شاهين أحمد
لا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن الإعلام الكوردي في سوريا مازال متخلفاً عن دوره المطلوب نتيجة بقائه في مستنقع الصراع الحزبي ، وذلك بالرغم من وجود بعض القنوات التلفزيونية الفيسبوكية ،وعدد من محطات الراديو وعشرات الصحف والمواقع والصفحات على المساحة الافتراضية إلا أنه (الإعلام الكوردي) لم يرتق لمستوى المرحلة وأحداثها، وفشل في نقل صور وحجم المعاناة، ومازال غير قادر على القيام بدوره وكشفه مخططات التآمر والإنكار ضد شعبنا وقضيته العادلة وبقي محدوداً في تأثيره على الشارع الوطني السوري. والسؤال هنا من يتحمل مسؤولية ضعف المؤسسات الإعلامية، وماالمطلوب كي يقوم الإعلام بدوره الفاعل ؟.
بداية علينا أن ندرك بأن العاملين في حقول الإعلام الكوردي يتحملون أعباء مضاعفة ومشقات كبيرة تتعلق في جانب منها بسوء تقدير الإمكانات المادية المخصصة ومساحة التحرك والعمل ، وبإستهدافهم من جهات معادية وبوجود إمبراطوريات إعلامية معادية ومضللة، ومستوى الوعي المجتمعي، وبكيفية إيصال المعلومة الصحيحة الى الشارع لتصحيح الصورة المشوهة المتكونة لدى الرأي العام، ومايفرضه هذا الواقع المعقد. على جميع المعنيين أن يدركوا تماماً بأن الإعلام بات اليوم السلاح الأشد تأثيراً في الميدان الجماهيري، ومفعوله لايقل عن الأسلحة المستخدمة في المعارك العسكرية، وخاصة بالنسبة للأمم المستضعفة كأمتنا. وبالتالي إدراك أهمية استثمار الإعلام وتنظيمه وتوجيهه في سبيل الدفاع عن قضيتنا القومية وقضايانا الوطنية، وحقوق شعبنا المشروعة ، من خلال إبراز عدالة قضيتنا ، وحجم المظالم التي يتعرض لها شعبنا ، وتعريف الرأي العام العالمي بماجرى ويجري بحقنا. ومن جهة أخرى فإنه عن طريق الإعلام نستطيع بيان سلمية مشروعنا ومشروعية حقوقنا، وبأن حل قضية شعبنا حلاً عادلاً سيشكل عامل سلام واستقرار وازدهار لمنطقتنا . بمعنى أن الإعلام الكوردي يجب أن يلعب دوراً في قطع الطريق على الإعلام المضلل، ومنع إنتشار الكراهية ، ونشر ثقافة السلام والتعايش والشراكة والتوافق وقبول الآخر المختلف بين شعوب المنطقة . وهذا يتطلب منا أن نخاطب الشعوب التي نتعايش معها بلغاتها، ومن خلال برامج مدروسة. وأن ندرك بأهمية تعبئة المجتمعات وتحريك القوى الحية فيها بناءً على تلك التعبئة، لأن المجتمعات تتم تغذيتها فكرياً ومن ثم تتم تمكينها وتحريكها لتحقيق الأهداف، والوسائل التي من خلالها تتم هذه العملية هي أدوات الإعلام المختلفة .وعندما نقول الإعلام نقصد بذلك كافة الكوادر العاملة في هذا المجال والحوامل والوسائل والأدوات من صحف ومجلات والنشرات الأخبارية المختلفة عبر القنوات التلفزيونية والراديو بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية ومختلف المسارات الافتراضية الأخرى. ومن خلال كل تلك الوسائل تتم مخاطبة الجمهور وفق برامج مخططة ومدروسة وهادفة للوصول إلى إقناع الشعب من خلال وضعه في الصورة الحقيقية، وضمان ولائه ،والدخول في وجدانه وعقوله، وبالتالي غاية الإعلام من تهيئة وتثقيف الجمهور وتأهيله هي ضبط مسار تفاعله مع الأحداث بما يحقق الأهداف والبرامج الموضوعة . وبما أن وسائل الإعلام المذكورة تعتبر الأدوات الأساسية التي بها ومن خلالها تتم مخاطبة الجماهير والتأثير عليها، لذلك تعتبر هامة وخطيرة بنفس الوقت ،لذلك نلاحظ اليوم أن السلطات والمؤسسات الحاكمة والأحزاب التي تطمح للوصول إلى الحكم تلجأ دائماً إلى الإعلام، وتحاول امتلاك وسائل إعلام قوية ومتنوعة ومؤثرة ، أما المجتمعات المتخلفة والضعيفة التي لاتستوعب الدور الهام للإعلام ومنابره تبقى عرضة للإعلام المعادي ، وتتفاعل وتجري خلف الدعايات والأكاذيب التي تطلقها المنابر الإعلامية المعادية. ومن جهة أخرى فإن التقنيات الحديثة والشبكة الالكترونية شبه المجانية أتاحت فرصة كبيرة ومساحة جيدة أمام نخب الشعوب المضطَهدة التي ترزح تحت نير أنظمة الاستبداد للتعبير عن رأيها وإيصال