلام في المنطقة».
خلط الأوراق وإفشال التفاهمات
تحدث عضو الهيئة السياسية لحزب يكيتي الكوردستاني- سوريا، فؤاد عليكو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «كانت منطقة الشرق الأوسط تشهد هدوءًا نسبياً على الصعيد العسكري، نتيجة سيطرة المشهد العسكري الروسي/ الأوكراني على الساحة العالمية ككل، بالتزامن مع حصول نوع من التقارب بين السعودية وإسرائيل بدعم أمريكي، إضافة إلى حصول اتفاق مبدئي حول الخط التجاري الهندي / الخليجي/ الإسرائيلي في مواجهة الخط التجاري الصيني/ الإيراني / العراقي / السوري أو اللبناني وما يسمى بإحياء طريق الحرير القديم.
هذا التعارض بين المشروعين الاستراتيجيين سوف يتسبب بنوع من الصراع بين الطرفين كما هو متوقع، ولا استبعد أن ما حصل في غزة انعكاس موضوعي لمثل هذا الصراع بدفع إيراني وروسي معاً.
أما بالنسبة لما قامت به حماس، فقد كانت عملية عسكرية كبيرة وناجحة بكل المعايير العسكرية، حيث لم تتعرض إسرائيل لمثل هذه الضربة المؤلمة منذ تأسيسها ١٩٤٨ رغم أنها خاضت اربعة حروب كبيرة مع الدول العربية خلال هذه الفترة ١٩٤٨، ١٩٥٦ ١٩٧٣،١٩٦٧ وعدة حروب مع المنظمات الفلسطينية وحزب الله، والأهم من كل ذلك هو إسقاط مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر في عيون المجتمع الإسرائيلي، وهذا ما يتطلب من إسرائيل القيام بعمليات عسكرية ضخمة حتى تتمكن من استعادة هذه الهيبة والثقة.
يتابع عليكو: «العلاقة بين حماس وإيران علاقة مرحلية وليست استراتيجية تعتمد على المنفعة المتبادلة، لأن منظمة حماس تعتبر تنظيم إسلامي سني ويعتبر احد أفرع تنظيم الإخوان المسلمين العالمي وولائها لتركيا وقطر أكثر منها لإيران، لذلك تستغل إيران الورقة الفلسطينية من خلال حماس، كما أن حماس بحاجة إلى دعم إيران في المجال العسكري لتقوية موقعها على الساحة الفلسطينية والطرفان متفقان على رفض المشروع العربي بحل الدولتين للصراع العربي /الإسرائيلي، وكذلك في مواجهة التطبيع العربي مع إسرائيل، ومن هنا لا أستبعد دفع إيران لحماس للقيام بهذه العملية بغية خلط الأوراق وافشال التفاهمات التي نوهنا لها بين الدول العربية وإسرائيل، دون أن تورط نفسها في حرب مع إسرائيل وأمريكا.
اما قطر وتركيا فسيبقيان داعمين لحماس في الجوانب السياسية والمادية والاعلامية ويطرحون أنفسهم كوسطاء لإنهاء الحرب.
اما دول الخليج ومصر فإنهم يدركون اللعبة جيدا من جانب إيران، لذلك لن يتورطوا في حرب مع إسرائيل وسيبقى موقفهم داعما للقضية الفلسطينية عبر منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ومشروع حلّ الدولتين».
يضيف عليكو: «إذا لم تتوسع دائرة الحرب خارج قطاع غزة فلن تكون لها أيّة تداعيات على المنطقة وعلى سوريا تحديداٌ، لكن سيتعزز موقف الدول العربية في إطار حلّ الدولتين للقضية الفلسطينية لدى أمريكا وأوروبا وبالتالي قد نشهد انفراجاً باتجاه الحلّ الدائم، أمّا إذا خرج الصراع عن السيطرة إلى خارج غزة وخاصة إلى لبنان والعراق، حينها ستمتد إلى اليمن وإيران أيضا لأن العلاقة بين هذه المنظمات وإيران علاقة عضوية عقائدية استراتيجية، وستتحول كل منطقة الشرق الأوسط إلى كتلة نار لا أحد يتوقع مداها ومدتها وتداعياتها وستتغير خرائط المنطقة حتما.
الشرق الأوسط وبداية مرحلة جديدة
تحدث السياسي، دكتور كاوا أزيزي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، هي عملية معقدة يتمخض عنها شرق أوسط جديد في طور الولادة. هناك مشاريع ضخمة لها طابع عالمي قادمة إلى المنطقة للحد من نمو وتطور الإرهاب والعصبيات الدينية والقومية. أو كما يقال وحسب بعض النظريات الرأسمالية، أنه ما بعد المجتمع الاشتراكي. ستبدأ مرحلة القوميات والطوائف والمكونات الأخرى المضطهدة في الشرق العالم ومنها الشرق الوسط، عملية تشبه إلى حد بعيد ما حدث في أوروبا الشرقية.
