حيدر عمر
نفْيُ القيادي في المجلس الوطني الكردي عبد الله گدو في برنامج للنافذة الاكترونية ” پيڤ تي. ڤي” مساء الاثنين أو الثلاثاء 6 أو 7. 11. 2023. وجود مستوطنات بنتها جمعيات الإخوان المسلمين في قطر والكويت وباكستان وعرب 48 الفلسطينيين في إسرائيل وائتلافه الوطني السوري المعارض برعاية الدولة التركية ومخابراتها وجيشها على مرأى من قادة المجلس الوطني الكردي في منطقة جبل الكرد / عفرين بهدف إجراء تغيير ديموغرافي في هذه المنطقة. في الحقيقة أثار هذا النفي لديَّ، وربما لدى غيري، أسئلة حول آفاق تفكير هؤلاء ممن يعتبرون أنفسهم قادة الكرد، وحول الغاية من وجودهم أعضاء في الائتلاف.
هذا الرجل لم يكتفِ بنفي وجود المستوطنات في منطقة عفرين، بل نراه بين حين وآخر، ينفي هو وبعض زملائه من قاد المجلس الوطني الكردي وجود انتهاكات تمارسها الفصائل الإسلامية الراديكالية الإرهابية المرتبطة بائتلافهم ضد سكان جبل الكرد. وأكثر من يردِّد ذلك بالإضافة إلى عبد الله گدو هما القياديان الآخران نوري بريمو ابن عفرين العاق، والدكتور عبد الحكيم بشار، مما يجعل المتابع يتساءل ماذا حلَّ ببصر هؤلاء وبصيرتهم كي يتعامَوْا عن الأطماع التركية في المناطق الكردية، وخاصة منطقة جبل الكرد التي لها خصوصية في الفكر الطوراني التركي، ليس اليوم، بل منذ قَرن من الزمن.
منطقة جبل الكرد كانت سابقاً واسعة ومترامية الأطراف وتشمل مدينة “ديلوك / عنتاب وكلّس والبلدات والقرى التابعة لهما أيام الدولة العثمانية. بعد سقوط هذه الدولة في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914- 1919) واستحداث دول على أنقاضها، منها سوريا تحت الانتداب الفرنسي، رُسِمت الحدود بينها وبين تركيا الحديثة بموجب اتفاق بين تركيا وسلطات الانتداب الفرنسي في 20. 10. 1921. قسَّم هذا الاتفاق منطقة جبل الكرد إلى قسمين، شمال خط الحدود وجنوبه، ضُمَّ الجزء الشمالي إلى الدولة التركية، والجزء الجنوبي إلى سوريا تحت الانتداب الفرنسي.
ولكن عين تركيا كانت منذ ذلك الوقت على القسم الجنوبي من المنطقة، وحاولت مراراً أن تضمَّه إلى جغرافيتها، ومن تلك المحاولات أنها أرسلت في ثلاثينيات القرن الماضي رجل مخابرات متخفياً في هيئة رجل دين باسم مستعار هو “إبراهيم خليل”. وقد نشط هذا الرجل حتى أصبح له مؤيدون عُرِفوا بصفة “مُريدين”، وكانت غايته أن يعمل على تهيئة سكان المنطقة للإدلاء بأصواتهم لصالح الانضمام إلى تركيا إذا جرى استفتاء في المنطقة. كما أرسلت تركيا عدداً كثيراً من القبعات التركية التي يعتمرها الأتراك إلى المنطقة ليعتمرها المواطنون الكرد. وكان الهدف من ذلك تهيئة الناس للإندماج في الثقافة التركية ،ولكن السكان رفضوا ارتداء تلك القبعات وأحرقوها.
مظاهر تتريك منطقة جبل الكرد/ عفرين:
لم تنجح محاولات رجل المخابرات التركي “إبراهيم خليل” ولا محاولة تركيا عبر نشر ثقافتها في منطقة جبل الكرد، ولكنها لم تيأس، واحتفظت بهذه الرغبة في إحدى زوايا فكرها الطوراني إلى أن سُنِحَت لها الفرصة في خضم الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ عام 2011، التي فتحت الطريق أمامها لاحتلال بعض المناطق السورية، بما فيها مناطق كردية منها منطقة جبل الكرد / عفرين.
1.تعليق علم الدولة التركية على دار الحكومة في عفرين. منذ اليوم الأول لاحتلال عفرين في 18. 03. 2018 بدأت محاولات تتريكها، بأن علّق جيشها الغازي ومرتزقته من الفصائل الإسلامية الراديكالية الإرهابية المسلّحة التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض علم الدولة التركية على مبنى دار الحكومة في مدينة عفرين.
2.ربط المدارس بمديريات التربية والتعليم التركية وقوانيها. ربطت سلطات الاحتلال التركي مدارس المنطقة، وعددها 232 مدرسة (وهو عدد أقلُّ بكثير عما كانت عليه أعداد المدارس قبل الاحتلال التركي)، بالقوانين التركية وبمديريات التربية والتعليم التركية في ولايتَيْ كلّس و هتايْ، ويتم التعليم فيها باللغتين العربية والتركية، وهما لغتان أساسيتان، بينما اللغة الكردية ليست إجبارية كاللغتين السابقتين. وأخطر ما تواجهه العملية التعليمة الآن هو قلة المعلمين الأكُفَّاء والمختصين، وسيطرة القوات العسكرية التركية على بعض المدارس، وتحويلها إلى مقرات عسكرية. وإمعاناً في التتريك في العلن علَّقت سلطات الاحتلال صور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على واجهات المدارس.