صور معاناتها للرأي العام خارج إرادة وسطوة الأجهزة القمعية، بحيث أصبحت مواقع ومنابر التواصل مساراً لصوتها، فيما إذا كانت نخبها منظمة وواعية وتجيد استخدام تلك المنابر بشكل منظم ، وتوجه شعوبها نحو البناء والتنمية والتمكين وبالتالي القرار . وربما هناك عامل سلبي آخر يضاف إلى أسباب ضعفنا الإعلامي ، ويتجسد في غياب معايير النشر على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والتي أدت إلى خلق مجال واسع للفوضى القاتلة التي تحولت إلى غول يبتلع الالتزام والانضباط وكل ماهو مفيد، وبكل أسف ماهو شعبوي ومضلل وكاذب يحظى باهتمام الشريحة الأوسع في مجتمعاتنا،لا بل يحتكر المساحة الأكبر في الإعلام والأخبار وجيوش من المغرر بهم والمسيرين من غرف التضليل باتوا يتزاحمون على المساحة الافتراضية ويحتلون الجزء الأكبر منها بهدف تسويق الأكاذيب والتضييق على كل ماهو مفيد . سابقاً كانت الدول الاستعمارية تحتل الأمم المستضعفة عبر جيوشها وبقوة السلاح, وفي الوقت الحاضر غيرت تلك الدول من أساليبها في فرض نفسها على شعوبنا من خلال وسائل الإعلام المختلفة , لأنها توصلت إلى قناعة تامة بأن هناك وسائل أخرى تؤدي نفس الوظيفة وبكلفة مادية أقل بكثير من الحروب وكلفة بشرية تكاد لاتذكر مقارنة بالحجم الكبير للضحايا سابقاً. والاستراتيجية الجديدة لهذه الدول تعتمد على الإعلام المركز والهادف بعد دراسة وفهم مجتمعاتنا وخصائصها النفسية من خلال خبرائها لتحديد نوعية البرامج والأفكار المطلوبة بثها عبر وسائل الإعلام ، وتوجيه تلك الوسائل نحو مساحة محددة، تستهدف الصغار والكبار، من خلال الأفلام والرسوم المتحركة التي تشد انتباه الصغار وتجذبهم، وكذلك من خلال برامج وأفلام تستقطب الكبار ، هذه العملية الممنهجة عبر الإعلام المعادي جعلت من شعوبنا أسرى لدى هؤلاء من خلال تلك المنظومات الإعلامية. وبما أن وظيفة وسائل الإعلام هي إيصال المعلومة إلى المتلقي، وبما أن المتلقي في واقعنا الكوردي السوري بشكل عام يحتاج إلى تزويده باستمرار بالمعلومة الصحيحة، وتصحيح مايصله من معلومات مشوهة ومزورة وقطع الطريق على تلك السموم التي تستهدف أبناء شعبنا لذلك لابد لنا من إيجاد وسائل إعلامية متنوعة كبدائل لتلك الوسائل المضللة، ونقف على مخاطر وأهمية هذا الموضوع وندرس بصورة جدية كيفية إيجاد تلك البدائل وإعداد البرامج المطلوبة. وهنا من الأهمية الإشارة إلى أنه بالرغم من أن الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والفضائيات أثرت بشكل كبير على الإعلام الورقي المطبوع وكذلك الراديوي ، لكن علينا أن ندرك بأن هناك شريحة لايستهان بها مازالت تفضل الإعلام الورقي المطبوع وكذلك الراديوي، مما يعني بأنه علينا أن نتفهم هذه الحاجات بشكل كامل . وبما أن اليوم لانستطيع أن نمنع أحد من الاستماع ومشاهدة الوسائل المختلفة لذلك علينا أن ندرك بأن الإعلام هو أنت إن كنت شخصاً أوحزباً أو مؤسسة أو إطاراً أو حكومة ….إلخ أمام الشعب ، أنت من خلال الإعلام تقدم نفسك وبرامجك وخدماتك للمتلقي . بمعنى إذا كان إعلامك ضعيفاً فعليك أن تدرك بأنك ضعيف في نظر الشعب، وإذا كان الخصم أو العدو قوياً في نظر شعبك ، ويحاول أن يشوه صورتك في نظره يعني أن مهمتك تتضاعف ، من هنا علينا التحرك واستيعاب مدى خطورة فقداننا لإعلام قوي ومدافع عن صدق نوايانا وعدالة قضيتنا. يجب أن نضع الشعب في صورة مايجري حوله باستمرار، وما يواجهه من مخاطر، ومدى التزوير الذي يغلف على شكل صور جميلة ويقدم له بغية تضليله ، ومدى حرصنا عليه وعلى حقوقه، ومدى قدرتنا على إشباع رغباته لكي يتجنب الإعلام المعادي والمضلل الذي يستهدفه. لأن الإعلام الذي يمثلك في كل بيت من خلال تلك الوسائل يجعل الفرد وكذلك المجتمع مع مرور الزمن جاهزاً لتلقي إشارة التحرك حيث تريد إذا كنت متمكناً وواعياً لأهمية دور هذه السلطة التي كانت تسمى السلطة الرابعة ، واليوم تسمى صاحبة الجلالة لما لها من دور وأهمية .