– سقوط الأنظمة الشيوعية الديكتاتورية. – دساتير ديمقراطية ومجتمعات مدنية تؤمن بالتعددية، واحترام حقوق الإنسان. – بناء أنظمة ديمقراطية منتخبة بشكل حر. – اقتصاد السوق الحر، ومجتمع متحرر من القيود.
اما فيما يخص الحرب في غزة، أنها بداية مرحلة جديدة في الشرق الاوسط، اعتقد انها آخر حروب إسرائيل مع العرب وفي نهاية الصراع الذي سيدوم طويلا، ستكون في النهاية اعتراف عربي وعالمي اجمع بدولة اليهود، كدولة طبيعية من دول الشرق الأوسط، مع إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ربما خارج أراضي دولة إسرائيل الحالية».
يتابع أزيزي: «نتيجة الحرب في غزة، والتي هي حرب بين محورين، المحور الغربي الديمقراطي متمثلا بإسرائيل ومحور شرقي واقليمي تتصدر حماس، الحشد الشعبي العراقي، الحوثيون وأنظمة إيران وتركيا وسوريا ومن خلفهم روسيا والصين. سيكون لهذا الحرب آثار كارثية، وستدخل المنطقة في عصر الفوضى الخلاقة (التدمير بعدها) بناء جديد.
بالنسبة لنا ككورد سنكون ضمن العملية بشكل قوي، لذا يتطلب لملمة البيت الكوردي والكوردستاني لنكون مهيئين مما هو قادم عظيم.
هذه الحرب، ربما نستطيع أن نسميها الحرب بالوكالة، إسرائيل ومن ورائها الناتو والغرب عموما، وحماس ومن ورائها إيران ومخالبها في الشرق الأوسط. اعتقد ان هذه الحرب ستغير الخارطة السياسية والجغرافية في المنطقة وستوجه ضربة قاضية وقاسية الى كل عملاء إيران في المنطقة (حماس، حزب الله، الحوثيين، الحشد الشعبي والفصائل الشيعية المتطرفة، ووضع حد لجور النظام السوري وإعادة إيران إلى داخل حدودها. ومن بعدها طوفان ديمقراطي حقيقي».
يعتقد أزيزي: «ان تركيا ستكون آخر حلقات التغيير كونها عضواً في الناتو ولها وزن كبير في توازن القوى في الشرق الأوسط.
هذه الحرب ستغير وجه المنطقة وسندخل عهداً جديداً بعد الحرب العالمية الثانية، وستأتي نهاية اتفاقية سايكس بيكو ولوزان وغيرها.
سوريا، لم يبق شيء على حاله ليدمّر، كونها أصبحت مدمرة تماماً، ولذلك لا بد من إيجاد حل دولي للقضية السورية، واحلال مرحلة السلام بين سوريا وإسرائيل، وتغيير في سوريا شبيه بالعراق ما بعد حرب ٢٠٠٣.
سوريا دولة محورية في الشرق الأوسط، وهي دولة مواجهة مع إسرائيل وتغذي التيارين القومي العربي والتطرف الإسلامي، والشعب في سورية نصفه مُهجّر والنصف الآخر يعيش في سجن كبير، والشعب السوري يستحق حياة حرة وديمقراطية ليتفرغ في البناء والمشاركة في ارساء قواعد السلام في الشرق الأوسط الجديد».
يؤكد أزيزي: «ان نهاية هذه الحرب ستكون بعد فترة طويلة، وستكون كل الفصائل والأنظمة المتطرفة قد تم محاسبتها بقسوة، وسيكون هناك حركات واحزاب وفصائل ودول قد شاركت في هذه الحرب، وستكون هناك آثار مدمرة، لذا اعتقد ان يكون هناك حلّ دولي كالحل في دولة يوغسلافيا السابقة حلّ مجمل القضايا حول إسرائيل في مؤتمر دولي تحدد بعض المبادئ لعدة دول ودساتير جديدة لها وحلول للعديد من القضايا الصعبة والمعقدة في المنطقة، ومنها أمن إسرائيل، حل القضية الكوردية، والقضية الفلسطينية».