3.افتتاح معهد تعليم اللغة التركية. افتتحت سلطات الاحتلال فرعاً لمعهد “يونس أَمْرَة” في مدينة عفرين لتعليم اللغة التركية، وهو مؤسسة حكومية تركية، تُعرَف فروعها خارج تركيا بالمركز الثقافي التركي. وقال رئيس المعهد: “هدفنا هو تعليم 300 ألف طفل اللغةَ التركية في المنطقة استمراراً لنشر الثقافة التركية وتعليم اللغة التركية”. وسيتلو ذلك افتتاح فرع آخر في مدينة جنديرس. يبدو في هذا الكلام إصرار الدولة التركية على تتريك المنطقة عبر نشر تقافتها فيها وفي غيرها من المناطق السورية التي تحتلها تركيا.
4. الخدمات. ألغت تركيا التعامل بالليرة السورية، واستبدلتها بالليرة التركية، وغيَّرت أسماء القرى والطرق والمستشفيات إلى أسماء تركيا، فمثلاً اسم ميدان الحرية صار”أتاتورك” واسم دوَّار النَّوروز صار” صلاح الدين”، واسم دوار كاوا صار”غصن الزيتون”.وتدار خدمات الصحة والتعليم والبريد والصرافة والكهرباء والمياه والهاتف بواسطة مسؤولين وموظفين أتراك، يتم تعيينهم من قِبَل والي هتاي التركي. الصورة: مكتب البريد التركي في مدينة عفرين.
5. إصدار هوية شخصية. ألغت سلطات الاحتلال التركي الهوية الشخصية السورية في منطقة جبل الكرد/ عفرين، واستبدلتها بهوية أخرى عليها كتابة باللغتين العربية والتركية.
6. الاعتداء على الرموز الثقافية لمحو الثقافة الكردية. الصورة أدناه تمثال كاوا قبل وبعد الاحتلال التركي. كاوا الحداد يحتل مكانة عالية في الثقافة الكردية، لأنه، كما هو معروف، الشخصية الرئيسية في الأسطورة الكردية وفي عيد النَوْروز، وهو الذي أحرق قصر الملك المستبد “پـيوَراسْپْ”، ورفع راية الثورة ضده، فأصبح رمزاً للحرية والتحرر في الثقافة الكردية.
7. الاعتداء على المواقع الأثرية. دمَّرت الميليشيات الإسلامية الراديكالية عشرات المواقع الأثرية من أجل السرقة، و بحثاً عن أموا ل قد تكون مدفونة فيها. الصورة لموقع عيندارا الأثري قبل وبعد الاحتلال.
8. التوطين والتغيير الديموغرافي. أقدمت سلطات الاحتلال التركي والائتلاف السوري المعارض المواطنين السوريين من مدن غوطة دمشق وحمص وحماة وديرالزور وغيرها من المدن السورية، ووطَّنهم في قرى وبلدات جبل الكرد ومدينة عفرين. علماً أن هذه المدن تبعد عن جبل الكرد حوالي 250 إلى 450 كم. واستولوا على أراضي الكرد، وبمساعدة الدولة التركية وجمعيات الإخوان المسلمين في تركيا وقطر والكويت وباكستان والفلسطينيين عرب 48 في إسرائيل تم بناء 23 مستوطنةعلى تلك الأراضي المنتزعة من أصحابها بالقوة الغاشمة لإسكان أولئك المثسْتَقْدَمين واللاجئين السوريين الموجودين في تركيا فيها. فيما يلي صور بعض تلك المستوطنات.
أ. افتتاح قرية كويت الرحمة.
ب.افتتاح قرية “الزعيم” الاستيطانية النموذجية قرب قرية “دير بلوط” التابعة لناحية جنديرس في 28. 09. 2022.
ج. أنشأت دولة الاحتلال التركي بدعم وتمويل مما تسمى جمعية الهيئة العالمية للإغاثة والتنمية “أنصر” التركية مستوطنة بالقرب من مدينة عفرين المحتلة. الصورتان هما المستوطنة وشعار الجمعية.
د. العقيد القطري مبارك شريدة الكعبي افتتح مستوطَنَة بنتها دولة قطر في ناحية شيخ الحديد / شية. في الصورة يظهر العقيد القطري وهو يتحدّث مع محمد الجاسم قائد فرقة العمشات الإسلامية الراديكالية الإرهابية، التي تحكم ناحية شيخ الحديد.
هذا غيض من فيض من مظاهر التتريك والتغيير الديموغرافي الجاريين في منطقة جبل الكرد / عفرين، وهي حقائق واضحة وماثلة لكل ذي بصر وبصيرة، ولكن السياسي الألمعي عبد الله گدو ورهطه في قيادة المجلس الوطني الكردي ينفون كل ذلك. كيف لسياسي “لا يكذب” كما قال، ولا يرى كل هذه المظاهر؟!.
قال عبد الله گدو في رسالة سابقة نشرها له موقع “رابطة الكرد المستقلين”، قال:”أنا لا أغرِّد خارج الائتلاف” وهو يعني ائتلافه المعارض.
نعم لا تغرِّد خارج الائتلاف أيها السياسي الألمعي، وجملتك السابقة تؤكِّد صدق كلامك، نعم الصدق فقط مع ائتلافك الذي يتلذَّذ بالعظام التي يرميها له أردوغان ومخابراته. .
ألمانيا / هانوفر 21. 11. 2023