ومنذ أواسط ثمانينات القرن العشرين وحتى اليوم يشهد الإعلام طفرةً كبيرة ومستمرة في كل مايتعلق به، سواءً مايتعلق بالمعلومات، أو بالأدوات والتجهيزات، وكذلك بالبرامج والتطبيقات . حيث كنا في الواقع الكوردي نعتمد في الحصول على المعلومة من مصادر سرية وممنوعة وورقية بدائية متواضعة جداً في شكلها ومضامينها، وكانت تقتصر في معظمها على الأخبار مع قسط بسيط من المعلومات في غياب تام للجانب التسويقي وكل ما له علاقة باستقطاب المتلقي ، وغياب شبه تام بمايتعلق بالثقافة الشعبية مع جل تقديرنا للجنود المجهولين الذين كانوا يحاولون إيصال المعلومة الصحيحة إلى شعبنا في ظل تلك الظروف القاسية جداً. ومع التقدم التكنولوجي الكبير وثورة المعلومات وانتشار الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ،وحصول انفراجات نسبية في هوامش حرية الرأي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وخروج المعلومة من دائرة الاحتكار وإمكانية التعبير خارج المساحات التي تحددها الأجهزة الأمنية للأنظمة الاستبدادية التي تتحكم بشعوب المنطقة، تنفست النخب الواعية لشعوب المنطقة بشكل عام وتلك المنتمية لشعبنا بصورة خاصة، وتوفرت مساحات مقبولة من حرية التعبير وخاصة تلك المتاحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية المختلفة . ولكن مع التقدم الكبير دخلت الشعوب المضطَهدة ونخبها في إشكالية جديدة تتعلق ببنية المعلومة نفسها، ولم تعد الطرق التقليدية في صياغة ونشر المعلومات قادرة على مجاراة تلك الهجمات المركزة الآتية من الاستعمار الجديد، والتي تجتاح باستمرارحواضن الأمم المستضعفة هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى بقي الفرق في الامكانات بين إعلامنا وإعلام الخصوم والأعداء، لا بل اتسعت الهوة أكثر لجهة التخصص والمنهجية والسرعة والاحترافية مما يستوجب التفكير بشكل جدي في مخاطر هذا الموضوع . والنقطة الأخرى التي مازالت غائبة تماماً عن أذهاننا وهي أن المعلومة تباع وتشترى مثل بقية السلع ، وتتفاوت تكاليفها حسب أهميتها وسبق توقيتها. وهنا يجد المهتم نفسه أمام جملة أسئلة تطرح نفسها : إلى أي حد نستطيع أن نشارك في هذا الصراع الكبير والخطير،ونأخذ موقعنا الطبيعي فيه، ونتمكن من الدفاع عن مصالح شعبنا، ونتفاعل من خلال العناصر الضرورية المطلوبة في حقول الإعلام والاتصال؟. إلى أي درجة لدينا الجرأة على الاعتراف بأن منظومتنا الإعلامية تحتاج إلى تغيير حقيقي في بنية وشكل ودور حواملها المكتوبة والمرئية والمسموعة ؟. بما أن التسويق سواءً كان تجارياً أو فكرياً أو ثقافياً أو سياسياً يتم عن طريق الإعلام، أين نحن من هذه الميزة الإعلامية التي عن طريقها سنقوم بتسويق مشروعنا؟. من يقوم بتصميم وكتابة الرسائل التي نريد أن نرسلها عبر حواملنا الإعلامية المتواضعة، ماذا يجب أن تحمل تلك الرسائل ومتى يجب أن توجه وكيف، وماهو الحامل المناسب لكل رسالة ؟. هل قاعدة الإعلام المحايد تتناسب مع أوضاع مجتمعاتنا التي عانت من الاستبداد والشمولية لعقود؟. إلى اي درجة يقوم إعلامنا بدور التنمية في أوساط حواضننا الشعبية ؟.
يتبع …..