اتساع المواجهة والاحتمالات المفتوحة
تحدث الكاتب، عبداللطيف موسى لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «يلاحظ كل متتبع للأحداث في المنطقة عمق الصراع على تنفيذ الاجندات المتمثلة بالتنافس على المصالح وتنفيذها بما يناسب سياسة التحالفات والمحاور العالمية في توسيع النفوذ والعولمة والحرب ما وراء الافق، وكما أن السياسات العالمية المستندة على الخطط والدراسات يمكن أن تمهد الأرضية والمناخ الحقيقي للسعي إلى أنشاء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يستند إلى تقسيم المنطقة ضمن الأهمية الجيوستراتجية التي تناسب المصالح الدولية في الصراع على النفوذ. إن استراتيجية التقسيم والمواجهة مما وراء الأفق التي وضع مبادئها (كيسنجر) المستشار السابق للرئيس الأمريكي في العمل على انتقال الولايات المتحدة من سياسة المواجهة العسكرية إلى المواجهة الاقتصادية والفكرية، ووضع الأولوية في تهيئة الارضية المناسبة من خلال أشاعه الفوضى، واستغلال حاجة الشعوب إلى الديمقراطية والتحرر من الديكتاتورية في مواجهة الاستبداد من قبل الأنظمة الشمولية، هذا الأمر الذي بدأ العالم يلامس جلياً الظروف المناسبة في تقسيم الشرق الأوسط. أن حرب الخليج والبقاء الدائم للقوات الأمريكية في العراق وهجمات الحادي عشر من أيلول التي غيرت منحى النظام العالمي في مواجهة الحركات المتطرفة من خلال مواجهة القاعدة وداعش في الشرق الأوسط، وظهور الربيع العربي من خلال استغلال أفكار الشباب الساعية إلى التغيير والتطلع إلى مستقبل مشرق متحضر أسوة بشعوب العالم في الخلاص من الظلم والديكتاتورية والجهل والتخلف المسيطر على أغلب الدول في الشرق الأوسط من قبل الأنظمة الحاكمة، وحالات الفوضى المتمثلة في الصراع على السلطة في الكثير من دول المنطقة والتي أحدثت الكثير من القتل والتهجير وتغير الديمغرافية.
وعلى الرغم من أن الصراع والخلاف الدائم بين كل من الولايات المتحدة وإيران في الكثير من الدول والأماكن ولكن ثمّة مصالح تجمعهما، يتمثل ذلك في الاتفاق الضمني بينهما في تسليم العراق إلى إيران عند خروج القوات الامريكية في عهد أوباما، وكذلك إنشاء المليشيات الولائية من أجل محاربة داعش من خلال عراب هذه الصفقة (ماغورك) المبعوث الخاص (لاوباما) في المنطقة، وهذا الاتفاق الضمني الذي عمل انتقال الكثير من الدول في الحكم المركزي والاعتماد على الدستور إلى حكم المليشيات واللادولة كما حدث في العراق وسورية ولبنان واليمن والكثير من الدول الأخرى، مما شاع حالة فوضى في المنطقة لتجعل من منطقة الشرق الأوسط متهيئة ومقبلة على الكثير من الاحتمالات عبر التقسيم وغير ذلك، وكما أن الصراع الروسي الأوكراني الذي بدأت المنطقة تلامس ارتداداته وخصوصاً في سورية ولتدخل إيران في هذا الصراع بقوة من خلال دعمها لروسيا، وكذلك الصراع الصيني الأمريكي والذي بدأت المنطقة تلامس التمدد الصيني في جعل نفسها كقوة كبيرة منافسة للولايات المتحدة من خلال السعي في أحداث تغيرات في المنطقة، والعمل على إيجاد بعض الحلول للأزمات التي تركتها الولايات المتحدة من دون الحلول في المنطقة.
يتابع موسى: «إن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي صراع قديم جديد منذ إنشاء دولة إسرائيل، وهذا الصراع الذي مر بكثير من المراحل خلال إتفاق أوسلو ووادي عربة وخطط إنشاء الدولتين على حدود 1967 وعاصمتها القدس، ولينتقل هذا الصراع الى أشكال جديدة من الصراع في التوجه نحو خدمة الأجندات الدولية والإقليمية يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني والاسرائيلي. ولتنتقل من أزمة شعوب أو إيجاد حلّ للمعاناة وحق الشعبين في العيش باستقرار إلى أزمة من أجل إدارة أزمات المنطقة مرهونة بالصراع الإقليمي والدولي.
لا يخفى على أي متتبع للأحداث في المنطقة بأن إيران بدأت تستغل هذه الأزمة من أجل تصدير أزمتها إلى الخارج، ولتجعل منها أزمة في المقايضة على كبرى طاولات القرار العالمي لما لإسرائيل من خصوصية تاريخية وسياسية واعتبارات اقتصادية وفكرية وايدلوجية عالمية لتدفع حزب الله إلى حروب وكالة في أعوام 2000 و 2006 في حرب مفتوحة مع إسرائيل، وكما أن النفوذ الكبير لإيران على حماس واستيلائها على قرارها السياسي والميداني والدعم الكبير لقادتها قد دفعت حماس إلى المبادرة في هذا الصراع منذ السابع من أكتوبر في تمثيل حقيقي للإرهاب العالمي واستغلال الماكينة الإعلامية في عرض مشاهد القتل والاغتصاب والاختطاف التي شابهت المكينة الإعلامية وآلة الإرهاب لداعش التي لن ينساها العالم، ولو أردنا الدخول في عمق هذه الأزمة وتبعيتها في خدمة استراتيجيات المحاور العالمية، برأي أن قرار الدفع بحماس إلى البدء في هذا الصراع لربما يكون قرار إيراني ذات خلفية روسية من أجل اشغال الولايات المتحدة واستنزافها بهذا الصراع على غرار توريط روسيا واستنزافها بالصراع مع اوكرانيا.
يضيف موسى: «طبعاً ستحاول الكثير من الدول الاستثمار في هذه الأزمة من خلال لعب أدوار سياسية وأدوار في تحرير الرهائن وأدوار خفية من خلال شتى اشكال الدعم والاستثمار في هذه الأزمة، فإن الدور الإيراني يبقى أقوى وذات فاعلية من الاستثمار في الأزمة من خلال الدعم الكبير لحماس الذي يتمثل في الدعم العسكري والعقائدي والمالي والسياسي وحتى مصادرة قرار وقف الحرب والاستثمار فيها بشكل أكبر من خلال التهديد بتوسيع الصراع ووحدة الجبهات والتفاوض على ورقة الاسرى وغيرها من الأمور التي تمكنها من المقايضة والابتزاز السياسي مع الويلات المتحدة، أما الدور التركي يقتصر على الدور السياسي من خلال دعم قادة حماس السياسي عبر محور الإخوان المسلمين والإسلام السياسي واستغلال القضية الفلسطينية للتأكيد على زعامتها للعالم الاسلامي في منافسة حقيقية للسعودية. برأي فان دور تركية سيقتصر على موضوع تحرير الرهائن والمشاركة في إدارة ملف ما بعد حرب غزة وأعمارها، أما أدوار الدول العربية والخليجية سيقتصر على الدور المعنوي لإرضاء واجبها الاخلاقي والقومي تجاه شعوبها التي تربطها بالشعب الفلسطيني معتقد الدين والقومية واللغة».
يردف موسى: «إن المنطقة بشكل عام وسوريا على وجه الخصوص مقبلة على كافة الاحتمالات فيما يخص تداعيات حرب إسرائيل وغزة من خلال مدى جدية إيران في الاستثمار بشكل أوسع في هذه الأزمة، على سبيل المثال القراءة في الموقف الإيراني يظهر لنا التدحرج في التصريحات المسؤولين الإيرانيين في بداية الحرب، حيث كان الموقف الإيراني صارما يتمثل في التهديد بوحدة الساحات ودخول كل المليشيات في الحرب والتهديد بالاجتياحات من كل دول (محور المقاومة)، والتهديد بإزالة إسرائيل من الوجود والتباهي بالنصر الذي حققته حماس والذي لم تجرأ أي دولة من القيام به، واستغلال هذا النصر والتسويق له، وكما بدأنا نتلمس التراجع الكبير في الموقف الإيراني في العمل على لعب دور الوساطة من أجل تحرير الرهائن ومدى استثمارها في الازمة بدأ يقل. النظام السوري أيضاُ فهم الرسالة الأمريكية عبر وزير الخارجية الإماراتي الذي التقى الاسد ونقل رسائل إسرائيل وأمريكا في الأيام الأولى من بداية الأزمة بأن مشاركته في هذه الأزمة لصالح إيران ستكون نهاية حكمه والبدء بتغير نظامه، وكما أن إيران لن تغامر في نهاية منظومة حزب الله على شاكلة حماس لتفقد أهم أركان مشروعها في المنطقة، وكذلك زيارة بلينكن وزير خارجية أمريكا إلى العراق فقد سلّم السوداني جدية الولايات المتحدة في إنهاء حكومته والضرب بكل قوة المليشيات العراقية، لذا على الحكومة العراقية مسؤولية ضبط ميليشياتها، في الوقت الحالي برأي هنالك تفاهم أمريكي إيراني على ضبط إيقاع الحرب في غزة وعدم توسيع الحرب، لذا فإن احتمالية حدوث تغييرات في المنطقة وسورية على وجه الأخص ليس كبيراً، أما في الوقت الحالي ستبقى المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل الاستثمار الأكبر لكل من الصين روسيا وإيران في حرب غزة من أجل إبطاء المشاريع الأميركية في تقسيم المنقطة».
أخيراً:
المنطقة أمام خلط جديد للأوراق مغاير لِما كان في السابق، قد تتولّد خطوط جديدة وتختفي أخرى ستكون بداية مئوية قادمة على غرار مئوية لوزان ولكن وفق رؤى وأفق مصلحية دولية جديدة.